اشتهر المغرب، كوجهة سياحية، وعلى مدار سنوات طويلة، بأنه بلد جِمال الصحراء وشمس مراكش وكثبان ورزازات وشواطئ أغادير وأسواق فاس. لكن طبيعة المغرب في واقع الأمر، أكثر من ذلك وأغنى. ففي المغرب، يمكنك أن تستمتع بشمس مراكش الدافئة، وأن تغوص في كثبان ورزازات الساخنة، كما يمكنك أن تتزحلق فوق ثلوج أوكايمدن وميشليفن بجبال الأطلس وايفران في الاطلس المتوسط. وفضلاً عن كل ذلك، يمكنك أن تستمتع بسياحة جبلية على امتداد الأطلس والريف وسائر مناطق المغرب الخلابة بأشجارها ووديانها وشلالاتها.
وطبيعة المغرب هي باختصار فصولُ سنة تتجاور وتتلاقى في توقيتها من دون إصرار على أن تحافظ على تاريخ تتابعها وحلولها على الأرض، حيث يمكنك، وفي نفس الوقت تقريباً، أن تستمتع برمال الجنوب الساخنة، كما يمكنك أن تعيش برودة الأطلس الباردة ثلجاً وودياناً وأشجاراً ظليلة، أو أن تقصد شواطئ البحر الأبيض المتوسط أو المحيط الأطلسي، التي تقدم مُتعة السباحة على مدار العام.
وهكذا فطبيعة المغرب لا تمنح الشمس الدافئة والرمال الساخنة، فقط، بل تساير تنوعاً طبيعياً فريداً في نوعه توفره جغرافية البلد، حيث البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي يتعانقان في البوغاز، وسلسلة الأطلس تتابع حكايتها مع نسمات الشمال وسخونة الجنوب. وتبدو مؤهلات المغرب السياحية والطبيعية هائلة، وربما فريدة في نوعها، فعبر مراكش، مثلاً، يمكن الاستمتاع نهاراً بالشمس وزيارة التاريخ والنوم في عسل ليل المدينة. وفي الصباح يمكنك التحول إلى الصويرة على المحيط الأطلسي، أو قضاء نهار رومانسي بين المناظر الطبيعية الخلابة لأوريكا أو التزحلق عبر ثلوج أوكايمدن. وفي هذه الجغرافية وحدها، وضمن انتقال لا يتعدى الساعة أو الساعتين في الزمان والمكان، يمكنك أن تجمع شمس مراكش، بساحاتها وسحرها، إلى هواء الصويرة بشاطئها وأطباق سمكها، إلى ثلوج أوكايمدن البيضاء ورمال الصحراء الذهبية.
ويختلف مناخ المغرب حسب المناطق، فهو متوسطي بالشمال، ومحيطي بالغرب، وصحراوي بالجنوب، أما المناطق الساحلية فتتمتع بمناخ معتدل، وغالباً ما تعرف المناطق الجبلية بالجنوب مناخاً بارداً ورطباً، خلال فصل الشتاء، حيث تعرف جبال الأطلس تساقط الثلوج بكثافة.
ويتجاوز معدل الفترات المشمسة خلال اليوم الواحد ثماني ساعات، أما معدل درجات الحرارة، خلال شهر ديسمبر (كانون الأول)، فلا يتجاوز في مراكش، مثلاً، 18 درجة، في حين أنه قد ينزل إلى ما دون الصفر في أوكايمدن أو إيفران، حيث نقترب من محطة مشليفن الثلجية.
ويعرف النصف الشمالي من المغرب فصلين: الاول جاف يمتد من شهر مايو (أيار) إلى نهاية شهر سبتمبر (أيلول)، والثاني معتدل ورطب يمتد من بداية أكتوبر (تشرين الأول) إلى نهاية أبريل (نيسان). أما الغطاء النباتي فيغلب عليه الطابع المتوسطي، حيث تعرف المناطق الجبلية نمو أشجار العرعار والبلوط والأرز ونباتات جبلية أخرى، فيما تعرف السهول نمو أشجار الزيتون والبرتقال والأركَان، لتبقى الواحات، بالمناطق الجنوبية، مكاناً مثالياً لنمو النخيل.
ويبقى لخريطة الجبال التي تؤثث لجغرافية المغرب دور مهم في تنوع مناخ البلد وغناه الطبيعي وما يوفره من شمس ورمال وثلوج.
