يجمع كل المتخصصين في الحقل الاجتماعي على أن الدعارة من بين أقدم المهن التي عرفتها البشرية منذ آلاف السنين، نتيجة ارتباط بين الأحاسيس والشهوة من جهة والمال والقهر من جهة أخرى، فمنذ القدم كان اللجوء إلى الدعارة إما لجني المال أو ظلما نتيجة الطغيان وممارسة البعض لأبشع صور الاستغلال والتلذذ بإهانة المرأة التي أرادها الله في صورة جميلة ومتساوية مع الرجل. في المغرب، من العبودية إلى الحرية والاستقلال لعبت الدعارة دورا رئيسيا في رسم صورة المغرب بشكله الحالي، حيث كانت بعض النساء الممارسات للدعارة مع المحتل من الحاملات للهم الوطني واللواتي دافعن عن الوطن في فترة من الفترات، هذه الصورة فقط هي التي كان يقبلها المجتمع للمرأة العاهرة والممارسة للدعارة، لم يكن يقبل المغاربة ممارسة الدعارة في العلن، فقط بعض الظلم المجتمعي كالعبودية واستغلال البعض للمغربيات، وهنا نظرة الامتلاك هي الغالبة، أو ممارسة بعض النساء للدعارة كرها من أجل تحرير الوطن كما سبق الذكر أو الدعارة بشكل سري يتعرض صاحبه للنبذ عند كشف أمره. كان المجتمع المغربي محافظا إلى درجة كبيرة ولا يقبل بصور الإهانة والعار.
اليوم تغير الواقع بشكل كلي مع العولمة وقابلية المغاربة للتطور، كيفما كان هذا الأخير سلبا أو إيجابا. أصبحت الدعارة من بين الأعمال غير المشروعة قانونا والمقبولة داخل الشارع، الميوعة ترتسم بشكل عاد وبسيط، نساء اخترن حرفة من بين أقدم الحرف التي عرفتها البشرية ليس حبا ولكن نتيجة الفقر والظلم والحرمان، نتيجة فهم خاطئ للدين وبعد عن الوطنية بشكل من الأشكال.
صورة الاعتياد والعادة على رؤية المرأة بشكل لا يليق بها والنظر إليها على أنها شيء، هو أكبر ظلم في حقها بل هو كارثة حقيقية تلغي تفكيرها ومنطقها ولغتها في الوصول إلى الشيء ببساطة. المرأة، ذلك الكائن الذي يتقاسم مع الرجل كل شيء ويتفوق عليه بالليونة، ذلك الكيان المفعم بالرقي والجمال كأم أو زوجة أو أخت أو زميلة في العمل أو أي شيء آخر محترم وفعال يجعل البعض يطرح سؤالا واحدا فقط، وهو لماذا زحزحت نظرة المغاربة للمرأة بهذا الشكل المهين وفي وقت قصير؟
إنها أزمة مناهج دراسية ورسالة إعلامية وبعد أخلاقي ومنطق عقلاني وانتماء إسلامي، أصبحت الإعلانات تعتمد على المرأة كجسد فقط، وأصبحت المناهج الدراسية تتعامل مع العقول الصغيرة بنفس الشكل، متناسية أن التربية هي أهم خطوة في تصحيح المفاهيم، تلك النظرة إلى المرأة بشكل رجولي جعل بعض البرود ينتقل إلى المجتمع مما أعطانا صورا مثل «كيف كيف» وغيرها كثير فبالأمس كان الرجل يتوق إلى رؤية المرأة وإذا رآها تتحرك بداخله مشاعر الذكورة وأحاسيس الجنس تجعله يسارع إلى خطفها من بيت عائلتها إلى بيت الزوجية. الآن كل شيء تغير فالشابات يرتدين ملابس من نوع «أنا ومن بعدي الطوفان» من صنف «ميني بوط، مني شورت ...». كل سنة يظهر في الأسواق نوع جديد من صنف «الميني».. الحاجة والفقر تجعل الدعارة سيدة المهن النسائية وأكثرها انتشارا، فبعض الطالبات يلجأن إلى بيع أجسادهن بأثمنة بخسة، فجامعتنا أيضا تعرف هذا النوع من العمل نتيجة قلة الحيلة. والمنحة الجامعية الهزيلة الممنوحة للطالبات، جعلت بعضهن يلجن سوق المتعة الرخيصة ويبعن أنفسهن في سوق الجنس واللحم الآدمي وبصدق لهن عذر في ذلك إذا نظرنا إلى قيمة المنحة التي لا تتعدى 400 درهم للشهر مع المشاكل التي تعترض أخذها، من الظلم والخبث منح شاب أو شابة مبلغا زهيدا مثل هذا، لا يكفي حتى لنزهة بسيطة، فكيف سيوفر مصاريف الكراء والمعيشة وما جاورهما؟ والعجيب في الأمر أن بعض الشابات لا تمنحهن أسرهن أي شيء ويدرسن ويقمن بتغطية مصاريف الدراسة، كما يقمن بمنح عائلاتهن جزءا من النقود! بعض الشابات يمارسن أيضا التجارة في صورة دعارة بمنح الزبون بعض المواد بالشارع لشرائها مع القيام بإغرائه بجسدها وكتابة رقم هاتفها النقال على تلك المواد ليتصل بها وتكون قد ضربت عصفورين بحجر واحد، تجارة ودعارة في نفس الوقت.