إنهـن نسوة محرومات من أبسط شروط الحياة، وهن بالدرجة الأولى مطلقات وأرامل وزوجات غادرهن الأزواج دون طلاق، أو زوجات لعاطلين، غالبا ما تختار هاته النسوة مكان معـروف كمـدخـل سـوق أولاد ميمون على سبيل المثال، ينتظرون زبونا قد يأتي وقد لا يأتي. نسوة أعاد الزمن رسم ملامح وجوههن بتقاسيم الفقر والبؤس والحاجة. يطاردن المارة بسؤال لا يتبدل "واش باغي خدامة"..، نساء يعرضن قوة عملهن في "الموقف"، حيث تقـتـنى من طرف الراغبين في القيام بأشغال كبرى عابرة..
وزيادة على كون الأجرة غير معـلومة، حيث يتحكم فيها بالدرجة الأولى أهواء المشغل. وفضلا عـن دوس كرامتهن من طرف هذا الأخير فإنهن يتعـرضن باستمرار للتحرش الجنسي، وفي كثير من الأحيان يعاملن كبغايا.
تدفع المآسي الإجتماعية هذا القسم من العاملات إلى تعـريض أنفسهن لأبشع استغلال، فهن كائن بشري قلما يتم الاهتمام به.
تعاني عاملات الموقف من المعاملة الفظة من قبل المشغـلين، فهن يعـملن لساعات طوال غير متفق عليها مسبقا، وفي ظروف محفوفة بالمخاطر، ودون أي اكتراث بصحتهن إذ أنهن كثيرا ما يصبن بأمراض جلدية جراء استعـمالهن المتكرر لـ(الماء القاطع، المبيدات، والمساحيق،...) وفضلا عن ذلك فهن معرضات أيضا إلى كل أنواع الإهانة، والسب، والشتم فالكثير من الناس ينظرون إليهن كعاهرات..
يقدم هذا الميدان صورة واضحة عن مرونة الشغل، فالعمل غير مضمون، ولا تحدده سوى رغبات المشغـلين واستغلال اليد العاملة متروكا لفـوضى السـوق، مما يترك العاملات دون دخل قار، وخـصوصا أنهـن لا يتقاضين عن الأشغال الشاقة والمهينة، سوى أجرا زهيدا. ومن مـفارقـات عـالم الشغل بالموقف أيضا أن هـذه الأشغال الشاقة، إنما تكثر بالضبط في العطل، وعند اقتراب الأعياد. فغالبا ما يتوفـر العمل فقط يوما أو يومين في الأسبوع، وذلك راجعا إلى كثرة النسوة اللواتي يمتهن هذه المهنة ومعضمهن منحدرات من أقاليم أخرى..
وتشتغل هؤلاء النساء الكادحات بالموقف في غياب أية حماية قانونية، حيث لا تعترف مدونة الشغل بهن لهذا فهن يطالبن باحترام كرامتهن، وضمان الشغل في ظروف لائقة، وبحـقـهـن في أجـر يناسب جهدهن، وهن يناشدن المسؤولين الإهتمام بأوضاعهـن باعـتبارهـن من الفئات الأشد تعرضا للقهر، والمحرومات من أية حماية، وذلك بتوفـيـر إطار مؤسساتي يضمن لهن العمل في شروط الكـرامة والإحترام....
[size=16]كثيراً ما تستوقفني بعض الأمثال والحكم.. ولا أملك إلا أن أرسل تحية اعجاب لقائلها، فهو استطاع بكتابة جملة من كلمات بسيطة اختصار مفردات ومعاني اللغة كـلها..، ولعل هذه هي البلاغة الحقيقية التي تنطبق عليها مقولة (خير الكلام ما قل ودل).. فقد تكون هذه الحكم مسجلة من مئات السنين لكنها تنطبق علينا منذ ذلك الزمن وحتى اليوم إلى أن أصبحت ترافقنا لنضرب بها الأمثال في كل موقف يمر بنا وكأنها كتبت لنا اليوم.. وكأن كاتبها يخاطبنا بها.. وهذه هي الحرفة في الكتابة التي يفترض أن يتحلى بها الكاتب ليصل إلى القاريء ولا ينتهي به الأمر للكتابة لنفسه دون أن يستوعـب الطـرف الآخر رسالته أو يشعـر بها...
وعندما فكرت اليوم بما أريد كتابته وجدت أن جملة واحدة تختصره ببساطة وتقول (اتقي شر من أحسنت إليه) لكن أبى "أحدهم" أن يترك هذه الجملة تختال وحدها في عـمودي ويلح على تسجـيـل كلمات بجانبها تـلـتـمس بعـضاً من نور حكمتها ومعناها العميق..