وتغطي السلاسل الجبلية الممتدة من الشرق إلى الغرب على مسافة 500 كلم أكثر من خُمس مساحة المغرب، وهي على هذا الأساس تعتبر عاملاً أساسياً في تشكيل المنظر العام للبلاد. وتنقسم خريطة الجبال بالمغرب إلى عنوانين رئيسيين، ففي الشمال تمتد جبال الريف من المحيط الأطلسي غرباً، إلى جهة ملوية السفلى شرقاً، وهي تشرف على البحر الأبيض المتوسط عبر ساحل صخري يظهر على هيئة قوس. أما العنوان الثاني فهو جبال الأطلس، والذي يتوزع إلى أطلس متوسط وصغير وكبير، فالكبير والمتوسط يمثلان سلسلتين كبيرتين ذات ارتفاع أكبر ( 4165 م بجبل طوبقال) ويظهر عليهما التنوع الشديد، حيث التضاريس العالية، والأودية الضيقة والعميقة للجزء الغربي والأوسط للأطلس الكبير تختلف عن مثيلتها في القسم الشرقي، وغالبية هذه الجبال تتسم بخاصية ثابتة هي كونها غنية بالمياه وتحمل غطاء نباتياً أكثر كثافة بغاباته. أما الاطلس الصغير فيتميز عن باقي جبال الأطلس بطبيعة جباله التي تسود فيها صخور الزمن الجيولوجي الأول.
وإذا كانت شواطئ المغرب الممتدة على طول المتوسط والأطلسي توفر إمكانات سياحية تعتمد رمال الشاطئ والأمواج والمياه المالحة، فإن جبال المغرب غنية بدورها بإمكاناتها السياحية التي توفر تنويعاً على المنتوج السياحي المغربي، سواء عبر غاباتها وشلالاتها أو ثلوجها التي صارت تستقطب إلى محطاتها سياحاً مغاربة وأجانب.
وتعتبر منطقة أوكايمدن (60 كلم من مراكش)، والتي يتراوح علو قممها ما بين 2600 و3270 مترا، من بين المحطات الخاصة بالتزحلق على الجليد الأكثر استقطاباً للزوار خلال فصل الشتاء وموقعاً سياحياً بامتياز، غير أن نشاطه مرهون بكمية التساقطات الثلجية. وتبقى هذه المنطقة، التي تعد أعلى محطة للتزحلق على الجليد بأفريقيا، فضاء لرواد الرياضة الشتوية، على الرغم من أنها لا تتوفر سوى على ميدان واحد لممارسة رياضة التزحلق على الجليد، والبالغ مساحته ما يقارب 300 هكتار، لكنه يشكل، رغم ذلك، موقعاً يضيف تنوعاً على السياحة، على الرغم من أن محطة أوكايمدن تعاني قلة زوارها وعدم استغلال إمكاناتها، خاصة عندما تتخلف عنها التساقطات الثلجية، حيث تستمر فترة وجود الثلوج بها نحو 120 يوماً سنوياً، من منتصف شهر ديسمبر ولغاية منتصف أبريل (نيسان).
ويرى زوار منطقة أوكايمدن، الذين يستمتعون بتنوع وروعة طبيعتها، أن المحطة تشكل فضاء للترويح عن النفس والترفيه، خاصة في الأوقات التي تسجل فيها تساقطات ثلجية، ويرون أنه حان الوقت للتفكير في تأهيل هذا الموقع حتى يتمكن من استقطاب السياح على مدار السنة.
وتتوفر المحطة على بنية استقبال لا يستهان بها، خصوصاً أنها تتوفر على أعلى «يليسييج»بأريقيا (عربات معلقة بسلك واحد) يصل علوها إلى 2300 م، وستة «يليسكي» فضلاً عن عدد من الفنادق والمطاعم والمنتجعات الجبلية، لكن هذه التجهيزات تبقى غير كافية بالنظر إلى تنوع وغنى هذا الموقع وعدد الأنشطة التي يقدمها للأشخاص غير المولعين برياضة التزحلق على الجليد، والذين يفضلون، على الخصوص، التنزه والصيد واستكشاف النقوش الصخرية، التي يرجع تاريخها إلى حوالي 2100 سنة قبل الميلاد.
