السيد معمر القدافي زعيم الجماهيرية الليبية طرابلس ليبيا.
في هذا اليوم الرمزي بالنسبة إليكم الثاني يوم ثاني مارس 2007 الذي يخلد ذكرى تأسيس الجماهيرية الليبية، عبرتم عن موقفكم من المسألة الأمازيغية دون أن أدري هل كان موقفكم ذاك نابعا من قناعتكم واختياركم أم لا. وفي ما يخصني أنا، فقد انتظرت عن طواعية حلول شهر أبريل لكي أرد على خطابكم. ففي هذا الشهر من كل سنة، يخلد الشعب الأمازيغي جميعا وفي كل بلاد الأمازيغ ( شمال أفريقيا وأراضي الطوارق الصحراوية) وفي أماكن أخرى ذكرى لحظة عظيمة
من تاريخهم، لحظة تعرف باسم "تفسوت نيمازيغن" أي ربيع الأمازيغ. وهي بالنسبة إلينا تخليد لذاكرتنا ولروحنا التي تأبى إلا أن تقاوم كل أشكال الإمبريالية و تخلد حبنا للحرية. لقد تم بث تصريحاتكم بشكل واسع في وسائل الاعلام الليبية وتناقلتها وسائل الاعلام على المستوى الدولي. وتوخيا لأقصى درجات الشفافية والإلتزام بالحقيقة والعدالة، سنقوم بنشر وتعميم هذه الرسالة. في الثاني من مارس الماضي صرحتم في مدينة سبها بما يلي: " انقرض الأمازيغ منذ حقبة الممالك النوميدية. فالأخصائيون في علم الآثار والفلك يقولون أن جفافا دام قرنا من الزمان أدى إلى انقراض كلي للحضارة الأمازيغية في شمال أفريقيا. بعدها جاء العرب الذين يسمون "بر- بر" من اليمن واستوطنوا شمال أفريقا. وجاء بعدهم عرب آخرون مع مجيء الإسلام. ولما جاء المستعمرون ، قالوا لنا: أنتم بربر، أمة متميزة عن العرب. بعدها ابتدعوا كلمة أمازيغ فقط لتقسيمنا من أجل السيطرة علينا. فليببا لليبيين ولن نقبل أبدا أن يقول شخص ما أن له هذه الهوية أو تلك. وكل من يقول كذلك سيعامل كخائن في خدمة الاستعمار." لقد سمعكم أمازيغ ليبيا وغيرها من البلاد. وقد سمعوا مباشرة أقوالا تدينهم وتتنكر لهويتهم و تهددهم. كما سمعوا أقوالا تعيد كتابة تاريخهم. فأنتم تحدثتم عن نساء ورجال وأطفال الذين يعيشون يوميا هويتهم الأمازيغية جرحتها أقوالكم. فيا له من أخبث استهتار بحق اساسي مثل انكار وجود شعب بكلمات خطابية مغرضة، كيف سيكون شعورنا عندما يقرر زعيم في خطاب له محو وجود الناس الأكثر ضعفا من أبناء شعبه في ذات الوقت الذي ما فتئ فيه يكرر التعبير عن إرادته لقيادة شعبه؟ فأنتم لم تنفكوا أبدا تدينون استخدام قانون الأقوى عندما كنتم أنتم و أولئك الذين تعتبرونهم أبناء جلدتكم ضحية له، أو ليس هو نفس القانون الذي يطبق ضد الأمازيغ في ليبيا وغير ها من بلاد شمال أفريقيا؟ فبصفتي رئيسا للكونجرس العالمي الأمازيغي، سأقوم بدوري بسرد قصة، وهي قصة سفري أول مرة إلى طرابلس في الخامس من نونبر 2005 استجابة لدعوتكم لنا. لقد اتفقنا على الحوار والتشاور. وفي شهر دجنبر من نفس السنة، استقبلتم وفدا يمثل دول تامازغا والشتات الأمازيغي، وخلال المناقشات التي دارت على امتداد ثلاث ساعات عبرت كافة الأطراف عن مواقفها وانتهت بتأكيد الإرادة المشتركة لفتح صفحة جديدة من أجل بناء غد جديد على مبادئ الحق والقانون والاحترام المتبادل. وباعتباركم الوحيد من بين قادة الدول الذي استقبل وفدا أمازيغيا عالميا، أعتبرنا وقتها مبادرتكم عملا شجاعا لأنكم تجرأتم على تحطيم الطابو الذي كان يود جعل الأمازيغية مسألة لا تنال إلا الإقصاء والاحتقار. لقد بدا لنا الاستقبال الحار الذي حضينا به في مقر إقامتكم بطرابلس مؤشرا على أنكم قررتم أن لا تعبروا ومند ذلك التاريخ فصاعدا إلا على صفات المروءة والرجولة . وكان الاستقبال بالنسبة إلينا لحظة مصالحة تاريخية والتي كنا نتمنى أن تجعل من ليبيا مثالا للحوار ببين الشعوب والثقافات، مثالا لأفريقيا الشمالية ومثالا لعموم أفريقيا. وباعتبارنا أمازيغا، وبالرغم من ماضينا وحاضرنا الأليمين، وبالرغم من أفعال تتنكر لوجودنا وأشكال الحظر والخرق لحقوقنا الأساسية، تجرأنا نحن كذلك على الاستجابة لدعوتكم وتأكيد إرادتنا