بطبيعة الحال إذا اخترنا الا نكون استراتجيين في حياتنا ، ونفضل ألا نعي الاشياء كما يجب . يمكن وبسهولة أن نقول ان الجالية الريفية بهولندا بألف خير ، خصوصا إذا كنا نصدق أبواق الاعلام المغربية التي يزداد غيثانها وفصل الصيف يقترب ،
حيث فيما مضى كانوا يتحدثون عنا من داخل استوديوهات دار البريهي فقط ، ثم انتقلوا الى المواني والمطارات ، ولم يكفثهم ذلك فقرروا القفز في البواخر في السنتين الاخيرتين صحبة مجموعة من الفنانين المغلوبين عن امرهم هكذا يصنع الاعلام المغربي صورته البارعة عن الجالية المغربية المقيمة بالخارج . حيث اصبح الاحتفال بقدوم...
حيث فيما مضى كانوا يتحدثون عنا من داخل استوديوهات دار البريهي فقط ، ثم انتقلوا الى المواني والمطارات ، ولم يكفثهم ذلك فقرروا القفز في البواخر في السنتين الاخيرتين صحبة مجموعة من الفنانين المغلوبين عن امرهم هكذا يصنع الاعلام المغربي صورته البارعة عن الجالية المغربية المقيمة بالخارج . حيث اصبح الاحتفال بقدوم...
هذه الجالية رسميا لا يناقشه احد . كيف لا واغلبية الجيل الاول هجر قصرا بعد أحداث نهاية الخمسينات ؟ كيف لا وهم تركوا لنا جيلا لا يبخل بالعملة الصعبة على وطنه حتى أصبحت في طليعة الموارد للخزينة المغربية التي استثمرت في كل ربوع المملكة عدا الريف لا أريد ان اخوض في التفاصيل وعلى القارئ الكريم ان يعلم ان مقالي هذا ، هو أول مقال أكتبه للجريدة . واكتبه لانني وبعد سنين من الغربة و مازلت ، تيقنت من أن لكل إنسان حق في الوطن والانتماء. ولرد الجميل لهذا الوطن لابد أن ندافع عنه بما يرضي البعض أو يغضبهم على الجميع ان يعلم ان الجالية المغربية لا تعني بالنسبة لبعض أهل البلد اكثر من بقرة حلوب يجب ان تغني الوطن دون مقابل ، ولنا في نصف القرن الذي قضيناه هنا أكثر من دليل دامغ .
فالاسماء الامازيغية لا تسجل في القنصليات الا نادرا وبعد مشادات لا يستطيع موظف القنصلية أن يدافع من خلاله ولو حتى على نفسه . إدريس البصري اعفي من مهامه أو طرد ولكن لائحته مازالت جاري بها العمل . يكفيك أن تذكر إسما أمازيغيا ليضعوا اللائحة على الطاولة ويطلب منك ا ختيار اسم منها . لقد أصبحت لائحة البصري مقدسة ، مرجعا يحتذى به وكأن الحكومة المغربية تظن ان من السهل نسيان جبروت ادريس البصري . ربما تجهل الحكومة المغربية ايضا ان الجالية المغربية بأسرها تعرف ادريس البصري وخصوصا الجيل الثاني والثالث بفضل ثورة التكنولوجيا وعصر الانترنت .
لا أريد أن اضيف أمثلة أخرى عن كيفية معاملة الجالية المغربية من طرف التمثيليات الدبلوماسية المغربية بالخارج .
