الطاهر بن جلون أسدى إلي معروفا كبيرا.. وأعتقد أنه ندم علي ترجمته الخبز الحافي
حكاية الناشرين مثيرة.. إنهم مصاصو الدماء أو (العوالق) والمتعاونون معهم لا يقلون عنهم عولقة
حاوره: يحيي بن الوليد و الزبير بن بوشتي
يرسم شكري صورة جيدة عن علاقته بالاديب الفرنسي المعروف جان جينيه حيث يقول ان الحوارات التي كان يجريها معه كلها دارت حول الادب والكتب التي كان شكري يقرأها، ولم يكن جينيه يعرف من الكتاب العرب الا كاتب ياسين الذي قرأه بدافع صداقته له لا اعجابا بأعماله كما تشي عبارة شكري بذلك. والحديث عن جينيه قاد للحديث عن تجربة شكري في الكتابة المسرحية، حيث قدم عددا من التعليقات حول المسرح المغربي الذي يصفه بالمسرح العائلي. حينما ينتقل شكري للحديث عن الناشرين فانه لا يجد في قاموسه كلمة جميلة عنهم، ويعود هذا الي انه تعرض للاستغلال من الناشرين العرب والاجانب علي حد سواء. ويعترف شكري ان الاصدارات الخاصة التي اصدرها عادت عليه بعوائد مادية احسن من الاصدارات الاخري. ويرسم محمد شكري جانبا من علاقته مع مترجمه للفرنسية الكاتب المغربي المعروف الطاهر بنجلون. ويتحدث شكري عن علاقة بدأت دافئة وصارت باردة وانتهت بالقطيعة.
القدس العربي
مع جان جينيه
الزبير بن بوشتي: ما هي حكايتك مع جان جينيه عندما عرفته؟
محمد شكري: محادثاتي مع جينيه لم تكن تتعلق بطموحي الادبي وبكتاباتي أو بالبحث عن فرص النشر أو شيء من هذا القبيل بل كانت تتمحور حول الادب العالمي. كنت أثير معه حوارات حول الكتب التي قرأتها مترجمة من الروسية والفرنسية والاسبانية ولغات أخري الي العربية أو التي قرأتها في أصلها مثل الاسبانية والفرنسية. أذكر أني ذكرت لـه عندما كنت أقرأ الاحمر والاسود لستندال: إن حياتي تشبه نوعا ما حياة جوليان سوريل ـ بطل الرواية، خاصة في علاقته بأبيه ، فأجابني: عندما تكون تقرأ كتابا، حاول ألا تتقمص حياة شخوصه. إن حياتك ينبغي أن تظل مستقلة عما تقرأه لكي تظل حياتك حقيقية. القراء العاديون هم الذين يتقمصون ما يقرأون أما الكاتب الحقيقي فعليه أن يقرأ بوعي يجعله يحكم علي الشخوص بنوع من الحياد .
الزبير بن بوشتي: يعني هذا أن حديثكما كان حول هموم الكتابة وشغف القراءة.
محمد شكري: عندما عرفت جينيه لم تعد لديه هموم الكتابة التي كانت لي. آخر ما كتب هي مسرحية الحواجز Les paravants التي ينتقد فيها الاستعمار الفرنسي في الجزائر. فهو كان قد انتهي من هموم الكتابة وأنا كنت أبدؤها. (يضحك). كنت أبدأ من حيث انتهي هو. وطبعا كان متفهما حالتي لانه عاشها هو ايضا في بداياته. اذكر انه كان يفيدني في فهم بعض أشعار مالارميه، بودلير، فرانسوا فيون وغيرهم. ولا أتذكر أننا تحدثنا عن شاعر غير فرنسي. أحاديثنا كانت في معظمها أدبية وأحيانا عن التحولات الاجتماعية في طنجة بعد الاستقلال. وينبغي هنا أن أذكر أن جينيه ـ عندما عرفته ـ لم يكن يعرف شيئا عن الأدب العربي ما عدا كاتب ياسين الذي قال لي عنه: قرأت له لأنه كان صديقي . وعندما عاد إلي طنجة لاحظت اهتمامه ببعض الكتابات العربية. وهي كتابات في معظمها سياسية وفكرية، أتحدث عن سنة 1972.
