تقديــــــم
انطلاقا من كون قطاع التربية و التكوين أداة جد فعالة للحفاظ على المقومات الحضارية، اللغوية و الثقافية الوطنية، و في تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الفكرية للمجتمع فانه يحضى برعاية و متابعة فائقتين من لدن الجهات المعنية داخل المجتمعات خاصة المتقدمة ، و هي رعاية مبنية على الاستفادة من مقولات و نتائج علوم التربية و غيرها من العلوم ، كما تنبني على احترام خصوصيات الوسط السوسيوثقافي المحلي ، وعكس ذلك ففي بلادنا ارتكز قطاع التربية و التعليم منذ تأسيسه على مجموعة من الخلفيات الإيديولوجية النخبوية الضيقة التي تخدم مصالح جهات معينة ، كما أنها فوق كل اعتبار تتنافى مع الجوانب التربوية ، ذلك بحيث عمدت المدرسة في المغرب على الدوام على خلق مسافة أو قطيعة تامة بين بنية التعليم و بين الوسط السوسيوثقافي و اللغوي و التاريخي و الاقتصادي المغربي ، وفي المقابل عملت على إغراقه بتشكلات مستوردة من منظومات سوسيوثقافية و لغوية أجنبية و التي لم تدع أي فرصة لتشكلاتنا الذاتية الأصلية للظهور ، فعلى الرغم من أن الهوية المغربية بحكم التاريخ و الطوبونوميا و الاركولوجيا و الانتروبولوجيا و غيرها من العلوم الإنسانية هوية امازيغية افريقية مع أنها تحتضن مكونات أخرى استوعبتها على مدى الاحتكاكات التي عرفها سكان المغرب عبر تاريخهم، منها ما هو عربي ، وما هو غربي، و ما هو كوني إنساني عموما ، وهو الأمر الذي تجاهله مؤسسو القطاع التربوي في المغرب بحيث همشوا و أقصوا كل ما هو أساسي له صلة بالهوية المغربية الامازيغية بالرغم من أهميته الكبرى في التخطيط لحاضر و مستقبل الإنسان المغربي ، باعتبار أن البنيات الاكسيولوجية والانتروبولوجية و اللسنية و حتى السوسيولوجية الراسخة في أعماق الوجدان المغربي امازيغية ، إلا انه ثم تشويهها وتدميرها و استبدالها عن طريق ما يروج في القطاعات الحية الحساسة كالتعليم و الإعلام، و بالطبع فان لذلك اثر سلبي على الإنسان . فالطفل المغربي الامازيغي على الخصوص حينما يلتحق بالمدرسة يصطدم بواقع ثقافي و لغوي غريب عليه و مخالف لما يقع في محيطه العائلي و المجتمعي ، مما يقوده نحو الإحساس بوجود تباعد واختلاف واضح بين المحيطين العائلي المجتمعي و المدرسي ، و بالتالي فهو من جهة أولى ، إما انه سيرى أن ليس هناك أية أهمية لما اكتسبه من المدرسة لاستثماره في حياته اليومية، و إما انه من جهة ثانية سيكتشف أن هناك ما يمنعه من استثمار لغته و ثقافته الامازيغيتين داخل المجال المدرسي . و على ذكر اللغة فان الطفل المغربي سواء الناطق بالامازيغية أو بالدارجة المغربية يضطر إلى استيعاب لغات أخرى جديدة عليه برصيدها المعجمي و قواعدها النحوية و الصرفية و حمولتها الثقافية ، مما يفرض عليه بدل جهود كبيرة مضنية ***ق طاقته بدون شك ، و هكذا فان الطفل يمضي حياته الدراسية في محاولة اكتساب تلك اللغات و ***ته في المقابل فرصة امتلاك و اكتساب المعارف التي ذهب أصلا من اجلها إلى المدرسة ، و من هذا المنطلق جاءت دعوة العديد من الباحثين اللسنيين و التربويين إلى أن الأطفال حينما يلتحقون بالمدرسة فانه يجب أن يتلقوا معارفهم الأولى على الأقل بلغتهم ألام ، و هو الأمر الذي نادت به أيضا منظمة اليونسكو وحاولت فرض نهجه في العديد من دول العالم .
