إن أمن المغرب ، وسلامة المواطن المغربي يهددها مرض الشعوذة الذي تفشى في أيامنا مستترا خلف قناع مجموعة من الممارسات كالعلاج بالأعشاب والجداول وغيرها ، وقد أثارت هذه الممارسات الرأي العام الوطني ، وقد بلغت زمرة من أصحابها حد التطاول على علم دقيق كعلم الفلك ، وذلك بهدف تضليل المواطنين والإحتيال عليهم لتحقيق الإغتناء السريع.
وما يكرس لخرافات هؤلاء هو الأرضية الهشة المتمثلة في طغيان ثقافة الإيمان بمعتقدات متوارثة عند بعض السذج أو اليائسين ، نتيجة استفحال الجهل والتخلف والمشاكل الإجتماعية والإقتصادية ، كما أنهم لعبوا بديهيا على المتناقضات وحالات الضعف النفسي لدى الأفراد ، إضافة إلى مساهمة عدد من الجرائد الصفراء في إشهار ادعاءاتهم ، مما يفتح المجال الأوسع أمامهم لعرض مزاعمهم.
لكن اللافت للنظر والذي يستوجب التفاتة - ثورة- هو تطاول بعض الدجالين بالمغرب على القرآن الكريم بزعمهم معالجة - مرضاهم- بالإعتماد عليه.
لقد انتشرت ظاهرة اللجوء إلى السحرة والدجالين خلال السنوات الأخيرة ، مما يدل بشكل لا يقبل الشك على مدى تدهور مستوى التفكير الموضوعي والعلمي في أوساط المجتمع المغربي ، وانحداره إلى درجة الجهل والتشبت بتلابيب الوهم والدجل والكذب الممنهج ، ولذلك فقد ازداد عدد المشعوذين والدجالين المتطاولين على علم الفلك مع ذلك الإقبال ، وصار أصحاب الشهادات والمناصب العليا وبعض المثقفين أيضا زبائن هذا الدجال أو ذاك ،وقد عرفت الشعوذة بأنها خفة في اليد وترتكز على عنصري الخفة والخداع ، كما أن سياسة المشعوذين ذكية ومشجعة إذ يكتفون خلال الزيارة الأولى بمبلغ رمزي ثم ترتفع "الفاتورة" في الزيارات الموالية تحت ذريعة ارتفاع ثمن البخور والعقاقير التي يستعملونها ، إذ تتجاوز أحيانا 30 ألف درهم ، وعلى العموم فإن نتائج أعمالهم تكون مدمرة وفاشلة ، فالإحصائيات وكذا المتابعات الميدانية تؤكد أن النساء بشكل عام يثقن بالدجالين أكثر من الرجال ، وكثيرا ما تقف هذه الثقة العمياء وراء خراب البيوت وحالات الطلاق ، وربما القتل أحيانا ، وعلى الرغم من ذلك فإن الصحف تمتلئ بإعلانات عن هؤلاء المشعوذين الذين يفضلون تسمية وتلقيب أنفسهم بالفلكيين - دون حياء- حيث يؤكدون من خلال هذه الإعلانات أنهم قادرون على قراءة الطالع وفك النحس وجلب الغائب وما إلى ذلك ، لكن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد اختلاط في المفاهيم ، إذ أن أصحابها لا دراية لهم بعلم الغيب ولا بحقوله ، بل وكثير منهم يكون عاجزا عن قراءة السطور فبالأحرى قراءة المستقبل ، وقد تناسى هؤلاء أن الفلكي الحق لا يستحق الألف الطويلة إلا إذا تسلح بالمعرفة المستفيضة لهذا العلم ، وصقل تجربته عن طريق الإحتكاك بتجارب غيره من ذوي الخبرة في المجال ، إضافة إلى الإنفتاح على واقع الناس والمجتمع.
و للوقوف على هذا العالم الغريب الذي يختلط فيه الواقع بالخيال والصدق بالكذب وتكتنفه العديد من الأسرار ولتقريب القارئ من الموضوع حاولنا أن نقوم بجولة على بعض البؤر المعروفة التي يتردد الناس عليها.
