[size=16]الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين :
بغداد ماذا أرى في حالك الظلــــم | نجماً يلوح لنا أم لفــــحة الحمـــم | |
أرى النواحي وضوء النار يلفحهــا | فكيف تجتمع النيران بالظلـــــم | |
بغداد لاتسكتي ردِّي على طلبـــي | وامحـي سؤال الذي أحكيه ملأفــمي | |
بغداد أين زمان العز في بلــــــــدٍ | كان السلام به أسمى من العَلَـــــم | |
دار السلام أيا بغداد هل بعــــدت | عنك الجحافل في يوم الوغى النهـم | |
بغداد أين سحاب المزن إذ حكمــــت | يد الرشيد بعدل الله في الأمـــــم | |
كتبت والحبر من نهر الفرات جـرى | شعراً يترجم مجداً غاص في الـقـدم | |
بالله قولي أيا بغداد مافتئــــــت | يد المغول تزيد الجرح بالكـلـــــم | |
مرت قرون ثمان والجروح بنـــا | تغور من رجس ماصبُّوه من نــــقـم | |
شمس الحضارة لم تشرق بساحتـــنا | من بعدهم وغدونا أمة الرخـــم | |
تباً لمستسلم لم يحم دولتـــــه | فاستهدفتها عبيد الرجس والصــــنم | |
تباً لمستسلم كانت بطانتـــــــــه | تزيغه عن طريق الحق والـــقيـــــم | |
فهل يروم مـن الزنديق حكمتـــــه | والعلقمي جميل الرأي والحـــلـــم | |
تباً لمستسلم يلقاهمُ فرحــــــــــاً | ويلتقي الناصح الصديق بالجــــهــم | |
تباً لمستسلم أضحت بطانتـــــــــه | تدوس فيه كرام الشعب بالــــجزم | |
تباً لمستسلم أمست حواشيـــــــــه | تشارك الناس في الأرزاق والــلقـــم | |
تباً لمستسلم أدنى الحثالة من عــرش | وأبعد أهل الفضل والـــــــكـــــرم | |
تباً لمستسلم قد خان أمتـــــــــه | وسلَّم الحكم للأوباش والـــدهـــم | |
تباً لمستسلم أفنى خزينتــــــــــه | على الغواني وأهل الرقص والنغـــم | |
تباً لمستسلم يخشى رعيتــــــه | وآمنٌ بين أعداء على الحُـــــرَمِ | |
تباً لمستسلم أهدى مدينتــــــه | إلى المغول وظن الأمن في الســـَلَمِ | |
تباً لمستسلم لايستحي أبــــــداً | ينقاد ذلاً من الأعداء كالبَهَـــمِ | |
بالله قولي أيا بغداد لارقـــــــدت | عين الجبان إذا نامت عن الهمــم | |
واستخلف الله في عَصر لقيتِ بـــه | ذل المهانة بين العرب والعجـــــم | |
حان الوداع أيا بغداد فانتحــــــبي | فقد أصيب جميع القوم بالصمــــم | |
حان الوداع أيا بغداد قد نحـــرت | رجولة القوم في ميدان منتقـــــم | |
حان الوداع وعذر القـــــوم أنهمُ | لايقدرون على الأرماح والُحُســــم | |
هذا الوداع فموتي خير عاصمــة | مذبوحة ربما ماتت بلا ألــــــم |
أيها الأحبة:
السؤال كيف انتصر يوسف عليه السلام ؟! وكيف مُكِّن له في الأرض؟
وكيف وصل إلى ماوصل إليه من العزّ والسؤدد؟
وكيف نصل إلى ذلك ؟! ويمكَّن لنا في الأرض كما مُكِّن ليوسف؟
الذي يتتبع سورة يوسف عليه السلام وسيرة يوسف يجد أنه مرَّ به من الآلام والمحن والكرب أعظم مما يمر بنا الآن مرَّ به وهو فرد من الغربة وذل العبودية وفتنة الشهوة والسجن وغير ذلك ماتتلاشى أمامه عزائم أقوى الرجال ومع ذلك فكانت هذه النهاية العجيبة ليوسف عليه السلام.
