شرع المغرب في العمل بالثنائية البرلمانية في عام 1997، وعرف في العام نفسه اجراء أول انتخابات لاختيار اعضاء مجلس المستشارين (الغرفة الثانية)، وسط احتجاجات بعض الهيئات السياسية وفعاليات المجتمع المدني التي رأت في الغرفة الثانية استنزافا مجانيا للمال العام .
واختلفت الآراء حتي داخل الأحزاب الممثلة في الغرفة، بل الأصوات الأكثر تطرفاً والداعية الي الغاء الغرفة الثانية، كانت تأتي من داخل أحزاب الكتلة التي تقود الائتلاف الحكومي. ويعتقد نشطاء في أحزاب الكتلة ان انشاء الغرفة الثانية تقرر في ظروف معينة، وفي اطار البحث عن حل سياسي جاء في ظروف سياسية خاصة، من أجل الدخول في هذه المرحلة التي كان المغرب منغمرا فيها ، في اشارة الي تجربة التناوب، وتوفير الشروط لأحزاب المعارضة السابقة للانخراط فيها.
ويري سعد العلمي عضو المكتب التنفيذي في حزب الاستقلال ان دواعي تأسيس الغرفة الثانية أصبحت الآن متجاوزة، ولذلك، لا يوجد أي داع حتي يستمر المغرب مثقلا بغرفة تقوم بعمل مكرر ، بما يمكن اعتباره تلميحا الي تكرار ونسخ أنشطة مجلس النواب.
يشار الي ان عدد أعضاء الغرفة الثانية يصل الي 270 عضوا، يأتون اليها عن طريق انتخابات غير مباشرة، شرط ان يكونوا أعضاء في الجماعات المحلية (البلديات)، والغرف المهنية، والنقابات (الاتحادات العالمية).
وينتخب الاعضاء في الأصل لمدة تسع سنوات، مع تجديد الثلث كل ثلاث سنوات بواسطة اجراء القرعة.
وكانت أول قرعة قد أجريت في ايلول (سبتمبر) الماضي، واطارت بعدد من الرؤوس، كان أبرزها محمد جلال السعيد رئيس الغرفة الثانية آنذاك، والذي كان قد ترأس أيضا مجلس النواب (الغرفة الاولي) ما بين 1992 و1995، ولم يستطع جلال السعيد العودة الي الغرفة الثانية، بعدما لم يستطع اقناع الناخبين الكبار ، باحقيته، في الوقت الذي روج خصومه لعلاقاته مع ادريس البصري وزير الداخلية السابق.
كما اطارت القرعة برأس مصطفي عكاشة عضو المكتب التنفيذي في حزب التجمع الوطني للأحرار، والذي كان آنذاك الخليفة الأول، لكنه استطاع ان يعود، وينتخب رئيسا للغرفة الثانية لولاية تستمر ثلاث سنوات.
وفي رأي العديد من المتتبعين، فان الغرفة الثانية لم تستطع بعد ان تكسب خصوصيتها وان تفرض ذاتها في مراقبة العمل الحكومي والرقي بالأداء البرلماني.
ويقول سعد العلمي مع كل الأسف الغرفة الثانية لم تتوفق بالطريقة التي اختارتها، ولم تستطع ان تثبت ان لها دورا مغايرا ومكملا ومتناسقا مع مجلس النواب، وان تصبح بالفعل قيمة مضافة .
يذكر، ان العلمي كان ينوي في البداية ترشيح نفسه لرئاسة الغرفة الثانية، علي خلفية انتماء حزبه (الاستقلال) الي الكتلة، وأخذا بنظر الاعتبار المقاعد التي حصلت عليها احزاب الكتلة مجتمعة، الا ان عبد الرحمن اليوسفي الوزير الأول حسم في مساندة حزبه لمصطفي عكاشة، علي خلفية انتماء حزبه التجمع الوطني للاحرار الي الغالبية، وذلك ما دفع حزب الاستقلال الي اتخاذ قرار بالامتناع عن التصويت في انتخابات الرئاسة.
