كتاب " هكذا أتينا إلى الحياة" هو الجزء الأول من مذكرات الكاتب التركي عزيز نيسين وهو ايضا كاتب الدغري )مسلسل من بطولة دريد لحام) و هو الكتاب الذي يسبق "الصعود إلى القمة" ، في الكتاب يتكلم الكاتب عن ذكريات الطفولة و في هذا النوع من الكتب ليست الفكرة التي يكتب من أجلها الكاتب هي استعراض حياته و تفاصيلها الحميمة فعادته ما تكون هذه المذكرات حلقه وصل بين الشخصية التي خلف الأحرف و الشخصية التي أمامها (القارئ) و لها أحب قرائه كتب يوميات كتاب كيوسف الخال و الآن عزيز نيسين .. في الكتاب فقره من حياته أحببت أن أنقلها لأنها عنت لي شيئا عندما قرأتها و ما زالت تساعدني و سأنقلها حرفيا .. أما (لزوم الأمانة) فالكاتب هو عزيز نيسين ، المترجم :محمد مولود فاقيى، فقره ( هذه الطلعة ستذلل بالسياط ) ص 140 :
.. كانت العربات الوسيلة الوحيدة لنقل البضائع و الأحمال الأخرى إلى جانب الحمالين آنذاك . لا شاحنات و لا بيك آبات صغيره . عربات يجرها حصانان أو حصان واحد . كانت العربات تملأ على آخرها و كثيرا ما يكون وزنها أكبر من طاقه الحصان أو الحصانين كانت الطريق قاسيه جدا و مفروشة بأحجار الأرصفة و أقسى من الآن . لم أر حصانا يجر عربه يقوى على صعودها دفعه واحدة.
يبدأ العربجي التلويح بالسياط في وجه الأحصنة. و هي تجتاز جسر " أونكاباني " ينهال عليها ضربا كي تزيد من قوه اندفاعها فبل بدأ الطلعة و كانوا يظنون أن الحصان لو أنطلق بسرعة معقولة لأجتاز الطلعة دون توقف ، و لكن ما من حصان يقوى على صعودها دفعه واحدة فتنهال السياط على ظهره دون رحمه و لا شقفة . صاحب العربة يفعل ذلك شفقة على حصانه كي لا يسقط في منتصفها و يأكل سياطا أكثر .
تحتار الأحصنة من هذا الانقلاب الحاصل و من هذه السياط التي تلسع ظهورها فجأة . تجري وتجري و لا يتوقف العربجي عن إثارتها كي تسرع فيمسك برسن حصانه من جهة و يجري معه بوجهه يمينا و شمالا لأنه يستحيل عليه أن يصعد بخط مستقيم يجري و يتصبب العرق من العربجي الذي يحاول قدر الإمكان تخليص نفسه و حصانه من وطأة هذه الطريق القاسية فتسقط قطرات العرق فوق حجارة الطريق و يمضي لا ينوي على شيء و كلما اصطدمت نضوة الحسان بحجر صواني تخرج شرارت نارية صغيرة . أما ضرب السياط و الصراخ و التوسل و الجري مع الأحصنة و سحبها لم يقدم ولم يؤخر في الأمر شيئا فالخيول الشابة القوية تنقطع أنفاسها قبل منتصف الطلعة ، و تتوقف فيضع العربجي خشبه أو إطارا يحملها معه على الدوام حتى لا تتراجع العربة نحو الخلف . دائما هنالك أكثر من خمس عربات واقفه في منتصف تلك الطلعة .العربجي يحب خيوله يجري من جديد و يصرخ هيا، ملوحا بسوطه كان الزبد يملأ أفواه الخيول المسكينة و عيونها تكاد تخرج من محاجرها و عضلاتها مشدودة و أعصابها متوترة . تسمع زفيرها من بعيد .
سائقو العربات يساعدون بعضهم . فبينما تتوقف عربة وترتاح خيولها يجتمع السائقون ويدفعون عربة أخرى . ثلاثة أو أربعة سائقين يدفعون من الخلف وصاحب العربة يجر الحصان من مقوده . وأصوات السياط لا تتوقف .
