منتدى الدريوش ريف

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    رواية رائعة///حصريا///

    السيف البتار
    السيف البتار
    عضو مميز
    عضو مميز


    ذكر
    682
    العمر : 50
    لإقــامه : مقهورستان
    المهنة : القنل العمد بسابق الاصرار والترصد
    نقاط : 0
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 03/12/2007

    حدث في بن طيب رواية رائعة///حصريا///

    مُساهمة من طرف السيف البتار الأربعاء يناير 09, 2008 8:10 pm

    تثاءب بشدة ثم طوح يديه فى فضائه المحيط. قبل أن يعيدهما ببطء. قام الأستاذ جميل موظف السجل المدنى أخيرا من كرسي يتحرك ناحية مفتاح النور ليغلقه.حاولت إمرأة عجوز أن تدركه برجاء لحوح.لم يلتفت لها و هو يغلق الباب."بكرة" قالها مع جهد كبير. لم يحاول حتى أن ينظر لها .
    فى الطريق حاول أحد المتسولين إستيقافه و لم يفلح .ألح عليه وهو يهرول وراءه قبل أن يتوقف فجأة و يستدير نحو المتسول ثم يمد يدا جسورة نحو جيب جلباب المتسول الذى بوغت بالرجل يقبض على كل جيبه بما حوى"أعطنى أنت شيئا من هذا الكثير". "كلهم كلام فارغ يابيه و الله لايأكلونى أنا أو عيالى" قالها الرجل قبل أن يجذب جلبابه و ينطلق مسرعا بعيدا عنه.

    فى موقف الباصات إستطاع أن يتقدم الجمع المهرول خلف الحافلة أستخدم ذراعيه لقويتين الممسكتين بجانبى الباب الأمامى للحافلة بقوة ليحتجز من وراءه حتى يستقر فوق الحافلة. أستطاع بهذه المناورة الوصول أولا للمقعد الوحيد غير المشغول على ظهر الحافلة المحتشدة الآن. و هو يهيأ لظهره متكأه لمح أحد اللصوص يستل حافظة أحدهم بالقرب من الباب قبل أن يقفز سريعا خارج الحافلة التى تحركت بالفعل مما جعل النشال يسقط على ظهره . شاهد السائق واقعة السقوط فتوقف بفرملة سريعة قبل ولوج الساقط تحت العجلات .أندفع الواقفون بسرعة فى اتجاه أمامى متلاحمين نتيجة التوقف المفاجئ تابع المشهد من النافذة مبتسما و هو يرى الضحية مع أخرين يأخذون بيد السارق يقيموه و يواسوه ببعض الكلمات دون أن يدروا أنه لص . إرتد بصره إلى داخل الأتوبيس ليلتقط مشهد شاب محولا الاحتكاك بفتاه .تابع المشهد بحرص و رغبة.ابتسم لمحاولات الفتاة اليائسة فى الانفصال عن الجسد الملتحم بها و الذى بدت رغبته المتوحشة تزداد و يفقد حرص اللص. إنفجر الصخب داخل الحافلة عندما هوت الفتاة بكلتا يديها فى صدر الشاب و أتبعتها ببصقة فى وجهه مع صرخة مستغيثة ,أدار وجهه و اخترق بناظره نافذة الباص ليتابع فرار اللص بالغنيمة.
    عندما لآحظ قرب بلوغ الحافلة لمحطته إندفع ناحية الباب ليتخذ موقعه فى مقدمة الهابطين دون أن يبالى بصيحة أحدهم و قد دهس قدمه فى طريقه. لم يحاول حتى أن يفسر بسمعه ما يقول الرجل.
    إنطلق مسرعا عابرا عدة شوارع قبل أن يقف لاهثا أمام مبنى ضخم ثم يسرع بعد لحطات ناهبا درجات السلم المؤدى للباب الررئيسى للمبنى ثم مرة أخرى ينهب مسرعا السلم المؤدى إلى الدور ألأول ثم نحو غرفة يجلس فيها رجل وحيد على مكتب فخم. يتهلل و جهه و هو يخرج عدة جنيهات يقدمها للرجل الجالس "الحمد لله ..اليوم أخر موعد لسداد الاشتراكات .. إعلان التلفزيون ذكرنى بالأمس"
    :" خير .. تستطيع الآن أن تشارك فى انتخابات الحزب يا أستاذ جميل"
    على رصيف مبنى الحزب وقف لحظة و هو يستدير برأسه ناحية اللافتة الضخمة على مقر الحزب الحاكم و كأنه يقرأها لأول مرة.