ويزيد العلمي طبيعة تكوين الغرفة الثانية من خلال فتحها المجال لاعضاء المجالس الجماعية، والغرف المهنية، تجعلها تعمل علي تكريس دورها الذي يمكن ان تقوم به لحد الان لم تتوفق في ذلك، واذا كانت الغرفة الثانية فقط تكرارا للغرفة الاولي، وبالتالي تضييع وقت اضافي آخر يضيع علي المغرب، فانه يجب الاستغناء علي الغرفة الثانية . وتتداول الاوساط السياسية والاعلامية ان حساسيات لعب الدور الاول في مراقبة الحكومة ، ادت الي خلق فجوة في العلاقة بين الغرفتين وتتميز اعمالهما معا بعدم التنسيق.
(الزمان الجديد) سألت العلمي حول الاسباب والمعيقات التي تمنع المجلسين من التنسيق فاجاب انا بعيد عن تجهيزات التسيير في مجلس المستشارين، ولذلك ربما لن استطيع ان اجيبك بدقة علي هذا السؤال، جوابي سيكون جواب الملاحظ الذي يري ان العلاقات بين المجلسين ليست لحد الان بالشكل الطبيعي الذي يجب ان تكون عليه، اظن ان المجلسين يجب ان يكونا لهما دور متكامل، ولا يتكرر، بعضه وهذا دور رئيسي المجلسين في العمل علي اعطاء دينامية خاصة، كما ان اجهزة المجلسين ينبغي ان تعمل كلها علي توفير هذه الدينامية التي يمكن ان تساعد علي جعل المجلسين يقومان بدورهما في اطار من الفعالية والنجاعة التي يمكن ان لا تتحقق الا بتكامل الادوار .
وكشفت مصادر برلمانية ان الخلافات التاريخية بين عبد الواحد الراضي رئيس الغرفة الاول، ومحمد جلال السعيد رئيس الغرفة الثانية القت بظلالها علي عمل الغرفتين ، يشار الي ان الراضي ينتمي الي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يقود الائتلاف الحكومي، والسعيد كان ينتمي الي الاتحاد الدستوري (معارضة) قبل ان يقرر المكتب السياسي تجميد عضويته بمجرد عدم اعادة انتخابه.
ويتندر الصحفيون والداعون الي الغاء الغرفة الثانية من حادث طريف وقع في نهاية عهد السعيد، عندما قررت الغرفة الثانية تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي اسوة بالغرفة الاولي التي كانت تنكب اللجنة التي احدثتها لتقصي الحقائق في القرض العقاري والسياحي في اعمالها، و تشكلت لجنة داخل الغرفة الثانية، وناقشت توزيع المهام، لكن المكتب لم يضع في حسبانه ان القرعة ستطال بعض رؤوسها ولم يستطيعوا العودة بمعني ان اللجنة كانت في خبر كان، ثم حاولت الغرفة في عهد عكاشة تفعيل تلك اللجنة قبل ان تنتبه الحكومة الي ان القانون التنظيمي الخاص بالغرفة الثانية لا يخول لها تشكيل لجنة لتقصي الحقائق عكس الغرفة الاولي . الا ان العلمي يرد لا اعتقد ان مجلس المستشارين هو الذي لم يقم بدوره كما كان ينبغي ان يقوم به في هذا الميدان، لان في تاريخ المغرب لجنة تقصي الحقائق الاخيرة هي الرابعة حيث سبق ان تم تكوين ثلاث لجان تقصي، ولم يكن آنذاك اي قانون ينص علي تكوين لجان التقصي، والمبرر هو محل مناقشة لا اقول انه مبرر مردود، لكن الان القانون التنظيمي يراجع ونرجو ان لا يبقي لمجلس المستشارين اي عذر او اي مبرر حتي لا يقوم بمهمته الرقابية عن طريق لجان التقصي، فهذه احدي الآليات الاساسية التي تستعمل في الانظمة الديمقراطية بصفة مستمرة وليس فقط في مناسبات متباعدة عن بعضها .
ارتباطا بموضوع تقصي الحقائق، فان اللجنة التي كونتها الغرفة الاولي في قضية القرض العقاري والسياحي، تعتبر الاولي التي قدمت تقريرا الي رئاسة المجلس واطلع عليه الرأي العام، والملف مطروح الان علي العدالة.