يسير الحصان صاعدا عشرة أمتار تقريبا . يتوقف . تزل قدمه. يهوي على الأرض . رأيت الكثير من سائقي العربات جالسين قرب خيولهم الممدة على الأرض وقد كسرت أرجلها يبكون ويبكون . سياطهم ملقاة جانبا . يعانقون أحصنتهم التي لم تعد تنفع لشى . عندما يسقط الحصان على الأرض . هناك يكون الهم الكبير على السائق تخليصه من أحزمته (قشاط) حيث يظل الحصان معلقا وتنقطع أنفاسه ويموت مختنقا . وإذا لم يقوا على فك الأحزمة بسهولة يقطعها بسكين.
أنظر إلى العربات وسائقيها وأنا منزو في ظل الجدار . السائقون يبذلون المستحيل . من شد ودفع وضرب وصراخ . إذا لم ينهض الحصان على قدميه , يفرغون حمولة العربة . فتنهض الأحصنة . وتسحب العربة الفارغة وجود العربة . ويضعها فيها ثانية .
كثيرا ما تجد أحصنة ماكرة في العربات ذات الحصانين . حيث يلقي أحدهما الثقل على الآخر وقد تكون أنثاه . فالسائقون يغضبون من هذه الأحصنة الماكرة الذكية وتنهال سياطهم على ظهورها . وهناك أحصنة غيورة تحمل .وتسير. ولا تحاول الإفلات من الحمل . ولكنها تقع . تهوي على الأرض من كثرة ما تجهد نفسها .
وعلى امتداد الطريق لا أتوقف في أي مكان . ولكن عندما أصل إلى هذه المنطقة . أقف ساعات طوال أراقب الخيول المسكينة وسائقيها المساكين . كثيرا ما كنت أبكي وأبكي تلك الخيول التعيسة المكسور . المسكينة التي لا تقوى على الحراك .
بعد مرور إحدى وأربعون سنة على تلك الأحداث . عندما تشد الحياة بخناقها على عنقي . وعندما يطبق على صدري من تحمل المسؤولية الملقاة على رأسي . أتخيل تلك الأحصنة المسكينة . وهى تحاول اجتياز تلك الطلعة القاسية . جارة الأعمال الثقيلة . أعرف أنني أراقب نفسي بعد واحد وأربعين عاما. وأعرف أن هذه الطريق الحياتية القاسية لا بد من صعودها . تحت وقع سياط من نوع آخر وأحزمة أشد وأقسى وحمل أثقل يجب ايصاله إلي مكانه وما من أمل آخر . الأهم من كل شى . أن يحس الإنسان بالسعادة وهو يئن تحت حمله الثقيل . وإيجاد الطرق السوية . كي يأخذ نصيبه من السعادة ويشعل بلذة الحياة التي لا بد أن يحياها .
هذه الطريق الصاعدة القاسية لابد من اجتيازها شئنا أم أبينا . لأن الحرية لا تأتي إلا من خلال المسؤولية الملقاة على عاتقنا .
وليس الخلاص والانهزام .
.. كانت العربات الوسيلة الوحيدة لنقل البضائع و الأحمال الأخرى إلى جانب الحمالين آنذاك . لا شاحنات و لا بيك آبات صغيره . عربات يجرها حصانان أو حصان واحد . كانت العربات تملأ على آخرها و كثيرا ما يكون وزنها أكبر من طاقه الحصان أو الحصانين كانت الطريق قاسيه جدا و مفروشة بأحجار الأرصفة و أقسى من الآن . لم أر حصانا يجر عربه يقوى على صعودها دفعه واحدة.
يبدأ العربجي التلويح بالسياط في وجه الأحصنة. و هي تجتاز جسر " أونكاباني " ينهال عليها ضربا كي تزيد من قوه اندفاعها فبل بدأ الطلعة و كانوا يظنون أن الحصان لو أنطلق بسرعة معقولة لأجتاز الطلعة دون توقف ، و لكن ما من حصان يقوى على صعودها دفعه واحدة فتنهال السياط على ظهره دون رحمه و لا شقفة . صاحب العربة يفعل ذلك شفقة على حصانه كي لا يسقط في منتصفها و يأكل سياطا أكثر .