    فتحت أم جميل الباب وهى تستقبل اثنين من أصدقاء إبنها بشير
    :أهلا بكم ..تقضلا بشير بالداخل
    يدخل شابان مطأطأى الرأس فى أدب واضح و يتجهان مباشرة إلى غرفة صاحبهم.
    فى غرفة مجاورة كان جميل ممددا فى فراشه يبث دخان سيجاره فى أجواء غرفته الضيقة فتزداد اختناقا لكنه كان قد اعتاد هذا الطقس الدخانى فى كل حجرة يتردد عليها.كان عاشقا حقيقيا لكل أنواع الدخان و كل وسائل التدخين .كان يهزأ ممن ينصحه بالاقلاع عن هذا السم القاتل و يتهم الطعام أنه أشد خطرا كان يردد ذلك ضاحكا فلاتدرى أجاد هو فى دعواه أم مازح.
    قام ببطء من فراشه متوجها إلى شباك الغرفة الموارب.فك معلاقه و بضغطة من يده تباعدت ضلفتى الشباك سريعا كل اى حائطه المجاور.قذف بعقب السيجارة بركلة من إبهامه كأنه يرمى كأنه يرمى طساً فى الهواء.ارتفعت السيجارة بضع ياردات ثم تهاوت فى هاوية المسقط الذى فتحت عليه نوافذ للتهوية لكل الغرف المطلة عليه.كان يتابع سقوط عقب السيجارة عندما اندفعت إلى مشهد نافذة شبه مفتوحة إمرأة بضة الجسد فى ثوب خفيف .تراجع نصف خطوة للوراء ثم عدل عن قراره و عاد متكئا بذراعيه على إطار النافذة و قد كادت راسه أن تخرج منها.كانت المرأة تطارد طفل لها لم يتجاوز الثالثة حين أحكمت إمساكه تحت النافذة . كان إنثتاء المرأة فرصة له ليتابع الحركة الماردة لنهديها قبل أن تعتدل واقفة ثم سرعان ما انتبهت لنظراته الوقحة فدفعت بيسراها ضلفتى النافذة بحركة عصبية ونظرة ناقمة بينما كانت تتمتم بكلمات تبدو غاضبة.أحكمت أغلاق النافذة بيد واحدة حيث كانت تحمل الطفل باليد الأخرى . أطلق زفرة وهو يلتفت إلى داخل الغرفة و كأنه يعترض على استياء المرأة وتمتماتها ضده.عاد إلى كرسى خيرزان بجوار سريره عندما انتبه لأصوات خافته تصل من الغرفة الأخرى.
    بهدوء فتح باب غرفته و بعد بضع خطوات أخرى كان ملصقا أذنه على باب غرفة أخيه حيث التقط بضع كلمات لم يفهم منها شيئا. حاول التمدد على أطراف أصابعه ليلقى نظرة من زجاج الباب أعلاه على من بالداخل. الأم و قد خرجت لصالة البيت تحمل صينية غليها أكواب الشاى و قد ساءها ما تراه من تلصص جميل على أخيه
    : حرام ياإبنى.... ثم راعى مشاعر أخيك
    يلتفت لها و قد بدت عل وجهه علامات الضيق
    : وهو؟ ..ألا يجب أن يراعى حياتنا كلها؟.....هذه الاجتماعات خطيرة و تضرنا كلنا
    الأم: انت تعرف بشير اخيك من صغره...هو انسان صالح ...ماذا يفعلون غير قراءة القرآن و تفسيره..خذ كوب شايك ياإبنى و ادخل غرفتك
    جميل: أى تفسير.....تفسير المشايخ أم تفسيرات خاصة بهم؟....إبنك ينوى أن يسوقنا جميعا إلى مصيبة..(يعلو صوته) أنا لن أسمح لأحد أن يضرنى....إن كان مصمما على هذه الأفعال ..ففى خارج البيت متسع...قلت هذا الكلام قبل ذلك ..و انا الكبير فى البيت و كلامى لابد أن يسمع
    يتجه نحو الباب ليفتحه بقوة مع محاولة لمه أن تثنيه:اصبر يا جميل ..انتظر ...لا يصح... هم ضيوف.قبل أن يدير مزلاج الباب بيده كان بشير أخوه قد فتح الباب و التقيا وجها لوجه ومن ورائه اصحابه وقوف يتأهبون للأنصراف و قد فطنوا للموقف.
    (3)
    مدينة المنصورة مدينة تأخذ بسحرها قلوب أهلها...يجيد أهلها فن الحياة ..على اختلاف و فروق بينها و بين المدن من حولها..و هى بحق عروس النيل...ليس لجغرافيتها و لكن للروح التى تحسها و أنت تسير فى شوارعها أو تتسكع على مقاهيها.
    على مقهى أندريا المطل على المجرى المتسع للنيل لا يفصل بينهما الا شارع البحر كما يسمونه أهلها و حيث تزدحم الحياة فيه ومع ذلك لا ينطفئ رونقه أبدا, جلس أسامه و سمير يتبادلان الحديث مع حسوات الشاى .هما صديقان قديمان لم يمنعهما تخرجهما و اشتغالهما من استمرار الصداقة التى بدأت من أيام الجامعة حيث جمعهم فريق الجوالة مع جميل حسن الشربينى فى جامعة المنصورة . جميل هو ابن عم لسمير و الثلاثة مع صديقهم الرابع عادل وديع اعتادوا التلاقى فى هذا المقهى من بعد مغرب كل يوم حيث قد يطول بهم السهر أحيانا ما بين الثرثرة ولعبة الطاولة أو الدومينو ومع أدخنة الشيشة من حين لأخر ولم يكن يقطع ذلك سوى مشاهدة مباريات الدورى العام فى تلفاز المقهى. عادل و جميل أكثر ولوعا و عصبية فى مشاهدة المباريات و كلاهما كانا يلعبان سويا فى فريق كلية التجارة فى نفس الفترة التى كانا ينتظمان فيها فى التدريب مع ناشئى نادى المنصورة.أسامه أيضا تخرج معهما من نفس الكلية لكنه كان يهوى تنس الطاولة أكثر من كرة القدم. الآن يشاركهم هواية مشاهدة معظم مباريات كرة القدم التى يعرضها التلفزيون. سمير إبن عم جميل لم يتخرج مثلهم من كلية التجارة بل هو خريج هندسة و يعمل كمهندس ميكانيكى بمصنع سماد طلخا. ظروف عمل سمير و نوبات الشغل لم تمكنه دائما من الانتظام اليومى مع المجموعة فى المقهى.
    رن صوتا المحمول فى جيب أسامه الذى أخرجه وألقى نظرة على رقم المتصل ثم سرعان ما رفعه إلى أذنه.
    أسامه : خيرا يا جميل؟ . أين أنت الآن؟ صمت قليلا ثم أنهى مكالمته بقوله "طيب .مع السلامة"
    أعاد هاتفه المحمول لجيب السترة التى يرتديها.أطرق لحظة ثم وجه حديثه لسمير :
    جميل فى قسم الشرطة و يطلب منى الاتصال بمينا أخى عادل.
    أبدى سمير انزعاجه و قد ارتفع صوته:
    ضابط الشرطة ؟ أكيد مشكلة أخرى.....مشكلة أخرى؟


    عدل سابقا من قبل في الأربعاء يناير 09, 2008 8:21 pm عدل 1 مرات
    السيف البتار
    السيف البتار
    عضو مميز
    عضو مميز


    ذكر
    682
    العمر : 50
    لإقــامه : مقهورستان
    المهنة : القنل العمد بسابق الاصرار والترصد
    نقاط : 0
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 03/12/2007

    حدث في بن طيب رد: رواية رائعة///حصريا///

    مُساهمة من طرف السيف البتار الأربعاء يناير 09, 2008 8:12 pm

    كان مينا فى زيه الرسمى جالسا على مقعد أمام مكتب الضابط النوبتجى و قد تجاوز برأسه حدود مكتب الضابط تكاد رأسه تلامس رأس الضابط الذى اقترب بدوره منه ليمكنه سماع حديثه الهامس.مقعد واحد كان أمام مكتب الضابط حيث كان يجلس النقيب مينا الأخ الأصغر لعادل وديع صديق جميل. من خلفه كان الجميع وقوف , جميل و قد بدا على وجهه أثار ضرب و دماء وبجواره أصدقاؤه عادل و أسامه و سمير ابن عمه و بجوارهم وقف رجلان أحدهما ضخم يرتدى قميصا و بنطالا تبدو عليهما علامات الأناقة و العناية والرجل فى خمسينيات العمر. الرجل الذى بجواره و يرتدى بذله داكنة كان من الواضح أنه محامى فى صحبة الرجل الضخم.
    المحامى يأحذ بيد أسامه على طرف الغرفة.
    المحامى: أرى أن نسوى الموضوع بالصلح حتى لايأخذ أكثر من حقه و هم جيران يعيشون وجها لوجه.
    أسامه: أنت لا تعرف جميل و اعتداده بكرامته .أنا شخصيا لا أتصور أن جميل يضرب فى الشارع أمام جيرانه
    : جميل سب الأستاذ فوزى سبا فظيعا و أهانه فى الشارع. أرجو ألا تتصاعد الأمور أكثر من

