منتدى الدريوش ريف

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    مائة عام من العزلة/ عبد الله الدامون / عن جريدة المساء

    سعيد أدرغال
    سعيد أدرغال
    عضو فضي
    عضو فضي


    ذكر
    1842
    العمر : 50
    لإقــامه : تسلي-الدريوش
    المهنة : مراسل صحفي
    نقاط : 3081
    السٌّمعَة : 11
    تاريخ التسجيل : 15/02/2007

    مائة عام من العزلة/ عبد الله الدامون / عن جريدة المساء Empty مائة عام من العزلة/ عبد الله الدامون / عن جريدة المساء

    مُساهمة من طرف سعيد أدرغال الأربعاء يونيو 27, 2012 9:25 am

    مــائـة عـــام مـن العـزلـــة
    عبد الله الدامون

    في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كان المغرب متطورا جدا، وكانت آخر الاختراعات العلمية والتكنولوجية موجودة فيه، بل كانت هذه البلاد تسبق بلدانا كثيرة

    في الاستمتاع بمخترعات البشرية.
    في تلك الأيام الغابرة، كان يوجد في المغرب تلفون وتلغراف وسيارات ودراجات وقطار وأسلحة نارية وأجهزة تصوير وأشياء كثيرة أخرى، لكن المشكلة الوحيدة هي أن كل هذه الأشياء كانت مجرد لـُعب في قصر السلطان عبد العزيز الذي كان يستمتع بها كما يستمتع بلعب عاشوراء، أما المغرب فكان غارقا في تخلف وجهل عظيمين.
    كانت هناك تناقضات مرعبة في تلك الأيام، تمثلت في أن المغرب كان يعيش أزمة مالية خانقة، وكانت المجاعات والأمراض تهلك الإنسان والحيوان، وكانت القوى الاستعمارية قد اقتسمت المغرب على الورق ولم يبق لها إلا إعلان ذلك رسميا. كان المغرب معزولا عن العالم، لكن آخر الاختراعات العلمية والتكنولوجية توجد فيه، وبالضبط في قصر السلطان، ومن أجل شرائها تحمل المغرب الكثير، وتم إرهاق ميزانية الدولة بمصاريف طائلة أدت في آخر المطاف إلى رهن المغرب في أيدي القوى الاستعمارية، وفي النهاية كان ما كان.
    التناقض الآخر الذي حدث في تلك الفترة هو أن السلطان عبد العزيز كان يلهو بآخر المخترعات العلمية في عصره، وهي مخترعات صُنعت من الألف إلى الياء في أوربا وأمريكا، رغم أن والد السلطان عبد العزيز، الحسن الأول، هو الذي ابتعث طلبة مغاربة إلى أوربا ليدرسوا العلم والتكنولوحيا، جنبا إلى جنب مع طلبة يابانيين وآخرين من أمم أخرى؛ لكنهم عندما عادوا، وعوض أن يجدوا الأرض خصبة لتطبيق نظرياتهم، تم تعيينهم قيّادا وموظفين وباشوات، واشتعل جدلٌ في البلاد حول ما إذا كان هؤلاء العائدون من أوربا كفارا أم مسلمين، وما إذا كان لبس البنطلون أو القبعة حلالا أم حراما، في الوقت الذي كان فيه العائدون اليابانيون يرسمون أولى خطواتهم الواثقة نحو المستقبل.
    هكذا، ضيع المغرب فرصة تاريخية لكي يركب قطار الإنسانية، واستمر معزولا عن العالم، وبقي السلطان يستورد المخترعات العلمية لكي يلعب بها، حتى إنه اقتنى قطارا حقيقيا للعب، وعندما وصل إلى الميناء المغربي اكتشفوا أن القطار تلزمه سكة حديدية، فتركوه يصدأ في الميناء بعدما اشتروه بأكوام من المال.. مال الشعب.
    هذا جانب من تاريخ المغرب لا يدرسه الطلبة في المدارس والجامعات، ولا يوجد ضمن المقررات الدراسية، رغم أنه درس إنساني وسياسي وتاريخي عظيم، لأن المغرب، الذي يوجد على مرمى حجر من أوربا، مرت قرب أنفه كل فرص التقدم، لكنه اكتفى بتأملها واشتمامها، ثم عاد إلى قواعد التخلف سالما، وبقي يستمتع بتخلفه، تماما كما قال الشاعر «وأخ الجهالة في الشقاوة ينعم».
    بعدها كان الاستعمار نتيجة طبيعية لما سبق، وتم تقديم المغرب لقمة سائغة إلى الأوربيين الذين جعلوا البلاد لعبة في أيديهم. وكان ممكنا للمغرب أن يحتك بالأوربيين والعالم لكي يفتح عينيه جيدا، لكن ذلك لم يحدث.
    بعد أربعين سنة من الاستعمار المباشر، ورغم أن الأخير هو أفظع ممارسة عرفتها البشرية، فإن الأوربيين لما خرجوا من المغرب تركوا الكثير من المدن المغربية بشوارع فسيحة وإدارات منظمة ومؤسسات مهيكلة ومصانع رابحة وأشياء كثيرة أخرى، لكن سنوات قليلة من «عهد الحرية والاستقلال» كانت كافية لكي تقلب كل شيء رأسا على عقب، وصارت المدن تغرق في الفوضى، وازدادت مدن الصفيح أضعاف ما كانت عليه خلال الاستعمار، والشركات الرابحة سارت سريعا نحو الإفلاس، وتعرضت المدن المغربية لتشويه فظيع، وتجبّر وحوش العقار الذين حولوا المغاربة إلى عبيد يقفون في طوابير أمام الأبناك لكي يحصلوا على قروض لاقتناء شقق لا تختلف عن علب «الوقيد»، والتي يظلون يؤدون أقساطها طوال حياتهم ثم يوَرِّثون ديونها لأبنائهم. هكذا، صار كثير من المغاربة يترحمون على الاستعمار وهم يرون بلادهم، التي يحلمون بها مزدهرة ومتقدمة، وهي تغرق في المزيد من وحل التخلف والجهل والأمية والفقر والمرض والاستغلال والفساد.
    مائة عام مرت على خضوع المغرب للحماية، وستون عاما بعد خروجه منها، لكن الحال هو الحال، فالقشور هي التي تغيرت، لكن العمق بقي ثابتا لا يتبدل.. ولا يتغير.




      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 8:22 am