بأبشع صورة غادر الفريق الوطني كأس إفريقيا للأمم، بعد أن حكمت عليه هزيمته أمام غانا وكانت الثانية له في الدور الأول بأن ينحدر للرتبة الثالثة، وبالتالي يمكن منتخب غينيا المتعادل أمام ناميبيا من مرافقة النجوم السود لغانا إلى الدور الثاني··
بعد جولة ثانية كارثية، محبطة، لعبها الفريق الوطني مفرغا من كل إرادة لقهر العجز التكتيكي الذي كان عليه منذ مباراة غينيا، أيقننا أن ليس هؤلاء هم الأسود الذين يستطيعون ترويض الحظ ومعاكسة الظروف، وقهر المستحيل·
ليس هؤلاء هم اللاعبون وقد بلغوا حالة مرعبة من التشتت وعدم الثقة بالنفس، الذين بمقدورهم أن يقتربوا، مجرد الإقتراب من الأداء المعجز لكل وصف ولكل إستقراء، الأداء/المعجزة الذي نسطيع به أن نهزم منتخبا مثل غانا يلعب بروح المقاتل على شرفه وكبريائه وأحلامه··
قلت وتذكرون ذلك أن الفريق الوطني وهو يتنازل تحت ضغط هلوسة مدربه وارتباك بعض لاعبيه، عن النقاط الثلاث أمام غينيا يوم الخميس الماضي، قد اختار لغاية الأسف أصعب ما في الخيارات، أعقد وأعتى ما في الحلول، إختار لتأهله أن يهزم النجوم السود لغانا على أرضهم وبين جماهيرهم··
وقلت أن مع ما تمثله الكاف من حماية لمنتخب البلد المنظم، لضمان إرتقائه على الأقل إلى الدور الثاني، فإن الفريق الوطني يحتاج كلاعبين إلى صحوة، بل وإلى سعار يستفز كل القوى من أجل تحقيق الفوز، ويحتاج كمدرب وكجهاز تقني إلى حكمة تقنية وتكتيكية، تبرع في قراءة كل السيناريوهات، وتختار للمباراة الأفضل والأنجع·
وشعرنا أول عشرين دقيقة، حتى في ظل ما لجأ إليه المدرب هنري ميشيل من تغييرات وتحويرات، أن هناك بصيص أمل لتقمص دور المنتخب/المعجزة، إلا أنه مع توقيع إيسيان للهدف من سذاجة غريبة في بناء العمق الدفاعي وحتى في إعمال الرقابة داخل المنطقة، وما ثلا ذلك من فصول حزينة، باعثة على البكاء، وبخاصة ما أتحفتنا به العناصر الوطنية في الجولة الثانية من عجز وقهر وانسحاق أحسسنا أن ما كان في البداية، صورة خادعة، حلما من أحلام الكرى، حالة شاذة، حالة مسثناة من قاعدة كانت ماثلة للعيان، هي أن الفريق الوطني لم يكن يملك لا بشريا ولا تكتيكيا ولا نفسيا أي سلاح من أي نوع لإسقاط العملاق الغاني في عقر داره··
وكان مستفزا من البداية أن ينهار هنري ميشيل قبل لاعبيه، فتتداخل في رأسه الصور، وترتبك الملامح ويتوه عن رأس الخيط، ولا يأتي بعد كل مباراة إلا بما هو أفدح وأفظع، فما من منطق في كرة القدم، غير منطق النتائج الذي يختلف عن المنطق الوضعي، كان يعطي لهنري ميشيل الحق في أن يتلاعب بالفريق على هذا النحو، فلا يستقر على شاكلة ولا على تشكيلة، وقد قلت شخصيا أن هنري ميشيل وهو يفعل ذلك في مبارياته الودية الأربع، قد يكون قصد التمويه، في زمن أصبحت فيه المنتخبات الوطنية كتبا مفتوحة، ولكنني حذرت من أن ينعكس ذلك على القناعات·