على أية حال ، فتلك الحالة الشاذة هي الواقعة لدينا في المغرب منذ أن تأسس فيه قطاع التعليم ، و هو الأمر الذي نتج عنه إضعاف كفاءات و طاقات الأجيال المتعلقة ، هذا ناهيك عن البينية الايديولوجية التي تأسست عليها المدرسة في المغرب و التي أترث في توجيه أفكارها و معارفها التي تلقنها للمتعلمين ، فكما نعلم فإنها تأسست على خلفيات سياسية ترسخ واقع الاستلاب و التبعية و بالتالي الفشل في إرساء دعائم المواطنة الحقيقية ، فمن اجل ذلك يلزم العمل الجاد على إيقاف مسلسل التعلق والترويج لما هو أجنبي دخيل من قيم و معارف وقضايا و خصوصيات وسلوكات ... و في المقابل إعطاء الأولوية لما هو وطني مغربي باعتباره الوحيد الذي يستطيع أن يحقق للمغاربة ذواتهم ويربطهم بأرضهم وبحضارتهم ، ومن اجل ذلك يجب مراجعة كافة البرامج التعليمية حتى تتلاءم مع وسطنا المغربي.
إذن فمن هذا المنطلق تأتي مشروعية تدريس الامازيغية و تفعيلها في كافة القطاعات العامة ذلك من اجل تحقيق مجموعة من الأهداف السامية التي تخدم المصلحة العامة للشعب المغربي من الناحية الاجتماعية و الاقتصادية والثقافية والفكرية . فاللغة الامازيغية لازالت حية مستميتة، فهي لازالت متداولة في نطاق شاسع مما جعلها لغة تواصلية بالدرجة الأولى داخل السوق اللغوية المغربية ، كما أنها لغة لرصيد كبير من الإبداعات في مختلف الأشكال الفنية والأدبية ، و كل ذلك يجعلها اللغة التي تختزن بامتياز الفكر و السلوكات المتداولة في الوسط المغربي ، و التي تعبر عن مشاعر وأحاسيس الإنسان المغربي ، ثم أفراحه و أحزانه وتصوراته حيال العالم الخارجي كالطبيعة و الواقع الاجتماعي و مستجدات الساحة الوطنية و الدولية و غيرها ،
إضافة إلى ذلك ، فانه نظرا لكونها مقصية و مهمشة ، فان هناك طرف منبثق من أعماق المجتمع المدني ، يسعى و يطالب بتسوية وضعية هذه اللغة و الثقافة ، بل أكثر من ذلك ، أصبحنا نسمع شعارات من قبيل أن القضية الامازيغية قضية وطنية تهم جميع مكونات الشعب المغربي .
هذا يعني أن الشعب المغربي يحق له أن يحافظ على لغته التي ستميزه عن باقي الشعوب ، فمن حقه أن يتمتع بها و يتداولها و يتواصل و يبدع بها بكل حرية ، و أن يدافع عنها و أن يصونها و يعمل على ترقيتها ، فهو حق تخوله له جميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان بحيث في هذا الصدد تعددت الاتفاقيات أو التقارير أو الإعلانات التي أصدرت أو وقعت و نذكر منها : الاتفاقية الدولية لمحاربة التمييز في مجال التعليم الموضوعة و المعتمدة من طرف منظمة اليونسكو سنة 1960 ، ثم تقرير المؤسسة الأممية نفسها الصادر سنة 1963 و الذي أتبث ضرورة اعتماد اللغة الأم الأصلية في تلقين المعرفة للأطفال ، ثم هناك المادة 15 من الاتفاقية الدولية بشان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية و السياسية و الثقافية ، و المادة 27 من الاتفاقية الدولية بشان الحقوق المدنية و السياسية الصادرة سنة 1966 ، وبعد ذلك نذكر اعلان ميكسيكو بشان الحقوق الثقافية لسنة 1982 ، ثم الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي اعتمدها الجمع العام لهيئة الأمم المتحدة في 20 نوفمبر1989 والتي توضح الحقوق التي يجب أن يتمتع بها كل طفل ، ومنها حق الأطفال المنتميين إلى المجموعات الأصلية في ثقافتهم و لغتهم الأصلية ، ثم جاء أيضا الإعلان العالمي حول التربية للجميع المنعقد ما بين 5 و 9 مارس 1990 بتايلاند و الذي أكد خاصة في المادة الخامسة على أهمية اللغة الأصلية في العملية التعليمية و على ضرورة احترام النظم اللغوية و الاجتماعية و الثقافية و الدينية للمجتمعات .