    توقفت عربة نقل صغيرة مما يسمونها ثمن نقل فى شارع جلجل أمام منزل جميل .نزل اتنان من جوار السائق .كانا بشير و مصطفى صديقه.بشير عبد الحق كان هو وأخ أخر إخوة غير أشقاء لجميل الشربينى. والثلاثة يعيشون مع أمهم فى منزل والد بشير وأخيه الشقيق نور .والدهم كان الأسطى فؤاد عبد الحق والذى كان يعمل سائقا لشاحنة.أم بشير تزوجت الأسطى فؤاد بعد استشهاد زوجها الأول فى حرب الاستنزاف عام 1970 . بعدها بعدة سنوات تزوجت فؤاد و الذى عوضها خيرا عن صبر أربعة سنوات عجاف عاشتهم فى بيت أخيها الأكبر. لتنجب بشير ثم نور . فى هذه الفترة كان يعمل فؤاد فى نقل البضائع بين مصر و ليبيا و فى نهاية السبعينيات و مع توتر العلاقات بين الدولتين عاش فؤاد ظروف عصيبة إلى أن فتح الله عليه بعد ثلاث سنوات من العمل فى دمياط على شاحنة كبيرة لنقل الأثاث و سافر للعمل بالعراق . كان يتردد على مصر كل بضع شهور وإذا طال المقام كان يرسل مالا فى شكل دولارات مهربة مع بعض المصريين العائدين لمصر و أحيانا كان يبعث برسائل . إلى أن انقطعت أخباره تماما فى عام 1986. و تردد كلام كثير عن مقتله أثناء عمله فى النقل قرب أراضى العمليات العسكرية. بعض من كان هناك ردد أن فؤاد كان قد تطوع فى الجيش العراقى. بعض أصدقائه فى المنصورة يميلون لهذا الظن لمعرفتهم بولعه الشديد بالعراق و بشخصية رئيسها صدام حسين لدرجة أنه كان قد أرسل لرسلة لزوجته لما علم بحملها يوصيها بتسمية الطفل بصدام و لم تدرك هى ذلك حيث مات الجنين فى بطنها قبل تمام أشهر الحمل . كانت ليلى أو أم جميل كما تعود أهل الحى أن ينادونها قوية الأمل فى عودة فؤاد و لم تصدق يوما من قال أنه مات. أحيانا كانت تسهر بالصالة طوال الليل تنظر إلى باب الشقة وكأنها تتوقع قدومه. وأحيانا كانت تلوم نفسها فى إهمال صحتها فى أشهر الحمل الأخيرة فتكون سببا فى ظنها فى إجهاض صغيرها بعد أن أتم نموه وهو أخر ذكرياتها مع فؤاد.
    فى أحيان أخرى كانت تنتفض لسماع وقع بعض الأقدام المسرعةالصاعدة على السلم ظنا منها أنها صوت خطوات فؤاد المتلهفة دائما لنهب السلم سريعا قبل أن يطرق الباب بطرقات متتالية قوية و سريعة.
    بشير حاصل على بكالوريوس علوم قسم كيمياء منذ ثلاث سنوات .مصطفى كان زميله فى الكلية و شاركه أنشطة اتحاد الطلبة فى وقت سيطرة الإسلاميين عليه إلا أن مصطفى تخرج من قسم الفيزياء . إنقطعت علاقتهما منذ تخرجا ولم يصبهما التجنيد ودارا فى فلك محاولات العمل كلا فى وجهة. مصطفى اتجه للبحث عن عمل فى المدن السياحية : شرم الشيخ ثم الغردقة و أخيرا الأقصر أما بشير فهو لم يغادر المنصورة.عمل أحيانا مندوب مبيعات لشركات عشوائية تظهر فجأة و تختفى فجأة .كان يحمل حقيبة مثقلة يدور بها فى الشوارع مغالبا حر الصيف و برد الشتاء حتى بدأ يجرب المشروعات الصغير ة المستقلة . استغل خبرته أولا كمندوب مبيعات فكان يشترى الأكياس الخاصة بمحال البقالة من مصانع البلاستيك ثم يوزعها على المحلات حتى كثر الشباب العاملين بهذه المهنة و انخفضت أرباحه . لما قابل صديقه مصطفى منذ شهور فى مسجد الجمعية الشرعية عقب صلاة جمعة وكان مصطفى قد عاوده الحنين لإخوانه الذين غاب عنهم تحت ضغط الحياة منذ تخرجه ، تبادلا حينئذ أفكارا حول المشاركة فى عمل أو مشروع صغير. جمعهم المسجد و مقارئ القرآن مرارا حتى رست أفكارهم على البدء فى بيع الخضروات و الفاكهة فى شارع جلجل حيث يسكن بشير.