القوية على الإسهام في بناء مستقبل مليئ بالآمال شريطة أن تكون تكون تلك الإرادة متبادلة و صادقة. وبالرغم من انتقادات و تحفضات صدرت من هنا وهناك، كابدنا المشاق من أجل الحضور إلى طرابلس عدة مرات وذلك حفاظا على الالتزامات التي قطعناها على أنفسنا وكذلك بغية إعطاء أكبر قدر من الحظوظ للتفاؤل والأمل. وهكذا أنشأنا مع أقرب مساعديكم في فبراير من سنة 2006 لجنة مختلطة سمية " بلجنة الحوار والتشاور" وتابعنا مشاوراتنا في دجنبر الماضي بوضع برنامج عمل لسنة 2007. وبعد شهرين من ذلك التاريخ، انهار كل ذلك المسلسل الذي حاولنا إطلاقه بمشقة كبيرة في خطاب لكم يوم الثاني من مارس 2007. إننا نتسائل عن سبب هذا التغير المفاجئ في الرأي؟ وما هي الضغوط التي أذعنتم لها ؟ وما هي القوى المعادية للعقل والحكمة والعدل والسلام التي استسلمتم لها؟ وما المعنى الذي سنعطيه اليوم للقاءاتنا، ولأقوالكم بالأمس، ولأقوالكم في الثاني من مارس؟ إنها أسئلة تقتضي منكم أجوبة عاجلة. في هذه اللحظة الحزينة يمكننا أن نجزم بأن الإرادة الصادقة كانت ملازمة للجانب الأمازيغي فقط. والآن لابد لي من الرجوع إلى هذا التزوير للتاريخ والذي بموجبه أصبحنا "بر-بر" قدموا من اليمن. فعندما صرحتم لي بذلك لأول مرة أصبت بالانزعاج وفورها اقترحت عليكم فكرة مناقشة المسألة في ندوة دولية حول تاريخ شمال أفريقيا تعقد في ليبيا بالذات ويشارك فيها مختصون مشهود لهم بالخبرة في هذا المجال. وقد أعطيتم موافقتكم على أن تعقد هذه الندوة في بحر الفصل الأول من سنة 2006. وها نحن في ربيع 2007، وبالرغم من نداءاتنا المتكررة لكم في هذا الشأن، فإنكم لم توفوا بوعدكم ذاك. ألا يمكنكم تقديم تبريرات لترددكم بخصوص عقد تلك الندوة؟ أليست تبريراتكم مقرونة بالخشية من أن الحقيقة ستقال على ملء الأشهاد ومسامع الجميع؟ تزعمون أن الحضارة الأمازيغية انقرضت عقب قرن من الجفاف ضرب شمال أفريقيا، وهنا أيضا يبدو لي ، وبدون استفزاز أو مجادلة، أنه من الصعب تصور كيف أنكم استطعتم تجاهل وجود 30 مليون ناطق بالأمازيغية يعيشون اليوم في كل بلاد الأمازيغ. هل يجدر بي كذلك أن أذكركم أننا استقبلنا دوما في ليبيا بصفة الكونجرس العالمي الأمازيغي ؟ وإذا كان الأمازيغ قد انقرضوا كما يحلو لكم أن تكرروا، هل تصدقون أن المغرب قد أنشأ المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وأن الجزائر قد اعترفت رسميا باللغة الأمازيغية لغة وطنية؟ ألم يصرح نجلكم سيف الاسلام بأمازيغيته؟ كما يفهم من كلامكم أن الأمازيغ صنيعة من صنائع الاستعمار! أي استعمار بإمكانه أن يخلق من لا شيئ شعبا بلغة وعادات تعود إلى آلاف السنين؟ كيف له أن يفعل ذلك إذا عرفنا أن اول أجنبي حل بأرض شمال أفريقيا وجد أن الأمازيغ كانوا هناك منذ وقت بعيد؟ لماذا أكدتم لي خلال لقائنا الأول أن الكتابة الأمازيغية تيفيناغ هي كذلك كتابة ليبية أي أنها كتابتكم؟ كيف تفسرون هذه التناقضات وهذه العودة المفاجئة إلى إرادة نفي تاريخ وحقيقة لا تزالان تنبضان بالحياة؟ فأنتم تنكرون حتى الحقيقة عندما أكدتم لنا أن المشكل الأمازيغي لا وجود له في ليبيا. ولكن عندما زرنا "زوارة " في جبال نفوسة وعندما التقينا بالعديد من الأمازيغ في طرابلس عايننا واقعا مريرا يتعرض في حمأته الأمازيغ الليبيون، شأنهم في ذلك شأن الأمازيغ في أماكن أخرى، للحيف والإقصاء ولكل أشكال التمييز. ويظل سؤال هام جدا ينتظر منكم الإجابة: ماذا تنوون فعله بمئات الآلاف من الليبيين الأمازيغ اللذين لا يزالون يعيشون في كافة مناطق البلاد واللذين يطالبون بحقهم المشروع في لغتهم وثقافتهم ويطالبون كذلك بحقهم بالتمتع بشكل عادل بالموارد الطبيعية التي تختزنها أراضيهم؟ وتقولون بأن "ليبيا لليبيين" كما أنكم لن تقبلوا أحدا يدعي هذه الهوية أو تلك. فليكن ذلك، لكن يجب فورا محو كل إحالة وإشارة إلى العروبة في كل النصوص التشريعية للبلد وكذلك في كافة تسميات المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية ابتداء من الجماهيرية العربية الليبية، والخطوط الجوية العربية الليبية واتحاد المغرب العربي، ......حينذاك سنكون مستعدين للحديث عن ليبيا ليبية بتاريخها ولغاتها وثقافاتها. أما إذا كان تصوركم الخاص لليبيا على أنها بلد عربي حصرا، فذلك أمر يجعلنا نستمر في نضالنا من أجل هويتنا. ومن جهة أخرى، تهددون الأمازيغ عندما تحذرون بمعاملة أي واحد منهم يطالب بهويته كخائن يخدم الاستعمار. أولا، إن الاعتقاد بأن التنوع أمر خطير هو فكرة عتيقة وكليانية منافية لكل مبادئ الحق والقانون الدولي. علاوة على ذلك، أرى نفسي ملزما على أن أكرر لكم ما سبق لي أن قلته لكم شفهيا: إننا شعب، شعب مصمم على العيش حرا كريما مهما كلف ذلك من ثمن. إلا أننا مسالمين ومضيافين، نحتضن من يمد اليد إلينا لكننا سنحارب بكل الوسائل المشروعة من سولت له نفسه منعنا من العيش الكريم. وفيما يتصل بالاستعمار، فالتاريخ يبرهن أن المستعمرين لم يكونوا في حاجة إلينا ليحتلوا بلدنا، وعلى العكس من ذلك، كان الأمازيغ أول من قاومهم لأنهم كانوا يشعرون أنهم يدافعون عن بلدهم وأرض أجدادهم. في سنة 1940، عندما طرح الأمازيغ بين أوساط الحركة الوطنية الجزائرية سؤال الهوية لجزائر ما بعد الاستقلال، وجه لهم القوميون العروبيون فورا تهمة تفتيت الحركة الوطنية والتواطؤ مع الاستعمار فطردوهم طردا. وبعد ما يزيد عن نصف قرن، أكد المؤرخون في ندوة عقدت بالجزائر سنة 2005 حول تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، أكدوا بالإجماع أن الوطنيين الحقيقيين هم في الحقيقة أولئك الذين طردوا لأنهم كانوا يضعون أسس جزائر أصيلة وديموقراطية، جزائر أولا جزائرية غنية بأمازيغيتها وبكل مكوناتها اللسانية والثقافية. وقد نال أمازيغ المغرب ما ناله إخوانهم الجزائريون من نكران للجميل. فهم الذين قدموا أكبر الأعداد من الوحدات التي قاومت المحتلين الفرنسيين والأسبان في الريف والأطلس، لكن التاريخ الرسمي يتجاهل اليوم أبطال تلك المقاومة. كما عاش نفس التجربة البئيسة أمازيغ ليبيا الذين لبوا بكثافة نداء الوطن وجاهدوا من أجل حرية كل الليبيين إلا أنهم اليوم يتعرضون للتهديد والاهانة وحتى الحرمان من الحياة من طرف أولئك الذين حاربوا بجنبهم ومن أجلهم. ومثلهم في ذلك مثل الطوارق الذين أبعدوا إلى أكثر الأراضي قحطا عندما انتهت الحاجة إليهم للخدمة في كافة الجبهات وأصبحوا الآن يعيشون بين مطرقة الجفاف وسندان دول المنطقة. بعدما أجبر الاستعمار على مغادرة شمال أفريقيا جاء الاستعمار الجديد فملأ مكانه بسرعة، ليس بمساعدة ومباركة من الأمازيغ بل بتواطؤ من الأنظمة الحاكمة في المنطقة مع القوى الاستعمارية السابقة وشركاتها إذ وقعت معا صفقات سلاح واتفاقيات تجارية ضخمة وعقود استغلال لخيراتنا. وبذلك لم يكن الاستعمار الجديد قطعا بحاجة للأمازيغ لكي يستقر في أرضنا ويستثمر مصالحه فيها . ونفس الشيء ينسحب على التطرف الإسلامي . فهو ليس بحاجة إلينا لكي ينشأ وينتشر لأنه نتاج سياسات خصوصا التربوية منها والتي سنتها الحكومات العروبية. فكيف لنا أن نحمل الأمازيغ أدنى المسؤوليات عن الكارثة الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها شعوب شمال أفريقيا عندما تكون كل السلط وكل أدوات القيادة والسيطرة مركزة في يد حكومات عروبية مستبدة؟ يسرنا أن نعتقد بأن الاستعمار لم يعد له مقام في أرضنا، لكن ما من استعمار أسوأ من الاستعمار الداخلي، استعمار حفنة من العروبيين يريدون الهيمنة على شعبنا. وبدون شك، فإن العروبية باعتبارها إيديولوجية امبريالية ترفض كل تنوع في شمال أفريقيا، هي التي تعد خائنة وإساءة للتاريخ وللحقيقة وللمشروعية. فحتى الدين الإسلامي تم استعماله لخدمة مخططات التعريب والهيمنة هذه. لقد كانت الملكة الأمازيغية "ديهيا" أول من فهم هذه الاستراتيجية التوسعية منذ 14 قرنا. لذلك خاطبت العرب الذين هاجموا مملكتها بهذه العبارات: " أنتم تقولون أنكم حملة رسالة إلهية، إذن، بلغوها لنا وارجعوا من حيث أتيتم! " حاليا، وإذ نعتبر كل أولئك الذي اتخذوا بلاد الأمازيغ وطنا لهم من أهل البلد، فإننا نلح على ضرورة احترام الشعب والثقافة الأصليين، وفي كل الأحوال لن نقبل أي شكل من أشكال الاستعمار، كما يجب علينا القول وللمرة الأخيرة بأن الأمازيغ الذين يعتبرون "أكال، تمورتّ" أي الأرض والبلد صنوان مقدسان، والذين لم يتوقفوا على مدى قرون عن الدفاع عن أمتهم، لا يحتاجون لتلقي أي درس من دروس الوطنية. من ناحية المبدأ، يتحمل كل رئيس دولة مسؤولية حماية حقوق شعبه والارتقاء بها. إن التحدي الذي يفرضه بناء ثقافة الحوار والصداقة بين الحضارات والشعوب، يقتضي إعلان حرب لا هوادة فيها ضد كل فعل من أفعال التعصب والعنصرية والتمييز. وفي هذا الصدد نتوقع من قادة الدول العربية في شمال أفريقيا إلغاء سياسات إنكار وإقصاء الشعب الأمازيغي، كما نتوقع منهم أن يولوا حقوق الإنسان المزيد من الرعاية والاهتمام. إن صدق حكوماتهم وإرادتها في بناء مجتمعات هادئة لن تقاس إلا باعترافها بالشعب الأمازيغي وحقوقه غير القابلة للتصرف. كما أنه لا يمكن الادعاء بوحدة شعوب قارة بأسرها ما لم نكن قادرين على توحيد مواطني دولة واحدة. وقد نتساءل كأمازيغ، ما هو المستقبل الذي ينتظرنا إذا حرمنا من الأمل في العيش الكريم؟ وإلى أية زاوية يريدون دفعنا إذا كانت أوروبا مستمرة في بناء الأسوار حولها وحكومات دول شمال أفريقيا لا هم لها سوى اقتلاع هويتنا من الجذور؟ داخل الاتحاد الأوروبي تقوم الآن بلدان ذات تاريخ ولغات وثقافات متباعدة بعد البرتغال عن استونيا ببناء مستقبل مشترك. وفي أمريكا اللاتينية يمكن للمواطنين التنقل بحرية من بلد إلى آخر ببطاقة الهوية فقط. أما عندنا فلابد لك من جواز سفر وتأشيرة والخضوع لعمليات تفتيش دقيقة على الحدود ما لم تكن مغلقة بصفة نهائية كما هو الحال بين المغرب والجزائر. إن الأمازيغ هم الوحيدون الذين يطالبون وببساطة بإزالة الحدود بين بلدان الأمازيغ (تامازغا) وإقامة وحدة حقيقية للشعوب مع احترام تنوعها. وفي انتظار بلوغ ذلك الهدف، سنواصل وبدون كلل نضالنا من أجل الكرامة والحرية لشعبنا عبر الوسائل الديمقراطية متسلحين بعدالة قضيتنا ومقتنعين بمشروعية حقوقنا. واليوم، واعتبارا للآفاق المسدودة التي أوصلتنا إليها الحكومات العروبية في شمال أفريقيا، فإننا نجدد تأكيدنا على أنه أصبح ضروريا أكثر من أي وقت مضى اللجوء إلى القانون لتقرير مصيرنا بأنفسنا وذلك بمطالبة المجتمع الدولي بمد يد العون لنا حتى نتمكن من ممارسة حقنا في تقرير مصيرنا في كل البلاد التي نعيش فيها من أرض تامازغا. ومع ذلك فإننا، وانسجاما مع ما يتطلبه نضالنا النبيل، سنظل متفائلين على الدوام، ساعين إلى البحث عما يحثنا على الأمل، كما سنظل نشجع وبشكل متميز الجوانب الإيجابية للطبيعة البشرية ونبذل قصارى الجهود لكي نمنح الفرصة لأي بصيص ضوء ولأي فسحة حرية مهما قل حجمهما. وباسمي الشخصي وباسم الكونجرس العالمي الأمازيغي، لا يفوتني في هذه الرسالة أن أحيي بحرارة وأشكر جزيل الشكر شركاءنا الليبيين الصادقين الذين تقاسمنا معهم أمل تحقيق أجمل أحلامنا: حلم السلام والأخوة والاحترام بين البشر.فمعهم وبوسائل أخرى سنواصل بكل النوايا الصادقة السير في هذا الدرب مهما عظمت الصعاب. ويجدر بي هنا أن أعلن أنني، بالرغم من أنه لم يكن بد من وقف الحوار مع السلطات الليبية، سأعود إلى ليبيا كمواطن عادي. كما أذكر باعتباري أمازيغيا أن هذا البلد هو بلدي كذلك لأن لي فيه آلافا من الإخوة والأخوات. باريس في الخامس من أبريل 2007.