ولكن الاخطر من كل هذا أن الجالية المغربية تتجه نحو أفق قد يصعب فيها الحفاظ على المقومات الوطنية وخصوصا الريفية منها لكونها رصعت التاريخ المغربي المعاصر بفضل إمكانياتها الذاتية .فبالرغم من أن الجيل الاول قد أراح الحكومة المركزية لكونه اغترب ولم يعد هناك أي خوف من التكتل والتجمهر والعصيان المدني ويكفي أن يعلم القارئ المحترم ان عبد القادر البارودي قد ذكر في كتابة “ الهجرة والامبريالية “ أن أكثر 74في المائة من رجال بعض مداشر تمسمان قد هاجروا ، عفوا هجروا. بالرغم من هذا أبت الحكومة المغربية الا وان تضع هؤلاء تحت المراقبة ، فأسست ما يسمى بالوداديات . هذا الجهاز الذي آذى بعض اعضائها أناس لا علاقة لهم بالسياسة ولا باهلها . أذوهم في إطار تصفية حسابات شخصية . لفقوا تهما للناس من غير سبب وهم نالوا قطعا ارضية واموالا و امتيازات خولت لهم دخول القصر بدون إذن وجعلت منهم أناس فوق الاخرين بكل امتياز . أصبحت الجالية المغربية خائفة من ظلها كما يقال ، فهرعوا طوعا أو قصرا الى اقتناء بطاقة الودادية . بطاقة بيضاء مرصعة بخط أخضر واخر أحمر . يخال لك ان كل الجالية المغربية أصبحت شرطة أو شرطة سرية . مع إقتراب فصل الصيف يصبح الاقبال على هذه البطاقة أكثر من الاقبال على تمديد صلاحية جواز السفر أو اليطاقة الوطنية . كيف لا وهذه البطاقة شبه إجبارية لدخول الوطن . فبالرغم من قدوم رفيق الحداوي في 88 وزيرا للجالية المغربية معلنا ضمنيا موت الوداديات إلا ان هذه الحثالة من الاشخاص رفضوا حل هذا الجهاز حتى بعد إن إنقطعت عنهم المعونات من الحكومة المغربية ، إستمروا في التشبث بهذا الجهاز ودفعوا فاتورات الكراء والماء والكهرباء من مالهم الخاص . كيف لا ؟ والفضل يعود الى هذا الجهاز وهم يحصلون على رخص سيارات الاجرة بالمجان ناهيك عن القطع الارضية وغيرها من الامتيازات .
نجحت الحكومة في ترهيب الجالية المغربية ، ولكن هذا غير كاف بطبيع الحال ، فهم الذين ثاروا في نهاية الخمسينات , ورفضوا وضع السلاح بعد الاستقلال لكونهم همشوا من طرف علال الفاسي وأصدقائه خلال تكوين الحكومة لمن فاتته هذه المعلومة لنصبح بعد ذلك أعداء للوطن بعد أن أفنينا الاف الجنود الاسبانيين وجنرالاتهم من أجل تحرير هذا الوطن .
هكذا قررت الحكومة المغربية إشراك البنك الشعبي في خطة استغلال الجالية الريفية . فالتهجير غير كاف . يجب على المهاجرين ضخ العملة الصعبة ، وهناك طرق عديدة لارغامهم على إدخال هذه العملة أحبوا ام كرهوا . هكذا أصبح من المستحيل الحصول على جواز السفر من إحدى القنصليات اذا كان الشخص المعني غير متوفر على رقم بنكي يثبت أنه يرسل المال الى المغرب . وحالتي أنا خير دليل على ذلك حيث لو لم أفتح رقم حساب وأرسلت المال الى هذا الرقم لحرمت من جواز سفري بالرغم من أنه حق من حقوقي الوطنية كمواطن مغربي ...
هذا البنك ابتز الناس حتى النخاع . أخذ مالهم واستثمره داخل المغرب وجنوبه ليتركنا نحن في الريف وكاننا رحل في أرض قاحلة ...
لم نعامل بهذه الطريقة حتى في عهد الاستعمار . هذا البنك الذي أغني البلاد بمال العمال الريفيين ليفقر الريف الى درجة لا تتصور .
لحسن الحظ وكما قال أبو البقاء الرندي في رثاء الاندلس لكل شئ إذا ما تم نقصان ولا يغر بطيب العيش إنسان ها نحن وقد ودعنا تقريبا كل الجيل الاول ، حيث منهم من قضى نحبه في خدمة الوطن ، منهم من عاد ليتخبط في مشكال إدارية ومنهم من عجز عن العمل فبقي معلقا بين أن يعود وحده الى الوطن أو يبقى مع ابنائه الذين مازالوا يبنون مستقبلهم .
