النجاح الباهر الذي حققته يومية "الأحداث المغربية" في بداية مشوارها بفضل ركن "من القلب إلى القلب" ، الذي يتناول مشاكل الشباب خاصة تلك المتعلقة بما تحت الحزام ، جعل كثيرا من الآباء يحتجون على الجريدة بعنف ، بل إن لجنة تتشكل من بعض فقهاء مدينة الدار البيضاء زارت وقتذاك مقر الجريدة من أجل المطالبة بوقف ذلك الركن المزعج الذي جعل الكثيرين حسب زعمهم يخجلون من إدخال الجريدة إلى بيوتهم يومي الثلاثاء والخميس.
والحقيقة أن الإقبال الكبير الذي حظي به ملحق من "القلب إلى القلب" من طرف الشباب المغربي قبل سنوات كان من الممكن أن يكون أرضية خصبة لفتح نقاش جاد حول الأسباب التي تدفع شبابنا إلى الإقبال بهذه الكثافة الشديدة على كل ما هو مرتبط بالجنس ، وكان من الممكن أيضا أن يكون ملحق "من القلب إلى القلب" نقطة انطلاق علماء السوسيولوجيا لإنجاز بحوث علمية دقيقة ودراسات ميدانية حول الموضوع ، لكن مع الأسف الشديد ليس لدينا علماء ولا باحثون لديهم ما يكفي من الرغبة لفك الشفرات المعقدة لكثير من الظواهر التي يزخر بها المجتمع المغربي بكل طبقاته وفئاته ، ويفضلون عوض ذلك الجلوس على أرصفة المقاهي للتملي في مؤخرات النساء ونفث السحب الكثيفة من دخان السجائر في الهواء مع إرفاقها بأطنان من الثرثرة التي لا معنى لها .
ملحق "من القلب إلى القلب" كان من الممكن أيضا أن يجعل كثيرا من الآباء والأمهات يراجعون أوراقهم من الصفحة الأولى إلى الصفحة الأخيرة في علاقتهم مع أبنائهم من الجنسين ، عوض أن يقولوا بأنهم يخجلون من إدخال الأحداث المغربية إلى بيوتهم يومي الثلاثاء والخميس ، علما أنهم يشترونها فعلا ، ويحتفظون بها في غرف نومهم للاطلاع على المشاكل الجنسية التي ترد فيها ، فهم في نهاية المطاف يحبون قراءة تلك المشاكل ويستفيدون من الحلول التي يقدمها قراء الجريدة لبعضهم البعض ، لكنهم لا يملكون ما يكفي من الجرأة والشجاعة للاعتراف بذلك . لأن المجتمع المغربي مستعد أتم الاستعداد لإلصاق تهمة الشذوذ واللواط والدعارة لكل من يتجرأ على الحديث عن الجنس بشكل مباشر وبالواضح . لذلك فقد كان كثير من القراء عندما يتوجهون إلى الكشك صباح يوم الثلاثاء والخميس لشراء الأحداث المغربية يلتفتون يمينا وشمالا حتى لا يضبطهم أحد الأصدقاء أو المعارف ويلصق لهم تهمة قد تقضي على سمعتهم الطاهرة بصفة نهائية ، فالحديث عن الجنس عندنا قد يضيف إلى صاحبه لقبا مزعجا لن يستطيع التخلص منه إلى الأبد .