بلقاسم لونيس رئيس الكونجرس العالمي الأمازيغي
في هذا اليوم الرمزي بالنسبة إليكم الثاني يوم ثاني مارس 2007 الذي يخلد ذكرى تأسيس الجماهيرية الليبية، عبرتم عن موقفكم من المسألة الأمازيغية دون أن أدري هل كان موقفكم ذاك نابعا من قناعتكم واختياركم أم لا. وفي ما يخصني أنا، فقد انتظرت عن طواعية حلول شهر أبريل لكي أرد على خطابكم. ففي هذا الشهر من كل سنة، يخلد الشعب الأمازيغي جميعا وفي كل بلاد الأمازيغ ( شمال أفريقيا وأراضي الطوارق الصحراوية) وفي أماكن أخرى ذكرى لحظة عظيمة
من تاريخهم، لحظة تعرف باسم "تفسوت نيمازيغن" أي ربيع الأمازيغ. وهي بالنسبة إلينا تخليد لذاكرتنا ولروحنا التي تأبى إلا أن تقاوم كل أشكال الإمبريالية و تخلد حبنا للحرية. لقد تم بث تصريحاتكم بشكل واسع في وسائل الاعلام الليبية وتناقلتها وسائل الاعلام على المستوى الدولي. وتوخيا لأقصى درجات الشفافية والإلتزام بالحقيقة والعدالة، سنقوم بنشر وتعميم هذه الرسالة. في الثاني من مارس الماضي صرحتم في مدينة سبها بما يلي: " انقرض الأمازيغ منذ حقبة الممالك النوميدية. فالأخصائيون في علم الآثار والفلك يقولون أن جفافا دام قرنا من الزمان أدى إلى انقراض كلي للحضارة الأمازيغية في شمال أفريقيا. بعدها جاء العرب الذين يسمون "بر- بر" من اليمن واستوطنوا شمال أفريقا. وجاء بعدهم عرب آخرون مع مجيء الإسلام. ولما جاء المستعمرون ، قالوا لنا: أنتم بربر، أمة متميزة عن العرب. بعدها ابتدعوا كلمة أمازيغ فقط لتقسيمنا من أجل السيطرة علينا. فليببا لليبيين ولن نقبل أبدا أن يقول شخص ما أن له هذه الهوية أو تلك. وكل من يقول كذلك سيعامل كخائن في خدمة الاستعمار." لقد سمعكم أمازيغ ليبيا وغيرها من البلاد. وقد سمعوا مباشرة أقوالا تدينهم وتتنكر لهويتهم و تهددهم. كما سمعوا أقوالا تعيد كتابة تاريخهم. فأنتم تحدثتم عن نساء ورجال وأطفال الذين يعيشون يوميا هويتهم الأمازيغية جرحتها أقوالكم. فيا له من أخبث استهتار بحق اساسي مثل انكار وجود شعب بكلمات خطابية مغرضة، كيف سيكون شعورنا عندما يقرر زعيم في خطاب له محو وجود الناس الأكثر ضعفا من أبناء شعبه في ذات الوقت الذي ما فتئ فيه يكرر التعبير عن إرادته لقيادة شعبه؟ فأنتم لم تنفكوا أبدا تدينون استخدام قانون الأقوى عندما كنتم أنتم و أولئك الذين تعتبرونهم أبناء جلدتكم ضحية له، أو ليس هو نفس القانون الذي يطبق ضد الأمازيغ في ليبيا وغير ها من بلاد شمال أفريقيا؟ فبصفتي رئيسا للكونجرس العالمي الأمازيغي، سأقوم بدوري بسرد قصة، وهي قصة سفري أول مرة إلى طرابلس في الخامس من نونبر 2005 استجابة لدعوتكم لنا. لقد اتفقنا على الحوار والتشاور. وفي شهر دجنبر من نفس السنة، استقبلتم وفدا يمثل دول تامازغا والشتات الأمازيغي، وخلال المناقشات التي دارت على امتداد ثلاث ساعات عبرت كافة الأطراف عن مواقفها وانتهت بتأكيد الإرادة المشتركة لفتح صفحة جديدة من أجل بناء غد جديد على مبادئ الحق والقانون والاحترام المتبادل. وباعتباركم الوحيد من بين قادة الدول الذي استقبل وفدا أمازيغيا عالميا، أعتبرنا وقتها مبادرتكم عملا شجاعا لأنكم تجرأتم على تحطيم الطابو الذي كان يود جعل الأمازيغية مسألة لا تنال إلا الإقصاء والاحتقار. لقد بدا لنا الاستقبال الحار الذي حضينا به في مقر إقامتكم بطرابلس مؤشرا على أنكم قررتم أن لا تعبروا ومند ذلك التاريخ فصاعدا إلا على صفات المروءة والرجولة . وكان الاستقبال بالنسبة إلينا لحظة مصالحة تاريخية والتي كنا نتمنى أن تجعل من ليبيا مثالا للحوار ببين الشعوب والثقافات، مثالا لأفريقيا الشمالية ومثالا لعموم أفريقيا. وباعتبارنا أمازيغا، وبالرغم من ماضينا وحاضرنا الأليمين، وبالرغم من أفعال تتنكر لوجودنا وأشكال الحظر والخرق لحقوقنا الأساسية، تجرأنا نحن كذلك على الاستجابة لدعوتكم وتأكيد إرادتنا القوية على الإسهام في بناء