يستعرض هذا التقرير بجرد موجز لوضعية الطفولة بإقليم الحسيمة، وهي وضعية لم تنل بعد اهتمام الفاعلين والمسؤولين، وباتت تحتل رتبا متأخرة في سلم الأولويات السياسية الاقتصادية الاجتماعية والثقافية في ظل تشعب الملفات المجتمعية الكبرى.
ومنذ تأسيسها في السنوات الأولى من هذه الألفية. لم تلبث جمعية إزوران للثقافة والتضامن بالحسيمة تعمل على الرفع والرقي بوضعية الطفولة بالإقليم، باعتماد التراكمات الانسانية النبيلة في هذا المجال عبر برامج وأهداف تتوخى ترسيخ ثقافة المواطنة الحقة، وتعزيز قيم السلم،السلام والتسامح.....
ولابد من الاشادة هنا أيضا بالدور الهام الذي تقوم به الجمعيات المدنية العاملة بحقل الطفولة والتي أخذت على عاتقها أيضا مهمة تنمية أجيالنا الصاعدة وتأهيلها لتحتل بأمان وضعها الصحي والطبيعي في المجتمع.
إن المتتبع لوضعية الطفولة بإقليم الحسيمة خاصة أو على المستوى الوطني عامة سيلاحظ التناقض الصارخ بين الخطاب الرسمي والواقع اليومي :
فكتابة الدولة التي أنيطت بها مهمة وضعية الطفولة لا تتوفر على مندوبيات أو مصالح لها في العديد من الأقاليم ،وليست لها ميزانية قارة تمكنها من إنجاز البرامج الموجهة لهذه الفئة، ويبقى دورها أساسا منحصرا في الإطلالات الإعلامية المناسباتية.
وهي نفس وضعية برلمان الطفل، التي وإن شكل خطوة إيجابية على مستوى طرح قضايا وانشغالات الطفولة فإنه لم يتجاوز أيضا صفته الرسمية والمناسباتية.
وعلى مستوى إقليم الحسيمة لازالت تتفاوت وضعية الطفولة بين المراكز الحضرية والقروية، فكل المؤشرات تتفق على أن:
- الحق في التعليم لازال يعرف مسا خطيرا نتيجة الرهانات السياسية والاقتصادية التي تستهدف هذا الحق، فالعديد من أطفال القرى مازالوايقطعون العشرات من الكيلومترات للوصول إلى الفصول الدراسية، وهي غالبها أقسام مهترئة لاتتوفر على الشروط الدنيا للتحصيل، ولا على أية مرافق صحية أو أية محفزات تابعة تضع حدا للهدر المدرسي وتشجع التمدرس.
ورغم المجهودات الكبرى التي تقوم بها الأسرة التعليمية للرقي بوضعية التعليم وهي في الغالب مجهودات بإمكانيات ذاتية، يسجل بالمقابل إخلالا بالواجب المهني لبعض رجال ونساء التعليم ببعض المناطق النائية بدوافع قانونية أحيانا وغير قانونية أحيانا أخرى للتملص من هذا الواجب النبيل، مما يعرض العملية التربوية في أحيان كثيرة لتعثر لافت. كما يسجل على المستوى التعليمي أيضا ضعف الطاقة الايستيعابية للعديد من داخليات الإقليم ، وغياب الشروط الصحية للإقامة بها، وهي وضعية مرتبطة أساسا بضعف الاعتمادات المالية المخصصة لهذه المرافق،مما يستلزم تظافر جهود كل المتدخلين للنظر في وضعية هذه المرافق لما تشكله من استقرار نفسي لفئة عريضة من التلاميذ والتلميذات.
كما لوحظ وعلى غرار السنوات الماضية قلة الأطر التربوية بالإقليم إذ يفتقد تلاميذ المؤسسات التعليمية الإعدادية والثانوية إلى أساتذة في مواد مختلفة، يظطر معها التلاميذ إلى الاحتجاج، وهي احتجاجات سلمية مشروعة ينبغي تفهمها والتفاعل الايجابي معها.
بالمقابل تتنامى ظاهرة الدروس الخصوصية وبأثمات خيالية، وهي وضعية شاذة تكرس تمييزا ومسا خطيرا بالحق في التعليم كحق أساسي لكل طفل وفق فرص متكافئة.
وعلى النقيض من الخطاب الرسمي أيضا يسجل تعثرا كبيرا في مشروع إدماج الأمازيغية في التعليم، فرغم أن هذا المشروع يتناقض مع مطالب ومطامح الحركة الأمازيغية والحقوقية عامة، فإنه لا ينال الاهتمام الكافي من المسؤولين على الشأن التعليمي، إذ لا تدرس الأمازيغية في العديد من المستويات التعليمية المدرجة ضمن هذا المشروع، ممل يتناقض جوهريا مع الحقوق اللغوية والثقافية المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الطفل (20 نوقمبر1989)، مما ينعكس سلبا على مستقبل أجيال بأكملها، فرضت عليه السياسة التعليمية قسرا نموذجا مختزلا وغير متوازن للعملية التربوية.
كما تغيب البرامج التربوية التنشيطية والثقافية الأمازيغية من كل وسائل الإعلام الرسمية والخاصة مما يعد شكلا آخر من أشكال التمييز اللغوي وهو ما يتجلى أيضا في منع الأعمال المسرحية الأمازيغية في المهرجان السنوي للمسرح المدرسي.