وهكذا زرنا بحي يعقوب المنصور بالرباط المسمى ولد هلاب الإدريسي ، وهو دجال اعتبر نفسه أول منجم مغربي ، وأنه رئيس الإتحاد العالمي للفلكيين الروحانيين مع العلم أنه لا يفقه حتى كيفية كتابة إسمه ، ورث عن والده حرفة مداواة الناس بالأعشاب ، كما أكد قدرته الكبيرة في صرع الجن بواسطة العشوب والبخور والقرآن بعد المعاينة ، يقول متحدثا عن كيفية صرعه للجن ."...أنا لا أتكلم معه ولا أضرب بالعصا ، بل أداوي بالبخور و القرآن فقط ، ومن كانت حالته مستعصية نرسله إلى بويا عمر ، وغير المصاب بالجن نرشده بالذهاب إلى طبيب نفساني..." إضافة إلى تأكيده على قدرته الخارقة على قراءة الطالع ، "...نأخذ إسم الإنسان وبرجه ونقرأ له الطالع ، وتستغرق مدة قراءة الطالع ساعة أو نصف ساعة ، لأن برج الإنسان يتغير عبر الحقب..." مضيفا أن المقبلون على الإستفادة من مؤهلاته وقدراته ليسوا فقط من الدول العربية بل من أوربا أيضا ، حيث أنه دائع الصيت على حد تعبيره في مجالي علم التنجيم والعلاج بالأعشاب حيث استطاع بقدرته الخارقة وإلمامه الواسع بأسرارهما ، أن يعالج العديد من الأمراض كالعقم ، الضعف الجنسي ، الضيقة ، الحساسية ، الروماتيزم ، بوصفير...وهي أمراض استعصى على الطب الحديث علاجها فكيف لهذا المشعوذ الشفاء منها؟
مضيفا إليها ما يسميه بالأمراض الروحانية كالسحر والعين ، ثقاف النفس ، تعسر الزواج وإزالة العكس والتابعة...، وهو يعتمد في ذلك كما زعم في إطار حديثتا معه على أساليب علمية بعيدة عن كل أنواع الشعوذة والدجل والسحر الشيطاني مدعيا أنه صاحب خبرة وتجربة في المجال مدتها 27 سنة ، وأنه دارس للتنجيم الفلكي بباريس ، وله شواهد عليا منحها له "الألوسي" الذي يلقب أو يتوج نفسه (ملك الفلك والسحر) على رأس أمثاله من المشعوذين والدجالين ، والأغرب من ذلك أنه تسلل إلى عقل الإعلام العربي ليروج لادعاءاته ، ليبيع أوهامه بالدولار متاجرا في ذلك بآلام اليائسين والمتعبين من ضربات القدر، فهو لا يتورع عن طلب ثمن الوهم الذي يبيعه لهم وبالعملة الصعبة من خلال أمور الشعوذة والدجل التي يمارسها ، ادعاء معرفة الماضي والحاضر والمستقبل ، ليتطور الدجل على يديه تطورا يتناسب وتقنيات العصر.
أما بمدينة سيدي قاسم فقد داع صيت دليليح الحبيب وهو فقيه يدعى تصديه القوي لحالات السحربجميع أنواعه ، وله قدرة على استخراجه من مكانه المدفون فيه ، كما له قدرة على جلبه و لو كان في مكان سحيق من الأرض بفضل استعانته بالعلوم الشرعية ، وآخر معجزاته على حد تعبيره إعادته البسمة إلى شفاه طالب جامعي أصيب بمس شيطاني بعدما كان قد تلقى فاجعة خبر وفاة والده ، وذلك بصرعه على حد ادعائه للجن "قينوس" حيث أصيب لأكثر من مرة بحالات انهيار عصبي.
أما بتابريكت بمدينة سلا فقد حط الرحال من قلب سوس وبالضبط منطقة إنزكان رشيد الشرايبي ، دجال يدعي كغيره جمعه بين علم الفلك والدراية الكبيرة بعلم الأعشاب في حين أن كلا منهما علم قائم بذاته مع تأكيده لنا أنه يعالج الصدفية مائة بالمائة إلى جانب أمراض أخرى وله تجربة في المجال فاقت 30 سنة ، وآخر معجزاته تخليصه لفتاة إيطالية تدعى "فكتوريا" من الجن المغربي الذي كان يسكنها واعتناقها بعد ذلك الإسلام ، مضيفا ومدعيا انه يعالج بالقرآن الكريم والأعشاب جميع الحالات العضوية أو غير العضوية ، وغير بعيد عن تابريكت يتواجد بحي السلام بنفس المدينة شوقي ميلود ، وهو من نصب نفسه رئيسا للإتحاد العالمي للفلكيين الروحانيين وعضوا شرفيا بالأكاديمية العالمية للعلوم الفلكية والروحانية بألمانيا مؤكدا أنه تقلد الرئاسة مباشرة بعد وفاة حميد الأزري ، كما روج صاحبنا أيضا لفكرة انكبابه على دراسة الأعشاب و مشتقاتها.