مستقبل مليئ بالآمال شريطة أن تكون تكون تلك الإرادة متبادلة و صادقة. وبالرغم من انتقادات و تحفضات صدرت من هنا وهناك، كابدنا المشاق من أجل الحضور إلى طرابلس عدة مرات وذلك حفاظا على الالتزامات التي قطعناها على أنفسنا وكذلك بغية إعطاء أكبر قدر من الحظوظ للتفاؤل والأمل. وهكذا أنشأنا مع أقرب مساعديكم في فبراير من سنة 2006 لجنة مختلطة سمية " بلجنة الحوار والتشاور" وتابعنا مشاوراتنا في دجنبر الماضي بوضع برنامج عمل لسنة 2007. وبعد شهرين من ذلك التاريخ، انهار كل ذلك المسلسل الذي حاولنا إطلاقه بمشقة كبيرة في خطاب لكم يوم الثاني من مارس 2007. إننا نتسائل عن سبب هذا التغير المفاجئ في الرأي؟ وما هي الضغوط التي أذعنتم لها ؟ وما هي القوى المعادية للعقل والحكمة والعدل والسلام التي استسلمتم لها؟ وما المعنى الذي سنعطيه اليوم للقاءاتنا، ولأقوالكم بالأمس، ولأقوالكم في الثاني من مارس؟ إنها أسئلة تقتضي منكم أجوبة عاجلة. في هذه اللحظة الحزينة يمكننا أن نجزم بأن الإرادة الصادقة كانت ملازمة للجانب الأمازيغي فقط. والآن لابد لي من الرجوع إلى هذا التزوير للتاريخ والذي بموجبه أصبحنا "بر-بر" قدموا من اليمن. فعندما صرحتم لي بذلك لأول مرة أصبت بالانزعاج وفورها اقترحت عليكم فكرة مناقشة المسألة في ندوة دولية حول تاريخ شمال أفريقيا تعقد في ليبيا بالذات ويشارك فيها مختصون مشهود لهم بالخبرة في هذا المجال. وقد أعطيتم موافقتكم على أن تعقد هذه الندوة في بحر الفصل الأول من سنة 2006. وها نحن في ربيع 2007، وبالرغم من نداءاتنا المتكررة لكم في هذا الشأن، فإنكم لم توفوا بوعدكم ذاك. ألا يمكنكم تقديم تبريرات لترددكم بخصوص عقد تلك الندوة؟ أليست تبريراتكم مقرونة بالخشية من أن الحقيقة ستقال على ملء الأشهاد ومسامع الجميع؟ تزعمون أن الحضارة الأمازيغية انقرضت عقب قرن من الجفاف ضرب شمال أفريقيا، وهنا أيضا يبدو لي ، وبدون استفزاز أو مجادلة، أنه من الصعب تصور كيف أنكم استطعتم تجاهل وجود 30 مليون ناطق بالأمازيغية يعيشون اليوم في كل بلاد الأمازيغ. هل يجدر بي كذلك أن أذكركم أننا استقبلنا دوما في ليبيا بصفة الكونجرس العالمي الأمازيغي ؟ وإذا كان الأمازيغ قد انقرضوا كما يحلو لكم أن تكرروا، هل تصدقون أن المغرب قد أنشأ المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وأن الجزائر قد اعترفت رسميا باللغة الأمازيغية لغة وطنية؟ ألم يصرح نجلكم سيف الاسلام بأمازيغيته؟ كما يفهم من كلامكم أن الأمازيغ صنيعة من صنائع الاستعمار! أي استعمار بإمكانه أن يخلق من لا شيئ شعبا بلغة وعادات تعود إلى آلاف السنين؟ كيف له أن يفعل ذلك إذا عرفنا أن اول أجنبي حل بأرض شمال أفريقيا وجد أن الأمازيغ كانوا هناك منذ وقت بعيد؟ لماذا أكدتم لي خلال لقائنا الأول أن الكتابة الأمازيغية تيفيناغ هي كذلك كتابة ليبية أي أنها كتابتكم؟ كيف تفسرون هذه التناقضات وهذه العودة المفاجئة إلى إرادة نفي تاريخ وحقيقة لا تزالان تنبضان بالحياة؟ فأنتم تنكرون حتى الحقيقة عندما أكدتم لنا أن المشكل الأمازيغي لا وجود له في ليبيا. ولكن عندما زرنا "زوارة " في جبال نفوسة وعندما التقينا بالعديد من الأمازيغ في طرابلس عايننا واقعا مريرا يتعرض في حمأته الأمازيغ الليبيون، شأنهم في ذلك شأن الأمازيغ في أماكن أخرى، للحيف والإقصاء ولكل أشكال التمييز. ويظل سؤال هام جدا ينتظر منكم الإجابة: ماذا تنوون فعله بمئات الآلاف من الليبيين الأمازيغ اللذين لا يزالون يعيشون في كافة مناطق البلاد واللذين يطالبون بحقهم المشروع في لغتهم وثقافتهم ويطالبون كذلك بحقهم بالتمتع بشكل عادل بالموارد الطبيعية التي تختزنها أراضيهم؟ وتقولون بأن "ليبيا لليبيين" كما أنكم لن تقبلوا أحدا يدعي هذه الهوية أو تلك. فليكن ذلك، لكن يجب فورا محو كل إحالة وإشارة إلى العروبة في كل النصوص التشريعية للبلد وكذلك في كافة تسميات المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية ابتداء من الجماهيرية العربية الليبية، والخطوط الجوية العربية الليبية واتحاد المغرب العربي، ......حينذاك سنكون مستعدين للحديث عن ليبيا ليبية بتاريخها ولغاتها وثقافاتها. أما إذا كان تصوركم الخاص لليبيا على أنها بلد عربي حصرا، فذلك أمر يجعلنا نستمر في نضالنا من أجل هويتنا. ومن جهة أخرى، تهددون الأمازيغ عندما تحذرون بمعاملة أي واحد منهم يطالب بهويته كخائن يخدم الاستعمار. أولا، إن الاعتقاد بأن التنوع أمر خطير هو فكرة عتيقة وكليانية منافية لكل مبادئ الحق والقانون الدولي. علاوة على ذلك، أرى نفسي ملزما على أن أكرر لكم ما سبق لي أن قلته لكم شفهيا: إننا شعب، شعب مصمم على العيش حرا كريما مهما كلف ذلك من ثمن. إلا أننا مسالمين ومضيافين، نحتضن من يمد اليد إلينا لكننا سنحارب بكل الوسائل المشروعة من سولت له نفسه منعنا من العيش الكريم. وفيما يتصل بالاستعمار، فالتاريخ يبرهن أن المستعمرين لم يكونوا في حاجة إلينا ليحتلوا بلدنا، وعلى العكس من ذلك، كان الأمازيغ أول من قاومهم لأنهم كانوا يشعرون أنهم يدافعون عن بلدهم وأرض أجدادهم. في سنة 1940، عندما طرح الأمازيغ بين أوساط الحركة الوطنية الجزائرية سؤال الهوية لجزائر ما بعد الاستقلال، وجه لهم القوميون العروبيون فورا تهمة تفتيت الحركة الوطنية والتواطؤ مع الاستعمار فطردوهم طردا. وبعد ما يزيد عن نصف قرن، أكد المؤرخون في ندوة عقدت بالجزائر سنة 2005 حول تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، أكدوا بالإجماع أن الوطنيين الحقيقيين هم في الحقيقة أولئك الذين طردوا لأنهم كانوا يضعون أسس جزائر أصيلة وديموقراطية، جزائر أولا جزائرية غنية بأمازيغيتها وبكل مكوناتها اللسانية والثقافية. وقد نال أمازيغ المغرب ما ناله إخوانهم الجزائريون من نكران للجميل. فهم الذين قدموا أكبر الأعداد من الوحدات التي قاومت المحتلين الفرنسيين والأسبان في الريف والأطلس، لكن التاريخ الرسمي يتجاهل اليوم أبطال تلك المقاومة. كما عاش نفس التجربة البئيسة أمازيغ ليبيا الذين لبوا بكثافة نداء الوطن وجاهدوا من أجل حرية كل الليبيين إلا أنهم اليوم يتعرضون للتهديد والاهانة وحتى الحرمان من الحياة من طرف أولئك الذين حاربوا بجنبهم ومن أجلهم. ومثلهم في ذلك مثل الطوارق الذين أبعدوا إلى أكثر الأراضي قحطا عندما انتهت الحاجة إليهم للخدمة في كافة الجبهات وأصبحوا الآن يعيشون بين مطرقة الجفاف وسندان دول المنطقة. بعدما أجبر الاستعمار على مغادرة شمال أفريقيا جاء الاستعمار الجديد فملأ مكانه بسرعة، ليس بمساعدة ومباركة من الأمازيغ بل بتواطؤ من الأنظمة الحاكمة في المنطقة مع القوى الاستعمارية السابقة وشركاتها إذ وقعت معا صفقات سلاح واتفاقيات تجارية ضخمة وعقود استغلال لخيراتنا. وبذلك لم يكن الاستعمار الجديد قطعا بحاجة للأمازيغ لكي يستقر في أرضنا ويستثمر مصالحه فيها . ونفس الشيء ينسحب على التطرف الإسلامي . فهو ليس بحاجة إلينا لكي ينشأ وينتشر لأنه نتاج سياسات خصوصا التربوية منها والتي سنتها الحكومات العروبية. فكيف لنا أن نحمل الأمازيغ أدنى المسؤوليات عن الكارثة الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها شعوب شمال أفريقيا عندما تكون كل السلط وكل أدوات القيادة والسيطرة مركزة في يد حكومات عروبية مستبدة؟ يسرنا أن نعتقد بأن الاستعمار لم يعد له مقام في أرضنا، لكن ما من استعمار أسوأ من الاستعمار الداخلي، استعمار حفنة من العروبيين يريدون الهيمنة على شعبنا. وبدون شك، فإن العروبية باعتبارها إيديولوجية امبريالية ترفض كل تنوع في شمال أفريقيا، هي التي تعد خائنة وإساءة للتاريخ وللحقيقة وللمشروعية. فحتى الدين الإسلامي تم استعماله لخدمة مخططات التعريب والهيمنة هذه. لقد كانت الملكة الأمازيغية "ديهيا" أول من فهم هذه الاستراتيجية التوسعية منذ 14 قرنا. لذلك خاطبت العرب الذين هاجموا مملكتها بهذه العبارات: " أنتم تقولون أنكم حملة رسالة إلهية، إذن، بلغوها لنا وارجعوا من حيث أتيتم! " حاليا، وإذ نعتبر كل أولئك الذي اتخذوا بلاد الأمازيغ وطنا لهم من أهل البلد، فإننا نلح على ضرورة احترام الشعب والثقافة الأصليين، وفي كل الأحوال لن نقبل أي شكل من أشكال الاستعمار، كما يجب علينا القول وللمرة الأخيرة بأن الأمازيغ الذين يعتبرون "أكال، تمورتّ" أي الأرض والبلد صنوان مقدسان، والذين لم يتوقفوا على مدى قرون عن الدفاع عن أمتهم، لا يحتاجون لتلقي أي درس من دروس الوطنية. من ناحية المبدأ، يتحمل كل رئيس دولة مسؤولية حماية حقوق شعبه والارتقاء بها. إن التحدي الذي يفرضه بناء ثقافة الحوار والصداقة بين الحضارات والشعوب، يقتضي إعلان حرب لا هوادة فيها ضد كل فعل من أفعال التعصب والعنصرية والتمييز. وفي هذا الصدد نتوقع من قادة الدول العربية في شمال أفريقيا إلغاء سياسات إنكار وإقصاء الشعب الأمازيغي، كما نتوقع منهم أن يولوا حقوق الإنسان المزيد من الرعاية والاهتمام. إن صدق حكوماتهم وإرادتها في بناء مجتمعات هادئة لن تقاس إلا باعترافها بالشعب الأمازيغي وحقوقه غير القابلة للتصرف. كما أنه لا يمكن الادعاء بوحدة شعوب قارة بأسرها ما لم نكن قادرين على توحيد مواطني دولة واحدة. وقد نتساءل كأمازيغ، ما هو المستقبل الذي ينتظرنا إذا حرمنا من الأمل في العيش الكريم؟ وإلى أية زاوية يريدون دفعنا إذا كانت أوروبا مستمرة في بناء الأسوار حولها وحكومات دول شمال أفريقيا لا هم لها سوى اقتلاع هويتنا من الجذور؟ داخل الاتحاد الأوروبي تقوم الآن بلدان ذات تاريخ ولغات وثقافات متباعدة بعد البرتغال عن استونيا ببناء مستقبل مشترك. وفي أمريكا اللاتينية يمكن للمواطنين التنقل بحرية من بلد إلى آخر ببطاقة الهوية فقط. أما عندنا فلابد لك من جواز سفر وتأشيرة والخضوع لعمليات تفتيش دقيقة على الحدود ما لم تكن مغلقة بصفة نهائية كما هو الحال بين المغرب والجزائر. إن الأمازيغ هم الوحيدون الذين يطالبون وببساطة بإزالة الحدود بين بلدان الأمازيغ (تامازغا) وإقامة وحدة حقيقية للشعوب مع احترام تنوعها. وفي انتظار بلوغ ذلك الهدف، سنواصل وبدون كلل نضالنا من أجل الكرامة والحرية لشعبنا عبر الوسائل الديمقراطية متسلحين بعدالة قضيتنا ومقتنعين بمشروعية حقوقنا. واليوم، واعتبارا للآفاق المسدودة التي أوصلتنا إليها الحكومات العروبية في شمال أفريقيا، فإننا نجدد تأكيدنا على أنه أصبح ضروريا أكثر من أي وقت مضى اللجوء إلى القانون لتقرير مصيرنا بأنفسنا وذلك بمطالبة المجتمع الدولي بمد يد العون لنا حتى نتمكن من ممارسة حقنا في تقرير مصيرنا في كل البلاد التي نعيش فيها من أرض تامازغا. ومع ذلك فإننا، وانسجاما مع ما يتطلبه نضالنا النبيل، سنظل متفائلين على الدوام، ساعين إلى البحث عما يحثنا على الأمل، كما سنظل نشجع وبشكل متميز الجوانب الإيجابية للطبيعة البشرية ونبذل قصارى الجهود لكي نمنح الفرصة لأي بصيص ضوء ولأي فسحة حرية مهما قل حجمهما. وباسمي الشخصي وباسم الكونجرس العالمي الأمازيغي، لا يفوتني في هذه الرسالة أن أحيي بحرارة وأشكر جزيل الشكر شركاءنا الليبيين الصادقين الذين تقاسمنا معهم أمل تحقيق أجمل أحلامنا: حلم السلام والأخوة والاحترام بين البشر.فمعهم وبوسائل أخرى سنواصل بكل النوايا الصادقة السير في هذا الدرب مهما عظمت الصعاب. ويجدر بي هنا أن أعلن أنني، بالرغم من أنه لم يكن بد من وقف الحوار مع السلطات الليبية، سأعود إلى ليبيا كمواطن عادي. كما أذكر باعتباري أمازيغيا أن هذا البلد هو بلدي كذلك لأن لي فيه آلافا من الإخوة والأخوات. باريس في الخامس من أبريل 2007.
بلقاسم لونيس رئيس الكونجرس العالمي الأمازيغي