إنتهى عصر الوداديات ، وساعة غروب البنك الشعبي وغطرسته قد حانت ومن لم يصدق فليسأل عن حجم العملة الصعبة التي تدخل البلاد وليقارنها مع الماضي , بل فليبحثوا ايضا عن عدد المهاجرين الذين يعودون سنويا ، رغم ان الحكومة المغربية قد حاولت منحهم امتيازات عن باقي افراد الشعب المغلوب عن امره ، كغض النظر عن سرعتهم المفرطة بالسيارت ، وإعفائهم من دفع ثمن المخالفات ، وغض النظر عن ممارساتهم الصبيانية في مجال شرب الخمر والسهر مع المومسات ، وغض النظر عن تفتيشهم في نقط العبور إلى درجة أن احد الشباب اشهر مسدسه في نادي الرقص بالحسيمة ليردي شابا اخر قتيلا.. في السنوات القليلة الماضية في 1978 أبرم اتفاق بين المغرب وهولندا من أجل تعليم أفراد الجالية المغربية لغتهم وثقافتهم الاصلية . وهنا وقعت الكارثة الحقيقية حيث اعتبرت اللغة والثقافة العربية ، الثقافة الاصلية للمغاربة المقيمين بهولندا . حتى الدستور المغربي لم يقر بهذا ولا اعرف لماذا حكموا على الامازيغ بهذا الحكم الزاجر . فالدستور يقول ان العربية هي اللغة الرسمية للبلاد ولم يقل الاصلية . ولكن الناس اللذين لا ضمير لهم يمكن لهم أن يخونوا حتى الوطن وليس الشعب فقط .
هكذا أصبحنا عربا ونحن لا نتحدث العربية ، أصبحنا مرتبطين بالشرق ونحن من الغرب . هذه الكارثة ستجلب فيما بعد عارا شوه سمعتنا وتاريخنا وخلق شرخا بيننا وبين الهولنديين لا يمكن ترميمه ابدا . لا يهم مادام الانتهازيون قد حققوا غايتهم . فقد أنكر أحد الوزراء الذي حل بأمستردام بعد اغتيال السنياست الهولندي فان خوخ أن يكون محمد بويري ابن المغرب لكونه ولد بأمستردام . كل من ولد بالمهجر وخدم الوطن يعتبر مغربيا ، كل من ولد بالمهجر فاقترف جريمة ينكر أن ينتمي الى الوطن . أهل الذل لا يعرفون قيمة الشرف وبالتالي لا حاجة الى مناقشته و معناه .
بفعل هذه البروباغندا المشبوهة ، انسل المرض الى البعض من شباب الجالية المغربية ، حيث أصبحوا عربا وهم لا يتحدثون الا الامازيغية والهولندية ، أصبح لهم ولاة في الشرق يعدونهم بالجنة والعذارى حتى اصبحوا يذبحون الناس نهارا ويهددون الاخرين بالقتل . ويتحدثون باسم الامة العربية دون أن يدروا أن لا وجود لأمة عربية . يتحدثون عن الجهاد ولا تجربة لهم لا في القتال ولا في الدفاع .
هكذا أصبحنا إرهابيين لأمراء في الشرق وأفغانستان وباكستان . هكذا اصبحنا غرباء عن أنفسنا لا نعرف من نحن ولا من هم الاخرون .
إحتكرت الخطوط الملكية المغربية الطرق الجوية لنقل المغاربة الى وطنهم . في فصل الشتاء حيث يقل عدد العائدين الى المملكة تكون أثمنة التذاكرة قابلة للشراء . ولكن بمجرد ما يحل فصل الصيف تتضاعف الاثمنة الى درجة لا تتصور حيث تتعدى 5000 درهم للتذكرة الواحدة . ماذا عن رب أسرة له خمسة أو ستة ابناء أو ربما اكثر ؟ ألهذا يرفعون شعارهم البخس “ مرحبا بجاليتنا المقيمة في الخارج” ؟ هكذا تجد الاسر المغربية مشتتة عبر الطرق الاوروبية في ظروف مأساوية بين حوادث السير وأحوال الطقس الحارة . يختارون السفر بالسيارة لان وطنهم أغرمهم بأثمنة خيالية إن أرادوا الطائرة .
