بقلم : فكري الأزراق
لم نكن نتصور في الحقيقة أن يتم تنظيم تظاهرة لتخليد ذكرى معركة “أنوال” هذه السنة بالمعبر الحدودي آيث نصار – مليلية، من طرف بعض المناضلين المحسوبين على الحركة الأمازيغية بتنسيق مع جمعية الريف لحقوق الإنسان، وهذا التخليد في المكان المذكور وفي ظل السياق الزمني والسياسي الحالي المتسم بارتفاع نسبة الانتقام من الريف والريفيين من طرف دولة المخزن المغربية من جهة، ومحاولة النظام السياسي المغربي من خلال الحكومة ابتزاز الدولة الإسبانية بملف الريف (وخاصة موضوعة الغازات السامة)، قُلنا بأنه يخدم أجندة الدولة المخزنية سواءا أكان المناضلين المنظمين للتظاهرة على وعي بذلك أو لا، وقال البعض في حقنا، بعد أن أدلينا بدولنا في الموضوع، ما لم يقله مالك في الخمر، بل وقد وصل بعضهم إلى نعتنا بنعوت نستحيي من ذكرها، وهذا إن دل على شيء إنما يدل عن غياب النضج السياسي والفكري اللازمين لتقبل الرأي الآخر من جهة، ولإدارة الصراع وفق المعادلة التي تفرضها المتغيرات السياسية من جهة ثانية.
على العموم، تم تخليد الذكرى بالمعبر الحدودي، رغم كل ما يمكن أن يُقال عن العديد من الجوانب، وأصدرت اللجنة المنظمة لحفل تخليد ذكرى معركة أنوال بيانا في الموضوع يندد بطريقة معينة بارتفاع وتيرة القمع ضد الاحتجاجات بالريف وتجاوزات عناصر القوات العمومية أثناء عمليات التدخل لتفريق الاحتجاجات، والاعتقالات العشوائية أحيانا والانتقائية أحيانا أخرى في حق أبناء الريف.
وذكر البيان، بالسياق الذي تأتي فيه هذه التظاهرة، والمتسم بهجمات اسبانيا على الريف بمباركة الدولة المغربية –على حد تعبير البيان- وهنا انتقلت اللجنة المنظمة لتخليد الذكرى والمتكونة من نشطاء المجتمع المدني، إلى “تحوير” اتجاه الحركات الإحتجاجية، فهذه الأخيرة تحتج ضد سياسة الدولة التي تنتمي إليها، ولا تتدخل في إدارة الصراع الدولتي، أي أن اللجنة المنظمة لهذه التظاهرة استُعملت كورقة ضغط ضد اسبانيا سواءا بعلم المنظمين أو بدونهم. والتوجه لنقد اسبانيا من طرف حركة احتجاجية يُنظر إليه من زاوية “الخدمة المجانية لأجندة النظام السياسي المغربي” كما من شأن هذا التوجه –أي التدخل في إدارة الصراع الدولتي- أن يسقط عن الحركة الإحتجاجية مصداقيتها، لأن احتجاجها غدا أو بعد ضد الدولة المغربية لن يكون له أي تأثير وأية مصداقية على اعتبار أنها قد احتجت من قبل لصالح الدولة، وهذا يعني تبخر الخلاف المُصطنع أصلا بين الدولة وهذه الحركة الإحتجاجية، وهو ما يعني أن الدولة بمختلف أجهزتها لن تترك للصدفة أي مجال في هذا المضمار.
وندد البيان أيضا بتصريحات وزير الخارجية المغربي القائلة بأن حل ملف الغازات السامة يجب أن يكون في إطار مراعاة المصالح المتبادلة بين الدولتين الأفريقية والأوروبية، معتبرين في ذات البيان أن هذا يؤكد استغلال تاريخ وذاكرة المقاومة الريفية لقضاء مصالح سياسية بين البلدين وإقصاء الريف، إلا أن اللجنة بقيامها بالتظاهرة المذكورة في المذكور وفي السياق الزمني والسياسي المذكور في صدر هذه الورقة، يزكي بطريقة أو بأخرى ابتزاز الدولة المغربية لإسبانيا بملف الريف، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على غياب التحليل الجيد للمعطيات من طرف المنظمين، أو تجاهلهم للبعض منها، خاصة وأن هذا التخليد جاء دون سابق إنذار، وفي ظرف زمني قياسي، لم يترك لمختلف المكونات أي مجال للتشاور فيما بينها والنتيجة التي أدى إليها هذا التخليد جد طبيعية، لأنها نتيجة طبيعية لواقع تنظيمي وتدبيري يتسم بالهشاشة في بنية الطبيعة التنظيمية للحركة.
ومن غريب المفارقات / المتضادات التي جاء بها بيان اللجنة، هو إدانة دول : إسبانيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والمغرب ، على تحالفها في قصف جمهورية الريف بالأسلحة الكيماوية، إلا أن ذات البيان يطالب فقط دولتين بالإعتذار، وهما فرنسا وإسبانيا دون مطالبة الدولة المغربية صاحبة اليد الطولى في كل ما حدث بالإعتذار، وهذا يدل على أن اللجنة المنظمة لهذه التظاهرة اعترفت بمصالحة الدولة مع الريف والريفيين، ذلك أن الإشارة إلى تورطها في قصف جمهورية الريف بالأسلحة الكيماوية دون مطالبتها بالإعتذار هو تزكية لعمل هيئة الإنصاف والمصالحة التي يعرف الجميع كيف عملت على تشويه حقائق الريف، وتزكية لما سبق أن أعلنته ذات اللجنة بكون ما حدث بالريف على مر التاريخ السياسي هو نتيجة لصراع أطراف غير دولتية، ويزكي ما سبق أن أعلنه رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سابقا أحمد حرزني بكون أحداث الريف هي صندوق أسود في التاريخ السياسي المعاصر.
إن الإشارة إلى تورط الدولة المغربية في الحرب القذرة على الريف، ومطالبة اسبانيا وفرنسا بالإعتذار دون الدولة المغربية، يزكي مفهوم المصالحة العوجاء مع الريف والريفيين من المنظور الذي تتباه الدولة المغربية، والذي تقوم بالترويج له عن طريق أذرعها الحقوقية، وفي مقدمتها المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يشتغل تحت إمرته شكيب الخياري، رئيس جمعية الريف لحقوق الإنسان، والذي كان من أبرز أعضاء اللجنة المنظمة…. وللقارئ صلاحية التحليل.