للإساءة وقعها الخاص بداخلنا ولكن تأثيرها يتفاوت..، أما إن كنت قد أحسنت لصاحبها فهي بالتأكيد ستكون بمثابة الخنجر الذي يغـرس رأسه في شريان قلبك.. وأعـتقد هنا أن هذه الحكمة لا تقصده القلب بقدر ما تقصد (الظهر) لأن الخنجر يختاره كهدف بعـيد عن العـين فيجـد طـريقه بسهولة إليك قـبل أن تتفاداه وتبتعـد عنه.. وما صاحب الخنجر إلا نموذج يتجرد من الإحساس.. بل ربما من الحواس الخمس.. لأنه لو كان يملكها لشعـر بما قدمته له.. و"رأى" احسانك.. و"تذوق" حلاوته.. و"تلمس" قيمته.. و"استنشق"عبيره".. وكل ذلك كفيلاً ليبقي خنجره في غـمده مدى الحياة
هذا يحدث فقط لو كان (إنساناً) يدرك حقاً ما هي الإنسانية.. ويعرف أن من شعـبها (التقدير) ولو لم يطلبه من هو أهل له.. فكيف بكائن لا يرغـب بتقدير الإحسان!!.. ويعـتبر أنه إنسان إذن يجب أن يكون من طبعه (النسيان).. ويتجاوز إلى النكران.. ويحمله جهله إلى الإساءة معتقداً أنه بها يصبح قوياً والواقع أنه يسقط.. وما أبشع هذا السقوط المخجل!!!
قد تكون أنت (عزيزي القارئ) رددت في يوم من الأيام بحرقة مقولة (اتقي شر من أحسنت إليه).. وقد تكون مرت عليك مرور الكرام، لكن عندما تجد نفسك في مقعـده تدرك جيداً أنها كانت حكمة لا يمكن أن يلتفت لها الإنسان العادي ليحذر ممن يسعى أن يقدم لهم ولو ابتسامة ترتسم على شفاههم.. فالطيبة جـزء من الفطرة، والـثـقـة هي الحـق الـذي نمنحه للآخـرين من أجـل التواصل الصحي، ودائماً لا نتعـلم إلا من أخطاؤنا التي تكون فادحة في بعض الأحيان.. مع ذلك علينا أن نستثمرها لأنها رصيد خبرتنا في هـذه الحياة..
ولعل من يخطئ يستحق منا كلمة شكر فهو من حيث لا يدري يقدم لنا درساً لنعرف حقيقة "النفوس السيئة" ونحذر من التعامل معها أو نتعـلم كـيف نـروضها قـبـل أن يغـتال(الـوحـش)الـذي يسكـنها كـل الخـيـر فـينا
والمقولة بالمقولة تذكر.. عـندما يوقظك صوت (اتقي شر من أحسنت إليه) من سبات عميق يمكـنك أن تجيبه بـ(اعمل الخير وارميه في البحر).. فما أشبه النفوس السيئة الجاحـدة بالبحر الذي تركـوا كل صفاته ومكوناته الجمـيلة واقـتبـسـوا منه الغـدر ليكون شيـمتهم ويالها من سقطة تهوي بصاحبها حتى يتلاشى بعدها ويصبح (لاشيء)..[b]
بقلم: الحسين طهرية
وزيادة على كون الأجرة غير معـلومة، حيث يتحكم فيها بالدرجة الأولى أهواء المشغل. وفضلا عـن دوس كرامتهن من طرف هذا الأخير فإنهن يتعـرضن باستمرار للتحرش الجنسي، وفي كثير من الأحيان يعاملن كبغايا.
تدفع المآسي الإجتماعية هذا القسم من العاملات إلى تعـريض أنفسهن لأبشع استغلال، فهن كائن بشري قلما يتم الاهتمام به.
تعاني عاملات الموقف من المعاملة الفظة من قبل المشغـلين، فهن يعـملن لساعات طوال غير متفق عليها مسبقا، وفي ظروف محفوفة بالمخاطر، ودون أي اكتراث بصحتهن إذ أنهن كثيرا ما يصبن بأمراض جلدية جراء استعـمالهن المتكرر لـ(الماء القاطع، المبيدات، والمساحيق،...) وفضلا عن ذلك فهن معرضات أيضا إلى كل أنواع الإهانة، والسب، والشتم فالكثير من الناس ينظرون إليهن كعاهرات..
يقدم هذا الميدان صورة واضحة عن مرونة الشغل، فالعمل غير مضمون، ولا تحدده سوى رغبات المشغـلين واستغلال اليد العاملة متروكا لفـوضى السـوق، مما يترك العاملات دون دخل قار، وخـصوصا أنهـن لا يتقاضين عن الأشغال الشاقة والمهينة، سوى أجرا زهيدا. ومن مـفارقـات عـالم الشغل بالموقف أيضا أن هـذه الأشغال الشاقة، إنما تكثر بالضبط في العطل، وعند اقتراب الأعياد. فغالبا ما يتوفـر العمل فقط يوما أو يومين في الأسبوع، وذلك راجعا إلى كثرة النسوة اللواتي يمتهن هذه المهنة ومعضمهن منحدرات من أقاليم أخرى..