أي شعور بالفخر والاعتزاز بالوطن تريده الحكومة أن يكون لدى الجيل الصاعد ؟
أصارحكم أن هناك الاف الشباب يختارون تونس أو مصر أو تركيا أو اي بلد أخرى لقضاء عطلتهم على أن يعودوا الى المغرب ، والسبب واضح وهو أنه بثمن تذكرة الخطوط الملكية يمكن أن يقضي بها أسبوعين في بلد اخر لا يقل جمالا عن المغرب .
هكذا أصبح الجيل الثالث هذا يعيش أزمة هوية خطيرة ، فهو يعرف أنه أمازيغي وان الحكومة عروبية تومن بالشرق اكثر مما تؤمن بأبنائها .
فحتى القنوات التلفزية المغربية الملتقطة هنا لا تفيد في شئ لانها ننحدث بلغة لا يفهمها هذا الجيل .فحتى حينما تزورنا قناة فهم يختارون بعض الاشخاص الذين يتحدثون الدارجة المغربية بالرغم من أن عدد الريفيين بهولندا يشكل مجموع 95 في المائة من مجموع الجالية المغربية بهذا البلد . وإذا قلنا لهم لماذا؟ قالوا لان عامة الناس في المملكة لا يفهمون الامازيغية ... أليس من العار أن يكون للمملكة صحافي من هذا الشكل ؟ يقطع مسافة 3000 كم ليكذب علينا وكأننا لا نعرف وطننا ، فعوض أن يقول ان عامة الناس لا يفهمون الدارجة في الوطن لكون عامة الناس حرموا من حقهم في التعليم ، فهو يقلب المعادلة ليترك لنا المجال لطرده ورفض الحوار معه نهائيا وإنذار من يتحدث اليه على أن يكون خائنا للوطن ولغته إن فعل .فبرنامج نجوم الهجرة الرخيص خير دليل على هذا ، فقد زار هولندا ولكنه زار أهل الدارجة بالرغم من أن هولندا تزخر بأكثر من مجموعة موسيقية وفرق مسرحية وفنانين وأطر في مجالات شتى .
حتى في الريف اصبح الاستعمار اللغوي واضحا .فالجيل وهو في الريف يحس بغربة قاتلة , فمن الموظف السامي الى ماسحي الاحذية كلهم يتحدثون العربية الدارجة ، حتى المنتجعات والاندية وغيرها غير متوفرة . هكذا يقرر العزوف عن زيارة المغرب . لا نه لا يريد ان يكون سجين محيط لا يفهمه . فالحكومة المغربية لم تقدم اي شئ يذكر لهذا الجيل . فإذا كانت فعلا قد قامت بشئ فإنما قامت به على اساس ان الجالية المغربية جالية عربية جعلت الريف يتضرع الى الله لنصرة الفلسطينيين واللبنانيين والتخفيف من محنتهم ولم يتضرع أحد من الشرق من تخفيف محنة أهل الحسيمة وهم ينتشلون اكثر من ستمائة جثة من تحت أنقاذ ما خلفه الزلزال . هكذا عرب الريف وانتقل المرض ليعرب الجالية الريفية في الخارج ، وإذا نادينا بدسترة الامازيغية وإعادة الاعتبار الى شعب تامزغا اتهمنا بالانفصاليين واعداء الوطن والملكية دون ان يعلموا أننا كنا ومازلنا من دعاة الوحدة وأن تقسيم تامزغا غير وارد لدينا لا من بعيد ولا من قريب واننا كنا دائما عبر تاريخنا ملكيين لكون التاريخ الامازيغي لم يعرف يوما غير هذا النظام وماسنيسا، يوغورطه والقائمة طويلة خير دليل على هذا . نخن إذا كنا غير راضين عن شئ فقد يكون الظلم الصادر عن الحكومات التي تعاقبت على هذا البلد . ميزت بين أبناء الشعب ، طورت منطقة وهمشت الاخرى . بكت هموم الشرق ونسيت هموم شعبها .