الذي يقرأ قصة يوسف في أولها هل يتصور أنه يصل إلى ماوصل إليه من عز وتمكين وسؤدد وقوة. وماأشبه الليلة بالبارحة. وقلت لكم عندما اخترت هذه السورة إنني اخترتها لأن الله قال فيها آيات للسائلين. وقال في آخرها(( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ماكان حديثاً يفترى )) أقف اليوم مع بعض عوامل النصر وأهم عوامل النصر التي أخذ بها يوسف عليه السلام وحصل على العز والمجد والسؤدد في الدنيا والآخرة فإذا أخذنا بها فإننا بإذن الله منتصرون وإننا بإذن الله غالبون لعدونا فلا يأس وكما قال يعقوب عليه السلام (( يابني اذهبوا فتحسَّسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله أنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون )) في وقت اشتدت الأزمات على يعقوب عليه السلام وكثرت عليه المصائب وبَعُد عنه أبناؤه فإذا هو عليه السلام يقول هذه المقولة لأبنائه التي لايقولها إلا من أعطاه الله علماً وفقهاً وفهماً كما قال : (( وأعلم من الله ما لا تعلمون )) فيقول لامكان لليأس حتى قالوا له (( تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين. قال إنما أشكو بثِّي وحزني إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون. يابني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولاتيأسوا من روح الله إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ))
في هذه الأحوال التي نعيشها وعباد الصليب يغزون بلاد المسلمين وإخوان القردة والخنازير يفتكون في فلسطين ومن خلفهم ومن أمامهم أعوانهم من خونة هذه الأمة قد تشتد الخطوب وتصاب النفوس باليأس والقنوط. أقول لايأس لاقنوط. كما لم ييأس يعقوب عليه السلام ولم يقنط ولم ييأس من روح الله، فما أحوجنا إلى ذلك. فيوسف – عليه السلام – هذا الغلام الذي فقد أوفارق أبويه وأهله ومرت به هذه المحن وصل إلى ماوصل إليه.
أمتنا بحاجة إلى هذه الدروس على مستوى الفرد وعلى مستوى الأمة بهذا نحقِّق النصر بإذن الله وألخصها بما يلي :
من أعظم الدروس هو انتصار يوسف عليه السلام على نفسه، ويا أحبتي الكرام من هزمته نفسه لن يهزم عدوه وأقوى هزيمة تحل بالفرد والأمة أن يصاب الفرد من داخله أو أن تصاب الأمة بهزيمة من داخلها. يوسف عليه السلام انتصر على نفسه فتحقق له التمكين. كيف انتصر على نفسه ؟!
عندما انتصر على نفسه مع امرأة العزيز. استعصم ولم ينحني للشهوة مع توافر الدواعي وزوال الأسباب إلا أنه رأى برهان ربه وهذا البرهان مع كل واحد منا. هذا انتصار ليس بالأمر السهل، من السهل أن انظِّر إليه أو انظِّر له بكلمات ولكن نسأل الله أن يحمينا وإياكم إذا واجه الرجل الفتنة والشهوة مع توافر الدواعي والأسباب وزوال الموانع من يثبت كما ثبت يوسف عليه السلام ؟!
انتصر على نفسه بثباته في بيت العزيز انتصر على نفسه مع أخوته في عفة لسانه كما ذكرت لكم مراراً حتى لم يجرح مسامعهم بكلمة واحدة.
هل انتصرت على نفسك بسيطرتك على لسانك ؟! أمسك عليك لسانك كما يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم .
انتصر على نفسه بصدقه المتناهي اسمعوا إلى قوله تعالى (( قالوا ياأيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين )) (( قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذاً لظالمون)) ماهو الصدق هنا ؟!
ماقال معاذ الله أن نأخذ إلاَّ من سرق. لا. ماقال من سرق لأنه يعرف أن أخاه لم يسرق. إنما قال معاذالله أن نأخذ إلاَّ من وجدنا متاعنا عنده. فلم يتهمه بالسرقة. دقة تعبير متناهية ويقول إن جزاء السارق كان أصل القصَّة أنه يؤخذ لم يقل هذا سارق فإذاً أخذناه . لا. سبحان الله فدقة التعبير انتصار على النفس والصدق انتصار على النفس .. صحيح هو وجد متاعه عنده لكن حقيقة لم يسرق ولم يتهمه بالسرقة أبداً هو صادق وجد متاعه عنده. ماكان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله. من انتصاره على نفسه عفوه عن إخوانه مع كل ماجرى قال: (( لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم)) بكلمة واحدة.
