المغرب Vs فرنسا
ما يجعلنا نستحضر هاته النقطة بالذات هو السياق الذي تزامن معه إقامة اللقاء، في مرحلة تعرف فيها العلاقات بين البلدين تناميا مثيرا عقب الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس ساركوزي للمغرب، في حقيقة الأمر الرابط بين الرباط و باريس يتجاوز بكثير الحقل الرسمي، إذ أن حمولة فكرية زاخمة نسجت علاقات راسخة بين الثقافتين منذ الأزل، تصل جذورها إلى ما قبل توقيع معاهدة الحماية
خطأ شاسع ذاك الذي يروم إلى تطويق هاته العلاقة بأسلاك اقتصادية مصلحية بحثة، صحيح أن المصالح الاقتصادية تأتي في مقدمة قافلة التعاون المشترك بين البلدين، و لكن هذا لن ينفي تواجد جسور متنوعة يتم من خلالها تبادل تفاصيل عديدة ذات طابع فكري، ثقافي، حضاري و رياضي؛ تفاصيل دائما ما ارتكزت على قاموس بمرجعيات سليمة، تتناغم مع التاريخ و مع الواقع، تفاصيل جعلت العلاقة بين الشعبين كما بين الهرمين الحاكمين علاقة متفردة، جاءت نتيجة لسياسات متعاقبة أسست قنوات تواصل متوازية حيانا و متقاطعة أحيانا، و ما زاد من صلابة هاته القنوات و تنميتها بمرور الزمن مبادئ مشتركة تربط المواطن المغربي بنظيره الفرنسي أساسها انفتاح واسع على الثقافات و المذاهب الفكرية، و سعة صدر أزلية لتقبل الآخر و قابلية غريبة لدمجه و الاندماج معه في مفردات حياته و التعاطي معها بكل تفاصيلها تحت غطاء من الاحترام المتبادل، و كنتيجة لهذه الحتمية، نعايش اليوم انصهارا ملفتا للجالية المغربية في أرض الديكة، و تفاعلها مع كل مجالات الحياة الفرنسية متجاوزة بذلك الشكل التقليدي لمغاربة المهجر كعمال بسطاء في قطاعات الطبقة الكادحة.و بالمقابل، تزايد بمرور الوقت عدد أفراد الجالية الفرنسية بالمغرب ليصل إلى 70 ألفا، معظمهم من الطبقة المثقفة، التي وجدت في المغرب مرتعا خصبا لتناسل الإنتاجات الفكرية الفرنكفونية بلمسة و عبق مغربيين خالصين
[مغاربة بثوب فرنسي
[كثيرون هم المغاربة الذين اخترقوا الجدارات الفرنسية على مر العصور و صنعوا لأنفسهم مجدا في بلاد القهوة و الإتيكيت، مغاربة عاندوا منطق السطوة الفكرية و أسوار العادات البائتة و حملوا أمتعتهم متوجهين نحو تألق قد يكون بعيدا عن الديار و لكنه يحتفظ بعبقها الذي يشكل في كثير من الأحيان نقطة قوة رغم بعض التحفظ من أفكار عنصرية قد تطفوا على السطح و لكنها لا تشكل قاعدة عامة
مغاربة فرنسا استطاعوا منذ الأزل فرض أنفسهم كأعضاء فاعلين في مجتمع كان بادئ الأمر غريبا عليهم، إلا أنهم تمكنوا بفطنة فطرية أن يتحولوا إلى سفراء بامتياز لثقافة عربية إسلامية يكسوها جلباب مغربي أصيل
يعتبر القطاع الرياضي أحد أبرز المجالات التي تستأثر باهتمام الشباب المغربي في الأراضي الفرنسية، و لا تكاد تخلو فرق اليج1 و الليج2 من أسماء بأصول مغربية، منها من اختار اللعب لمنتخب وطن الاستقبال، و كثيرون ارتأوا تعزيز الانتماء للوطن الأم و فضلوا استثمار جهودهم و خبراتهم المكتسبة من أجل تعزيز الانتماء للراية الحمراء دون أن يخفوا و لو لحظة حبهم و احترامهم لفرنسا التي احتضنتهم و ساهمت في تكرير مهاراتهم و ملكاتهم الإبداعية، و ما يعطي للمواجهة المقبلة طابعا استثنائيا هو كونها ستشكل مناسبة لكثير من اللاعبين المغاربة يواجهون فيها مدرستهم التي تعلموا فيها أصول اللعبة، أو على الأقل أمضوا فيها جزءا و لو يسيرا من حياتهم الكروية
و الحديث عن سفراء المغرب في الدبلوماسية الكروية الفرنسية سيحيلنا بكل تأكيد و بطريقة بديهية على إسم أشهر من لعب هذا الدور في التاريخ المشترك للساحرتين بالبلدين، يتعلق الأمر بالجوهرة السمراء العربي بنمبارك، الذي بدأ حياته الكروية في أزقة الدار البيضاء مداعبا كرة من قش بأرجل حافية، فقادته موهبته ليصبح أحد أكبر و أعظم من لعبوا لفريق مارسيليا و المنتخب الفرنسي على مر العصور، أعيد هنا مقطعا بسيطا سبق و أن أدرجته في أحد مواضيعي السابقة يوضح الدور الكبير الذي لعبته هاته الأسطورة في مد جسور الحوار بين الحضارتين: يقول الاستاذ الحسين الحياني في كتابه "العربي بن مبارك لاعب القرن" - "كان سفيرا بلونه،بفنه ،بأخلاقه بتعلقه بدينهfالحنيف، فنه يشغل المولعين فيكبر في عيونهم المغرب و ابنه المغربي المبدع، و كان سلوكه في الشارع الفرنسي وغير الفرنسي يضرب به المثل كمثال لابن بلد صغير في نظرهم ينفرد بأكرم خلق". في إشارة واضحة للمكانة التي احتلها النجم الأسمر في قلوب الفرنسيين، مما جعلهم يغيرون الصورة القاتمة المرسومة في أذهانهم حول المواطن المغربي.
و بعيدا عن كرة القدم ، فقد فرض المغاربة أنفسهم في قطاعات حساسة عديدة و وصلوا إلى أعلى المراتب في الفكر و الاقتصاد و السياسة، و خير نموذج نعرضه في هذا الباب هو الإسم المتكرر دائما و المرتبط بالرئيس ساركوزي، نتحدث هنا عن وزيرة العدل رشيدة داتي، نموذج حي لتمكن أبناء الطبقة العاملة من المهاجرين المغاربة من الإندماج و الانصهار
م
ن
ق
و
ل