الزبير بن بوشتي: يلاحظ في تجربتك الأدبية أنك كتبت نصوصا مسرحية، فهل يمكن القول أنك تعاطيت الكتابة المسرحية لتعقب خطوات جينيه في المسرح؟
محمد شكري: في حياتي الأدبية لا أقتدي بأحد. أستوعب أساليب متعددة ثم أصوغ أسلوبي الخاص بي. كتبت ثلاث مسرحيات للقراءة وليس لتمثيلها كما هي مكتوبة. الملاحظ هو أن النصوص المسرحية العربية ليست صالحة للقراءة ما عدا بعض نصوص توفيق الحكيم. الحديث في هذا الموضوع يطول ويحتاج إلي تحليل طويل.
الزبير بن بوشتي: هل قرأت مسرحيات جينيه قبل أن تعرفه؟
محمد شكري: قرأت كتب جينيه بعد أن عرفته. لم أكن أحسن القراءة بالفرنسية عندما عرفته، وكتبه لم تكن متوفرة حتي بالإسبانية لقراءتها. بعضها كان مترجما إلي الإسبانية لكنها كانت منتشرة في أمريكا اللاتينية وليس في إسبانيا فرانكو. كما تعذر علي العثور علي أحد كتبه مترجما إلي العربية البطيئة الانفتاح والنمو علي ترجمة مثل أدب جينيه. إن الفكر العربي متحجر هنا وهناك. فمن أجل أبيات شعرية موجودة في النشيد الثامن والعشرين في مسخرة كوميديا دانتي حرمنا من ترجمة كوميدياه في الوقت المناسب (لا أدخل هنا في التفاصيل)، ومن أجل جمل تصف محنة سجن سرفانتس في الجزائر حرمنا من ترجمة روايته دون كيخوتي في الوقت المناسب أيضا. لا فائدة من عد التفاصيل وذكرها هنا أيضا. إن تزمتنا الأخلاقي يشدنا بأيد ميتة إلي الخلف أكثر من اللازم. هذا قليل من كثير.
الزبير بن بوشتي: ثلاثة نصوص مسرحية كتبتها هي رصيد هام نسبيا مقارنة بما خلفه أدباء مغاربة ينشغلون بالشعر والرواية والقصة، فلماذا لم تستمر في الكتابة للمسرح إذن؟
محمد شكري: إن النصوص المسرحية لا تقرأ إلا للمشهورين، والمسرح السائد في المغرب هو مسرح عائلي: فمخرج المسرحية في الغالب هو نفسه المؤلف، والبطل الرئيسي، ومدير الفرقة وفرعون. أنا لا أنفي المجهودات التي يقوم بها بعض المسرحيين ذوي التقنية العالية مثل الطيب الصديقي، م محمد تيمد وتلقي عروضهم إقبالا كبيرا، ولكن نصوصهم إذا أتيحت لها فرص النشر فلا قيمة أدبية فيها. هناك نصوص تكتب للعرض وليس للقراءة. إن المسرح في المغرب ملكية خاصة يتحكم فيها مسرحيون معدودون علي رؤوس الاصابع ولا وقت لي لمنافستهم.
الزبير بن بوشتي: محمد، لنعد الي الخبز الحافي ، الذي بفضله دخل حياتك مترجم ثان وهو الطاهر بنجلون، ألازلت تتذكر هذا الاسم أو غيّبه نسيانك في زحمة المترجمين لأعمالك الذين جاءوا بعده؟
محمد شكري: أتذكره جيدا. لقد أسدي لي معروفا جميلا لا أنكره، لكن هذه حكاية لا أريد أن أرويها بكل تفاصيلها التي ترضي الفضوليين فقراء القراءة الادبية. أنا من شيمي هو أن أتجاوز ما يحدث بين أديب وأديب، ولا أترك فرصة للقراء العاديين لكي يتفرجوا علي مساجلاتنا وتشفينا. ربما اخطأ أحدنا في تسرع أحكامه وتقويمه، وكلانا يتحمل نتائج أحكامه. لكل شيء نتائجه، هكذا قالت مُني ـ طفلة مغربية في بون في العاشرة من عمرها من أب مغربي وأم ألمانية، وهذا كل شيء عن هذه الحكاية.
الزبير بن بوشتي: هل أنت راض عن الترجمة الاسبانية؟
محمد شكري: أبدا لا، لأن المترجم لم يستشرني في بعض الاسماء والمعاني: فمثلا يقول لي أبي: أسكت، أسكت لتأكل قلب أمك وترجمها المترجم الي الاسبانية: أسكت، أسكت ستأكل قلب أمك . فلو أنه راجعني قبل نشر هذه الترجمة لتمكن من تفادي هذا النوع من الاخطاء. مليكة امبارك الجديدي وكريمة حجّي اللتان ترجمتا زمن الاخطاء الي الاسبانية استشارتاني في بعض الكلمات فأصاب التصويب هدفه في الترجمة. وهذا ما لم يفعله عبد الله اجبيلو عندما ترجم الخبز الحافي رغم أني سأظل مدينا له بهذه الترجمة التي قدمها الي قراء الاسبانية.