وكان في عام 1991 تم تكوين لجنة لتقصي الحقائق في الاحداث الدامية التي عرفها المغرب خلال نفس العام وبصفة خاصة في احداث مدينة فاس (190 كلم شرق الرباط)، وترأسها المعطي بوعبيد الامين العام السابق للاتحاد الدستوري وفي عام 1994 شكلت لجنة لتقصي الحقائق للبحث في تداعيات الحملة التطهيرية التي طالت كبار مهربي المخدرات، وكلا اللجنتين لم تقدما اي تقرير، وترأس اللجنة الثانية مهند العنصر امين عام الحركة الشعبية.
يشار الي ان مجلس النواب يضم 333 عضوا ينتخبون بطريقة مباشرة، وحصل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية علي اكبر عدد من المقاعد في حدود 55 مقعدا، الا ان محمد حفيظ الكاتب العام للشبيبة الاتحادية فجر اكبر فضيحة عندما رفض النتائج التي اعلنته فائزا، واكد انه لم يكن هو الذي نجح. ويأتي التجمع الوطني للاحرار في الرتبة الثانية.
وينص القانون الداخلي للمجلسين علي ان الفرق التي يمكن تشكيلها في المجلس يجب ان تتوفر علي الاقل علي 12 عضوا.
والاحزاب الممثلة بفريق في مجلسي النواب والمستشارين هي الاتحاد الاشتراكي، التجمع الوطني، الاستقلال، الحركة الشعبية، الاتحاد الدستوري، الوطني الديمقراطي، الحركة الديمقراطية الاجتماعية، جبهة القوي الديمقراطية، فيما اصبح حزب الحركة الوطنية الشعبية ممثلا بفريقين نتيجة الصراعات التي يعرفها علي مستوي القيادة، بينما التقدم والاشتراكية، والديمقراطي الاشتراكي ممثل بفريق موحد، وتتوفر منظمة العمل الديمقراطي الشعبي علي اربعة اعضاء في مجلس النواب فقط ولا تتوفر علي فريق في مجلس المستشارين، كما ان حزب العدالة والتنمية غير ممثل في الغرفة الثانية، واصبح في العام الماضي يتوفر علي فريق في الغرفة الاولي.
قالوا في الغرفة الثانية..
مصطفي عكاشة رئيس مجلس المستشارين:
احداث مجلس المستشارين نص عليها دستور 1996، وأحاط استمراره بكافة الضمانات، وحدد اختصاصاته في المشاركة في مراقبة العمل الحكومي والدبلوماسية المغربية. والواقع ان طبيعة تركيبته التي تتكون من رؤساء الغرف المهنية، ورؤساء الجماعات والمنتخبين جعلته يقوم بعمل في المستوي رغم فتوة احداثه التي تتجاوز بالكاد اربع سنوات.
محمد بوزوبع الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان:
ليس مهما ان نقف عند قصور مجلس المستشارين، ولكن المهم ان نكون واعين بذلك وان نعمل علي تجاوزه، وهذا ليس بعزيز علي اعضاء مجلس المستشارين.
العياشي المسعودي رئيس فريق التقدم والتجديد الديمقراطي في مجلس النواب:
نحن ما زلنا ضد استمرار مجلس المستشارين، وأكثر من أي وقت مضي.
كان المغفور له الملك الحسن الثاني يقول ان التعديلات الدستورية يجب ان تكون دائما واردة كلما ظهرت الحاجة اليها، الآن مرت اكثر من ثلاث سنوات علي تجربة الغرفتين، ولم تعط اية نتائج، واظن ان الوقت حان لحذف الغرفة الثانية، واذا كان ضروريا استمرارها فيجب علي الاقل اعادة النظر في وظائفها وطريقة تشكيلها حتي تكون بالفعل غرفة ثانية، وهناك اجتهادات في هذا الشأن.