إذن فما وقع أن اللغة والثقافة الامازيغيتين رغم ثبوت مشروعيتهما فقد ظلا خارج المنظومة التربوية بالمغرب ، وأكثر من ذلك فان الجهات الرسمية لم تلتفت إلى هذا الأمر إلى حدود سنة 1994 حيث جاء الخطاب الملكي لعشرين غشت الذي دعى إلى إدخال الامازيغية إلى برامج التعليم ، لكن هذا الخطاب رغم انه جاء من أعلى هيئة في البلاد ،فانه ظل مسكوتا عنه مدة طويلة بسبب تقاعس الأحزاب اتجاه مسالة الامازيغية إلى أن جاء خطاب 30 يوليوز2001 الذي دعا إلى تفعيل الخطاب السابق ، و بعد ذلك و كنتيجة لظروف و حيثيات مختلفة أظطرت الجهات المعنية إلى الإعلان عن نيتها في إدماج الامازيغية في المنظومة التربوية في اقرب وقت ممكن ، لكن ما جاء في الميثاق حول هذه اللغة اقل ما يمكن القول عنه انه مشين و مسيء لها ، حيث حاول ترسيخ منطق الاستئناس والانفتاح و اللهجنة و الإنعاش .
وكمحاولة لتغيير ذلك الواقع المرفوض تم الإعلان عن إلغاء ما جاء في الميثاق حول الامازيغية بمقتضى تأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية الذي سيدخل كطرف في العملية ، حيث وقع اتفاقية شراكة مع وزارة التربية الوطنية لخوض أول تجربة لتدريس الامازيغية ابتداء من السنة الدراسية 2003 - 2004 ، في حوالي 315 مدرسة ابتدائية موزعة على مختلف جهات المغرب ، لكن الأمر الذي لا يمكن إنكاره و إخفاؤه هو انه بعد مرور السنة الأولى و دخول السنة الثانية من تجربة تدريس الامازيغية تأكد بالملموس و من واقع العملية أن المسالة ليست سوى مجرد مهزلة شابتها كثير من الأخطاء ، و بالتالي فالأمر في حقيقته ليس سوى محاولة لدر الرماد في العيون ، و الضحك على الذقون أو لإسكات الغضب الذي ولدته سنوات الإقصاء و التهميش ، وهذا الحكم سوف نعود لإبراز حيثياته حين نطلع على واقع العملية في الفصل الخاص بذلك .
إذن فمن اجل إبداء النية الصادقة و التناول الجدي للمسالة يتوجب إبداء رغبة في التخلي عن جميع التوجهات التي أساءت للهوية الوطنية و في المقابل إعادة إحياء النمط الاكسيولوجي و الانتروبولوجي و اللساني المغربي المبني على حب الأرض ، والاستعداد لصيانتها و لتسخيرها و التشبث بالقيم الأصلية و التحصن من جميع أنواع الغزو الثقافي ، هذا لا يعني محاولة الانغلاق و مقاطعة الآخر بقدر ما هي دعوة لضبط ذلك ، على أية حال نظن أن الخطوة الأولى نحو إبداء النية الحسنة هو بدل جهود لتمتيع هذه اللغة بالحماية القانونية عن طريق دسترتها ، ثم تأسيس معاهد مستقلة قادرة على تولي عملية جمع و توحيد اللغة ومعريتها ، و البحث في الثقافة الامازيغية في مختلف أبعادها، ووضع تصور واضح حول عملية الادماج و منهجية ملائمة ، وإنجاز الوسائل الضرورية وتكوين الأطر المخصصة لذلك ، و العمل على خلق شعب خاصة باللغة والأدب الامازيغيين داخل الجامعات و داخل مراكز تكوين المعلمين و المعلمات و غيرهما من المراكز و المعاهد مثل المعهد الوطني للأبحاث و الدراسات الإفريقية ، كما يلزم الاستفادة من التجارب السابقة سواء تلك التي خاضتها الجامعات الأوربية و الأمريكية اللاتينية أو التي خاضتها العديد من الجمعيات أو المؤسسات داخل المغرب .