تحتار الأحصنة من هذا الانقلاب الحاصل و من هذه السياط التي تلسع ظهورها فجأة . تجري وتجري و لا يتوقف العربجي عن إثارتها كي تسرع فيمسك برسن حصانه من جهة و يجري معه بوجهه يمينا و شمالا لأنه يستحيل عليه أن يصعد بخط مستقيم يجري و يتصبب العرق من العربجي الذي يحاول قدر الإمكان تخليص نفسه و حصانه من وطأة هذه الطريق القاسية فتسقط قطرات العرق فوق حجارة الطريق و يمضي لا ينوي على شيء و كلما اصطدمت نضوة الحسان بحجر صواني تخرج شرارت نارية صغيرة . أما ضرب السياط و الصراخ و التوسل و الجري مع الأحصنة و سحبها لم يقدم ولم يؤخر في الأمر شيئا فالخيول الشابة القوية تنقطع أنفاسها قبل منتصف الطلعة ، و تتوقف فيضع العربجي خشبه أو إطارا يحملها معه على الدوام حتى لا تتراجع العربة نحو الخلف . دائما هنالك أكثر من خمس عربات واقفه في منتصف تلك الطلعة .العربجي يحب خيوله يجري من جديد و يصرخ هيا، ملوحا بسوطه كان الزبد يملأ أفواه الخيول المسكينة و عيونها تكاد تخرج من محاجرها و عضلاتها مشدودة و أعصابها متوترة . تسمع زفيرها من بعيد .
سائقو العربات يساعدون بعضهم . فبينما تتوقف عربة وترتاح خيولها يجتمع السائقون ويدفعون عربة أخرى . ثلاثة أو أربعة سائقين يدفعون من الخلف وصاحب العربة يجر الحصان من مقوده . وأصوات السياط لا تتوقف .
يسير الحصان صاعدا عشرة أمتار تقريبا . يتوقف . تزل قدمه. يهوي على الأرض . رأيت الكثير من سائقي العربات جالسين قرب خيولهم الممدة على الأرض وقد كسرت أرجلها يبكون ويبكون . سياطهم ملقاة جانبا . يعانقون أحصنتهم التي لم تعد تنفع لشى . عندما يسقط الحصان على الأرض . هناك يكون الهم الكبير على السائق تخليصه من أحزمته (قشاط) حيث يظل الحصان معلقا وتنقطع أنفاسه ويموت مختنقا . وإذا لم يقوا على فك الأحزمة بسهولة يقطعها بسكين.
أنظر إلى العربات وسائقيها وأنا منزو في ظل الجدار . السائقون يبذلون المستحيل . من شد ودفع وضرب وصراخ . إذا لم ينهض الحصان على قدميه , يفرغون حمولة العربة . فتنهض الأحصنة . وتسحب العربة الفارغة وجود العربة . ويضعها فيها ثانية .
كثيرا ما تجد أحصنة ماكرة في العربات ذات الحصانين . حيث يلقي أحدهما الثقل على الآخر وقد تكون أنثاه . فالسائقون يغضبون من هذه الأحصنة الماكرة الذكية وتنهال سياطهم على ظهورها . وهناك أحصنة غيورة تحمل .وتسير. ولا تحاول الإفلات من الحمل . ولكنها تقع . تهوي على الأرض من كثرة ما تجهد نفسها .
وعلى امتداد الطريق لا أتوقف في أي مكان . ولكن عندما أصل إلى هذه المنطقة . أقف ساعات طوال أراقب الخيول المسكينة وسائقيها المساكين . كثيرا ما كنت أبكي وأبكي تلك الخيول التعيسة المكسور . المسكينة التي لا تقوى على الحراك .
بعد مرور إحدى وأربعون سنة على تلك الأحداث . عندما تشد الحياة بخناقها على عنقي . وعندما يطبق على صدري من تحمل المسؤولية الملقاة على رأسي . أتخيل تلك الأحصنة المسكينة . وهى تحاول اجتياز تلك الطلعة القاسية . جارة الأعمال الثقيلة . أعرف أنني أراقب نفسي بعد واحد وأربعين عاما. وأعرف أن هذه الطريق الحياتية القاسية لا بد من صعودها . تحت وقع سياط من نوع آخر وأحزمة أشد وأقسى وحمل أثقل يجب ايصاله إلي مكانه وما من أمل آخر . الأهم من كل شى . أن يحس الإنسان بالسعادة وهو يئن تحت حمله الثقيل . وإيجاد الطرق السوية . كي يأخذ نصيبه من السعادة ويشعل بلذة الحياة التي لا بد أن يحياها .
هذه الطريق الصاعدة القاسية لابد من اجتيازها شئنا أم أبينا . لأن الحرية لا تأتي إلا من خلال المسؤولية الملقاة على عاتقنا .
وليس الخلاص والانهزام .
Offline