    استدار كلا من بشير و مصطفى لإفراغ العربة من حمولتها من بعض الأقفاص التى حملوها توا من سوق الجملة ليجربامشروعا جديدا صغيرا فى بيع بعض الخضروات و الفاكهة بشارعهم . صفا الأقفاص وقد أسنداها إلى الحائط لتصبح مائلةللعرض فى وجه المشترين.كانت تتكون البضاعة المعروضة من قفصي طماطم وقفصين أخريين من البطاطس و قفصا واحدا من البرتقال وأخر من اليوسفى . وذلك قبل أن يصعد بشير فيجلب من البيت طاولة صغيرة مع الميزان و كيسا به مثاقيل الميزان فرفع على الطاولة الفاكهة ووضع بجوارها الميزان مع أكياس للبيع بينما استقرت كلا من الطماطم و البطاطس أسفل الطاولة. بقى بشير واقفا بينما جلس مصطفى على حجرا جلبه من ركن من الشارع . من إحدى النوافذ لبيت من بيوت الجيران أطلت إمرأة علا رأسها بعض المشيب الظاهر من تحت عصابة رأسها كانت تشاهد الموقف من بداية دخول السيارة الصغيرة للشارع و نادت على بشير لتعرض عليه أن يحمل من وراء باب الشارع الخاص بمنزلها دكة خشبية طويلة بدون مسند تصلح لجلوس أكثر من شخص عليها .قبل بشير العرض شاكرا و استوى هو و صديقه مصطفى عليها متجاورين.
    بشير: هذه والدة الأستاذ أسامه صديق جميل أخى. الأستاذ أسامه يسكن فى نهاية الشارع.
    فى هذه اللحظة أطلت فتاة من وراء المرأة فى النافذة . طارت إليها عين بشير سريعا ثم ارتدت إلى الأرض . الفتاة بدورها سرعان ما توارت . لاحظ مصطفى إرتباك بشير فسأله:
    : هل مازالت طالبة.
    تجاهل بشير السؤال وأمسك بدفة الحديث.
    : ماذا كنت تعمل فى الأقصر ؟
    ضحك مصطفى ثم أردف :
    :زوج سعيد (لاحظ اندهاش بشير الذى توقعه فأردف سريعا
    :لاتندهش . هذا عمل رائج فى الأقصر الآن . النساء الأوروبيات اللاتى خرجن من سوق الحياة فى أوروبا و ركدت بضاعتهن يأتين هنا لاستعادة ذكريات شبابهن الضائع .
    بشير : أستغفر الله العظيم. (وقد تيبس وجهه)
    مصطفى: لا..لا ..لا تذهب بك الظنون بعيدا. إنه زواج حقيقى . زواج مدنى . محامى و شهود وممكن حفل زواج أيضا تحضره صديقات الزوجة و بعض معارفها.
    بشير : زواج متعة؟
    مصطفى:لا.. أبدا .. زواج حقيقى بورق رسمى ..ثابت ..لامدة فيه...هؤلاء النساء المسنات لايحببن التغيير طالما أنت ملتزم بواجباتك و لا تلعب وراءهن بذيلك.(يضحك )
    بشير : فحل عشار
    مصطفى: ربما فحل العشار أفضل فجهده فى النهاية له نتيجة من الأبناء أما هؤلاء فقد انتهيت صلاحيتهن منذ زمن.
    بشير: إذن هى فكرة المتعه.
    مصطفى: لكن ليس الزواج الذى تحرمه الشريعة.
    بشير : وأهلك؟ هل يعلمون ؟
    مصطفى: أحمق أنت؟ أنا مصيرى فى النهاية الزواج بين أهلى هنا . هذا كان مجرد سبب للعيش . تجربة فى وقت يأس فتحت باب أمل حينها .
    بشير: تقول أنه ليس زواج متعة .
    مصطفى: طبعا .. عندما تتزوج واحده منهن يكون فى ذهنك أفكار كثيرة . ربما أن تعود معها بلدها وتتجنس تكون هى الفكرة
    الأكثر ترددا. لكن هناك فوائد أخرى .فهن ينفقن ببذخ وتحصل على مصروف جيب جيد يمكن أن تدخر منه. على فكرة بعض أهالى الأولاد هناك يعلمن بهذه الزيجات لكن ينظرن إليها بعين الحاجة و الرغبة فى المستقبل الأفضل و يقدرون رغبة الأبناء
    فى الهجرة و الحصول على جنسية .
    بشير : هل تزوجت فعلا؟
    مصطفى : إثنتان . الأولى طلبت الانفصال لما استعجلتها فى تسجيل الزواج بسفارة بلدها. و الثانية عادت لبلدها على وعد أن ترسل لى مبلغا من المال حتى تعود أو ترسل فى دعوتى كزوج بالطبع . و لكن لم يحدث أى من الأمرين . كان هذا من أكثر من عام ونصف .
    بشير : أى انك الآن متزوج و إمرأة على ذمتك.
    مصطفى : بالفعل و لكن زوجة لا أعلم لها عنوان سوى اسم المدينة التى تعيش فيها لو كانت صادقة .
    بشير : وهل أنت مقتنع الآن بهذه الزيجة .
    مصطفى : منذ عام لو كانت أرسلت لى لكنت سافرت إليها و لو حبوا.
    بشير : والآن؟
    مصطفى : الآن أنا متردد . بل أرفض . أنا الآن أكثر دراية بالأمور الشرعية . ربما الزواج فى حد ذاته لابأس به.لكن أمثال هؤلاء النساء و اللاتى يديرن النفقات على الحياة و تسيير أمورها ورسم برنامج ممتع للحياة فى شبه الجنة باستثناء الوجه الحسن بالطبع (يبتسم ساخرا) هذه النساء لايقبلن أن تفرض عليهن شروطك. اطلب ما تشاء لكن لا تفرض عليهن نظام حياة أو أسلوب معين فى الكلام أو اللبس. أو تحرم عليهن شئ . الشرب مثلا .لذلك أنت مرغم أن تساير أمورا عديدة غير شرعية. هذه الأمور لم تكن مريبة لى حينئذ على أساس لكم دينكم ولى دين.الآن ما كان يحدث يؤرقنى .