كيفما كان الأمر إذن ، فقد تقرر رسميا انطلاق عملية تدريس الامازيغية ابتداء من السنة الدراسية 03 - 2004 بناءا على اتفاقية الشراكة الموقعة بين الوزارة و المعهد وتمت الإشارة إلى أن العملية ، أي تدريس الامازيغية ستتم وفق التوجهات و المبادئ و المنهجية التي سطرتها لجنة خاصة تدعى لجنة منهاج اللغة الامازيغية التي تشكلت قبل تأسيس المعهد ، مما يعني أن العملية تتم بناءا على ما جاء في الميثاق خاصة المادة 115 باعتبار انه مرفوض بمقتضى تأسيس المعهد ، إذن ففي الفصل الأول من هذا البحث سنعمل على ملامسة وضع أو موقع الامازيغية داخل الورش الإصلاحي الأخير ، وفي الفصل الثاني سنكشف فيه عن واقع إدماج الامازيغية من حيث التوجهات و المبادئ . من خلال بعض الوثائق و المذكرات ثم الخطوات العملية كاختيار وتكوين المدرسين و المفتشين ، و إنجاز الوسائل الديداكتيكية و غير ذلك من خلال الاستقراء الميداني ، و سنحاول استخلاص الأخطاء و التجاوزات و العراقيل و التي شهدتها العملية ، كل ذلك سنقوم بالتحقق منه عن طريق رصد ميداني لتجربة مدرسة تنتمي إلى العينة الأولى المختارة لتدريس الامازيغية ، و في الفصل الأخير سنتناول فيه الجوانب الديداكتيكية لتدريس الامازيغية من حيث الغايات والدواعي ثم المبادئ و الوسائل المعتمدة .
انطلاقا من كون قطاع التربية و التكوين أداة جد فعالة للحفاظ على المقومات الحضارية، اللغوية و الثقافية الوطنية، و في تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الفكرية للمجتمع فانه يحضى برعاية و متابعة فائقتين من لدن الجهات المعنية داخل المجتمعات خاصة المتقدمة ، و هي رعاية مبنية على الاستفادة من مقولات و نتائج علوم التربية و غيرها من العلوم ، كما تنبني على احترام خصوصيات الوسط السوسيوثقافي المحلي ، وعكس ذلك ففي بلادنا ارتكز قطاع التربية و التعليم منذ تأسيسه على مجموعة من الخلفيات الإيديولوجية النخبوية الضيقة التي تخدم مصالح جهات معينة ، كما أنها فوق كل اعتبار تتنافى مع الجوانب التربوية ، ذلك بحيث عمدت المدرسة في المغرب على الدوام على خلق مسافة أو قطيعة تامة بين بنية التعليم و بين الوسط السوسيوثقافي و اللغوي و التاريخي و الاقتصادي المغربي ، وفي المقابل عملت على إغراقه بتشكلات مستوردة من منظومات سوسيوثقافية و لغوية أجنبية و التي لم تدع أي فرصة لتشكلاتنا الذاتية الأصلية للظهور ، فعلى الرغم من أن الهوية المغربية بحكم التاريخ و الطوبونوميا و الاركولوجيا و الانتروبولوجيا و غيرها من العلوم الإنسانية هوية امازيغية افريقية مع أنها تحتضن مكونات أخرى استوعبتها على مدى الاحتكاكات التي عرفها سكان المغرب عبر تاريخهم، منها ما هو عربي ، وما هو غربي، و ما هو كوني إنساني عموما ، وهو الأمر الذي تجاهله مؤسسو القطاع التربوي في المغرب بحيث همشوا و أقصوا كل ما هو أساسي له صلة بالهوية المغربية الامازيغية بالرغم من أهميته الكبرى في التخطيط لحاضر و مستقبل الإنسان المغربي ، باعتبار أن البنيات الاكسيولوجية والانتروبولوجية و اللسنية و حتى السوسيولوجية الراسخة في أعماق الوجدان المغربي امازيغية ، إلا انه ثم تشويهها وتدميرها و استبدالها عن طريق ما يروج في القطاعات الحية الحساسة كالتعليم و الإعلام، و بالطبع فان لذلك اثر سلبي على الإنسان . فالطفل المغربي