ها هو الجيل الثاني والثالث يترعرع ووعيه يتقوى ، الوعي الذي أكد أن الجالية الريفية لا تصلح الا لجلب العملة الصعبة . الوعي الذي أكد أن الريف دفع فاتورة من ظلمهم علال الفاسي واصدقائه .
لم يعد هناك اليوم اي مجال لتزوير الحقائق ، لا يمكن اليوم أن نغطي ما غطي بالامس . نحن ابناء العالم ومادام العالم يتغير فقد تحتم علينا هذا التغيير ، ,اصبحت الاوراق مكشوفة سواء ارفعوا شعار مرحبا بجاليتنا أم لم يرفعوه سواء أإنتظروا على أرصفة الموانئ أو ركبوا البواخر .
أستطيع ان اقول ان خلال بضع سنوات قادمة قد لا تكون هناك جالية ريفية تؤمن بضرورة إقالة طائرة او أخذ الطرق نحو المملكة .
الشئ الايجابي في كل هذا هو ان الجالية الريفية تيقنت أن الهوية الامازيغية لا يمكن ان تنمحي بشعارات الحكومة المغربية ولا بخطب أهل الشرق ، والدليل على هذا كميات المهرجانات والامسيات والتظاهرات الثقافية الامازيغية التي تعيشها أوروبا كل سنة .
فالاسماء الامازيغية لا تسجل في القنصليات الا نادرا وبعد مشادات لا يستطيع موظف القنصلية أن يدافع من خلاله ولو حتى على نفسه . إدريس البصري اعفي من مهامه أو طرد ولكن لائحته مازالت جاري بها العمل . يكفيك أن تذكر إسما أمازيغيا ليضعوا اللائحة على الطاولة ويطلب منك ا ختيار اسم منها . لقد أصبحت لائحة البصري مقدسة ، مرجعا يحتذى به وكأن الحكومة المغربية تظن ان من السهل نسيان جبروت ادريس البصري . ربما تجهل الحكومة المغربية ايضا ان الجالية المغربية بأسرها تعرف ادريس البصري وخصوصا الجيل الثاني والثالث بفضل ثورة التكنولوجيا وعصر الانترنت .
لا أريد أن اضيف أمثلة أخرى عن كيفية معاملة الجالية المغربية من طرف التمثيليات الدبلوماسية المغربية بالخارج .
ولكن الاخطر من كل هذا أن الجالية المغربية تتجه نحو أفق قد يصعب فيها الحفاظ على المقومات الوطنية وخصوصا الريفية منها لكونها رصعت التاريخ المغربي المعاصر بفضل إمكانياتها الذاتية .فبالرغم من أن الجيل الاول قد أراح الحكومة المركزية لكونه اغترب ولم يعد هناك أي خوف من التكتل والتجمهر والعصيان المدني ويكفي أن يعلم القارئ المحترم ان عبد القادر البارودي قد ذكر في كتابة “ الهجرة والامبريالية “ أن أكثر 74في المائة من رجال بعض مداشر تمسمان قد هاجروا ، عفوا هجروا. بالرغم من هذا أبت الحكومة المغربية الا وان تضع هؤلاء تحت المراقبة ، فأسست ما يسمى بالوداديات . هذا الجهاز الذي آذى بعض اعضائها أناس لا علاقة لهم بالسياسة ولا باهلها . أذوهم في إطار تصفية حسابات شخصية . لفقوا تهما للناس من غير سبب وهم نالوا قطعا ارضية واموالا و امتيازات خولت لهم دخول القصر بدون إذن وجعلت منهم أناس فوق الاخرين بكل امتياز . أصبحت الجالية المغربية خائفة من ظلها كما يقال ، فهرعوا طوعا أو قصرا الى اقتناء بطاقة الودادية . بطاقة بيضاء مرصعة بخط أخضر واخر أحمر . يخال لك ان كل الجالية المغربية أصبحت شرطة أو شرطة سرية . مع إقتراب فصل الصيف يصبح الاقبال على هذه البطاقة أكثر من الاقبال على تمديد صلاحية جواز السفر أو اليطاقة الوطنية . كيف لا وهذه البطاقة شبه إجبارية لدخول الوطن . فبالرغم من قدوم رفيق الحداوي في 88 وزيرا للجالية المغربية معلنا ضمنيا موت الوداديات إلا ان هذه الحثالة من الاشخاص رفضوا حل هذا الجهاز حتى بعد إن إنقطعت عنهم المعونات من الحكومة المغربية ، إستمروا في التشبث بهذا الجهاز ودفعوا فاتورات الكراء والماء والكهرباء من مالهم الخاص . كيف لا ؟ والفضل يعود الى هذا الجهاز وهم يحصلون على رخص سيارات الاجرة بالمجان ناهيك عن القطع الارضية وغيرها من الامتيازات .