السؤال المحير الذي لا يريد أحد أن يبحث له عن جواب مقنع هو : لماذا لقي ملحق من "القلب إلى القلب" ذلك الإقبال الكبير من طرف الشباب المغربي ؟ عندما نطرح هذا السؤال فإننا لا ننتظر الإجابة من الشباب ، لأننا نعرف مسبقا أن الإجابة الوحيدة التي سيتفقون عليها جميعا هي أنهم لا يجدون آذانا صاغية تستطيع أن تنصت إلى مشاكلهم الخاصة ، لا في البيت ولا في المدرسة ولا في أي مكان آخر ، لذلك عندما أتاحت لهم الأحداث المغربية الفرصة لإفراغ ما في أجوافهم من المشاكل العاطفية والجنسية لبوا نداءها بكثافة قل نظيرها .وهنا سوف نطلب من الآباء والأمهات أن يقولوا لنا ما هي المهمة التي يقومون بها عندما يعودون إلى البيت في المساء . هل يتحدثون إلى أبنائهم وبناتهم ؟ هل يتحاورون معهم ؟ هل يستمعون إلى مشاكلهم الخاصة التي لا حصر لها ؟ هل يملكون ما يكفي من الحنان لاحتضانهم في اللحظات الحزينة ؟ وهل يملكون الشجاعة الكافية لضبط أعصابهم وألسنتهم وأيديهم أيضا عندما يسمعون آراء مخالفة لآرائهم العتيقة ؟ وطبعا فالجواب عن كل هذه الأسئلة لا يتطلب منا القيام بأي مجهود ، يكفي فقط أن تنظر إلى أي مراهق مغربي عندما يصطحب والده إلى السوق مثلا ، لترى كيف أن علاقتهما رسمية جدا وبروتوكولية إلى حد أنهما لا يتكلمان مع بعضهما إلا للضرورة القصوى ، وكأنهما لا يعرفان بعضهما البعض . ونفس الشيء يحدث داخل البيت ، الأب في الصالون يشاهد التلفزيون ، والأم في المطبخ غارقة وسط الأواني المتسخة ، والأبناء كل واحد منزو على نفسه في مكان ما لوحده رفقة هاتفه المحمول أو مع قطعة حشيش يستعد لتدخينها رفقة أصدقاء السوء في الشارع ، وحتى عندما يلتقي الجميع على مائدة الطعام يخفض كل واحد عينيه وينظر أمامه تماما كما يفعل المتهمون عندما يقفون أمام منصة المحكمة ، وحتى عندما ينفتح باب الكلام يكون ذلك فقط من أجل الصراخ والضرب على الطاولة ، الأب يشتكي من غلاء المعيشة وكثرة المصاريف ، والأم تشتكي من أعباء المنزل التي لا تنتهي ، ليصل الطرفان قبل نهاية وجبة الطعام إلى خصام حاد يجعل الأبناء يشعرون أنهم ليسوا سوى مجرد كائنات أخطأت طريقها وقدمت إلى الحياة في لحظة نشوة عابرة . فكيف تريدون من أمثال هؤلاء الآباء والأمهات أن يفتحوا حوارات هادئة في جميع المواضيع مع أبنائهم وبناتهم ؟ وهل تتصورون كيف ستكون ردة فعلهم عندما يفتح أحد الأبناء فمه للتعبير عن مشكلة عاطفية أو جنسية تقض مضجعه ؟ لذلك لا داعي لاتهام الشباب بالانحلال الأخلاقي ، فالمسؤول الأول والأخير عن كل هذه الانزلاقات الخطيرة التي يسقط فيها شباب اليوم هم الآباء والأمهات في الدرجة الأولى ، ولا داعي لإسقاط التهمة على ملحق من "القلب إلى القلب" ، فهو ليس سوى مكانا آمنا يلجأ إليه الشباب وحتى الكهول من أجل التعبير عن مشاكلهم الخاصة التي لا يريد أحد أن يصغي إليها . والذين يقولون بأن الشباب لم يعد يستهويهم ما يطرح على هذا الملحق فهم مخطؤون ، لأن السبب وراء انخفاض مبيعات الملحق يعود أولا وأخيرا وقبل كل شيء إلى أن مصادر المعلومات أصبحت اليوم متوفرة بشكل كبير ، سواء على الويب أو القنوات الفضائية .مهمة الآباء والأمهات لا تنحصر فقط في الإنجاب مثل الأرانب ، بل تتعداها إلى ما هو أهم ، إلى الاحتضان الدافئ في اللحظات العصيبة ، والإصغاء لأبسط المشاكل وأتفه الأسئلة ، والتحاور بشكل هادئ حول كل القضايا مهما بلغت درجة حساسيتها . فليس هناك ما هو أسهل من الانتقاد بلا مبرر ، وليس هناك شيء أسهل من رفع سبابة الاتهام وتوجيهها مثل رصاصة قاتلة إلى صدور الآخرين ، لكن الأصعب هو أن يقف الإنسان لحظة تأمل طويلة مع نفسه لمحاسبتها ومساءلتها ثم يخفض عينيه ويثني سبابته الظالمة ثم يضعها وسط صدره . والكلام هنا بطبيعة الحال موجه كله إلى الآباء والأمهات وكل من تقع على عاتقه مسؤولية تربية الناشئة المغربية ، علهم يغيرون نظرتهم إلى الحياة التي تتجدد بصفة مستمرة ، ويكفوا عن دس رؤوسهم الصلبة وسط أكفهم مثلما تفعل النعامة التي تدس رأسها في الرمل عندما تحس بالخوف تاركة بقية جسدها عرضة لكل أنواع المخاطر ...