وأعجب من عفوه.. انتبهوا لها جيداً مع أن العفو (( ومايُلقَّاها إلاَّ الذين صبروا ومايُلقَّاها إلاَّ ذو حظٍ عظيم )) هذا قول الله جل وعلا العفو ليس بالأمر السهل ومع ذلك عفى وصفح لم يذكِّرهم بكلمة واحدة بعد أن عفى عنهم. فلما قال لأبيه ((ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً قال ياأبتي هذا تأويل رُؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين أخوتي)) مع أن إخراجه من البئر أعظم من إخراجه من السجن.
لكنه عفى عنهم فلايريد يمر على البئر الذي وضعوه فيه. لأنه عفى عنهم. ولم يقل بعد أن نزغ الشيطان أخوتي. قال من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين أخوتي. كم عفونا عن الناس هذا إن كنا عفونا ثم نجلس طول عمرنا نتحدث عن هذا الشخص ونقول أخطأ علينا وفعل.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول (( المتسابان ماقالا، فعلى الباديء مالم يعتدي المظلوم)) (يعني حتى لولم يعفو) يعني ممكن المظلوم يعتدي يسبب كدرا فيما يتحدث ممكن يكون أحد أخوانك أخطأ عليك خطأ ولكثرة ماتذكر أنت هذا الخطأ عند من لايعنيهم الأمر تكون وقعت في أضعاف الخطأ كيف إذا كنت سامحته وعفوت عنه. تسامحه وتعفو عنه وتبقى أحياناً سنوات وأنت تتحدث عن هذه القضية. أما تعلم ماذا يحل بك ماجنيته ……… يوسف أبداً عليه السلام لما قال لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم التزم بهذه الكلمة فلم يمسَّهم ولم يوميء إليهم ولم يشر إليهم. هذا انتصار على النفس. هذا الانتصار أولى مقدِّمات انتصاره العظيم. أيضاً .
ثانيا : من مقومات انتصار يوسف عليه السلام صبره العظيم بل صبره العجيب ولذلك قال في آخر المطاف لأخوانه (( إنه من يتق ويصبر فإن الله لايضيع أجر المحسنين)) صبر يوسف عليه السلام عجيب صبره عندما أخذه أخوانه وهو صغير لم ينطق ولم يذكر القرآن أنه تفوَّه بكلمة. صبره في بيت العزيز صبره على مراودة النساء (( رب السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه)).
صبره في السجن صبر أصبح مضرب المثل للأمم على مداد التاريخ صبر يوسف عليه السلام. صبره عندما تولَّى الرئاسة والملك كيف كان صبره في هذا الأمر ولذلك دائماً أوميء إلى موضوع الصبر (( إنه من يتق ويصبر فإن الله لايضيع أجر المحسنين)).
ثالثا: وآمل أن نذعن لأهمية هذا الدرس وكنت أردت أن اقتصر عليه فقط ولكن أدمجته مع بقية الدروس..
من أقوى عوامل نجاح يوسف عليه السلام التخطيط وبعد النظر وعدم الإستغراق في اللحظة الحاضرة.
أولاً … وهذا يتضح في مواضع من أبرزها ثلاثة مواضع وهو في السجن كان بعد نظره والتخطيط الذي سلكه عندما أتيحت له الفرصة بالخروج مع أن هذه حالة نفسية لايعرفها إلا من مارسها. رفض أن يخرج ((ارجع إلى ربك فاسأله مابال النسوة)) عنده بعد نظر تخطيط بعيد جداً.
حب الخروج ولذة الخروج والملك هو الذي يدعوه ويفرج عنه بلا شرط ولاقيد يقول.لا. يرمي إلى شيء بعيد فاسأله مابال النسوة اللاتي قطعن أيديهن، حتى في هذه الكلمة انظروا إلى عفة يوسف عليه السلام. ما قال مابال امرأة العزيز. لم يشر إلى امرأة العزيز حتى لايحرج زوجها ولايحرجها . مابال النسوة. ولاقال مابال النسوة اللاتي راودنني. قال مابال النسوة اللاتي قطعن أيديهن.
كان يرمي إلى هدف بعيد وتخطيط دقيق تحقَّق له.
عدل سابقا من قبل في السبت ديسمبر 15, 2007 6:05 am عدل 2 مرات