التاريخية و المجتمعية
لدار الدريوش
بمناسبة القرارالملكي السامي القاضي بإحداث عمالات جديدة بتراب المملكة الشريفة، من ضمنها عمالة إقليم الدريوش تحقيقا لمشروع التنمية، و تنفيذا لمبدأ تقريب الإدارة.
يبدو أنه من الأهمية بمكان تسليط شيء من الأضواء حول بعض الحقائق التاريخية و المجتمعية عن دارالدريوش، تنويرا للرأي العام و المحلي و الوطني، و بالأخص رأي أولئك الشباب المتحمس الذي تزعم مظاهرات استنكارية احتجاجية ضد القرار القاضي بإحداث عمالة إقليم الدريوش مطالبين بأحقية بلدة ميضار، مستندين في ذلك على معطيات أساسها الانتماء القبلي.
من هو الدريوش؟
هو الدريوش بن حموش المرابطي، أحد أعيان قبيلة امطالسة من أحفاد المرابطين الذين حكموا المغرب طيلة قرن و بضع سنين (1038-1147). و الدريوش رحمه الله كان صاحب الأرض التي انتزعها منه الاستعمار الاسباني فسماها دار الدريوش بعد أن عسكر فيها بجيشه حينما بسط نفوذه على سهول كرت، إثر المقاومة الريفية الأولى بقيادة الشريف محمد أمزيان، و الثانية بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي. و للمرابطي جد الدريوش ما يقرب أو يزيد على مائة أسرة، منتشرة في أنحاء قبيلة امطالسة، جميع أفرادها يتخذون من المرابطي اسمهم العائلي. و جماعة الدريوش المنتمية إلى قبيلة امطالسة تتميز بخاصية تنفرد بها عن معظم قبائل الناظور، لكون هذه الجماعة تجمع بين أحضانها و في محيطها نسيجا مجتمعيا متعدد الجذور و الأصول من عناصر عربية و أخرى أمازيغية، كبني وكيل، و أولاد موسى، و لغرابة، و لعبابدة، و لفراقشة، و الزيانيين، و غيرهم من أصول عربية. و آيت يشو،وآيت رحو، و إعدوثن، و إقلوشن، و إحسنيون و غيرهم من أصول أمازيغية. و استوطنت هذه العناصر قبيلة امطالسة و تعايشت في تلاءم و تراحم، لم يسبق أن سجل عنهم أي صراع عرقي أو قبلي، رغم مكائد الاستعمار، خلافا لما عرفت به بعض قبائل الإقليم. و تجدر الإشارة هنا إلى أن عددا لا يستهان به من أسر و عائلات توزانية هبطت من ميضار إلى سهول الدريوش، و أصبحت تملك عقارات و أراضي فلاحية، و ضيعات في مختلف ضواحي جماعة الدريوش، حيث تشعر بأمن و اطمئنان، و استقرار و أمان.
و على سبيل ذكر إقلوشن أو لقلالشة، يجدر هنا التذكير بحقيقة تاريخية لن يطويها النسيان أبدا، ستظل محفورة في الذاكرة المحلية عند أهالي الدريوش بصفة خاصة. و هي أن جلالة المغفور له محمدا الخامس نزل ضيفا على مدينة الدريوش سنة 1958 حينما قام بزيارته الميمونة إلى أقاليم الشمال مرورا بالحسيمة ثم ميضار، ولما بلغ موكبه مدينة الدريوش، نزل من سيارته لتحية الجموع الغفيرة التي احتشدت للتعبير عن الفرحة العارمة، و الترحيب بقدومه. و حَـسِبَ الناس أنه إنما نزل لتحيتهم، ثم يعود لمواصلة رحلته إلى الناظور، و لكنه كان قد قرر أن يحل ضيفا عند عائلة الحاج عمرو القيشوحي القلوشي المريراتي، حيث صلى الظهر، و تناول الغذاء عندهم، اعترافا منه، و تقديرا لما لهذه العائلة من صفحات مشرفة في تاريخ المقاومة الريفية الأولى و الثانية. (أنظر "الاحتراق و التوهج" للباحث الأستاذ محمد أقوضاض). أو ما قام به أولاده من بعده من تضحيات، أثناء المقاومة المظفرة التي توجت باستقلال المغرب تحت قيادة المغفور له محمد الخامس. و تكريما لهذه العائلة المناضلة، تفضل أكرم الله مثواه بتعيين المرحوم السيد محمد بن الحاج عمرو القيشوحي، قائدا على الدريوش، و عين زورة. و قد خلفت هذه الضيافة المباركة أثرا حميدا، و شعورا مفعما بالاعتزاز و التشريف في نفوس الأهالي، ولا يزال بعضهم يتذكرها و يتحدث عنها حتى يومنا هذا.