لابد من الإشارة كذلك إلى مصادرة حق الأطفال في الإنتماء للجمعيات إذ يعمد المسؤول الأول عن قطاع التعليم بالحسيمة ممثلا بالنائب الإقليمي إلى رفض الترخيص والمنع من استغلال قاعة العروض بمدرسة علي بن حسون للجمعيات الأمازيغية والترخيص لجمعيات أخرى باستغلال نفس الفضاء، ضاربا عرض الحائط كل القوانين ومستندا في ذلك إلى مبررات واهية ولامسؤولة.
كما سجلت الأسابيع الأخيرة من هذه السنة أيضا هجوما كاسحا وغير مبرر بالإقليم على المناطق الخضراء خاصة بمدينة الحسيمة، كان آخرها الاجهاز الكامل على فضاء حديقة 3 مارس، هذا الفضاء الذي يشكل ذاكرة جماعية لأجيال بأكملها في الحسيمة، وتعدى الأمر كذلك الى الإجهاز على الجناح الوحيد للعب والترفيه بالإقليم والكائن بنفس الحديقة. وهو الفضاء الذي كان موضوع مساعي،مراسلات ولقاءات للجمعية مع المسؤولين بعد رفع توصية في الموضوع منذ نوفمبر 2002 الى كل من يهمهم الأمر بشأن إصلاح هذا الفضاء وإنشاء فضاءات أخرى بالإقليم.
ويشكل هذا الزحف الجديد للكتل الإسمنتية على هذا الفضاء جريمة ومسا خطيرا سيستهدف حقا أصيلا للأطفال في اللعب والترفيه.
أما على مستوى الحق في الصحة، فيعتبر الأطفال أكثر عرضة للأمراض بالاقليم نتيجة قلة بعض التخصصات والتجهيزات الطبية أو بعدها عن بعض المراكز الصحية إذ كثيرا ما يظطر لنقل الأمهات واللأطفال الى المستشفى المركزي الوحيد بالحسيمة مما يشكل في الغالب مضاعفات خطيرة على صحة الأمهات والاطفال معا.
ولابد من التذكير هنا بحالات الاهمال التي طالت الاطفال والمس بالحق في الصحة والتطبيب بمستشفى محمد الخامس وهي الحالات المذكورة في تقارير للجمعية المغربية لحقوق الانسان بالحسيمة.
في نفس السياق لوحظ تنامي ظاهرة تشغيل الأطفال دون السن القانوني بمهن مختلفة كصيانة السيارات والنجارة والخياطة، كما تنامت ظاهرة التسول واستغلال الأطفال بها بالعديد من المناطق بالاقليم. كما يتزايد أيضا عدد الاطفال ماسحي الأحذية وبيع السجائر، وهي ظواهر لاتتوفر على معطيات وبيانات حولها، اللهم ما سجل من حملات وتحركات أمنية موسمية خلال بعض فصول السنة.
كما تجدر الاشارة الى أن برامج الإدماج الاجتماعي للأطفال في وضعية صعبة والاطفال الجانحين على المستوى الرسمي أو على مستوى مبادرات بعض جمعيات المجتمع المدني بالحسيمة، لم يكتب لها النجاح لغياب نظرة شمولية تقارب أسباب الظاهرة أو غياب متابعة ميدانية لهذه البرامج على المدى المتوسط، إذ يضطر العديد من الأطفال الذين استفادوا من هذا البرامج الى العودة الى نفس السلوكات والانحرافات وبعض المظاهر الحاطة بالكرامة الانسانية.
بالاضافة الى أن العديد من الترسبات الثقافية السلبية بالمنطقة، الى جانب السياسات الرسمية تجعل العديد من الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة بمنأى عن الاهتمام مما يعرض هذه الفئة الى إهمال مضاعف، تحرمهم من كل الحقوق المعترف بها لهم وطنيا ودوليا وتجعلهم مثار استغلال ومزايدة واضحين.
إن هذا التقرير هو خطوة ودعوة للتفكير الجماعي والجدي لإيلاء الاهتمام بقضايا الطفولة وتوفير كل الشروط المواتية للرقي بوضعها وهو ما نراه من خلال:
- فتح نقاش جدي بين كل المتدخلين في الموضوع.
- احترام كل المواثيق والعهود الوطنية والدولية المتعلقة بحقوق الطفل.
- تشريع وسن سياسة اقتصادية واجتماعية عادلة تضع حدا لكل أشكال التمييز والإقصاء الاقتصادي، الاجتماعي الثقافي واللغوي بين الأطفال
- القطع مع كل السياسات والممارسات التي تتنافى وحقوق الطفل وتجريم كل المسؤولين والمتورطين الذين تتبت خرقهم لهذه الحقوق.
- دعم الجمعيات المدنية العاملة بحقل الطفولة وإيلاء مجهوداتها الأهمية المناسبة بما يتلائم وأهمية هذه الشريحة المجتمعية.
-إيلاء الحيز الهام لقضايا الطفولة في كل البرامج التنموية بالاقليم
-الأخذ بعين الإعتبار ماورد من ملاحظات تضمنها هذا التقرير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جمعية ازوران للثقافة والتضامن / دار الشباب الحسيمة
Email : ass_izouran@yahoo.fr
رقم الجمعية 011703838