الامازيغي على الخصوص حينما يلتحق بالمدرسة يصطدم بواقع ثقافي و لغوي غريب عليه و مخالف لما يقع في محيطه العائلي و المجتمعي ، مما يقوده نحو الإحساس بوجود تباعد واختلاف واضح بين المحيطين العائلي المجتمعي و المدرسي ، و بالتالي فهو من جهة أولى ، إما انه سيرى أن ليس هناك أية أهمية لما اكتسبه من المدرسة لاستثماره في حياته اليومية، و إما انه من جهة ثانية سيكتشف أن هناك ما يمنعه من استثمار لغته و ثقافته الامازيغيتين داخل المجال المدرسي . و على ذكر اللغة فان الطفل المغربي سواء الناطق بالامازيغية أو بالدارجة المغربية يضطر إلى استيعاب لغات أخرى جديدة عليه برصيدها المعجمي و قواعدها النحوية و الصرفية و حمولتها الثقافية ، مما يفرض عليه بدل جهود كبيرة مضنية ***ق طاقته بدون شك ، و هكذا فان الطفل يمضي حياته الدراسية في محاولة اكتساب تلك اللغات و ***ته في المقابل فرصة امتلاك و اكتساب المعارف التي ذهب أصلا من اجلها إلى المدرسة ، و من هذا المنطلق جاءت دعوة العديد من الباحثين اللسنيين و التربويين إلى أن الأطفال حينما يلتحقون بالمدرسة فانه يجب أن يتلقوا معارفهم الأولى على الأقل بلغتهم ألام ، و هو الأمر الذي نادت به أيضا منظمة اليونسكو وحاولت فرض نهجه في العديد من دول العالم .
على أية حال ، فتلك الحالة الشاذة هي الواقعة لدينا في المغرب منذ أن تأسس فيه قطاع التعليم ، و هو الأمر الذي نتج عنه إضعاف كفاءات و طاقات الأجيال المتعلقة ، هذا ناهيك عن البينية الايديولوجية التي تأسست عليها المدرسة في المغرب و التي أترث في توجيه أفكارها و معارفها التي تلقنها للمتعلمين ، فكما نعلم فإنها تأسست على خلفيات سياسية ترسخ واقع الاستلاب و التبعية و بالتالي الفشل في إرساء دعائم المواطنة الحقيقية ، فمن اجل ذلك يلزم العمل الجاد على إيقاف مسلسل التعلق والترويج لما هو أجنبي دخيل من قيم و معارف وقضايا و خصوصيات وسلوكات ... و في المقابل إعطاء الأولوية لما هو وطني مغربي باعتباره الوحيد الذي يستطيع أن يحقق للمغاربة ذواتهم ويربطهم بأرضهم وبحضارتهم ، ومن اجل ذلك يجب مراجعة كافة البرامج التعليمية حتى تتلاءم مع وسطنا المغربي.
إذن فمن هذا المنطلق تأتي مشروعية تدريس الامازيغية و تفعيلها في كافة القطاعات العامة ذلك من اجل تحقيق مجموعة من الأهداف السامية التي تخدم المصلحة العامة للشعب المغربي من الناحية الاجتماعية و الاقتصادية والثقافية والفكرية . فاللغة الامازيغية لازالت حية مستميتة، فهي لازالت متداولة في نطاق شاسع مما جعلها لغة تواصلية بالدرجة الأولى داخل السوق اللغوية المغربية ، كما أنها لغة لرصيد كبير من الإبداعات في مختلف الأشكال الفنية والأدبية ، و كل ذلك يجعلها اللغة التي تختزن بامتياز الفكر و السلوكات المتداولة في الوسط المغربي ، و التي تعبر عن مشاعر وأحاسيس الإنسان المغربي ، ثم أفراحه و أحزانه وتصوراته حيال العالم الخارجي كالطبيعة و الواقع الاجتماعي و مستجدات الساحة الوطنية و الدولية و غيرها ،
إضافة إلى ذلك ، فانه نظرا لكونها مقصية و مهمشة ، فان هناك طرف منبثق من أعماق المجتمع المدني ، يسعى و يطالب بتسوية وضعية هذه اللغة و الثقافة ، بل أكثر من ذلك ، أصبحنا نسمع شعارات من قبيل أن القضية الامازيغية قضية وطنية تهم جميع مكونات الشعب المغربي .
