يونيو في...
كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة زوالا عندما أُشعرنا من مدير ثانوية مولاي الحسن بتطوان بأنه سيجيئ أحد الدكاترة وسيكون ضيفا على الطلبة أيام الأسبوع الثقافي الذي ينظم في المؤسسة المذكورة أواخر كل سنة دراسية،وكانت المحاضرة التي أنبئنا به سعادة المدير تخص التفجريات التي نُفذت في حي الفرح بالدار البيضاء قبل شهرين من ذلك،ثم طلب منا مدير المؤسسة تحضير أسئلة لطرحها على الدكتور الرباطي حول هذه القضية التي اهتز لها الرأي العام المغربي والدولي في ذلك الحين...وكنت طالبا بنفس المؤسسة في مستوى الأول ثانوي إذ أثار انتباهي وفكري هذا الموضوع وبدأت في التحضير جديا للمحاضرة.كان أول تسائل تسائلت به هو"هل منفذي التفجيرات استشهاديين أم انتحاريين...؟!
كان ميلي في البداية مع القتلى الذين تجاوز عددهم الأربعين قتيلا رغم موتهم في مكان يشجع على الفساد،بسبب أنني كنت أشاهد فلذات أكبادهم وزيجاتهم يبكون أمام شاشة الدوزيم والأولى...
قبل المناظرة بيوم،كنت أغدوا وأروح بين ساحة المشور السعيد وشارع محمد الخامس بتطوان فسقط نظري على مكتبة كبرى،اتجهت نحوها وكلي امل في ايجاد بعض التساؤلات التي توافق الطرح على الدكتور المتخصص في قضايا الإرهاب فلم أجد مرادي في كتاب من الكتب العريضة لحداثة الواقعة باستثناء تقرير في الأحداث المغربية التي عنونت على الصفحة الأولى في تلك اللحظة"الشيخ الفيزازي:منفذي التفجيرات شهداء"!
استغربت وتعجبت وفرحت في الوقت نفسه،استغربت من هذا التصريح الذي يصدر من أشهر وأفضل عالم إسلامي في المغرب.وفرحت لأنني وجدت ضالتي وما أبحث عنه فاقتنيت الجريدة واتجهت صوب اقرب مقهى ثم تصفحت الجريدة متجها مباشرة صوب التقرير الذي يخص الفيزازي وقضية الإرهاب...
سجلت مختصر التقرير على ورقة بيضاء ثم دفعت للنادل ثمن القهوة.وفي اليوم الموالي-ميعاد المحاضرة-أخذت مكانا متقدما بين صفوف الحاضرين أوج مطعم المؤسسة الثانوية فكان من ضمن المتواجدين الطلبة الذين تجوازوا الثلاث مائة،كل من رئيس البلدية ومديروا وأساتدة ومفتشي المؤسسة وعدد مهم من رجالات السلطة بمن فيهم نائب رئيس الأمن الإقليمي والدكتور الرباطي"غير الملتحي"بالإضاةفة إلى 4 من مرافقيه.
كان الغرض من المحاضرة تحسيس الطالب بخطورة ما اقترفه الانفجاريين من الجانب الاجتماعي والديني والاقتصادي والتنموي...
تقدم في البداية عدد مهم من التلامذة بطرح أسئلتهم على الدكتور وتلقوا إجابات كانت في مستوى تطلعاتهم.حيث كان لزاما على أي راغب في طرح سؤال ما أن يرفع يده إلى أن يأذن له من طرف منظم المناظرة.فرفعت يدي يدي متفائلا ومندفعا كوني حضرت تحضيرا ضخما ومهما.قبل طلبي من طرف المنظم ودعاني للصعود فوق المنصة لأطرح تسائلي على الدكتور...
صعدت المنصة وبدأت بعد البسملة والتحية بذكر قول الشيخ الفيزازي حول التفجيرات حيث يقول الشيخ الفيزازي أن منفذي الهجمات كان لهم مراد في الإقدام على تفجير أبدانهم وقلتُ"يقول الفيزازي لو كان الإنفجاريين يريدون القضاء على سياسة البلد أو زعزعتها لالتجؤوا إلى مركز البرلمان أو إحدى القصور الملكية ولو كانوا يرغبون في القضاء على اقتصاد الدولة لكان ملجؤهم صوب البورصة أو المقر الرئيسي لبنك المغرب ولو كانت لهم رغبة في قتل أكبر عدد من الناس لكانت وجهتهم السينما أو الملاعب وأماكن تجمع المواطنين"ثم سألت الدكتور المختص بقضايا الإرهاب عن رأيه على أوقال الشيخ الفيزازي ثم عدت إلى مكمني لأتلقى الإجابة.لكنه لم يلتفت للأسف إلى تساؤلي واكتفى بالتحريم والتحليل وسرد آيات وأحاديث تجانب القضية مما حز في نفسي أن أرفع يدي من جديد فقوبل طلبي كوني أحضى بمكانة حسنة عند الأستاذ منظم المحاضرة...قمت فأشعرت الدكتور شفويا أنه لم يجب على تسائلي وعن سبب هذا التجاهل.قال أمام مسمع الكل أنه رد على تسائلي وأضاف أنني لم أفهم إجابته لأن مستوى وطريقة الإجابة أعلى من مستواي"حسب قوله".قلتُ"في الإعادة إفادة"وطلبت منه أن يفيدني عن سبب تفجير هؤلاء لأنفسهم في حي الفرح بالذات دون غيره من الأماكن التي وصفها الشيخ الفيزازي.قال رافعا صوته بعض الشيئ"إن الإرهابي ولا فرق بين الأماكن التي يغتال فيها -الإرهابي-نفسه والأنفس-البريئة-".