والحقيقة أن الإقبال الكبير الذي حظي به ملحق من "القلب إلى القلب" من طرف الشباب المغربي قبل سنوات كان من الممكن أن يكون أرضية خصبة لفتح نقاش جاد حول الأسباب التي تدفع شبابنا إلى الإقبال بهذه الكثافة الشديدة على كل ما هو مرتبط بالجنس ، وكان من الممكن أيضا أن يكون ملحق "من القلب إلى القلب" نقطة انطلاق علماء السوسيولوجيا لإنجاز بحوث علمية دقيقة ودراسات ميدانية حول الموضوع ، لكن مع الأسف الشديد ليس لدينا علماء ولا باحثون لديهم ما يكفي من الرغبة لفك الشفرات المعقدة لكثير من الظواهر التي يزخر بها المجتمع المغربي بكل طبقاته وفئاته ، ويفضلون عوض ذلك الجلوس على أرصفة المقاهي للتملي في مؤخرات النساء ونفث السحب الكثيفة من دخان السجائر في الهواء مع إرفاقها بأطنان من الثرثرة التي لا معنى لها .
ملحق "من القلب إلى القلب" كان من الممكن أيضا أن يجعل كثيرا من الآباء والأمهات يراجعون أوراقهم من الصفحة الأولى إلى الصفحة الأخيرة في علاقتهم مع أبنائهم من الجنسين ، عوض أن يقولوا بأنهم يخجلون من إدخال الأحداث المغربية إلى بيوتهم يومي الثلاثاء والخميس ، علما أنهم يشترونها فعلا ، ويحتفظون بها في غرف نومهم للاطلاع على المشاكل الجنسية التي ترد فيها ، فهم في نهاية المطاف يحبون قراءة تلك المشاكل ويستفيدون من الحلول التي يقدمها قراء الجريدة لبعضهم البعض ، لكنهم لا يملكون ما يكفي من الجرأة والشجاعة للاعتراف بذلك . لأن المجتمع المغربي مستعد أتم الاستعداد لإلصاق تهمة الشذوذ واللواط والدعارة لكل من يتجرأ على الحديث عن الجنس بشكل مباشر وبالواضح . لذلك فقد كان كثير من القراء عندما يتوجهون إلى الكشك صباح يوم الثلاثاء والخميس لشراء الأحداث المغربية يلتفتون يمينا وشمالا حتى لا يضبطهم أحد الأصدقاء أو المعارف ويلصق لهم تهمة قد تقضي على سمعتهم الطاهرة بصفة نهائية ، فالحديث عن الجنس عندنا قد يضيف إلى صاحبه لقبا مزعجا لن يستطيع التخلص منه إلى الأبد .
السؤال المحير الذي لا يريد أحد أن يبحث له عن جواب مقنع هو : لماذا لقي ملحق من "القلب إلى القلب" ذلك الإقبال الكبير من طرف الشباب المغربي ؟ عندما نطرح هذا السؤال فإننا لا ننتظر الإجابة من الشباب ، لأننا نعرف مسبقا أن الإجابة الوحيدة التي سيتفقون عليها جميعا هي أنهم لا يجدون آذانا صاغية تستطيع أن تنصت إلى مشاكلهم الخاصة ، لا في البيت ولا في المدرسة ولا في أي مكان آخر ، لذلك عندما أتاحت لهم الأحداث المغربية الفرصة لإفراغ ما في أجوافهم من المشاكل العاطفية والجنسية لبوا نداءها بكثافة قل نظيرها .وهنا سوف نطلب من الآباء والأمهات أن يقولوا لنا ما هي المهمة التي يقومون بها عندما يعودون إلى البيت في المساء . هل يتحدثون إلى أبنائهم وبناتهم ؟ هل يتحاورون معهم ؟ هل يستمعون إلى مشاكلهم الخاصة التي لا حصر لها ؟ هل يملكون ما يكفي من الحنان لاحتضانهم في اللحظات الحزينة ؟ وهل يملكون الشجاعة الكافية لضبط أعصابهم وألسنتهم وأيديهم أيضا عندما يسمعون آراء مخالفة لآرائهم العتيقة ؟ وطبعا فالجواب عن كل هذه الأسئلة لا يتطلب منا القيام بأي مجهود ، يكفي فقط أن تنظر إلى أي مراهق مغربي عندما يصطحب والده إلى السوق مثلا ، لترى كيف أن علاقتهما رسمية جدا وبروتوكولية إلى حد أنهما لا يتكلمان مع بعضهما إلا للضرورة القصوى ، وكأنهما لا يعرفان بعضهما البعض . ونفس الشيء يحدث داخل البيت ، الأب في الصالون يشاهد التلفزيون ، والأم في المطبخ غارقة وسط الأواني المتسخة ، والأبناء كل واحد منزو على نفسه في مكان ما لوحده رفقة هاتفه المحمول أو مع قطعة حشيش يستعد لتدخينها رفقة أصدقاء السوء في الشارع ، وحتى عندما يلتقي الجميع على مائدة الطعام يخفض كل واحد عينيه وينظر أمامه تماما كما يفعل المتهمون عندما يقفون أمام منصة المحكمة ، وحتى عندما ينفتح باب الكلام يكون ذلك فقط من أجل الصراخ والضرب على الطاولة ، الأب يشتكي من غلاء المعيشة وكثرة المصاريف ، والأم تشتكي من أعباء المنزل التي لا تنتهي ، ليصل الطرفان قبل نهاية وجبة الطعام إلى خصام حاد يجعل الأبناء يشعرون أنهم ليسوا سوى مجرد كائنات أخطأت طريقها وقدمت إلى الحياة في لحظة نشوة عابرة . فكيف تريدون من أمثال هؤلاء الآباء والأمهات أن يفتحوا حوارات هادئة في جميع المواضيع مع أبنائهم وبناتهم ؟ وهل تتصورون كيف ستكون ردة فعلهم عندما يفتح أحد الأبناء فمه للتعبير عن مشكلة عاطفية أو جنسية تقض مضجعه ؟ لذلك لا داعي لاتهام الشباب بالانحلال الأخلاقي ، فالمسؤول الأول والأخير عن كل هذه الانزلاقات الخطيرة التي يسقط فيها شباب اليوم هم الآباء والأمهات في الدرجة الأولى ، ولا داعي لإسقاط التهمة على ملحق من "القلب إلى القلب" ، فهو ليس سوى مكانا آمنا يلجأ إليه الشباب وحتى الكهول من أجل التعبير عن مشاكلهم الخاصة التي لا يريد أحد أن يصغي إليها . والذين يقولون بأن الشباب لم يعد يستهويهم ما يطرح على هذا الملحق فهم مخطؤون ، لأن السبب وراء انخفاض مبيعات الملحق يعود أولا وأخيرا وقبل كل شيء إلى أن مصادر المعلومات أصبحت اليوم متوفرة بشكل كبير ، سواء على الويب أو القنوات الفضائية .مهمة الآباء والأمهات لا تنحصر فقط في الإنجاب مثل الأرانب ، بل تتعداها إلى ما هو أهم ، إلى الاحتضان الدافئ في اللحظات العصيبة ، والإصغاء لأبسط المشاكل وأتفه الأسئلة ، والتحاور بشكل هادئ حول كل القضايا مهما بلغت درجة حساسيتها . فليس هناك ما هو أسهل من الانتقاد بلا مبرر ، وليس هناك شيء أسهل من رفع سبابة الاتهام وتوجيهها مثل رصاصة قاتلة إلى صدور الآخرين ، لكن الأصعب هو أن يقف الإنسان لحظة تأمل طويلة مع نفسه لمحاسبتها ومساءلتها ثم يخفض عينيه ويثني سبابته الظالمة ثم يضعها وسط صدره . والكلام هنا بطبيعة الحال موجه كله إلى الآباء والأمهات وكل من تقع على عاتقه مسؤولية تربية الناشئة المغربية ، علهم يغيرون نظرتهم إلى الحياة التي تتجدد بصفة مستمرة ، ويكفوا عن دس رؤوسهم الصلبة وسط أكفهم مثلما تفعل النعامة التي تدس رأسها في الرمل عندما تحس بالخوف تاركة بقية جسدها عرضة لكل أنواع المخاطر ...