عندما ذكر اسم بلعيرج خلال تفكيك الشبكة، لم ينتبه الكثير من معارف الأسرة إلى كون المقصود هو عبد القادر، هذا الشخص الذي عاش مهاجرا، فهو من مواليد «إحدادن»، وإن كانت أسرته، حسب بعض المصادر، مرتبطة بمنطقة سيدي شيكر، التي ينتمي لها عبد الغني شيغانو، الذي عثر بمنزله على كمية من الأسلحة، لكنهم نزحوا إليها منذ وقت بعيد، بحيث استفادوا من رخص العقار، ليبتاعوا بعض المساحات، وكان من الوارثين لها عبد القادر وشقيقه، وبعض أفراد الأسرة الآخرين. تبدو الأمور هادئة وعادية بجماعة إحدادن القروية، التي يزيد عدد سكانها عن 30 ألف نسمة، والتي تعرف توسعا عمرانيا كبيرا، بفعل التجزئات الجديدة، والمنازل التي هي قيد البناء، وهي بنايات فاخرة في غالب الأحيان، وإن كانت غالبية تلك المنازل فارغة، بحكم أن أصحابها يقطنون بالخارج، بحيث إن الاستثمار الأساسي بها يتجلى في البناء والعقار، ولعل ذلك ما شجع بلعيرج وبعض أفراد أسرته على استغلال هذا الوضع، في وقت من الأوقات. غير بعيد عن مقر جماعة «إحدادن» قرب الناظور تمتد تجزئة غير منظمة بشكل كبير، ما زالت تضم بعض البناءات العشوائية، غير مرصفة، حتى وإن كانت من مستوى فخم وجيد. إنها جزء من أقدم حي بالمنطقة، يسمى بني بويغمارن، هناك يوجد عدد من الأفراد ممن لازالوا يحملون اسم بلعيرج، أو بالأحرى «بليراج»، هكذا، لكونه ترجمة حرفية للإسم بالفرنسية، وهو الاسم العائلي المسجل في شواهد الحالة المدنية، وليس لقب فقط. «كانت لديهم بضع أراض ورثوها هنا، قرب تلك النخلة» يقول أحد معارفهم، موضحا أن جل تلك الأراضي تم بيعها تباعا من طرف مالكيها، في مراحل متفرقة، وإن كان عبد القادر نادرا ما يزور المنطقة، بل إن أصدقاء الدراسة لا يذكرونه حتى، خاصة بعد أن تغيرت ملامح وجهه، بل تغيرت أيضا تصرفاته ومعاملاته مع أسرته، من أبناء عمومته، الذين لم يعد يربطه بهم سوى مدخول الأرض والمصالح المادية، حيث كانت المردودية المادية هي المسيطرة على حياته. لم يعش عبد القادر مدة طويلة بمسقط رأسه، فقد هاجر برفقة أسرته في اتجاه الديار الأوربية، وهو في سن الثانية عشرة من عمره، حيث غادر برفقة والديه، ومكث هناك سنوات، وكان يعود بين الفينة والأخرى خلال العطل، إلى أن انقطعت علاقته بالمنطقة، بعدما أنهى بيع بعض الأراضي التي كان يمتلكها بعد وفاة والده، وثبوت إرثه لها، ويعتقد أن المبالغ المالية العائدة من تلك الأراضي كانت هي الحجر الأساس لبناء تنظيمه هذا، واستقطاب من يريد الانضمام إليه، حيث يعتقد أنه كان يركز على أبناء المنطقة، الموجدين بالتراب الأوربي. لا أحد يمتلك معلومات مهمة عن سر التحول في حياة عبد القادر، والمعروف جل أفراد أسرته، بكونهم أناس لا علاقة لهم بـ «السياسة»، كما يفسر البعض، بل لا علاقة لهم بكل هاته المشاكل، خاصة أن لهم استثمارات بالمنطقة، ومن ثم لا يريدون أي مشاكل مع السلطات، بحيث تقول بعض المصادر أن أحد أبناء عمه هناك يشتغل دركيا، وآخر له مشروع مواد بناء بمدينة الناظور، ناهيك عمن يحملون نفس الاسم العائلي، والمنتشرين بمناطق مختلفة مجاورة لمدينة الناضور. ولا تخفي مصادر من عين المكان ما كان يردد من طرف بعض أقاربه، من كونه «خميني» (أي شيعي)، وهو اصطلاح يردده أهالي المنطقة المتقدمون في السن خاصة، في إشارة لانتماء عبد القادر بلعيرج للشيعة، وهو أمر أصبح شبه مؤكد بالنسبة لهم، خاصة أن هناك روايات بعضها أقرب للصواب، تتحدث عن سفرياته المتكررة، خلال منتهى الثمانينات لإيران، حيث كان يسافر إليها من دول مختلفة، حتى لا يثير الانتباه، ولعل تلك الفترة هي التي كانت حاسمة في حياته، وهو في ريعان الشباب. وتخفى مجموعة من تفاصيل حياته عن أفراد أسرته القريبين والبعيدين حتى، فغالبيتهم لم يروه منذ سنوات، رغم أنه كان يزور المغرب كثيرا، وإن كانت ارتباطاته الأساسية ببلده هي مداخيل المشاريع المنجزة لتبييض الأموال، المنتشرة بطنجة ومراكش، في حين لا وجود لمشاريع تذكر باسمه أو باسم شقيقه بالناظور أو بضواحيه، خاصة بعد كبر نشاطه التجاري في مناطق أخرى، حيث يبدو أنه تخلص من غالبية ممتلكاته، بـ «إحدادن» والمناطق المجاورة، بل إن السلطات المحلية هناك مازالت لم تعثر على بعض تفاصيل حياته، التي بقيت غامضة، وبالتالي يصعب القول بوجود شركاء له هناك، خاصة أنه غادرها منذ سنوات مضت.
مصطفى العباسي
مصطفى العباسي