    من المحل المفتوح تحت المنزل الجاور لمنزل بشير و الذى كانت تفوح منه رائحة العطارة خرج رجل تجاوز السبعين من عمره ومع ذلك تبدو فى حركته خفة و نشاط. ورغم أرفف العطارة التى تغطى معظم حوائط المحل إلا أن مرآة كبيرة بقت مثبتة على الحائط كأثر باقى من محل حلاقة . فالرجل أساسا حلاق و مايزال يمارس المهنة مع بعض سكان الشارع من قدامى عملائه سواءا داخل المحل أو يزور بعضهم بمنازلهم. وفوق ذلك فهو يعمل سمسارا فى بيع و شراء العقارات بالشارع و الشوارع المجاورة , ومعظمها عقارات قديمة فى شوارع شعبية عتيقة تمتد مابين شارع الجلاء و تنتهى إلى سوق ستوته. عم نصحى الحلاق أو العطار أو السمسار كان قد عطله "الزبون " الذى كان بين يديه يحلق شعر رأسه من أن يتحرى الأمر الذى يحدث فى جواره بدقة ليرضى فضوله فاكتفى حين دخول العربة بنظرة من باب محله ثم عاد ينهى الحلاقة للشيخ الطاعن الذى خرج توا و هاهو عم نصحى يقلب فى الطماطم تارة وفى الفاكهة تارة بينما يحادثهم.
    : زين ماأحضرتم ياشباب . بكم تبيعونها؟
    بشير : لك بدون مال يا عم نصحى.
    نصحى : أنا سآخذ حبتى طماطم فقط لأفطر بها ( ينتقى اثنتان ثم يتجه لقفص اليوسفى فيقلب حباته بين يديه)
    مصطفى (متهكما): حبتين أيضا للإفطار ؟
    نصحى : صاحبك يبدو عليه البخل يا بشير يا إبنى.
    بشير: أبدا ..هو يمازحك
    نصحى: هل هو من بين الشباب الذين زاروك للاجتماع بالأمس ( تتلاقى نظرات بشير و مصطفى فأصحاب يشير غالبا و كعادتهم يأتون فرادى كما أن المنزل به العديد من الشقق)
    مصطفى: (فى سذاحة مصطنعة) هل أصحاب بشير يزورونه هنا.
    نصحى : (يقلب الآن فى قفص البرتقال بع أن انتقى ثلاث حبات من اليوسفى وضعهم على الطاولة بجوار الطماطم التى سبق أن انتقاها ) كانوا هنا بالأمس لكن يبدو أن الأستاذ جميل "كرشهم". ( يضع برتقالة بجوار اليوسفى المختار و الطماطم ثم يسحب كيسا من بين الأكياس ليعبئهم واحدة واحدة بترو و تباطؤ ) لكن الأستاذ جميل يا بشير لم يظهر اليوم و لم يذهب للعمل بعد مشاجرة الأمس مع الحاج أحمد شلبى. هل مازال بالمنزل ؟
    بشير : نعم .
    نصحى : صحيح أن الحاج خليل الديب عضو مجلس الشعب ذهب بنفسه لقسم الشرطة يجامل الحاج أحمد
    بشير : نعم
    نصحى : يا حسرة على أخيك.لعلمك ليس هذا فقط بل أن أحد أنسباء الحاج أحمد يعيش فى القاهرة .من كبارات البلد. رتبة كبيرةجدا إتصل بالمديرية هنا و المحافظة و قلب الدنيا . صحيح هذا يابشير؟
    بشير : الله أعلم.
    نصحى : لا ..بل حدث بالفعل ..خذها منى..
    مصطفى (متبرما) : إذن أنت متأكد وتعرف كل شئ.
    (نصحى انتهى من أمر الكيس و حمله فى يده يقترب من مصطفى حتى يفابله تماما و قد تجاهل تعليقه الأخير)
    نصحى : من أين أنت ياإبنى؟
    مصطفى :من المنصورة.
    نصحى : من أين فى المنصورة ؟
    مصطفى : من جديلة.
    نصحى : ياه .. من جديلة و جئت تبيع هنا
    مصطفى (متعمدا اضهار تبرمه) : ربما غدا أغادر من هنا.
    نصحى : كل شئ قسمة و نصيب.
    (تتعالى أصوات من أحد حوانب الشارع وتتجه أنظار الثلاثة نحوها ليشهدا من بعيد شابان يتصايحان)
    نصحى (بينما يستدير ليعود لدكانه): لا شأن لكما . ليتهما يقتلا بعضهما. هذا لطفى إبن زكى النصاب يتشاجر مع احد زبائنه.هو يبيع البانجو . الله يخرب بيته وبيت أبيه . (يقف على باب المحل لحظة ليتم جملته قبل أن يدخل ) أبوه نصب على فى ألف جنيه .اللهم إحرقه بهم .
    السيف البتار
    السيف البتار
    عضو مميز
    عضو مميز


    ذكر
    682
    العمر : 50
    لإقــامه : مقهورستان
    المهنة : القنل العمد بسابق الاصرار والترصد
    نقاط : 0
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 03/12/2007

