كنت أقرأ في كتاب ( كلمات واشارات) وتحت عنوان ( الاخاء) للكاتبة المشهورة ميّ زياده...
استوقفتني جملة أثارت شهيّتي للكتابة وهي :
((فكم من درّة في أعماق البحار لم تسرّ بها النواظر لأن يد الغواص لم تصل اليها))
تأملّت هذه الجملة مليّا فوجدت فيها شيء من طفولتي وحياتي.. فتعالوا أحبائي نغوص معا لاكتشاف درّة الموضوع...
ينشأ الطموح عند الانسان في وقت مبكّر, فعندما يبدأ بالتفكير بالآتي المجهول يحسّ برغبة ما أو أمنية يودّ أن يصل اليها ويحققها..
عندما كنّا صغارا .. كنّا نلعب..
كان البعض يرسم على الجدران والأرض بالطبشور..والبعض الآخر يصنع من نفسه شرطيا يطارد اللصوص.. أكثر الفتيان كانوا يحبّذون دور الطبيب الذي يكشف على بنات الحارة.. والفتيّات كنّ يفضلن دور معلمة المدرسة ويبدأن باصدار الأوامر والعقوبات..
في الواقع لم تكن تلك الألعاب سوى أمنياتنا وأحلامنا التي نرغب أن نحققها عندما نكبر...
وكبرنا .. وكبرت تلك الرغبات في دواخلنا.. فهناك من وصل الى هدفه بعد الجهد والصبر والاستمرار.. وهناك من تحطمت أحلامه على جدار الظروف المحيطة قبل أن تكتمل وتتكوّن..
ولو كان لكلّ طفل منّا رقيب يساعده على بناء المخطط الذي رسمه لحقق الجميع نجاحا.. فانّ معظم الأهل مشغولون بتأمين لقمة العيش ومنهمكون في هموم ومشاكل الحياة والبقاء, فلا يجدوا الوقت الكافي لتنشئة ما لدى أطفالهم من طموحات ومواهب..
فأنا مثلا ::.....
كنت أحب الغناء وكان صوتي جميلا .. صادحا.. .. وعندما أكون سارحا في الأوف والميجنا يصرخ أحدهم (( سدّو بقى .. صرعتنا..صوتك حلو بسّ سكوتك أحلى .. كمّل الغنية كتابه وعيرنا سكوتك))..
تحطمت رغبة الغناء لديّ , فاتجهت للكتابة , فهي بدون صوت ولا تزعج الآخرين
أول قصيدة كتبتها كنت في الصف السادس الابتدائي, وكانت غزلية لزميلة المقعد الدراسي, فوقعت تلك القصيدة في يد أحدهم فقال لي : (( شو مفكّر حالك نزار قبّاني وعيملّلي حالك شاعر)).. للأسف كنت شاعر بس ما حدا فيي شاعر...
لم أستسلم بل استمرّيت في الكتابة . كثيرا من الأحيان عندما أكون في فراشي أستعد للنوم تأتي الفكرة ,, فأقوم مسرعا لأكتبها حتى لا أنساها , فيقولون
(( جنّ جنونو.. أجت الكريزا ))..
لم أجد أحدا يشجّعني , فصرت أكتب بالسرّ ودون أن أعلم أحدا...ولكن هذا أحبطبي بعض الشيء.. فأنا أريد أن أعرف رأي الآخرين بما أكتب. والنقد هنا ضروري .. ربّما ما أكتبه غير صالح أو يحتاج الى تصحيح..ولكن ممن أنتظر النقد .. الكلّ نقدهم سلبي و محبط..
وكنت أرسم أيضا .. وفي أحد الأيّام رسمت لوحة جميلة جدا , سررت بها , فوضعتها ضمن اطار وعلقتها على جدار غرفتي..
فرأوها .. سألوني من أين أتيت بهذه اللوحة الجميلة .. هنا لساني لم يسبق تفكيري وقلت لهم : لقد اشتريتها من معرض للصور..
تلك اللوحة أعجبت الجميع , ومن ذلك اليوم صرت أرسم وأكتب دون اسم أو توقيع, وأخبر من حولي بأن هذه القصيدة لفلان الفلاني.. وتلك اللوحة من المعرض الفلاني..وهكذا كانت أعمالي تنال رضى الجميع دون أن يعرفوا أية أنامل أرتكبت هذا الأبداع..
ومع هذا بقيت قلقا وفي حيرة .. فلماذا أزرع ولا أجني.. ألست أحقّ من الأسماء الوهمية والتواقيع المزيّفة..
ولكنّي استمريت ومازلت أكتب وأرسم حتى اللحظة.. وهائنذا أملك رصيدا لا بأس به من الأشعار والحكايات واللوحات ..
وربما سيأتي يوما تصل به يد الغوّاص اليّ وأخرج من الأعماق لتسرّ بأعمالي النواظر وتبهر العيون...