استاذنا طه حسين كان إذا تكلم أو تحدث، فإنه يتغنى باللغة العربية..
كأنه يبوس حروفها حرفاً حرفاً. وكان لعباراته إيقاع كأنه مطرب أعجب الناس فراح يعيد ويزيد.. وظهر عدد كبير من تلامذته يتكلمون مثله..
أما استاذنا العقاد فكان يهضب الكلام ويخطف العبارات. ولا يهمه كثيراً أن يتابعه المستمع. وكان لصوته صدى واحد. سواء كان يقول شعراً أو نثراً. فهو لا يتغنى بالكلام وإنما كأنه يهدر به. مع أن العقاد قوي العبارة. قوي المنطق قوي الحجة. ولذلك كانت عباراته كأنها معادلات هندسية.
أما أمير الشعراء شوقي والشاعر إبراهيم ناجي وتوفيق الحكيم فيهربون من الحديث في ندوة أو محاضرة: لأنهم جميعاً يتأتئون.. فكان أحمد شوقي يطلب من حافظ ابراهيم أن يلقي قصائده. ولم يظهر توفيق الحكيم إلا مرات قليلة ليقول بعض العبارات. وكان يقول انه لم يتدرب لا على الخطابة ولا على الحوار ـ مع أنه أستاذ أساتذة الحوار في المسرح العربي. ولكنه الحوار الداخلي..
وكانت أم كلثوم لا تحب أن تتحدث فصوتها غليظ ممتلئ.. أما الموسيقار محمد عبد الوهاب فهو لا يتكلم وإنما يلحن ما يقول.. ولا ينقص كلامه إلا أن تصاحبه أداة موسيقية. وكان لا يواجه الكاميرات. وإنما يعطي الكاميرات جانباً من الوجه. الجانب المفضل عنده. ويحب أن يقوم بإجراء بروفة على الحوار ليختار المعاني. وقد حاول تقليدَ عبد الوهاب كثيرون.
وكان الرئيس السادات عنده احساس بأن صوته موسيقي. وانه صاحب حوار ودود. ولكنه كزعيم سياسي يجعل صوته كأنه نداء جماهيري. فإذا حدثك، فإنه يجعلك تحس بأنه يتحدث إليك والى ملايين وراءك وعلى جانبيك..
ومن الأحداث التاريخية أنني جمعت العقاد وطه حسين والحكيم على ثلاثة خطوط تليفونية. وكنت أسأل الواحد عن رأيه في الآخر.. ثم أنقل هذا الى ذاك.. في قضايا شخصية..
أما طه حسين فله سخرية جميلة كأنه يدغدغك بوردة، وأما العقاد فكأنه أمسك سيفاً قاطعاً، وأما الحكيم فهو يسخر من الاثنين ـ منتهى المتعة الأدبية!
أما «أشيك» الجميع زياً وحديثاً وحواراً وحناناً فقد كان أستاذنا الشيخ مصطفى عبد الرازق..