عبد الالاه المكينسي عضو في المجلس:
اذا استمر المجلس علي نفس النهج السابق، وبنفس الطريقة فانه يحكم علي نفسه بالعدم، ويؤكد الصورة او الانطباع الحالي الذي كونه عنه الرأي العام، علي المجلس اذن ان ينتفض، وان يؤكد فكرة المبادرة، وان يتصور مفهوما جديدا لعمله، وان يعيد النظر في نظامه الداخلي، وفي طريقة تكوين لجانه، فالمجلس تنتظره مهام كبيرة وكثيرة ان هو أراد ان يفرض نفسه دستورية لها امكانية الاستمرار.
رحو الهيلع رئيس فريق جبهة القوي الديمقراطية في المجلس:
يجب عدم الخلط بين الغرفة الثانية وبين الثنائية البرلمانية.
الغرفة الثانية في الدول الديمقراطية العريقة تلعب دورا مهما في الحفاظ علي التوازن بين السلط. ولنتصور ما سيقع في حال طغيان حزب واحد في الغرفة الاولي!
لا يمكن انكار ان مجلس المستشارين لا يشتغل بشكل مرض، وكذلك الغرفة الاولي، ولكن هذه تجربة حديثة، ولا بد من مرور شيء من الوقت لاصلاح الامور، وفي اعتقادي فان الثنائية البرلمانية كمبدأ شيء مفيد بالنسبة للمغرب، مع اعادة النظر في العمل البرلماني لحماية سمعة المؤسسة، وهناك تصور مجتمعي يبرز علي الساحة، ويبقي السؤال كيف يمكن تجسيده علي ارض الواقع.
نبيل عضو المكتب السياسي في حزب التقدم والاشتراكية:
نحن نعمل في اطار القانون وفي اطار الدستور، فلنا رأي بالطبع ضد وجود غرفة ثانية، واعتقد ان مجموعة من القوي السياسية اصبح لها نفس الرأي، اذا حدث تغيير دستوري وحذفت الغرفة الثانية، بالطبع سوف لن نشارك في انتخابات المجلس، ولكن اذا استمر العمل بمجلس المستشارين، فاننا سنشارك انطلاقا من قناعاتنا بانه يجب ان نخوض جميعا المعارك الانتخابية.
يتقاضي البرلماني سواء كان عضوا في مجلس النواب (الغرفة الاولي)، او في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية) اجرة شهرية تصل الي 37 ألف درهم (حوالي 3400 دولار امريكي)، فضلا عن ان القانون الداخلي للبرلمان يضمن للاعضاء الاستفادة من نظام التقاعد في حالة عدم اعادة انتخابه.
يطلق المغاربة علي البرلمان (بار الأمان)، والاكثر اعتدالا يطلقون عليه (بر الأمان)، فيما يطلقون علي مجلس المستشارين (مجلس المشريين)، نسبة الي شراء الاصوات، واستعمال المال في الانتخابات.
قال احمد الميداوي وزير الداخلية مباشرة بعد الاعلان عن نتائج انتخابات تجديد الثلث نحن علي يقين ان المال استعمل في الانتخابات، لكن ليس عن اثبات .
يعتبر مصطفي عكاشة رئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية)، من بين اوائل المؤسسين لحزب التجمع الوطني للأحرار في عام 1977.
اختار عكاشة (حوالي 70 سنة) دائما العمل بعيدا عن دوائر الضوء، وظل في منأي عن كل الخصومات والحزازات التي تقع بين مناضلي الحزب، لكنه لم يكن يتردد في الاعلان عن موقعه الي جانب احمد عصمان رئيس الحزب، كلما استدعي الامر ذلك، لذلك لم يتردد عصمان في مساندته لرئاسة الغرفة الثانية، برغم رغبة اعضاء من الاحرار اكثر كفاءة منه، في الترشح لنفس المنصب، الا ان عصمان حسم في الموقف.
لم يحصل عكاشة علي اي شهادة اكاديمية، لكنه في المقابل رجل اعمال ناجح، ويقول القريبون منه انه كانت له خلافات مع ادريس البصري وزير الداخلية السابق، وربما شفع له ذلك عند الاتحاديين، في اشارة الي مساندة عبد الرحمن اليوسفي الوزير الاول.