    حدث في بن طيب رد: رواية رائعة///حصريا///

    مُساهمة من طرف السيف البتار الأربعاء يناير 09, 2008 8:13 pm

    على كورنيش النيل الممتد بجوار قصر الثقافة جلسا بشير و مصطفى على أحد مقاعده ووجوههما ترقب النيل .
    مصطفى : هل تذكر تلك الفتاة الشاعرة التى كانت معنا فى الكلية.
    بشير ( يتذكر لحظة ) : نعم ..نعم .. كانت فى الجبهه المناوئة لنا دائما . كنا نعجب لجرأتها و تصدرها الحفلات العامة بأشعارها. أتذكر أيضا أنها كانت معك فى اللجنة الثقافية .كانت العضو النشاز من خارج الجماعة لكن زملاؤها انتخبوها معنا .
    مصطفى (باسما ) : كانت تشتكى لى أحيانا أن زملاؤها فى اللجنة إذا تكلموا معها وضعوا وجوههم فى الأرض . أتذكر يوم أن عنفتنى أنت عندما رأيتنا نتحادث فى إحدى الطرقات .
    بشير : نعم .قلت لك إن كانت تعجبك أخطبها .
    مصطفى : كانت تأخذ رأيى فى قصيدة كانت ستلقيها فى حفلة خاصة بأسرتها . تعرف أنى مازلت أذكر بعض أبيات من هذه القصيدة. (يصمت لحظات يستحضر الأبيات ثم يتلوها) ..
    وماتزال تمتطى صهوة الفرس العظيم
    وتمر فى الوادى الذى يعتلينى و شاطئى
    يضيع صوتى مناديا لك والأمل
    فطريقك الصخرى يأسر ذاتك
    وساقاى واهنتان يعطبها الكلل
    بشير : شعر عميق .
    مصطفى : لكنك يومها قلت لى هراء و "هلس " .
    بشير : أنت قرأت لى نفس هذه الأبيات؟
    مصطفى : نعم و أكثر منها فقد كنت أحفظ أكثر من ذلك فقد كتبت بعض هذه القصيدة واحتفظت بها . الآن لا أذكر سوى هذه الأبيات كما ضاعت منى المذكرة التى كتبت فيها هذا و غيره .
    بشير: لا أذكر . لكن ما الذى ذكرك بها .
    مصطفى : رأيتها بالأمس هنا فى السكة الجديدة . كانت تسير مع والدتها . لم أدر لماذا شعرت بالحزن وانقباض قلبى .
    بشير : و لماذا ؟
    مصطفى : ربما لم تكن تلك الفتاة المرحة المفعمة بالأمل وحب الحياة . كانت تمسك فى والدتها وتسير كعمياء . أعتقد أنها لم ترانى. ولم تنظر نحوى رغم فارق خطوتين لا أكثر .
    بشير : و لماذا تنظر إليك حتى لو رأتك .(مصطفى يكتفى بالنظر نحو بشير و لا يرد ) هل تزوجت ؟ هل معها أولاد ؟
    مصطفى :لا أولاد و ليس بيدها شئ .
    بشير : إذن فقد نظرت فى يديها . (يلتفت بنظرة أخرى نحو مصطفى ثم يبتسم ) تذكر أن فى ذمتك إمرأة أوروبية .
    مصطفى : ليس هذا بزواج . ثم لا يعلم هذا الأمر إلا أنت .
    بشير : إذن فقد فكرت بالأمر . (يصمت مصطفى ) عليك أن تسأل عليها فى بلدها أولا أحدا ممن نعرفه من زملائنا هناك. ربما تكون تزوجت ومعها أولاد . لن يسيروا معها بالشارع .ربما مطلقة أو منفصلة أو أرملة . هل تفكر فى الأمر حقيقة .
    مصطفى : ربما .
    بشير : احسم أمرك . هل مازالت لا تغطى إلا جزءا من شعرها.
    مصطفى : كانت ترتدى ملسا شرقاويا أسودا و تلف طرحة سوداء طويلة. تصور أن هذا الزى رائع وجميل جدا .
    ( يصمتان للحظات يخرج فيها بشير ورقة من جيبه يراجعها بينما يلتفت مصطفى بوجهه للسماء يتابع القمر الذى تطارده غمامات الخريف السوداء .
    *****************
    (8 )
    على مقهى أندريا جلس جميل و عادل و المهندس سمير إبن عم جميل يستكملون حديثا لهم .كان جميل منفعلا و متحمسا وهو يعدد لهما فوائد الانضمام للحزب الحاكم .
    جميل : سمير أنت مثلا مهندس مرموق فى مصنع السماد و هو مؤسسة كبيرة...لكن مهارتك وحدها غير كافية لتأخذ مكانتك فى هذا المكان و تنال الترقيات التى تستحقها . لابد أن تكون فى حالة وفاق مع الدولة. حق الدولة أن تنظر بعين الرضا لهؤلاء الذين يساعدونها فى معركتها الكبرى ضد المتطرفين . التطرف هو أبو الارهاب. أنا أعلم أن رأسك صلب و عنيد و ربما مازلت متمسكا بأفكارك الاشتراكية القديمة .لكن الاشتراكية فى وقت كانت دين الدولة فانزرع الاشتراكيون فى كل مجال وانتفعوا بالعهد أما الآن المخلص لهذه الأفكار يقف ضد الدولة. هل تريد أن تقف ضد نظام قوى و متمكن.
    سمير : أنا لا أقف ضدهم و لا أحب أن أكون معهم. أعلم أن الوقوف ضدهم عبث. والوقوف معهم شبهه.
    عادل : هل لأنهم برجوازيون .
    سمير : أبدا . الصراع الآن اختلف .لم يعد بين طبقة برجوازية انتهازية ذات قربى من الحكام و بين الطبقة العاملة.هناك فوضى نتيجة توحش النظام و اقتحامه لكل شئ . الطبقة المتحالفة الآن مع النظام تتحالف فيها البرجوازية مع جزء من الطبقة العاملة مع صغار موظفى الدولة مع كثير من المهمشين حتى أنه يدخل فى هذا التحالف عاطلين و فقراء ربما ليس لأحدهم مطامع أو طموحات سوى تأمين لقمة الخبز الفقيرة بعد أن ضاع الأمان واهتزت كل النفوس بالريبة و الشك .هذه طبقة عريضة متعددة الألوان وانتهازية معظمهم قليلة الطموح وأنت واحد منهم يا جميل.
    جميل : لكن مع الأيام سوف أكبر.
    سمير : أو لاتكبر .أنت تلعب لعبة مقامرة .لا شئ مضمون فى المستقبل.
    عادل : لهذه الدرجة؟
    سمير : نعم فاللاعبون الخارجيون أشد تأثيرا و نفوذا كما أن الظروف السياسية والاقتصادية العالمية أصبح لها الآن تأثير متوحش.هناك ديناصورات عالمية متوحشة ولا قلب ولا عقل لها لكن تمتد أعينها و أيديها فى كل مكان.
    عادل (يبتسم) :إذن يا عم جميل إذهب و انضم للحزب الديمقراطى الأمريكى.
    سمير : وهل تمزح يا عادل . كثيرون يلعبون فى هذا الملعب . أعتقد أنهم يلعبون أفضل منك ياجميل .
    (تتجمد نظرة جميل لحظة نحو سمير و كأنه وضع فى مأزق)
    جميل : و لكن أين الوطنية . ما تتكلم عنه طريق خطر وغير سليم .
    سمير :هل تعيب فيه أنه غير وطنى أم أنه خطير عامة لاأحد يعرف الآن بالتحديد أين الخطر ووماهو السليم .