هذا يعني أن الشعب المغربي يحق له أن يحافظ على لغته التي ستميزه عن باقي الشعوب ، فمن حقه أن يتمتع بها و يتداولها و يتواصل و يبدع بها بكل حرية ، و أن يدافع عنها و أن يصونها و يعمل على ترقيتها ، فهو حق تخوله له جميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان بحيث في هذا الصدد تعددت الاتفاقيات أو التقارير أو الإعلانات التي أصدرت أو وقعت و نذكر منها : الاتفاقية الدولية لمحاربة التمييز في مجال التعليم الموضوعة و المعتمدة من طرف منظمة اليونسكو سنة 1960 ، ثم تقرير المؤسسة الأممية نفسها الصادر سنة 1963 و الذي أتبث ضرورة اعتماد اللغة الأم الأصلية في تلقين المعرفة للأطفال ، ثم هناك المادة 15 من الاتفاقية الدولية بشان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية و السياسية و الثقافية ، و المادة 27 من الاتفاقية الدولية بشان الحقوق المدنية و السياسية الصادرة سنة 1966 ، وبعد ذلك نذكر اعلان ميكسيكو بشان الحقوق الثقافية لسنة 1982 ، ثم الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي اعتمدها الجمع العام لهيئة الأمم المتحدة في 20 نوفمبر1989 والتي توضح الحقوق التي يجب أن يتمتع بها كل طفل ، ومنها حق الأطفال المنتميين إلى المجموعات الأصلية في ثقافتهم و لغتهم الأصلية ، ثم جاء أيضا الإعلان العالمي حول التربية للجميع المنعقد ما بين 5 و 9 مارس 1990 بتايلاند و الذي أكد خاصة في المادة الخامسة على أهمية اللغة الأصلية في العملية التعليمية و على ضرورة احترام النظم اللغوية و الاجتماعية و الثقافية و الدينية للمجتمعات .
إذن فما وقع أن اللغة والثقافة الامازيغيتين رغم ثبوت مشروعيتهما فقد ظلا خارج المنظومة التربوية بالمغرب ، وأكثر من ذلك فان الجهات الرسمية لم تلتفت إلى هذا الأمر إلى حدود سنة 1994 حيث جاء الخطاب الملكي لعشرين غشت الذي دعى إلى إدخال الامازيغية إلى برامج التعليم ، لكن هذا الخطاب رغم انه جاء من أعلى هيئة في البلاد ،فانه ظل مسكوتا عنه مدة طويلة بسبب تقاعس الأحزاب اتجاه مسالة الامازيغية إلى أن جاء خطاب 30 يوليوز2001 الذي دعا إلى تفعيل الخطاب السابق ، و بعد ذلك و كنتيجة لظروف و حيثيات مختلفة أظطرت الجهات المعنية إلى الإعلان عن نيتها في إدماج الامازيغية في المنظومة التربوية في اقرب وقت ممكن ، لكن ما جاء في الميثاق حول هذه اللغة اقل ما يمكن القول عنه انه مشين و مسيء لها ، حيث حاول ترسيخ منطق الاستئناس والانفتاح و اللهجنة و الإنعاش .