ورغم أن محطة أوكايمدن توفر كل الظروف الملائمة المرتبطة أساساً بالسياحة الجبلية والرياضية والثقافية، فإنه يبدو أن الوقت قد حان لمواجهة بعض المشاكل التي يعاني منها هذا الموقع خاصة ظاهرة الاكتظاظ في نهاية الأسبوع، حيث تستقبل مابين ثمانية آلاف وعشرة آلاف زائر، مما يفرض ضرورة تحديد عدد الجولات السياحية وتهيئة المجالات المخصصة لكل نشاط وتوفير التجهيزات لجمع النفايات والتفكير في نهج تدبير مفوض لهذه المحطة على غرار ما يجري بفرنسا وبعض الدول المتقدمة، ولذلك يعول على الاستثمارات الخاصة للرفع من طاقتها الاستيعابية واستثمار مؤهلاتها.
وبعيداً عن مراكش، وقريباً من فاس، وعلى بعد 17 كيلومترا عن مدينة إيفران، توجد محطة ميشليفن التي تستقطب أفواجاً كثيرة من عشاق التزلج خلال موسم الشتاء.
وتعتبر مدينة إيفران أشهر منتجع سياحي على امتداد عمق جبال الأطلس المتوسط. وهي تلقب «ويسرا المغرب» نظراً لمواصفاتها الطبيعية ومؤهلاتها السياحية، حيث الشلالات والبحيرات والغابات والوديان والتلال والسهول وثلوج الشتاء وخضرة الربيع، التي ليست وحدها ما يميز المشهد الطبيعي في إيفران، إذ أن هناك، أيضاً، الماء المتدفق من المنابع والشلالات والبحيرات، بسبب التساقطات الثلجية التي تغمر المكان في فصل الشتاء.
وتقدم محطة ميشليفن بموقعها نفس الاختيارات التي تقدمها محطة أوكايمدن، المجاورة لمراكش. وتتميز المحطة بوجودها وسط غابات الأرز، وعلى ارتفاع 2000 متر، وهي توفر ما يلبي استئجار مستلزمات الرياضات الشتوية بالمحطة، كما تقدم دروساً للراغبين في التزحلق على الجليد و«السنوبورد» snowboard و«البياتلون» Biathlon، وغيرها من الرياضات الشتوية.
ومنذ فترة، بدأت المحطات الثلجية تعرف إقبالاً مهماً من طرف السياح الأجانب، الذين صاروا يترقبون حلول موسم الثلوج بالمغرب لمزاولة الرياضات الشتوية، مع ملاحظة أن السائح المغربي صار يحرص بدوره على زيارة هذه المحطات، وخصوصا محطتي أوكايمدن وميشليفن، ولكن بشكل مختلف عن معظم الأجانب، حيث أن فئة قليلة من المغاربة هي التي تقبل على مزاولة الرياضات الشتوية، وذلك بالنظر إلى ما تتطلبه مثل هذه الرياضات من إمكانيات تقنية وفنية، ولأجل ذلك يفضل المغاربة الذهاب لقضاء فترة قصيرة لاستنشاق الهواء النقي والتمتع بمناظر الجبال والطبيعة المحيطة بها.
ورغم أن هذه المحطات الثلجية لا تحظى بنفس الاهتمام ضمن الاستراتيجية السياحية التي تستفيد منها مناطق سياحية أخرى بالمغرب، حيث تستقطب المناطق الساحلية والمدن التاريخية، مثل مراكش وفاس، أهم الاستثمارات في القطاع، فإن الوضعية في طريقها إلى بعض التحول الإيجابي، لجهة الحرص على التنويع في السياحة المغربية، ولجهة أن هذه المحطات صارت تلقى إقبالاً متزايداً من طرف السائح، سواء كان مغربياً أو أجنبياً.
وتتركز جل الفنادق الموجودة بمحطة أوكايمدن بالسفوح الجبلية المرتفعة (جبل أوكايمدن يبلغ علوه 3268 متراً)، وهي تمزج بين الشكل الهندسي الأوروبي (شاليه) والشكل التقليدي المغربي الذي تتميز به بيوت المنطقة.
ونظراً لقرب المسافة، فغالباً ما يفضل معظم السياح الأجانب الذين يقصدون محطة أوكايمدن العودة إلى مراكش وفنادقها.
منقول.