نجحت الحكومة في ترهيب الجالية المغربية ، ولكن هذا غير كاف بطبيع الحال ، فهم الذين ثاروا في نهاية الخمسينات , ورفضوا وضع السلاح بعد الاستقلال لكونهم همشوا من طرف علال الفاسي وأصدقائه خلال تكوين الحكومة لمن فاتته هذه المعلومة لنصبح بعد ذلك أعداء للوطن بعد أن أفنينا الاف الجنود الاسبانيين وجنرالاتهم من أجل تحرير هذا الوطن .
هكذا قررت الحكومة المغربية إشراك البنك الشعبي في خطة استغلال الجالية الريفية . فالتهجير غير كاف . يجب على المهاجرين ضخ العملة الصعبة ، وهناك طرق عديدة لارغامهم على إدخال هذه العملة أحبوا ام كرهوا . هكذا أصبح من المستحيل الحصول على جواز السفر من إحدى القنصليات اذا كان الشخص المعني غير متوفر على رقم بنكي يثبت أنه يرسل المال الى المغرب . وحالتي أنا خير دليل على ذلك حيث لو لم أفتح رقم حساب وأرسلت المال الى هذا الرقم لحرمت من جواز سفري بالرغم من أنه حق من حقوقي الوطنية كمواطن مغربي ...
هذا البنك ابتز الناس حتى النخاع . أخذ مالهم واستثمره داخل المغرب وجنوبه ليتركنا نحن في الريف وكاننا رحل في أرض قاحلة ...
لم نعامل بهذه الطريقة حتى في عهد الاستعمار . هذا البنك الذي أغني البلاد بمال العمال الريفيين ليفقر الريف الى درجة لا تتصور .
لحسن الحظ وكما قال أبو البقاء الرندي في رثاء الاندلس لكل شئ إذا ما تم نقصان ولا يغر بطيب العيش إنسان ها نحن وقد ودعنا تقريبا كل الجيل الاول ، حيث منهم من قضى نحبه في خدمة الوطن ، منهم من عاد ليتخبط في مشكال إدارية ومنهم من عجز عن العمل فبقي معلقا بين أن يعود وحده الى الوطن أو يبقى مع ابنائه الذين مازالوا يبنون مستقبلهم .
إنتهى عصر الوداديات ، وساعة غروب البنك الشعبي وغطرسته قد حانت ومن لم يصدق فليسأل عن حجم العملة الصعبة التي تدخل البلاد وليقارنها مع الماضي , بل فليبحثوا ايضا عن عدد المهاجرين الذين يعودون سنويا ، رغم ان الحكومة المغربية قد حاولت منحهم امتيازات عن باقي افراد الشعب المغلوب عن امره ، كغض النظر عن سرعتهم المفرطة بالسيارت ، وإعفائهم من دفع ثمن المخالفات ، وغض النظر عن ممارساتهم الصبيانية في مجال شرب الخمر والسهر مع المومسات ، وغض النظر عن تفتيشهم في نقط العبور إلى درجة أن احد الشباب اشهر مسدسه في نادي الرقص بالحسيمة ليردي شابا اخر قتيلا.. في السنوات القليلة الماضية في 1978 أبرم اتفاق بين المغرب وهولندا من أجل تعليم أفراد الجالية المغربية لغتهم وثقافتهم الاصلية . وهنا وقعت الكارثة الحقيقية حيث اعتبرت اللغة والثقافة العربية ، الثقافة الاصلية للمغاربة المقيمين بهولندا . حتى الدستور المغربي لم يقر بهذا ولا اعرف لماذا حكموا على الامازيغ بهذا الحكم الزاجر . فالدستور يقول ان العربية هي اللغة الرسمية للبلاد ولم يقل الاصلية . ولكن الناس اللذين لا ضمير لهم يمكن لهم أن يخونوا حتى الوطن وليس الشعب فقط .