ويشير البعض الي ان خلافات عكاشة مع البصري بدأت في بداية الثمانينيات، حين قرر التجمع الوطني للاحرار ممارسة المعارضة، فمارست وزارة الداخلية ضغوطا علي اعضاء مؤسسين من بينهم محمد أرسلان الجديدي للانشقاق عن التجمع وتأسيس حزب جديد بغرض اضعاف التجمع، الا ان عكاشة رفض الانخراط في اللعبة ، علي حد قول المصادر واستمر داخل حزبه القديم، فيما خرج ارسلان من صلب التجمع الوطني للأحرار، وأسس رفقة مجموعة اخري الحزب الوطني الديمقراطي.
وحين حاول الطيب بن الشيخ وزير التخطيط السابق وعبد الكامل الرغاي وزير المالية السابق احداث انقلاب في التجمع ، قال عكاشة ستنزل قبائل الشاوية لمناصرة عصمان ، وهي القبائل التي يتحدر منها عكاشة، بما أوّل ذلك، البعض انه يضع رئيس حزبه في مرتبة أسمي، معروف من يركبونها .
لم يستطع عكاشة الي الآن الرقي بعمل الغرفة الثانية، واستمرت فقط في تكرار انشطة الغرفة الاولي، ولم يستطع ابدا ان يزيل تلك الصفة التي لصقت بها منذ احداثها والتي تشبهها بـ الزائدة الدودية .
واختلفت الآراء حتي داخل الأحزاب الممثلة في الغرفة، بل الأصوات الأكثر تطرفاً والداعية الي الغاء الغرفة الثانية، كانت تأتي من داخل أحزاب الكتلة التي تقود الائتلاف الحكومي. ويعتقد نشطاء في أحزاب الكتلة ان انشاء الغرفة الثانية تقرر في ظروف معينة، وفي اطار البحث عن حل سياسي جاء في ظروف سياسية خاصة، من أجل الدخول في هذه المرحلة التي كان المغرب منغمرا فيها ، في اشارة الي تجربة التناوب، وتوفير الشروط لأحزاب المعارضة السابقة للانخراط فيها.
ويري سعد العلمي عضو المكتب التنفيذي في حزب الاستقلال ان دواعي تأسيس الغرفة الثانية أصبحت الآن متجاوزة، ولذلك، لا يوجد أي داع حتي يستمر المغرب مثقلا بغرفة تقوم بعمل مكرر ، بما يمكن اعتباره تلميحا الي تكرار ونسخ أنشطة مجلس النواب.
يشار الي ان عدد أعضاء الغرفة الثانية يصل الي 270 عضوا، يأتون اليها عن طريق انتخابات غير مباشرة، شرط ان يكونوا أعضاء في الجماعات المحلية (البلديات)، والغرف المهنية، والنقابات (الاتحادات العالمية).
وينتخب الاعضاء في الأصل لمدة تسع سنوات، مع تجديد الثلث كل ثلاث سنوات بواسطة اجراء القرعة.
وكانت أول قرعة قد أجريت في ايلول (سبتمبر) الماضي، واطارت بعدد من الرؤوس، كان أبرزها محمد جلال السعيد رئيس الغرفة الثانية آنذاك، والذي كان قد ترأس أيضا مجلس النواب (الغرفة الاولي) ما بين 1992 و1995، ولم يستطع جلال السعيد العودة الي الغرفة الثانية، بعدما لم يستطع اقناع الناخبين الكبار ، باحقيته، في الوقت الذي روج خصومه لعلاقاته مع ادريس البصري وزير الداخلية السابق.
كما اطارت القرعة برأس مصطفي عكاشة عضو المكتب التنفيذي في حزب التجمع الوطني للأحرار، والذي كان آنذاك الخليفة الأول، لكنه استطاع ان يعود، وينتخب رئيسا للغرفة الثانية لولاية تستمر ثلاث سنوات.
وفي رأي العديد من المتتبعين، فان الغرفة الثانية لم تستطع بعد ان تكسب خصوصيتها وان تفرض ذاتها في مراقبة العمل الحكومي والرقي بالأداء البرلماني.