أما بمدينة الدار البيضاء فقد اشتهر مشعوذ كبير ، يدعى أبو ناصر عبد الكبير روج لكونه أول فلكي مغربي يمثل المغرب في مهرجان علم الفلك في باريس سنة 1993 باعتباره حاصل على شواهد في علم الفلك والروحانيات وعلم الأعشاب ، وعضو في عدة معاهد عربية وأوربية ، وذلك بعد سلسلة من البحث والدراسة والعمل الجاد الذي جعل صاحبنا يحظى بصيت واسع في هذا الميدان على الصعيدين الوطني والدولي كما أكد لنا مدعيا.
أما بمدينة تمارة فقد اشتهر محمد صاديق ، مشعوذ يدعي أنه فلكي ودكتور في علم الفلك وليس أي علم فلك بل الروحاني منه!، منصبا نفسه رئيس معهد مراسلات العلوم الفلكية لجميع الدول الخارجية بتونس ، ممثل وعضو بالجمعية الأوربية لاستحضار الأرواح والحالات الغير العادية بلندن ، عضو لأحكام النجوم بجنوب إفريقيا ، عضو الإتحاد العالمي للفلكيين بفرنسا ، مؤكدا على إمكانياته وكفاءاته العلمية حيث تتلمذ على يده العديدين بمعهد الدراسات الفلكية لجميع الدول الخارجية بتونس ، وأنه يعتمد في علاج مرضاه على الحسابات الفلكية ، والقرآن الكريم وعلم النفس ، لمدة تفوق 19 سنة مؤكدا على الإرتباط الوثيق بين علم الفلك الروحاني وعلم النفس ، لكن ما يفند ادعاءات صاحبنا هو ضيق ثقافته وانعدام قدرته في التعبير عن أفكاره وهو الشيء الذي تبدى لنا من خلال حوارنا معه ، فكيف لهذا المتطاول على علم الفلك أن يفهم الآخر فكريا ونفسيا ليعالجه ما دام لا يقوى عن التعبير عن فكره؟ ولا يعلم حتى ماهية علم التنجيم و علم الفلك والفرق بينهما , ويسير على هدي رئيس معهد مراسلات العلوم الفلكية لجميع الدول الخارجية ، التونسي الميساوي عبد الله ، منصبا نفسه نائبا له باعتباره تتلمذ على يده في المعهد الذي يدرس به بتونس علم الفلك. زاعما هو الآخر أنه يعالج مرتاديه في إطار مساعدته لرئيسه بالإعتماد على الحسابات الفلكية والقرآن الكريم فالتطاول إذن لم يمس علم الفلك فحسب ، بل طال أيضا القرآن الكريم، فالخروج بالقرآن عن وضعه والبعد به عن هدفه المقرر يعد جريمة في حق الإسلام والمسلمين ومن العجب أن ترى رجالا ونساءا يستغلون جهل الناس بدينهم فيتخذون لأنفسهم عيادات يستقبلون فيها المرضى وهم بذلك أشد منهم مرضا. فيكتبون الآيات القرآنية في إناء ثم تمحى بالماء ويؤمر المريض بشربه أو تكتب قطعة صغيرة من الورق ثم تلف كالأقراص ويؤمر المريض بابتلاعها أو تحرق ويبخر بها المريض مرات ومرات حسب وصف ذلك الطبيب المجرم الآثم الخاطئ في حق دينه وأمته ، يأكل أموال الناس بالباطل وبهذا اتخذ الدجالون القرآن الكريم وسيلة لكسب العيش الحرام عن طريق لا يأباه العقل السليم والإيمان الصحيح ذلك ، فضلا عن الإنحراف بالقرآن الكريم عما أنزل من أجله وإفساد العقول وصرف المرض عن العلاج الصحيح ، و تغيير لسنة الله في الأسباب والمسببات وتشويه لصورة الإسلام والمسلمين في أعين الآخرين.