    عادل : هذه الطبقة الجديدة التى تتكلم عنها و يشترك فيها الجميع هل تعنى خطأ نظرية الصراع الطبقى (يبتسم) إذن فقد حلت مشكلة الطبقات.الآن لدينا طبقة حاكمة متحالفة مع السلطة تتكون من تشكيلة من الطبقات.
    جميل : إذن هو نجاح حزبى .
    سمير :لا..لا.. لاهذا و لاذاك . هى عصا غليظة وحدت الجميع . جذبت أصحاب المصالح كما جذبت الباحثين عن الأمل وعن متنفس فى الحياة .هو حلف انتهازى أيضا .أما الصراع داخل المجتمع فلا يتوقف .ربما يكون غير ظاهر وهذا هو الجزء الأخطر. وعندما يظهر فوق السطح سيكون فى أوجه. و ستكن فوضى عظيمة.
    جميل : الحكومة قوية وتملك زمام الأمور.
    عادل : هل تعتقد أنها حقا تمتلك زمام الأمور يا جميل. وماذا عن هذه الجماعات الأصولية المتطرفة التى ملأت الشوارع بالجلابيب البيضاء و اللحى و بالملابس السوداء و النقاب . إنك تقابلهم فى كل مكان.
    (يسكت جميل كأنه أراد ان يقول شيئا ثم تراجع)
    سمير : الحكومة أحكمت سيطرتها على كل شئ. النقابات و الأحزاب و المؤسسات الثقافية و الإعلام واخترقت الفنانين و الأدباء .احتوت المساجد و العلماء .لم يبق إلا الشارع. الشارع هو الأمل لو كان هناك أمل . هناك محاولة لاحتلال الشارع عن طريق جماعات صغيرة مروضة و موجهة وتحت السيطرة . ربما تكون محاولة إحلال و تبديل أو إزاحة لتيار اسلامى قوى يحتل الشارع و ينغص على الحكومة بمثل هذه العشرات من المجموعات الصغيرة الموجهة.
    عادل : هى لعبة خطيرة .
    سمير : من يحدد مفهوم الخطر يحدد مصادر الخطر .
    عادل : أليست مقامرة؟
    حميل : أنت تعقد الأمور أكثر من اللازم يا باشمهندس.
    سمير : أبدا ..هذا واقع الحال ..تأزيم للصراع و سد جميع منافذه لكن لا الصراع الطبقى سينتهى ولا الحراك الاجتماعى المصنوع بالقوة سيدوم به الحال .نحن نسير فى فوضى منظمة و نتجه نحو فوضى أكبر خارج السيطرة
    جميل : لذلك الصحيح أن نكون فى اتجاه واحد قوى .
    سمير : إتجاه واحد قوى هو الديكتاتوية.
    عادل : وهل صارت الاشتراكية ديمقراطية .
    سمير :الاشتراكيون بدأوا توفيق أوضاعهم منذ زمان بعيد . معظم دول أوروبا الآن بها أحزاب اشتراكية و بعضها شارك بالفعل فى الحكم . والحزب الاشتراكى الفرنسى هو من أكثر الأحزاب الفرنسية مشاركة فى الحكم . التجربة الاشتراكية الآن واسعة الثراء.
    عادل: لكن تاريخكم هنا سيقف ضدكم. ذكريات المعتقلات والتأميمات و المصادرات ومراكز القوى و الإرهاب الفكرى
    سمير : التجربة لاتتكرر.
    عادل : اشتراكية الستينيات و شمولية نظامها هى الأب الشرعى للنظام الذى نحياه.
    سمير : للأسف يعتقد الكثيرون ذلك و يسمون الانحراف و الخروج امتدادا.
    عادل : أنا أتكلم على من أسس الدولة البوليسية وحول النظام الديمقراطى إلى نظان شمولى.
    سمير : كانت هناك ثورة و سياق تاريخى لايمكن إغفاله
    جميل :أقول لكم .. هذه فلسفة لاأحبها.
    سمير : وأنت لك فلسفة .
    جميل (أوقفته الحملة مندهشا فهو لايطيق الفلسفة و لايعرف عنها كثيرا لكن سمير يقطع دهشته سريعا)
    سمير : هى فلسفة حياة .فلسفة عملية. (يبتسم و يصمت بينما تتجمد نظرة جميل على وجه سمير لحظة قبل أن يهب واقفا ويتجه إلى حيث صفت صناديق الطاولة على إحدى المناضد)
    جميل : أقترح نلعب دور طاولة أفضل قبل أن نخسر بعض .
    إنهمك جميل مع سمير فى لعب الطاولة بينما أخرج عادل جريدتة يقرأها. كان عادل يتداخل مع تعليقات اللعب ببعض عناوين الصحيفة أو تعليقاته الخاصة الموجزة عما يقرأ .
    عادل : الإخوان يدخلون انتخابات مجلس الشعب بأعداد كبيرة . ماذا يريدون؟ موضوع الإخوان أصبح مقلق .
    جميل ( لسمير ) : هذا الدور معقد والزهر سيئ جدا.
    سمير : لكن الحظ معك دائما. تشكو وفى النهاية تفوز . ( يلتفت نحو عادل ) الحكومة لن تستسلم للإخوان ولو بضرب النار .إنها لايهما إلا قتل الوحش الذى تخافه . لاأحد يتصور حال مصر بعد انتهاء هذه المعركة الطويلة و التى ستكون شرسة . إنهم كمن يطارد قطا فى بيت من الزجاج و لايريد أن ينتهى حتى يجهز عليه غير مكترث بخسائر المطاردة الجسيمة.
    جميل : إخوان ماذا الذين تتكلمون عنهم . الحكومة تستطيع أن تعتقلهم جميعا فى أيام لو أرادت .
    عادل :الأمر أعقد من ذلك. على ما أظن . ربما يكون هناك فى السلطة من يعجبه تسلطهم فى الشارع أو يتعامل معهم.
    سمير : أفهم أن نجاح الاخوان يقلق الأقباط.
    عادل : بالطبع .
    جميل : الكنيسة مع الحكومة . ناصف بك رئيس الحزب قال ذلك فى الاجتماع الأخير .عاشت الوحدة الوطنية ياأبو عادل.
    سمير : شيش بيش . حبستك ياعم .
    جميل : لا هذا الدور يضيع منى .
    سمير : إخسر دورا مرة . مرة واحدة فى نفسى
    عادل : الكنيسة يهمها استقرار الأوضاع. هناك خوف من المستقبل الغامض.
    جميل : اطمئن سمعتهم يقولون فى الحزب أن مشاركة الإخوان فى الحكم خط أحمر . لاتهتز لما تراه كل شئ تحت السيطرة.
    سمير : علم أمريكا كله خطوط حمراء (يبتسم).
    جميل : يجب مراعاة قوة أمريكا .لسنا مجانين.. (يمد جميل يده يلملم قشاط الطاولة سريعا و يجمعها فى يده) ..تكسب " أويون"..لم ينتهِ الدور بعد .
    سمير (يلقى بالزهر ) : تأخر أسامة اليوم .
    جميل : هذا لحظك . دائما وجهه حلو بالنسة لى .
    سمير : كأنك تتوقع خسارة . كف عن هذه الحركات. أنت فائز.. فائز
    جميل : دبش ..سأحبسك فى الدو .
    سمير : ألم أقل لك. هذه فقط البداية.
    (يرن جرس المحمول الخاص بجميل )
