قبل أسابيع،ودعنا عيد الأم،الذي يصادف 21 مارس من كل عام،في اليوم نفسه كانت لي زيارة إلى مستشفى سانية الرمل بمدينة تطوان مع إحدى القريبات من أجل زيارة أمها النزيلة في هذا المستشفى الذي يعد الأكبر في الحمامة البيضاء.وجدت نفسي غير متحمس تمام التحمس لهذه الزيارة،على الأقل ليس كما كنت في الأمس القريب،حيث كنت أمر بقربه لمدة 4 أعوام متواصلة،من وإلى المؤسستين اللتان كنت أتلقى فيهما تعليمي.
للوهلة الأولى من دخولنا أنا والقريبة،اتجهنا صوب موظفة الإستقبالات فأرشدتنا إلى مكان تواجد أم مرافقتي.لدى صعودنا إلى الطابق العلوي صادفنا مرضى ينظرون إلينا بنظرات غريبة،فاحصة،لم أجد لها تفسيرا سوى تلهفهم وإتقادهم أن أحدا من أقاربهم قد زارهم،وهذا ما تأكد،حيث سرعان ما ولو وجوههم علينا بعدما تأكدوا أن الأمر لا يعنيهم.جربت مسبقا هذا الموقف وأعرف معنى أن يزورني صديق أو قريب في المشفى،لحظة رائعة بصراحة،لا أجد تعبيرا لها،ربما كاللحظة التي يجد فيها-العطشان-كوبا من ماء بعد ثلاثة أيام أو أكثر من عطشه.
وصلنا أخيرا إلى أم القريبة،فبادرت بمعانقتها،فيما اكتفيت أنا بإلقاء التحية،فتركتهن لحالهن ورحت إلى مريضة كانت في حالة يرثى لها،كانت قريبة شيئ ما من أم قريبتي،فنظرت إليها دون أن أحس أنني أطلت النظر إلى أن نادتني القريبة مشعرة إياي أنها انتهت مع أمها ومستعدة كل الإستعداد لمغادرة المكان.أشرت إليها بالتمهل قليلا وبسرعة وخفة متناهية تقدمت بسؤال إلى أم القريبة،أن ما قصة المرأة المريضة جارتك؟.
فأجابتني:"أنها من مدينة الحسيمة،استقدمتها أختها الفقيرة إلى المستشفى بعدما استفحل بها المرض وأتى على الجزء الكبير من قوتها".وأردفت:"حاليا لا تزورها أختها التي أحضرتها إلى هذا المكان مع أن لها إبنة في بلجيكا وإبن في ألمانيا،ولكن لا يزورانها وهي مريضة تحتاج إلى عملية تكلف ثمنا باهضا،والمشكلة أنها لا تتوفر على المبلغ الذي يمكنها من إجراء العملية المطلوبة".
إنتظرت أن تظيف،لكن القريبة كانت مستعجلة للمغادرة كي لا يغضب منها زوجها الذي سمح لها بزيارة خاطفة إلى والدتها.وكان هو كثير الزيارات إلى أم زوجته وبالتالي كان لا يرى بدا من زيارات زوجته إلى أمها مبررا موقفه هذا بأن الأيام التي ستمكثها أمها في المشفى قليلة ولا تستدعي لكل هذه الزيارات.
وكانت القريبة تبدي الغضب والغبطة من مبررات وتصريحات زوجها.
غادرنا المشفى على أمل العودة في اليوم الموالي.وكذلك كان،حيث عدنا في اليوم الموالي لكون القريبة لا تتحمل أن تبقى بعيدة عن أمها وهي في هذه الوضعية الصعبة.وكالعادة ولجنا المشفى ثم سرعان ما وصلنا إلى الركن الذي تتواجد فيه أمها.كانت الدهشة أنني لم أجد المرأة الريفية،المرأة الحسيمية،وعندما سألت أم القريبة أجابتني بكل حزن ويأس أنها قد غادرت هذه الدنيا الفانية!!.
تفاجأت بهذا الجوابـ خاصة وأنها كانت بالأمس هناـ على سريرها المتواجد على بعد خطوات مني الآن،حزنت للنهاية التي وصلت إليها المرأة الريفية،الحسيمية،ياله من زمن محزن،ياله من زمن غريب هذا الذي نحياهـ كيف يعقل أن يرمي هؤلاء أمهم لتواجه مصيرها وهي التي أنجبتهم وتحملت الشقاء والتعب وكل آلام الولادة وما يليها من أجلهم.
ثم غادرت المكان إلى أقرب زاوية بعيدا عن الأنظار فبكيت ثم بكيت من هول الزمن الحالي فخطر ببالي بيت محمود درويش.وأين نحن من محمود درويش حين قال:
-وأعشق عمري لأني إذا مت أخجل من دمع أمي..