قبل أن يتدارك الموت محمد شكري، و في سباق له مع الزمن ، و تحديا منه للمرض الخبيث الذي داهمه وهو في أوج إبداعه و مجده الأدبي، كان يسعى جادا إلى تحقيق بعض من أمانيه /أحلامه ، و من بينها أن يرى روايته الخبز الحافي قد تحولت إلى فيلم سينمائي و هو على قيد الحياة، و إخراج مؤسسة محمد شكري للثقافة إلى حيز الوجود، و ترجمة الخبز الحافي إلى اللغة الأمازيغية. و لكن ما مصير هذه الأحلام / الأماني بعد مضي أربع سنوات على وفاته ؟ علما أن أية أمنية من بين هذه الأماني لم تتحقق و هو على قيد الحياة .
تحويل رواية "الخبزالحافي" إلى فيلم.... حلم تحقق
من المعلوم أن تحويل "الخبز الحافي" إلى فيلم سينمائي تعثر عدة مرات مع العديد من المخرجين، لكن هذا المشروع تحقق بفضل الشركة الايطالية " ايسبس سنيميا توغرافيكا" ، التي تهتم بالإنتاج السينمائي على المستوى العالمي و التي أنتجت الشريط السينمائي الذي استوحى أحداثه من رواية الخبز الحافي، و لعل ما جعل هذه الشركة تركب مغامرة إنتاج الفيلم، هو تميز نص الرواية بكثافة درامية و المسار المتميز للكاتب العصامي محمد شكري، الذي تغلب على الأمية و التهميش. و قد تولى إخراج شريط الخبز الحافي المخرج الجزائري رشيد بلحاج الذي أخرج العديد من الأشرطة السينمائية التي تميزت بإبداعيتها و شهرتها العالمية، تم إنتاج الفيلم سنة 2004 . و شخصية محمد شكري في الفيلم تناوب على تشخيصها ثلاثة ممثلين مغاربة مقيمين بفرنسا في مراحل عمرية مختلفة مرحلة الطفولة و المراهقة و أداها الطفلان : بلال الحسين -10 سنوات- و فيصل الزغاي -14 سنة – و مرحلة الشباب تقمصها الممثل المقتدر و المحترف سعيد تغماوي، ثم تأتي مرحلة رابعة من حياة الأديب الراحل محمد شكري و التي لم ترد في الرواية لكن ذكاء المخرج و حنكته السينمائية جعلته يلتفت إلى هذه الفترة أي مرحلة الشيخوخة، و التي ليس باستطاعة أي ممثل أن يؤديها سوى محمد شكري، إذ ظهر في لقطة حية و هو يمسح شاهد أخيه عبد القادر الذي حكى في سيرته أنه انتهى مقتولا على يد أبيه ، و نعم ما فعل المخرج بإضافة مرحلة الشيخوخة إلى مضمون الفيلم، إذ بعد مرور ثلاثة أشهر على تصوير محمد شكري بالفيلم غادر الحياة إلى دار البقاء ، و إضافة تلك اللقطة إلى الفيلم جعلته يعد كوثيقة حية و فيلما يجمع بين التخييلي و التسجيلي و على امتداد الساعة و 36 دقيقة التي تمثل المدة الزمنية للفيلم، استطاع المخرج رشيد بلحاج تركيب السيرة الذاتية لمحمد شكري في قالب فني متميز نال إعجاب كل من شاهده ، و الجدير بالذكر أن الراحل محمد شكري ترك الحرية الكاملة للمخرج في أن يتصرف في الرواية بحرية تامة حينما خاطبه بمقولته المأثورة :- أنا كاتب قمت بمهمتي فكتبت، و أنت مخرج عليك أن تقوم بمهمتك فافعل ما تشاء - و مما يجدر تسجيله في هذا الصدد أنه لولا المغامرة التي أقدمت عليها الشركة الايطالية للإنتاج السينمائي و التحدي الذي رفعه المخرج الجزائري رشيد بلحاج و المتمثل في نقل " الخبز الحافي" إلى عالم الشاشة الفضية، لبقي حلم الراحل يراوح مكانه إلى يومنا هذا .