أعدت السؤال للمرة الثالثة وقلتُ أنه لابد أن يكون هناك هناك سبب جلي وواضح من خلال تفضيل هذا المكان دون غيره.قال أمام مسمع الكل بعد ان أخذ نفسا عميقا استراح فيه من الغضبة الأولى أنني ألمح إلى شيئ ما وطلب مني الإفصاح عما أريد قوله.قلتُ"أنا جئت لأسئل وأستفيد منك لا أن أُسئل ثم لو كنت أعرف الإجابة لما سألتط أصلا؟".قال"يا ولدي أنا لا أسئلك،أنا فقط أريد أن تلمح وتفصح عما تريد قوله كي تتسنى لي الإجابة على سؤالك.قلتُ"الأمر واضح وأنا لست أنحاز إلى أي كان.إن الإنفجاريين ربما كان مرادهم المساهمة في تصفية الفساد الأخلاقي والإجتماعي وتعزيز دين الله على طريقتهم الخاصة،وربما هو أيضا انفعال ورد على حكومة البلد التي همشتهم وفقرتهم وهذا لربما أرجح القول كون أغلبية الإنفجاريين كانوا يتخذون دور الصفيح مسكنا لهم.قال"ولكلا الأمرين لا يحق لأي كان أن يقتل بشرا آخر كما أن المسلم لا يجوز له قتل أخيه المسلم مهما كانت الأحوال".قلت تعددت الأسباب والموت واحد فإذا كان ما تقوله حقا فالحكومة أيضا تقتل مواطني هذا البلد لكن، بطريقة مختلفة وبطيئة عن طريقة الإنفجاريين،وذلك بتجويعهم..."ثم أضفت القول"وان الذين تسمونهم بالإرهابيين إذا نظرنا للقضية من جانب آخر لوجدنا أنهم ساهموا في التقليل من نسبة مرتادي الكازينوهات والعلب الليلية بسبب التخوف من أي هجوب قد ينشب بين لحظة وحين.."
ثم طلب مني الدكتور العودة الى مكاني ووعدني بانه سيجيب على سؤالي.فعدت الى مكاني تلبية لطلبه وعيون التلاميذ يلفها التعجب والاشعار بهول ما سيعقب هذا الجمع.
فكانت إجابة الدكتور على النحو التالي"الله تعالى يقول -وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا-وبدأ في شرح الآية وتفسيرها بطريقة في نوع من التعالي على مكانة الفقهاء والدكاترة.رفعت يدي مرة أخرى لأشعر الدكتور أن الآية لا تتناسب والمقام،لكن لم يلبى طلبي بسبب أو بآخر.عاودت الكرة مرة أخرى وثانية وثالثة إلى أن طلب مني المنظم الهدوء بحركات قام بها بفمه ويده.فشغلت عقلي طيلة الوقت المتبقي للمحاضرة كيف ان الدكتور يترفع ويتكبر مثله مثل بعض المسؤولين وكيف له أن يمقت الإنفجاريين ويصفهم بالقتلة وأن النار مآلهم.في تجاهل تام للمسؤولين الذين يقتلوننا دون أن نقاتلهم ويعتدون علينا دون أن نعتدي عليهم...إنشغل تفكيري بهذا الأمر إلى أن أنهى سعادة الدكتور المحاضرة وهم الجميع إلى المغادرة ونوديت من طرف أحد الأساتدة ليقول أني لو لم أكن صغير السن"في ذلك الوقت 17 سنة"لدفعوا بي إلى السجن.ونصحني بعدم الخوض في مثل هذه الأمور مستقبلا...
لم ارد على أستاذي للغة العربية الذي كان قد تجاوز الخامسة والخمسين سنة لأنه من أشد واكثر من أحترمهم.لكن التسائل بقي في ذهني إلى اليوم.لا إعرف إلى متى،ربما إلى أن يخرج الشيخ الفزازي من المعتقل الذي لا زال يقبع فيه منذ تفجيرات حي الفرح.
عبد الكريم محمد
عدل سابقا من قبل عبد الكريم محمد في الإثنين ديسمبر 29, 2008 2:24 pm عدل 1 مرات