وتشتغل هؤلاء النساء الكادحات بالموقف في غياب أية حماية قانونية، حيث لا تعترف مدونة الشغل بهن لهذا فهن يطالبن باحترام كرامتهن، وضمان الشغل في ظروف لائقة، وبحـقـهـن في أجـر يناسب جهدهن، وهن يناشدن المسؤولين الإهتمام بأوضاعهـن باعـتبارهـن من الفئات الأشد تعرضا للقهر، والمحرومات من أية حماية، وذلك بتوفـيـر إطار مؤسساتي يضمن لهن العمل في شروط الكـرامة والإحترام....
[size=16]كثيراً ما تستوقفني بعض الأمثال والحكم.. ولا أملك إلا أن أرسل تحية اعجاب لقائلها، فهو استطاع بكتابة جملة من كلمات بسيطة اختصار مفردات ومعاني اللغة كـلها..، ولعل هذه هي البلاغة الحقيقية التي تنطبق عليها مقولة (خير الكلام ما قل ودل).. فقد تكون هذه الحكم مسجلة من مئات السنين لكنها تنطبق علينا منذ ذلك الزمن وحتى اليوم إلى أن أصبحت ترافقنا لنضرب بها الأمثال في كل موقف يمر بنا وكأنها كتبت لنا اليوم.. وكأن كاتبها يخاطبنا بها.. وهذه هي الحرفة في الكتابة التي يفترض أن يتحلى بها الكاتب ليصل إلى القاريء ولا ينتهي به الأمر للكتابة لنفسه دون أن يستوعـب الطـرف الآخر رسالته أو يشعـر بها...
وعندما فكرت اليوم بما أريد كتابته وجدت أن جملة واحدة تختصره ببساطة وتقول (اتقي شر من أحسنت إليه) لكن أبى "أحدهم" أن يترك هذه الجملة تختال وحدها في عـمودي ويلح على تسجـيـل كلمات بجانبها تـلـتـمس بعـضاً من نور حكمتها ومعناها العميق..
للإساءة وقعها الخاص بداخلنا ولكن تأثيرها يتفاوت..، أما إن كنت قد أحسنت لصاحبها فهي بالتأكيد ستكون بمثابة الخنجر الذي يغـرس رأسه في شريان قلبك.. وأعـتقد هنا أن هذه الحكمة لا تقصده القلب بقدر ما تقصد (الظهر) لأن الخنجر يختاره كهدف بعـيد عن العـين فيجـد طـريقه بسهولة إليك قـبل أن تتفاداه وتبتعـد عنه.. وما صاحب الخنجر إلا نموذج يتجرد من الإحساس.. بل ربما من الحواس الخمس.. لأنه لو كان يملكها لشعـر بما قدمته له.. و"رأى" احسانك.. و"تذوق" حلاوته.. و"تلمس" قيمته.. و"استنشق"عبيره".. وكل ذلك كفيلاً ليبقي خنجره في غـمده مدى الحياة
هذا يحدث فقط لو كان (إنساناً) يدرك حقاً ما هي الإنسانية.. ويعرف أن من شعـبها (التقدير) ولو لم يطلبه من هو أهل له.. فكيف بكائن لا يرغـب بتقدير الإحسان!!.. ويعـتبر أنه إنسان إذن يجب أن يكون من طبعه (النسيان).. ويتجاوز إلى النكران.. ويحمله جهله إلى الإساءة معتقداً أنه بها يصبح قوياً والواقع أنه يسقط.. وما أبشع هذا السقوط المخجل!!!
قد تكون أنت (عزيزي القارئ) رددت في يوم من الأيام بحرقة مقولة (اتقي شر من أحسنت إليه).. وقد تكون مرت عليك مرور الكرام، لكن عندما تجد نفسك في مقعـده تدرك جيداً أنها كانت حكمة لا يمكن أن يلتفت لها الإنسان العادي ليحذر ممن يسعى أن يقدم لهم ولو ابتسامة ترتسم على شفاههم.. فالطيبة جـزء من الفطرة، والـثـقـة هي الحـق الـذي نمنحه للآخـرين من أجـل التواصل الصحي، ودائماً لا نتعـلم إلا من أخطاؤنا التي تكون فادحة في بعض الأحيان.. مع ذلك علينا أن نستثمرها لأنها رصيد خبرتنا في هـذه الحياة..
ولعل من يخطئ يستحق منا كلمة شكر فهو من حيث لا يدري يقدم لنا درساً لنعرف حقيقة "النفوس السيئة" ونحذر من التعامل معها أو نتعـلم كـيف نـروضها قـبـل أن يغـتال(الـوحـش)الـذي يسكـنها كـل الخـيـر فـينا
والمقولة بالمقولة تذكر.. عـندما يوقظك صوت (اتقي شر من أحسنت إليه) من سبات عميق يمكـنك أن تجيبه بـ(اعمل الخير وارميه في البحر).. فما أشبه النفوس السيئة الجاحـدة بالبحر الذي تركـوا كل صفاته ومكوناته الجمـيلة واقـتبـسـوا منه الغـدر ليكون شيـمتهم ويالها من سقطة تهوي بصاحبها حتى يتلاشى بعدها ويصبح (لاشيء)..[b]
بقلم: الحسين طهرية
عدل سابقا من قبل هشام الدرقاوي في السبت أبريل 26, 2008 5:41 am عدل 1 مرات