الزبير بن بوشتي: بعد نجاح هذه الترجمة العاشقة - كما عبّر محمد بنيس ـ عن سيرتك الذاتية الي الفرنسية ـ هل حاول الطاهر بن جلون تكرار التجربة مع كتبك الاخري؟
محمد شكري: أنا أعتقد أنه قد ندم علي ترجمته الخبز الحافي الذي ترجم حتي الآن الي عشرين لغة فكيف يجرؤ علي ترجمة بعض كتبي الاخري!
الزبير بن بوشتي: لماذا يا سي محمد؟
محمد شكري: لأنه عندما صار لكتابي انتشار واسع ويترجم من الفرنسية أو مباشرة من العربية الي لغات أخري لم يعد يسأل عني. في بداية معرفتنا كنا نلتقي ونتعانق، مع المدة صرنا نتصافح برؤوس الاصابع ثم صار يلوح لي بيده من بعيد، وأخيرا كلانا صار يتحاشي رؤية الآخر. أنا شخصيا لم اختر هذه النهاية. للأسف...! الغيرة أقبلها لأنها شعور بشري عادي أما الحقد والحسد فلا أقبلهما، هكذا انتهت علاقتي به. ففي إحدي المناسبات الصحافية استفسره عن عنواني صحافي إيطالي كان يعتزم زيارة طنجة لإجراء مقابلة معي فقال له الطاهر بن جلون: لا أتوفر علي عنوانه، اذهب الي طنجة ولن تجد صعوبة كبيرة في العثور عليه. إنه دائم التسكع بين الحانات التي يتسول فيها كؤوسه . ولذلك فقد قررت أنا أيضا الخروج عن صمتي وإعادة الاعتبار لنفسي من خلال استجواباتي عندما يسألونني عن قيمة كتابته التي يتاجر بها. ورغم هذه النهاية المؤسفة فإني مازلت أعترف بجميله عندما ترجم الخبز الحافي . فلولا الترجمة الفرنسية الجيدة التي أنجزها لربما ظل الكتاب مغمورا.
حكاية الناشرين مثيرة.. إنهم مصاصو الدماء أو (العوالق) والمتعاونون معهم لا يقلون عنهم عولقة
حاوره: يحيي بن الوليد و الزبير بن بوشتي
يرسم شكري صورة جيدة عن علاقته بالاديب الفرنسي المعروف جان جينيه حيث يقول ان الحوارات التي كان يجريها معه كلها دارت حول الادب والكتب التي كان شكري يقرأها، ولم يكن جينيه يعرف من الكتاب العرب الا كاتب ياسين الذي قرأه بدافع صداقته له لا اعجابا بأعماله كما تشي عبارة شكري بذلك. والحديث عن جينيه قاد للحديث عن تجربة شكري في الكتابة المسرحية، حيث قدم عددا من التعليقات حول المسرح المغربي الذي يصفه بالمسرح العائلي. حينما ينتقل شكري للحديث عن الناشرين فانه لا يجد في قاموسه كلمة جميلة عنهم، ويعود هذا الي انه تعرض للاستغلال من الناشرين العرب والاجانب علي حد سواء. ويعترف شكري ان الاصدارات الخاصة التي اصدرها عادت عليه بعوائد مادية احسن من الاصدارات الاخري. ويرسم محمد شكري جانبا من علاقته مع مترجمه للفرنسية الكاتب المغربي المعروف الطاهر بنجلون. ويتحدث شكري عن علاقة بدأت دافئة وصارت باردة وانتهت بالقطيعة.
القدس العربي
مع جان جينيه
الزبير بن بوشتي: ما هي حكايتك مع جان جينيه عندما عرفته؟
محمد شكري: محادثاتي مع جينيه لم تكن تتعلق بطموحي الادبي وبكتاباتي أو بالبحث عن فرص النشر أو شيء من هذا القبيل بل كانت تتمحور حول الادب العالمي. كنت أثير معه حوارات حول الكتب التي قرأتها مترجمة من الروسية والفرنسية والاسبانية ولغات أخري الي العربية أو التي قرأتها في أصلها مثل الاسبانية والفرنسية. أذكر أني ذكرت لـه عندما كنت أقرأ الاحمر والاسود لستندال: إن حياتي تشبه نوعا ما حياة جوليان سوريل ـ بطل الرواية، خاصة في علاقته بأبيه ، فأجابني: عندما تكون تقرأ كتابا، حاول ألا تتقمص حياة شخوصه. إن حياتك ينبغي أن تظل مستقلة عما تقرأه لكي تظل حياتك حقيقية. القراء العاديون هم الذين يتقمصون ما يقرأون أما الكاتب الحقيقي فعليه أن يقرأ بوعي يجعله يحكم علي الشخوص بنوع من الحياد .