و من باب الإشادة و التقدير لدور المقاومة التحريرية و رجالها في كافة أرجاء الوطن بصفة عامة، و بهذه الربوع الريفية المنتمية إلى الناحية الشرقية بصفة خاصة، لا بد من ذكر بعض عناصرها من الذين عرفوا لدى الخاص و العام بالتفاني، و الشجاعة و الإقدام، و هؤلاء العناصر هم ثلاثة بالإضافة إلى الحاج عمرو المذكور. ينتمي كل منهم إلى إحدى الربوع التالية: تزي أوسلي، بني توزين، الدريوش و عين زورة.
و من كزناية (تزي أوسلي) اشتهر المرحوم محمد العجوري المعروف بالغابوشي أحد منسقي المقاومة بالمنطقة الشرقية و مؤسسيها عُـرف بالإقدام و الهيبة و الشجاعة و الوقار. استقر بعد الاستقلال بضواحي مدينة الدريوش و تزوج إحدى حفيدات الحاج عمرو القيشوحي المذكور. والحفيدة هي كريمة المرحوم محند القيشوحي المعروف بـ (الحاج بيبي). اشتغل الرائد العجوري رئيس دائرة بوجدة إلى أن تقاعد.
و من بني توزين (ميضار)، المرحوم القائد علال السيعليتي التوزاني الرجل الصنديد ذو القامة الفارعة، كانت كلماته مسموعة نافذة، لا يعصى له أمر. اشتغل بعد الاستقلال قائدا على ميضار و تفرسيت. و يقال بأنه كان يُـعرف في القصر الملكي بـ أبا علال.
و من عين زورة المرحوم غالب الحاج الدريوش بن الحاج عبد الله، أحد منسقي المقاومة بين مرموشة و عين زورة. و كان منزله بأولاد حقون مستودعا للتموين و الذخيرة و السلاح بأمر من مؤسس المقاومة بالمنطقة عباس المسعدي، و يذكر أحد المقاومين بأن عباسا المسعدي لما وفد على عين زورة ليؤسس هناك خلية للمقاومة قصد منزل الحاج عبد الله غالب و طلب منه أن يتخذ من المنزل أحد معاقل المقاومة، و بعد الاستقبال و الترحيب و إبرام الاتفاق، وقف الحاج عبد الله بين الحاضرين و اتجه نحو ركن من البيت فأخرج بندقية كان قد أخفاها في ذلك الركن منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود من السنين، و قدمها لعباس المسعدي قائلا "هذه بندقيتي و هذا ابني الدريوش و هؤلاء أشقاؤه، أضعهم جميعا رهن إشارة المقاومة إلى أن تعود الشرعية إلى الوطن. و لما سأله عباس عن مصدر البندقية أجاب الحاج عبد الله "إنها بندقيتي التي حاربت بها الإسبان إلى جانب محمد بن عبد الكريم الخطابي" و بهذا تكون البندقية قد شاركت في معركة أنوال و في ثورة الملك و الشعب. اشتغل المرحوم غالب الدريوش خليفة قائد بعين زورة أيام القائد الحاج عمرو القيشوحي المذكور آنفا.
فتحية إكبار و إجلال لهذه الربوع الطيبة عين زورة و الدريوش و ميضار و تزي أوسلي، التي أنجبت أولئك الأبطال الذين كانت تجمعهم روابط الانتماء إلى الوطن الكبير المغرب العزيز. وأن أولئك الأبطال لم يكونوا يتفاضلون فيما بينهم، و لا أن أحدهم ادعى بأنه أحق من آخر بكذا ، أو كذا ، و كانوا سواسية، و أي حاضر منهم يتكلم باسم الآخرين.
و يعتقد أنه لو بقي هؤلاء على قيد الحياة لمنعوا أولئك الشباب الذين تحركوا في ميضار لإثارة زوابع النعرات، و المفاضلة و تشتيت الشمل و تحقير الغير، و اتهامه بممارسة الإقصاء و التهميش و لاشك أن أولي الأمر منا أدرى بمصالح شعبنا و أجدر بتحقيق مبدأ السواسية.
بقلم الأستاذ سعيد الجراري.
الدريوش في
21/02/2009
عدل سابقا من قبل سعيد الجراري في السبت فبراير 21, 2009 9:25 am عدل 1 مرات