ويقول سعد العلمي مع كل الأسف الغرفة الثانية لم تتوفق بالطريقة التي اختارتها، ولم تستطع ان تثبت ان لها دورا مغايرا ومكملا ومتناسقا مع مجلس النواب، وان تصبح بالفعل قيمة مضافة .
يذكر، ان العلمي كان ينوي في البداية ترشيح نفسه لرئاسة الغرفة الثانية، علي خلفية انتماء حزبه (الاستقلال) الي الكتلة، وأخذا بنظر الاعتبار المقاعد التي حصلت عليها احزاب الكتلة مجتمعة، الا ان عبد الرحمن اليوسفي الوزير الأول حسم في مساندة حزبه لمصطفي عكاشة، علي خلفية انتماء حزبه التجمع الوطني للاحرار الي الغالبية، وذلك ما دفع حزب الاستقلال الي اتخاذ قرار بالامتناع عن التصويت في انتخابات الرئاسة.
ويزيد العلمي طبيعة تكوين الغرفة الثانية من خلال فتحها المجال لاعضاء المجالس الجماعية، والغرف المهنية، تجعلها تعمل علي تكريس دورها الذي يمكن ان تقوم به لحد الان لم تتوفق في ذلك، واذا كانت الغرفة الثانية فقط تكرارا للغرفة الاولي، وبالتالي تضييع وقت اضافي آخر يضيع علي المغرب، فانه يجب الاستغناء علي الغرفة الثانية . وتتداول الاوساط السياسية والاعلامية ان حساسيات لعب الدور الاول في مراقبة الحكومة ، ادت الي خلق فجوة في العلاقة بين الغرفتين وتتميز اعمالهما معا بعدم التنسيق.
(الزمان الجديد) سألت العلمي حول الاسباب والمعيقات التي تمنع المجلسين من التنسيق فاجاب انا بعيد عن تجهيزات التسيير في مجلس المستشارين، ولذلك ربما لن استطيع ان اجيبك بدقة علي هذا السؤال، جوابي سيكون جواب الملاحظ الذي يري ان العلاقات بين المجلسين ليست لحد الان بالشكل الطبيعي الذي يجب ان تكون عليه، اظن ان المجلسين يجب ان يكونا لهما دور متكامل، ولا يتكرر، بعضه وهذا دور رئيسي المجلسين في العمل علي اعطاء دينامية خاصة، كما ان اجهزة المجلسين ينبغي ان تعمل كلها علي توفير هذه الدينامية التي يمكن ان تساعد علي جعل المجلسين يقومان بدورهما في اطار من الفعالية والنجاعة التي يمكن ان لا تتحقق الا بتكامل الادوار .
وكشفت مصادر برلمانية ان الخلافات التاريخية بين عبد الواحد الراضي رئيس الغرفة الاول، ومحمد جلال السعيد رئيس الغرفة الثانية القت بظلالها علي عمل الغرفتين ، يشار الي ان الراضي ينتمي الي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يقود الائتلاف الحكومي، والسعيد كان ينتمي الي الاتحاد الدستوري (معارضة) قبل ان يقرر المكتب السياسي تجميد عضويته بمجرد عدم اعادة انتخابه.
ويتندر الصحفيون والداعون الي الغاء الغرفة الثانية من حادث طريف وقع في نهاية عهد السعيد، عندما قررت الغرفة الثانية تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي اسوة بالغرفة الاولي التي كانت تنكب اللجنة التي احدثتها لتقصي الحقائق في القرض العقاري والسياحي في اعمالها، و تشكلت لجنة داخل الغرفة الثانية، وناقشت توزيع المهام، لكن المكتب لم يضع في حسبانه ان القرعة ستطال بعض رؤوسها ولم يستطيعوا العودة بمعني ان اللجنة كانت في خبر كان، ثم حاولت الغرفة في عهد عكاشة تفعيل تلك اللجنة قبل ان تنتبه الحكومة الي ان القانون التنظيمي الخاص بالغرفة الثانية لا يخول لها تشكيل لجنة لتقصي الحقائق عكس الغرفة الاولي . الا ان العلمي يرد لا اعتقد ان مجلس المستشارين هو الذي لم يقم بدوره كما كان ينبغي ان يقوم به في هذا الميدان، لان في تاريخ المغرب لجنة تقصي الحقائق الاخيرة هي الرابعة حيث سبق ان تم تكوين ثلاث لجان تقصي، ولم يكن آنذاك اي قانون ينص علي تكوين لجان التقصي، والمبرر هو محل مناقشة لا اقول انه مبرر مردود، لكن الان القانون التنظيمي يراجع ونرجو ان لا يبقي لمجلس المستشارين اي عذر او اي مبرر حتي لا يقوم بمهمته الرقابية عن طريق لجان التقصي، فهذه احدي الآليات الاساسية التي تستعمل في الانظمة الديمقراطية بصفة مستمرة وليس فقط في مناسبات متباعدة عن بعضها .