الزبير بن بوشتي: يعني هذا أن حديثكما كان حول هموم الكتابة وشغف القراءة.
محمد شكري: عندما عرفت جينيه لم تعد لديه هموم الكتابة التي كانت لي. آخر ما كتب هي مسرحية الحواجز Les paravants التي ينتقد فيها الاستعمار الفرنسي في الجزائر. فهو كان قد انتهي من هموم الكتابة وأنا كنت أبدؤها. (يضحك). كنت أبدأ من حيث انتهي هو. وطبعا كان متفهما حالتي لانه عاشها هو ايضا في بداياته. اذكر انه كان يفيدني في فهم بعض أشعار مالارميه، بودلير، فرانسوا فيون وغيرهم. ولا أتذكر أننا تحدثنا عن شاعر غير فرنسي. أحاديثنا كانت في معظمها أدبية وأحيانا عن التحولات الاجتماعية في طنجة بعد الاستقلال. وينبغي هنا أن أذكر أن جينيه ـ عندما عرفته ـ لم يكن يعرف شيئا عن الأدب العربي ما عدا كاتب ياسين الذي قال لي عنه: قرأت له لأنه كان صديقي . وعندما عاد إلي طنجة لاحظت اهتمامه ببعض الكتابات العربية. وهي كتابات في معظمها سياسية وفكرية، أتحدث عن سنة 1972.
الزبير بن بوشتي: يلاحظ في تجربتك الأدبية أنك كتبت نصوصا مسرحية، فهل يمكن القول أنك تعاطيت الكتابة المسرحية لتعقب خطوات جينيه في المسرح؟
محمد شكري: في حياتي الأدبية لا أقتدي بأحد. أستوعب أساليب متعددة ثم أصوغ أسلوبي الخاص بي. كتبت ثلاث مسرحيات للقراءة وليس لتمثيلها كما هي مكتوبة. الملاحظ هو أن النصوص المسرحية العربية ليست صالحة للقراءة ما عدا بعض نصوص توفيق الحكيم. الحديث في هذا الموضوع يطول ويحتاج إلي تحليل طويل.
الزبير بن بوشتي: هل قرأت مسرحيات جينيه قبل أن تعرفه؟
محمد شكري: قرأت كتب جينيه بعد أن عرفته. لم أكن أحسن القراءة بالفرنسية عندما عرفته، وكتبه لم تكن متوفرة حتي بالإسبانية لقراءتها. بعضها كان مترجما إلي الإسبانية لكنها كانت منتشرة في أمريكا اللاتينية وليس في إسبانيا فرانكو. كما تعذر علي العثور علي أحد كتبه مترجما إلي العربية البطيئة الانفتاح والنمو علي ترجمة مثل أدب جينيه. إن الفكر العربي متحجر هنا وهناك. فمن أجل أبيات شعرية موجودة في النشيد الثامن والعشرين في مسخرة كوميديا دانتي حرمنا من ترجمة كوميدياه في الوقت المناسب (لا أدخل هنا في التفاصيل)، ومن أجل جمل تصف محنة سجن سرفانتس في الجزائر حرمنا من ترجمة روايته دون كيخوتي في الوقت المناسب أيضا. لا فائدة من عد التفاصيل وذكرها هنا أيضا. إن تزمتنا الأخلاقي يشدنا بأيد ميتة إلي الخلف أكثر من اللازم. هذا قليل من كثير.
الزبير بن بوشتي: ثلاثة نصوص مسرحية كتبتها هي رصيد هام نسبيا مقارنة بما خلفه أدباء مغاربة ينشغلون بالشعر والرواية والقصة، فلماذا لم تستمر في الكتابة للمسرح إذن؟
محمد شكري: إن النصوص المسرحية لا تقرأ إلا للمشهورين، والمسرح السائد في المغرب هو مسرح عائلي: فمخرج المسرحية في الغالب هو نفسه المؤلف، والبطل الرئيسي، ومدير الفرقة وفرعون. أنا لا أنفي المجهودات التي يقوم بها بعض المسرحيين ذوي التقنية العالية مثل الطيب الصديقي، م محمد تيمد وتلقي عروضهم إقبالا كبيرا، ولكن نصوصهم إذا أتيحت لها فرص النشر فلا قيمة أدبية فيها. هناك نصوص تكتب للعرض وليس للقراءة. إن المسرح في المغرب ملكية خاصة يتحكم فيها مسرحيون معدودون علي رؤوس الاصابع ولا وقت لي لمنافستهم.