إخراج مؤسسة محمد شكري للثقافة إلى حيز الوجود...حلم يتعثر !!
كنا ولا زلنا في انتظار إحداث متحف/ مؤسسة تليق بأعمال وإبداع الراحل محمد شكري وقيمتها الأدبية مغربيا وعالميا ، ولكن للأسف الشديد غادر وزارة الثقافة الوزير الذي سبق له أن أعلن عن ميلاد مؤسسة محمد شكري مدينة أصيلة في صيف 2002 دون أن ترى النور والتي تعهدت بالحفاظ على تركة الأديب الراحل وجمعها في متحف يحمل اسمه ، بل وأعلن حتى على أعضاء مجلسها الإداري والذي كان من المفروض أن يتكون من المع المفكرين والأدباء المغاربة الآتية أسماءهم : محمد الأشعري- حسن اوريد – محمد برادة –حسن نجمي – وعبد الحميد عقار .
و حاليا ثريا جبران وزيرة الثقافة مدعوة إلى إخراج مؤسسة محمد شكري للثقافة إلى حيز الوجود، ونتمنى أن يكون مشروع المؤسسة من أولويات الملفات التي تنكب عليها السيدة الوزيرة ، ومدعوة أيضا للوقوف في وجه اللوبي العقاري الذي يسعى جاهدا لابتلاع المآثر والمواقع التاريخية والثقافية بمدينة طنجة، من بينها مسرح سرفانطيس والمعهد الموسيقي وإنقاذ الإرث الثقافي الذي يندثر أمام أعين الجميع ولا من يحرك ساكنا. فما على وزارة الثقافة ومجلس مدينة طنجة، إلا الإسراع بمباشرة مسطرة التقييد في حق المنقولات التي خلفها الراحل محمد شكري، لتقييدها ضمن المنقولات المدرجة في عداد الآثار في فهرس المنقولات، حتى يتسنى لها حق الشفعة المخولة للدولة ممثلة في جهازها القائم على الشأن الثقافي العام.
ومما يشفع لنا بالتقدم بهذه الملتمسات هو التأهيل الجديد والمنجزات التجارية والتجهيزات العمومية والسياحية الهائلة التي تعرفها مدينة طنجة، وخاصة وأنها مرشحة لتنظيم المعرض الدولي 2012 ، إلا أنها تحتاج إلى تأهيل آخر وهو التأهيل الثقافي باعتبارها واحدة من بين أهم المدن المتوسطية ، ولتاريخها الذي جعل منها مدينة التعايش الثقافي ورمزا للتسامح الديني و فضاء التقاء الثقافات بفعل الجغرافية التي جعلتها تنفتح على القارة العجوز وبوابة لولوج القارة السمراء، وتجمع بين بحرين وموطنا للأساطير وللغرائبي، وأيضا لكون الراحل محمد شكري كان أحسن سفير لها عبر بقاع العالم، لا بأوراق اعتماد رسمية بل بصيته الأدبي والإبداعي ولمكانته داخل الذاكرة الثقافية المغربية والعالمية وفي الأخير لابد من التساؤل الم يحن الوقت بعد لإخراج مشروع مؤسسة محمد شكري للثقافة من شرنقة الانتظار والتعثر إلى حيز الوجود؟ !
ترجمة "الخبز الحافي" إلى اللغة الأمازيغية ...الحلم المعتقل.