وما بدا واضحا أن هنري ميشيل موه نفسه أكثر ما موه مدربين يعرفونه جيدا، يعرفون كيف يفكر، كيف يتدبر مبارياته، وما هي درجة إستيعابه لما يحدث أمامه·
إنكشف هنري ميشيل وتعرى أمام مواطنه روبير نوزاري مدرب غينيا، لم يفده ما فكر فيه بعد مباراة ناميبيا، فسقط في أخطاء تدبيرية فاضحة، وعاد أمام كلود لوروا الداهية مدرب غانا، فحاول الشيء ذاته، ولكنه في المرتين معا، هد البيت على رأسه وعلى رأس لاعبيه·
وقد لا يكون إختلاف متطرفين، إن إختلفنا مع هنري ميشيل في الذي قرأه وحدسه للمبارتين معا، ولكن الإختلاف الأعمق، الذي يسكن فينا المرارة، هو أن يكون هنري ميشيل، قد بلغ هذه الدرجة من العبثية في تدبير مرحلة عاتية وقاهرة، فيأتي الفريق الوطني لمباراة غانا، وبخاصة إلى جولتها الثانية بمثل تلك السماجة، بمثل ذلك الإنهيار، وبمثل ذلك القهر، لقد كان أسود الأطلس في ثالث مباراة لهم في حالة غيبوبة، ما أفقدهم وعيهم التكتيكي والفني والنفسي، ليس هو الخصم، مع ما يمثله فرديا وجماعيا من قوة رهيبة، ليس هو التحكيم الذي ما كان هناك أحد يضمن حياديته، ليس هو الملعب بما كان يغلي داخله وعلى جوانبه، ولكن ما أفقدهم وعيهم هو ما ارتكب من أخطاء في التدبير، وما كان عليه عمل المعد البدني الفرنسي، إذ كيف نقبل أن يصبح اللاعبون في النصف الأخير من الجولة الثانية في عداد المتوفين بدنيا·
ما هو محزن أن الفريق الوطني وما إستنزفه من أيام للتحضير، وما خاضه من مباريات ودية، وما أنفق عليه بسخاء في حله وترحاله، وما كانت عليه إقامته بغانا من رفاهية، ذهب إلا غانا ليلعب مباراة واحدة، هي مباراة ناميبيا، مباراة ربحها بحصة عريضة، ثم إنتهى كل شيء، لأن ما كان بعد ذلك طوفان، أحزان، مآسي وإصرار على عدم الإكثراث·
وقد كنا على إستعداد أن نقبل بالإقصاء إن جاوز قدراتنا وتحدى إرادتنا، إقصاء يأتي بعد مباريات ثلاث نلعبها بروح بطولية، بروح وطنية، بروح التحدي، ولا نستطيع أن نرد خلالها سوء الحظ، ولكن ما من شيء يفرض علينا أن نقبل إقصاء من هذا النوع، بهذه الطريقة، فما من أحد، حتى لو كان هنري ميشيل نفسه يغصبنا على أن نقبل بالخروج من كأس إفريقيا للأمم في غانا من دورها الأول، بذريعة أننا نهيء فريقا يستطيع أن يتأهل إلى كأس العالم·
منتهى الإستبلاد لعقول المغاربة، أن يتكرر مثل هذا الكلام من هنري ميشيل أو من أي عضو من أعضاء جامعة الكرة··
إقصاؤنا من الدور الأول لكأس إفريقيا للأمم، لن يخفف من كارثية فوزنا في أول مباراة على ناميبيا، إنه حالة عاكسة للتفكير وللتدبير، يجب أن نتعامل معه بمسؤولية، بوطنية، فما ينفق على هذا الفريق الوطني هو من مال الشعب، وما تحرق وتلهب وتقطع هي قلوب مغربية، ما عاد بالإمكان أن نسكت على هذا العبث، على هذا الضحك على الذقون·
إن السكوت عن الإقصاء تحت أي ذريعة هو جريمة في حق أنفسنا وفي حق مغربنا··