    جميل : نعم يا أمى .... بشير .... تيفا ..بياع البانجو ... ومالبشير بهؤلاء الناس ..إبنك سيخرب بيتنا.. لا يريد أن يماشى الحياة و يكون فى حاله.. مصطفى أيضا .. أين ذهبوا .....إبنك غبى و لايفهم شئ ...كيف سيثبت هذا الآن؟ ....سأتكلم مع ناصف بك وأذهب للقسم .. أنا إختنقت من بشير هذا . (يغلق محموله )
    جميل ( يستند بظهره إلى ظهر المقعد ) : بشير و مصطفى صديقه ضربا لطفى وأخر معه .. تيفا اشتكاهم فى قسم الشرطة.. أخى الحمار لايعرف أن تيفا مرشد للمباحث.
    عادل : وماذا ستفعل الآن .
    جميل : ليس أمام الأغبياء الاثنين إلا لأن يقبلا حذاء تيفا و من معه فى قسم الشرطة .
    سمير : ولا يخافا أن يشتكيا وهم تاجرا بانجو .
    جميل : وهل ضبطا به . هم يشتكون بالاصابات التى فى جثثهم . لعل الغبى أن يستفيق من الوهم الذى يعيشه . ماله بهم (ينهض واقفا ) .لقد اشتكى لى تيفا منهما من قبل . بشير يتعرض لتجار البانجو بالكلام فى المسجد. والناس تعرف عن من يتكلم .والآن هل سينفعه الناس بعد أن يحترق بنارهم ؟.
    ***********************
    ( 9 )
    فى غرفة الحجز جلسوا جميعا صامتين : بشير و مصطفى و معهما تيفا ومعزة تاجرا البانجو الذين تشاجر معهما وقد علت وجوههم بعض الكدمات . كان معهم أيضا رجل حسن الهندام فى الخمسينيات من العمر لا تبدو عليه ملامح المجرمين أما سادسهم فكان شاب فى الثلاثينيات ضخم الجثة .
    وقف تيفا على شباك باب الحجز يصيح : أخرجونى ..أريد محسن باشا ..أخبروا محسن باشا أنى هنا ..يا عالم أنا المضروب ..ألا يوجد عدل.. أريد أن أتكلم مع محسن باشا. ( تستفز نداءاته المتكررة الشاب الضخم الموجود معهم فى الحجز )
    الشاب : اجلس يا ولد و اخرس . أصبتنا بالصداع . ( تيفا ينظر له متوجسا ثم يعود ليجلس بجوار زميله الشهير بالمعزة)
    يميل الرجل برأسه نحو بشير : ما الموضوع ؟ ( بشير يكلمه وإشارات يديه تتجه نحو تيفا .الرجل يسمع فى صمت ثم يعتدل فى جلسته و يوجه الكلام لتيفا)
    الرجل : أنت إذن تاجر بانجو .. الله يخرب بيتك
    تيفا : كن فى حالك.
    الرجل : والله لو حكمت فيكم ,ما أحكم إلا بالشنق .
    تيفا (يعلو صوت) : إمسك لسانك .قل لهذه الليلة أن تمر. (يقف كأنه يتهيأ لشجار )
    مصطفى(لتيفا) : اسمع . هو محضر واحد ضرب و لن يضاف له ملاحق. ولا أريد أن اسمع صوتك. هو قال الله يخرب بيتك وأنا أزيدك الله يحرقك.
    (الشاب الضخم يتدارك غضب تيفا فبل أن يعبرعنه ): إقعد يا حمار
    (يقف تيفا ويسرع ثانية نحو الباب صارخا )
    تيفا : يا شاويش حسن .. أنا سأموت هنا ..يريدون أن يقتلونى ..يا شاويش حسن.
    (لمفاجأة تيفا يأتى الشاويش ليفتح الباب و يشير لتيفا بالخروج فينظر تيفا وراءه لهم فى نظرة استعلاء وانتصار بينما يغادر )
    تيفا : إذن محسن باشا يريد أن يرانى .
    الشاويش: ولا يحب أن يرى وجهك . (تظهر الصدمة على وجه تيفا) شريف بك يريدك.
    تيفا : لماذا ؟
    الشاويش : إسأله.
    تيفا : أريد أن أرى محسن بك .أقبل رأسك ياشاويش . الله يبارك فى عمرك. ( يميل عليه ليهمس) لك الحلاوة.
    (يقبض الشاويش على قفاه ثم يدفعه بغلظة ناحية الباب ثم يقبض على ذراعه ساحبا إياه نحو مكتب الضابط شريف الذى يشير للشاويش بالخروج فيخرج و يغلق الباب..
    الضابط شريف : إسمع يازفت . أليست لك صحيفة سوابق هنا.
    تيفا : يا باشا أنا خادمكم .أنا مضروب وبى إصابات وهما اعترفا بضربى. أنا مغلوب و مسكين يا بك .
    الضابط شريف :لذلك تريد أن ترسل بهما للسجن . (يصمت تيفا) وأنت تخرج من هنا نظيفا.
    تيفا : يا سعادة الباشا...
    الضابط شريف :أتذكر يوم ضربك أحد أشباهك بشفرة حلاقة و علم على وجهك. أتذكر أنك تصالحت معه.
    تيفا : صحيح ياباشا.
    الضابط شريف : كم قبضت منه يومها. (تيفا يضع وجهه فى الأرض) كم تريد منهم اليوم؟
    تيفا : لاشئ يا باشا .أنا أريد حقى القانونى . أنا أخاف على نفسى منهما يا باشا. ثم هما ليسوا وحدهما . هم إرهابيون يا سعادة الباشا. بشير يلعننى فى المسجد على مسامع الناس و الكل يعرف أنه يقصدنا . تكلمت مع أخيه وطلبت ألا يتعرض لنا .نحن لانؤذى أحدا ولا نعمل شيئا خاطئا وهو يفترى علينا و يقول تجار بانجو . أنا خادم الحكومة فى الشارع يا باشا . أستحلفك بربك تسأل محسن باشا عنى.
    الضابط شريف : أه .. تذكرت شيئا أخرا . أتذكر قطعة الحشيش التى نسيتها فى أحد جيوبك و أنت تنزف دمك هنا.
    تيفا : وأنا قلت يومها ليست تخصنى وإنهم وضعوها فى جيبى وأنا مضروب أنزف لاأدرى شيئا.
    الضابط شريف : ( يمد يده فى درجه فيخرج قطعة صغيرة ملفوفة بورقة شفافة بدت بالكاد بين إصبعيه.) أنا نسيت أردها لك يومها . خذها .أمانه لابد أن تعود لأصحابها .
    تيفا (يصمت لحظات وقد ظهر الفزع فى وجهه) : ليست لى . مع ذلك نبدأ صفحة جديدة يا باشا و أولها الصلح مع بشير و صاحبه. أنا خادم الشرطة و عبد المأمور .واسأل محسن باشا.
    ( طرقات خفيفة على الباب ثم يطل جميل ومعه سمير و عادل وأحد المحامين حيث يدخلون تباعا)
    جميل (فى أدب و صوت خفيض) :ممكن سيادتك تتكلم مع ناصف بك على المحمول .
    الضابط شريف : و ما الداعى .الموضوع انتهى. كلها دقائق و سينصرفون. لو تأخرت قليلا لسبقوكم إلى لمنزل.
    جميل ينظر فى تعجب نحو عادل ثم ينظر صامتا نحو محموله الممتد فى يده و قد ألجمته المفاجأة .
    الضابط شريف : شاويش حسن أحضر بشير و مصطفى
    الشاويش : إنهم يتناولون العشاء الآن .الأستاذ اسماعيل المحتجز معهم دعاهما على عشاء من الكباب .
    جميل (مندهشا) : كباب !!
    ******************************
    ( يـُتبع )

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء نوفمبر 26, 2024 7:53 pm