في ظل تطاول الدجالين والمشعوذين بالمغرب على علم الفلك واستغلالهم جهل الناس بحقيقة ما يقوم عليه هذا العلم وزعمهم العلاج بالقرآن الكريم في تطاول أكبر ، حري بالجهات المعنية أن تتدخل من أجل وضع حد لهذا الإحتيال بأبشع صورة. ويبقى إعمال العقل والتسلح بالعلم والإيمان هما العلاج الصحيح للسيطرة على الأمراض الإجتماعية بكل أشكالها وعوارضها.
والجدير بالذكر أن هناك ثلة من الفلكيين البارزين ، الدائعي الصيت عالما ، الذين كان لأغلب توقعاتهم نصيبها من الصدق ، إذ تحققت في أرضية الواقع ، فكان ذلك دليل على أن لها أسس علمية وليدة البحث والدراسة وسعة الإطلاع ، ولعل أبرزهم الفلكي السوري الشهير عبد القادر الدقاق ، رئيس الإتحاد العالمي للفلكيين حاليا ، وصاحب مجموعة من المؤلفات والأبحاث في علم الأبراج ، ونائبه الفلكي التونسي الكبير حسن الشارني الذي توقع وفاة الأميرة ديانا قبل ستة أشهر من حادث السير الذي أدى إلى مقتلها ، وتوقعه النهاية المأساوية للفنانة التونسية ذكرى ، إضافة إلى إصداراته المتعددة في علم الأبراج والمنشورة في بعض الصحف التونسية والعربية ، إضافة إلى الخبراء الأعضاء في الإتحاد والمعترف بهم دوليا وعلى رأسهم الخبير الفلكي عبد العزيز الخطابي أو "نستراداموس العرب" كما لقبته بعض الصحف الدولية ، والذي توقع رحيل ياسر عرفات ، الشيخ ياسين ، وزايد بن سلطان آل نهيان ، ووقائع أخرى. فبالنسبة لحادث رحيل الرئيس الفلسطيني مثلا فقد سبق للفلكي الخطابي أن ذكر سنة 2002 أن عرفات في خطر ، قبل أن يصرح برحيله في توقعاته لسنة 2004 ، كما ترد توقعات هذا الخبير في بعض الصحف الوطنية والعربية ، وفي مؤلفاته ومن أبرزها : "تحليل شخصية الإنسان وفك رموزها الغامضة" ، "نصائح وأبراج الأطفال"، كما له إصدارات في علم الأبراج ، إضافة إلى مجموعة من الدراسات في علمي الفلك والتنجيم والبرمجة العقلية العصبية ، ومن الأعضاء في الإتحاد أيضا الخبيرة الفلكية اللبنانية جمانة قبيسي ، المعروفة بإصداراتها العديدة خاصة في علم الأبراج ، وقد توقعت اغتيال مسؤول سياسي بسبب انتشار الفتن الطائفية التي قد يشهدها لبنان ، وبالفعل فقد تم اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري لنفس السبب ، كما توقعت هذه الخبيرة أيضا ، أن تبوء بالفشل محاولات المضايقات ، وكذا الضغوطات السياسية ، والنفسية ، التي تنهجها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه سوريا لفرض خطة سلام استسلامية ، ومن الأعضاء في الإتحاد العالمي للفلكيين أيضا ، ماغي فرح وهي خبيرة فلكية وإعلامية ، صاحبة إصدارات مهمة في علم الأبراج ، شأنها في ذلك شأن اللبناني سمير طنب ، العضو في الإتحاد أيضا.
أما زيد ، الذي يزعم كونه رئيسا للإتحاد العالمي للفلكيين ، وعمر ، الذي يزعم أنه نائبه وهذا وذاك الذي نصب نفسه عضوا في نفس الإتحاد أو في منظمات دولية تعنى بعلم الفلك ، وشؤون الأبراج ، فليسوا سوى خبراء في الدجل والشعوذة والخداع واللعب بمصائر اليائسين
فكري ولدعلي