خلف الراحل محمد شكري، العديد من الأعمال الروائية والإبداعية، والتي لازالت موضع دراسات نقدية وترجمات إلى لغات كونية، بل ومجال اشتغال السينمائيين العالميين، ومن بين هذه الأعمال الروائية التي كتب لها الخلود عبر الشهرة التي حظيت بها في العالم، نجد رواية " الخبز الحافي" وكانت هذه الشهرة التي نالتها الرواية سببا في انتشارها منذ ولادتها سنة 1970 ، وبسبب مضمونها الجريء تم منعها من النشر والتداول بالمغرب ، لكن بفضل الطاهر بن جلون و بول بولز اللذين ترجماها إلى اللغتين الفرنسية والانجليزية، فرض الكتاب نفسه على المسؤولين المغاربة وعاد للنشر بالمغرب، مع بداية الألفية الثالثة، وبدأ حينذاك محمد شكري في إتمام ثلاثية سيرته الذاتية، التي لم يكن "الخبزالحافي" الا الجزء الأول منها، أما الجزء الثاني فهو " زمن الأخطاء" في حين أن "رواية وجوه " شكلت الجزء الثالث والتي ترجمت كلها إلى أكثر اللغات العالمية انتشارا، أما اللغة العربية فلم تقبلها إلا على مضض على حد تعبير الصحافي : لحسن وريغ وبعد أن حققت شهرتها خلف الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، ومع مطلع القرن الواحد والعشرين، دخلت الرواية المغربية منعطفا جديدا عندما وضع المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، في برنامج عمله ترجمة عدة أعمال أدبية لكتاب مغاربة أو مغاربيين كمحمد شكري ومحمد خير الدين وغيرهم، واختار من بين أعمال الكاتب الراحل محمد شكري "الخبز الحافي"، علما أن محمد شكري سبق له أن أشار انه امازيغي ولا مانع عنده أن تترجم روايته إلى الامازيغية .
وبمجرد الإعلان عن هذا القرار، حتى سارع فقهاء المصادرة والوصاية على العقل إلى الاعتراض وإشهار فزاعة الفيتو، مما أثار زوبعة على صفحات جرائدهم ، بدعوى أن ذلك العمل يشجع على الفاحشة وينشر الانحلال الخلقي ويدعو إلى عقوق الوالدين علما أن ذلك العمل الروائي ابعد عن هذه الاتهامات والمهاترات بعد السماء عن الأرض، في الوقت الذي نجد كتبا تراثية صفراء مليئة بالإباحية وبتصوير المشاهد الجنسية تملأ رفوف المكتبات والأسواق الشعبية والفضاءات المجاورة للمساجد، ولا من معترض ومن بين هذه الكتب : (الروض العاطر في نزهة الخاطر) و(رجوع الشيخ إلى صباه) واستشهادنا بهذه المطبوعات ليس دعوة إلى منعها من التداول بل هو محاولة في كشف نفاق دعاة الطهرانية وفقهاء المصادرة وتوحيد ما لا يوحد .
وبهذه الزوبعة تمكن فقهاء المصادرة من تعطيل اصدار " الخبز الحافي" باللغة الامازيغية ومما يؤكد لنا ذلك هو تأكيد الشاعر سعيد أقوضاض (وهو الشخص الموكول إليه أمر ترجمة الكتاب إلى الأمازيغية) في احد حواراته الصحفية على ان عملية ترجمة الكتاب الى الامازيغية تمت منذ ما يزيد عن سنتين وأودع النص الكامل للترجمة لدى المعهد الملكي للثقافة الامازيغية ، وورثة محمد شكري أكدوا بدورهم للصحافي : حسن وريغ أن لا اعتراض لهم على ترجمة الخبز الحافي الى الامازيغية والشرط الوحيد الذي اعلنوا عنه هو المطالبة باستفادتهم من حقوقهم التي يخولها لهم القانون، إذن لم يبق هناك أي مشجب يعلق عليه تعثر وتعطيل إصداره بالامازيغية ، اللهم إذا كان المعهد الملكي للثقافي للامازيغية قام برفع الراية البيضاء أمام زوبعة المتأسلمين المغاربة كما قال الصحافي حسن وريغ في إحدى مقالاته الصحفية .
الملف من إعداد : الحسين بوجدادي
منسق مجموعة ثاوسنا لتوثيق الموروث الثقافي
العروي إقليم الناظور