وكمحاولة لتغيير ذلك الواقع المرفوض تم الإعلان عن إلغاء ما جاء في الميثاق حول الامازيغية بمقتضى تأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية الذي سيدخل كطرف في العملية ، حيث وقع اتفاقية شراكة مع وزارة التربية الوطنية لخوض أول تجربة لتدريس الامازيغية ابتداء من السنة الدراسية 2003 - 2004 ، في حوالي 315 مدرسة ابتدائية موزعة على مختلف جهات المغرب ، لكن الأمر الذي لا يمكن إنكاره و إخفاؤه هو انه بعد مرور السنة الأولى و دخول السنة الثانية من تجربة تدريس الامازيغية تأكد بالملموس و من واقع العملية أن المسالة ليست سوى مجرد مهزلة شابتها كثير من الأخطاء ، و بالتالي فالأمر في حقيقته ليس سوى محاولة لدر الرماد في العيون ، و الضحك على الذقون أو لإسكات الغضب الذي ولدته سنوات الإقصاء و التهميش ، وهذا الحكم سوف نعود لإبراز حيثياته حين نطلع على واقع العملية في الفصل الخاص بذلك .
إذن فمن اجل إبداء النية الصادقة و التناول الجدي للمسالة يتوجب إبداء رغبة في التخلي عن جميع التوجهات التي أساءت للهوية الوطنية و في المقابل إعادة إحياء النمط الاكسيولوجي و الانتروبولوجي و اللساني المغربي المبني على حب الأرض ، والاستعداد لصيانتها و لتسخيرها و التشبث بالقيم الأصلية و التحصن من جميع أنواع الغزو الثقافي ، هذا لا يعني محاولة الانغلاق و مقاطعة الآخر بقدر ما هي دعوة لضبط ذلك ، على أية حال نظن أن الخطوة الأولى نحو إبداء النية الحسنة هو بدل جهود لتمتيع هذه اللغة بالحماية القانونية عن طريق دسترتها ، ثم تأسيس معاهد مستقلة قادرة على تولي عملية جمع و توحيد اللغة ومعريتها ، و البحث في الثقافة الامازيغية في مختلف أبعادها، ووضع تصور واضح حول عملية الادماج و منهجية ملائمة ، وإنجاز الوسائل الضرورية وتكوين الأطر المخصصة لذلك ، و العمل على خلق شعب خاصة باللغة والأدب الامازيغيين داخل الجامعات و داخل مراكز تكوين المعلمين و المعلمات و غيرهما من المراكز و المعاهد مثل المعهد الوطني للأبحاث و الدراسات الإفريقية ، كما يلزم الاستفادة من التجارب السابقة سواء تلك التي خاضتها الجامعات الأوربية و الأمريكية اللاتينية أو التي خاضتها العديد من الجمعيات أو المؤسسات داخل المغرب .
كيفما كان الأمر إذن ، فقد تقرر رسميا انطلاق عملية تدريس الامازيغية ابتداء من السنة الدراسية 03 - 2004 بناءا على اتفاقية الشراكة الموقعة بين الوزارة و المعهد وتمت الإشارة إلى أن العملية ، أي تدريس الامازيغية ستتم وفق التوجهات و المبادئ و المنهجية التي سطرتها لجنة خاصة تدعى لجنة منهاج اللغة الامازيغية التي تشكلت قبل تأسيس المعهد ، مما يعني أن العملية تتم بناءا على ما جاء في الميثاق خاصة المادة 115 باعتبار انه مرفوض بمقتضى تأسيس المعهد ، إذن ففي الفصل الأول من هذا البحث سنعمل على ملامسة وضع أو موقع الامازيغية داخل الورش الإصلاحي الأخير ، وفي الفصل الثاني سنكشف فيه عن واقع إدماج الامازيغية من حيث التوجهات و المبادئ . من خلال بعض الوثائق و المذكرات ثم الخطوات العملية كاختيار وتكوين المدرسين و المفتشين ، و إنجاز الوسائل الديداكتيكية و غير ذلك من خلال الاستقراء الميداني ، و سنحاول استخلاص الأخطاء و التجاوزات و العراقيل و التي شهدتها العملية ، كل ذلك سنقوم بالتحقق منه عن طريق رصد ميداني لتجربة مدرسة تنتمي إلى العينة الأولى المختارة لتدريس الامازيغية ، و في الفصل الأخير سنتناول فيه الجوانب الديداكتيكية لتدريس الامازيغية من حيث الغايات والدواعي ثم المبادئ و الوسائل المعتمدة .