هكذا أصبحنا عربا ونحن لا نتحدث العربية ، أصبحنا مرتبطين بالشرق ونحن من الغرب . هذه الكارثة ستجلب فيما بعد عارا شوه سمعتنا وتاريخنا وخلق شرخا بيننا وبين الهولنديين لا يمكن ترميمه ابدا . لا يهم مادام الانتهازيون قد حققوا غايتهم . فقد أنكر أحد الوزراء الذي حل بأمستردام بعد اغتيال السنياست الهولندي فان خوخ أن يكون محمد بويري ابن المغرب لكونه ولد بأمستردام . كل من ولد بالمهجر وخدم الوطن يعتبر مغربيا ، كل من ولد بالمهجر فاقترف جريمة ينكر أن ينتمي الى الوطن . أهل الذل لا يعرفون قيمة الشرف وبالتالي لا حاجة الى مناقشته و معناه .
بفعل هذه البروباغندا المشبوهة ، انسل المرض الى البعض من شباب الجالية المغربية ، حيث أصبحوا عربا وهم لا يتحدثون الا الامازيغية والهولندية ، أصبح لهم ولاة في الشرق يعدونهم بالجنة والعذارى حتى اصبحوا يذبحون الناس نهارا ويهددون الاخرين بالقتل . ويتحدثون باسم الامة العربية دون أن يدروا أن لا وجود لأمة عربية . يتحدثون عن الجهاد ولا تجربة لهم لا في القتال ولا في الدفاع .
هكذا أصبحنا إرهابيين لأمراء في الشرق وأفغانستان وباكستان . هكذا اصبحنا غرباء عن أنفسنا لا نعرف من نحن ولا من هم الاخرون .
إحتكرت الخطوط الملكية المغربية الطرق الجوية لنقل المغاربة الى وطنهم . في فصل الشتاء حيث يقل عدد العائدين الى المملكة تكون أثمنة التذاكرة قابلة للشراء . ولكن بمجرد ما يحل فصل الصيف تتضاعف الاثمنة الى درجة لا تتصور حيث تتعدى 5000 درهم للتذكرة الواحدة . ماذا عن رب أسرة له خمسة أو ستة ابناء أو ربما اكثر ؟ ألهذا يرفعون شعارهم البخس “ مرحبا بجاليتنا المقيمة في الخارج” ؟ هكذا تجد الاسر المغربية مشتتة عبر الطرق الاوروبية في ظروف مأساوية بين حوادث السير وأحوال الطقس الحارة . يختارون السفر بالسيارة لان وطنهم أغرمهم بأثمنة خيالية إن أرادوا الطائرة .
أي شعور بالفخر والاعتزاز بالوطن تريده الحكومة أن يكون لدى الجيل الصاعد ؟
أصارحكم أن هناك الاف الشباب يختارون تونس أو مصر أو تركيا أو اي بلد أخرى لقضاء عطلتهم على أن يعودوا الى المغرب ، والسبب واضح وهو أنه بثمن تذكرة الخطوط الملكية يمكن أن يقضي بها أسبوعين في بلد اخر لا يقل جمالا عن المغرب .
هكذا أصبح الجيل الثالث هذا يعيش أزمة هوية خطيرة ، فهو يعرف أنه أمازيغي وان الحكومة عروبية تومن بالشرق اكثر مما تؤمن بأبنائها .