الزبير بن بوشتي: محمد، لنعد الي الخبز الحافي ، الذي بفضله دخل حياتك مترجم ثان وهو الطاهر بنجلون، ألازلت تتذكر هذا الاسم أو غيّبه نسيانك في زحمة المترجمين لأعمالك الذين جاءوا بعده؟
محمد شكري: أتذكره جيدا. لقد أسدي لي معروفا جميلا لا أنكره، لكن هذه حكاية لا أريد أن أرويها بكل تفاصيلها التي ترضي الفضوليين فقراء القراءة الادبية. أنا من شيمي هو أن أتجاوز ما يحدث بين أديب وأديب، ولا أترك فرصة للقراء العاديين لكي يتفرجوا علي مساجلاتنا وتشفينا. ربما اخطأ أحدنا في تسرع أحكامه وتقويمه، وكلانا يتحمل نتائج أحكامه. لكل شيء نتائجه، هكذا قالت مُني ـ طفلة مغربية في بون في العاشرة من عمرها من أب مغربي وأم ألمانية، وهذا كل شيء عن هذه الحكاية.
الزبير بن بوشتي: هل أنت راض عن الترجمة الاسبانية؟
محمد شكري: أبدا لا، لأن المترجم لم يستشرني في بعض الاسماء والمعاني: فمثلا يقول لي أبي: أسكت، أسكت لتأكل قلب أمك وترجمها المترجم الي الاسبانية: أسكت، أسكت ستأكل قلب أمك . فلو أنه راجعني قبل نشر هذه الترجمة لتمكن من تفادي هذا النوع من الاخطاء. مليكة امبارك الجديدي وكريمة حجّي اللتان ترجمتا زمن الاخطاء الي الاسبانية استشارتاني في بعض الكلمات فأصاب التصويب هدفه في الترجمة. وهذا ما لم يفعله عبد الله اجبيلو عندما ترجم الخبز الحافي رغم أني سأظل مدينا له بهذه الترجمة التي قدمها الي قراء الاسبانية.
الزبير بن بوشتي: بعد نجاح هذه الترجمة العاشقة - كما عبّر محمد بنيس ـ عن سيرتك الذاتية الي الفرنسية ـ هل حاول الطاهر بن جلون تكرار التجربة مع كتبك الاخري؟
محمد شكري: أنا أعتقد أنه قد ندم علي ترجمته الخبز الحافي الذي ترجم حتي الآن الي عشرين لغة فكيف يجرؤ علي ترجمة بعض كتبي الاخري!
الزبير بن بوشتي: لماذا يا سي محمد؟
محمد شكري: لأنه عندما صار لكتابي انتشار واسع ويترجم من الفرنسية أو مباشرة من العربية الي لغات أخري لم يعد يسأل عني. في بداية معرفتنا كنا نلتقي ونتعانق، مع المدة صرنا نتصافح برؤوس الاصابع ثم صار يلوح لي بيده من بعيد، وأخيرا كلانا صار يتحاشي رؤية الآخر. أنا شخصيا لم اختر هذه النهاية. للأسف...! الغيرة أقبلها لأنها شعور بشري عادي أما الحقد والحسد فلا أقبلهما، هكذا انتهت علاقتي به. ففي إحدي المناسبات الصحافية استفسره عن عنواني صحافي إيطالي كان يعتزم زيارة طنجة لإجراء مقابلة معي فقال له الطاهر بن جلون: لا أتوفر علي عنوانه، اذهب الي طنجة ولن تجد صعوبة كبيرة في العثور عليه. إنه دائم التسكع بين الحانات التي يتسول فيها كؤوسه . ولذلك فقد قررت أنا أيضا الخروج عن صمتي وإعادة الاعتبار لنفسي من خلال استجواباتي عندما يسألونني عن قيمة كتابته التي يتاجر بها. ورغم هذه النهاية المؤسفة فإني مازلت أعترف بجميله عندما ترجم الخبز الحافي . فلولا الترجمة الفرنسية الجيدة التي أنجزها لربما ظل الكتاب مغمورا.