لكن القناص لايستهدف حياة عناصر الدرك، ولايحمل سلاحا، وإنما كاميرا فيديو رقمية صغيرة، يرصد بها حواجز الدرك ليصوّرهم متلبسين بتلقي الرشاوى من السائقين. ويقوم بعدها بنشر الصور التي التقطها عبر موقع "يوتيوب" الإلكتروني الشهير.
فبعدما أعلن رجال الأمن، التابعين للقائد العام للدرك الملكي حسني بن سليمان، أنهم وضعوا أيديهم على "عدوهم" الأول، بعد حملة استجوابات واعتقالات واسعة، عاد "قناص تارجيست" للظهور يوم الجمعة الماضي عبر نفس الموقع بشريط جيد، يحمل عنوان "الإنذار الصارخ".
ويتضمن الشريط، وهو الرابع له، مشاهد لعنصرين من "قسم التشخيص القضائي" متلبسين بتلقي الرشوة في الطريق العام بشمال المغرب. وجاء في مقدمة الشريط: "كفى. ألم يكفكم الوعد الصادق والبرهان القاطع والبركان الثائر. ماذا بعد. قناص تارجيست يقدم لكم: الإنذار الصارخ".
وجاء الشريط الجديد كتحد لرجال الدرك، بأن الشباب الذين جرى اعتقالهم والتحقيق معهم لاذنب لهم، وأن القناص ما زال حرا طليقا يترصد المرتشين.
وهو ما دفع القوى الأمنية لبدء حملة استجوابات جديدة، ببلدة تارجيست، التي سمّى القناص نفسه بإسمها، وتقع شمال المغرب. إلا أن كل الذين تم استجوابهم أكدوا أن لاعلاقة لهم بالموضوع.
وكان "قناص تارجيست"، أطلق أول شريط له في 8 يوليو الماضي، ليتناقله بعد ذلك المدونون المغاربة. وحمل الشريط عنوان "الوعد الصادق"، ويصور عنصرين من الدرك بأحد الحواجز الوهمية شمال المغرب منخرطين في تلقي الرشوة من السائقين.
وبعد الضجة التي أثارها الشريط الأول، أطلق شريطا آخر يوم 21 يوليو الماضي، يضم مشاهد جديدة لرجال الدرك، متلبسين بتلقي الرشوة. وأراد القناص، في شريطه الثاني الذي حمل عنوان "البرهان القاطع"، توجيه رسالة للملك محمد السادس، قال فيها : "نلتمس من ملكنا الشاب والهمام التدخل العاجل والفوري لإنقاذ هذه المدينة من فساد مسيريها والمسؤولين عن الشأن المحلي".
وأضاف القناص مخاطبا الملك عبر الشريط: "الشغل الشاغل لهؤلاء المسيرين سواء في الأجهزة الأمنية أو السلطات العمومية هو نهب المال".
ولم ييأس القناص من محاولة السلطات امتصاص القضية، فأطلق في 7-9-2007 شريطا ثالثا اختار أن يسميه "البركان الثائر"، ربما احتجاجا على عدم فتح أي تحقيق جدي. وتضمن الشريط مشاهد جديدة للدرك متلبسين بتلقي الرشوة وابتزاز السائقين.
فرق مراقبة سرية
وبعد فضائح الرشوة الموثقة، ارتفعت أصوات تطالب بفتح تحقيق حول الموضوع. لكن القيادة العليا للدرك الملكي لم تجد مخرجاً سوى الإعلان عن توقيف بعض الدركيين، وتكوين فرق سرية للمراقبة تجوب طرق المملكة.
ويقول رئيس "الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة" عز الدين أقصبي، إن ما قام به "قناص تارجيست" تعتبر مبادرة جيدة ومحبذة، "ويجب أن تتطور وتعمم وتفتح آفاقا لمبادرات أخرى من قبل المواطنين".
وحول عدم دخول الجمعية على الخط بعد هذه الفضيحة، يؤكد أن قانون الجمعية لايسمح بالتدخل في قضايا شخصية، "كما أن الأشرطة تطرح علينا مسؤولية التأكد منها وإثبات حقيقتها".
واستغرب أقصبي عدم تحرك القضاء لأي دعوى بحث حول الموضوع، إضافة إلى عدم فتح الدرك الملكي لتحقيق شامل وعميق.
ويرى عزالدين أقصبي أن الأمن والقضاء يعدان من القطاعات التي تعاني مستويات كبيرة من تفشي الرشوة، وفق الدراسات الدولية التي أجريت حول المغرب. يتابع: "ظاهرة الإفلات من العقاب أصبحت متفشية في القضايا المتعلقة بالرشوة، وعادة ما تتم معاقبة "الأسماك الصغيرة" في حين يتم التغاضي عن ذوي المراتب العليا، أو الذين تتداخل مواقعهم مع مسؤولين في الدولة".
من جهته، يرى سعيد السلمي، المدير التنفيذي لمركز حرية الإعلام بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن اعتقال قناص المرتشين، سيشكل ضربة للمبادرات المماثلة التي تريد فضح تجاوزات المسؤولين.
ويعتبر أن هذه الظاهرة تشكل نموذجاً لـ"الصحافة المواطنة"، التي أصبحت تعبر عن نفسها بواسطة المدونات واستطاعت ابتكار طرق جديد للاستنكار وفضح تجاوزات المسؤولين عن تدبير الشأن العام.
من هو القناص؟
وقد حيّرت هوية القناص الرأي العام والصحافة المغربية، وانتشت روايات عدة حوله. فالبعض يقول إنه أحد ضحايا رجال الدرك، أراد الانتقام لعائلته التي تتاجر في المخدرات، وآخرون يقولون إنه شاب مهووس بالانترنت.