فحتى القنوات التلفزية المغربية الملتقطة هنا لا تفيد في شئ لانها ننحدث بلغة لا يفهمها هذا الجيل .فحتى حينما تزورنا قناة فهم يختارون بعض الاشخاص الذين يتحدثون الدارجة المغربية بالرغم من أن عدد الريفيين بهولندا يشكل مجموع 95 في المائة من مجموع الجالية المغربية بهذا البلد . وإذا قلنا لهم لماذا؟ قالوا لان عامة الناس في المملكة لا يفهمون الامازيغية ... أليس من العار أن يكون للمملكة صحافي من هذا الشكل ؟ يقطع مسافة 3000 كم ليكذب علينا وكأننا لا نعرف وطننا ، فعوض أن يقول ان عامة الناس لا يفهمون الدارجة في الوطن لكون عامة الناس حرموا من حقهم في التعليم ، فهو يقلب المعادلة ليترك لنا المجال لطرده ورفض الحوار معه نهائيا وإنذار من يتحدث اليه على أن يكون خائنا للوطن ولغته إن فعل .فبرنامج نجوم الهجرة الرخيص خير دليل على هذا ، فقد زار هولندا ولكنه زار أهل الدارجة بالرغم من أن هولندا تزخر بأكثر من مجموعة موسيقية وفرق مسرحية وفنانين وأطر في مجالات شتى .
حتى في الريف اصبح الاستعمار اللغوي واضحا .فالجيل وهو في الريف يحس بغربة قاتلة , فمن الموظف السامي الى ماسحي الاحذية كلهم يتحدثون العربية الدارجة ، حتى المنتجعات والاندية وغيرها غير متوفرة . هكذا يقرر العزوف عن زيارة المغرب . لا نه لا يريد ان يكون سجين محيط لا يفهمه . فالحكومة المغربية لم تقدم اي شئ يذكر لهذا الجيل . فإذا كانت فعلا قد قامت بشئ فإنما قامت به على اساس ان الجالية المغربية جالية عربية جعلت الريف يتضرع الى الله لنصرة الفلسطينيين واللبنانيين والتخفيف من محنتهم ولم يتضرع أحد من الشرق من تخفيف محنة أهل الحسيمة وهم ينتشلون اكثر من ستمائة جثة من تحت أنقاذ ما خلفه الزلزال . هكذا عرب الريف وانتقل المرض ليعرب الجالية الريفية في الخارج ، وإذا نادينا بدسترة الامازيغية وإعادة الاعتبار الى شعب تامزغا اتهمنا بالانفصاليين واعداء الوطن والملكية دون ان يعلموا أننا كنا ومازلنا من دعاة الوحدة وأن تقسيم تامزغا غير وارد لدينا لا من بعيد ولا من قريب واننا كنا دائما عبر تاريخنا ملكيين لكون التاريخ الامازيغي لم يعرف يوما غير هذا النظام وماسنيسا، يوغورطه والقائمة طويلة خير دليل على هذا . نخن إذا كنا غير راضين عن شئ فقد يكون الظلم الصادر عن الحكومات التي تعاقبت على هذا البلد . ميزت بين أبناء الشعب ، طورت منطقة وهمشت الاخرى . بكت هموم الشرق ونسيت هموم شعبها .
ها هو الجيل الثاني والثالث يترعرع ووعيه يتقوى ، الوعي الذي أكد أن الجالية الريفية لا تصلح الا لجلب العملة الصعبة . الوعي الذي أكد أن الريف دفع فاتورة من ظلمهم علال الفاسي واصدقائه .
لم يعد هناك اليوم اي مجال لتزوير الحقائق ، لا يمكن اليوم أن نغطي ما غطي بالامس . نحن ابناء العالم ومادام العالم يتغير فقد تحتم علينا هذا التغيير ، ,اصبحت الاوراق مكشوفة سواء ارفعوا شعار مرحبا بجاليتنا أم لم يرفعوه سواء أإنتظروا على أرصفة الموانئ أو ركبوا البواخر .
أستطيع ان اقول ان خلال بضع سنوات قادمة قد لا تكون هناك جالية ريفية تؤمن بضرورة إقالة طائرة او أخذ الطرق نحو المملكة .
الشئ الايجابي في كل هذا هو ان الجالية الريفية تيقنت أن الهوية الامازيغية لا يمكن ان تنمحي بشعارات الحكومة المغربية ولا بخطب أهل الشرق ، والدليل على هذا كميات المهرجانات والامسيات والتظاهرات الثقافية الامازيغية التي تعيشها أوروبا كل سنة .