ارتباطا بموضوع تقصي الحقائق، فان اللجنة التي كونتها الغرفة الاولي في قضية القرض العقاري والسياحي، تعتبر الاولي التي قدمت تقريرا الي رئاسة المجلس واطلع عليه الرأي العام، والملف مطروح الان علي العدالة.
وكان في عام 1991 تم تكوين لجنة لتقصي الحقائق في الاحداث الدامية التي عرفها المغرب خلال نفس العام وبصفة خاصة في احداث مدينة فاس (190 كلم شرق الرباط)، وترأسها المعطي بوعبيد الامين العام السابق للاتحاد الدستوري وفي عام 1994 شكلت لجنة لتقصي الحقائق للبحث في تداعيات الحملة التطهيرية التي طالت كبار مهربي المخدرات، وكلا اللجنتين لم تقدما اي تقرير، وترأس اللجنة الثانية مهند العنصر امين عام الحركة الشعبية.
يشار الي ان مجلس النواب يضم 333 عضوا ينتخبون بطريقة مباشرة، وحصل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية علي اكبر عدد من المقاعد في حدود 55 مقعدا، الا ان محمد حفيظ الكاتب العام للشبيبة الاتحادية فجر اكبر فضيحة عندما رفض النتائج التي اعلنته فائزا، واكد انه لم يكن هو الذي نجح. ويأتي التجمع الوطني للاحرار في الرتبة الثانية.
وينص القانون الداخلي للمجلسين علي ان الفرق التي يمكن تشكيلها في المجلس يجب ان تتوفر علي الاقل علي 12 عضوا.
والاحزاب الممثلة بفريق في مجلسي النواب والمستشارين هي الاتحاد الاشتراكي، التجمع الوطني، الاستقلال، الحركة الشعبية، الاتحاد الدستوري، الوطني الديمقراطي، الحركة الديمقراطية الاجتماعية، جبهة القوي الديمقراطية، فيما اصبح حزب الحركة الوطنية الشعبية ممثلا بفريقين نتيجة الصراعات التي يعرفها علي مستوي القيادة، بينما التقدم والاشتراكية، والديمقراطي الاشتراكي ممثل بفريق موحد، وتتوفر منظمة العمل الديمقراطي الشعبي علي اربعة اعضاء في مجلس النواب فقط ولا تتوفر علي فريق في مجلس المستشارين، كما ان حزب العدالة والتنمية غير ممثل في الغرفة الثانية، واصبح في العام الماضي يتوفر علي فريق في الغرفة الاولي.
قالوا في الغرفة الثانية..
مصطفي عكاشة رئيس مجلس المستشارين:
احداث مجلس المستشارين نص عليها دستور 1996، وأحاط استمراره بكافة الضمانات، وحدد اختصاصاته في المشاركة في مراقبة العمل الحكومي والدبلوماسية المغربية. والواقع ان طبيعة تركيبته التي تتكون من رؤساء الغرف المهنية، ورؤساء الجماعات والمنتخبين جعلته يقوم بعمل في المستوي رغم فتوة احداثه التي تتجاوز بالكاد اربع سنوات.
محمد بوزوبع الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان:
ليس مهما ان نقف عند قصور مجلس المستشارين، ولكن المهم ان نكون واعين بذلك وان نعمل علي تجاوزه، وهذا ليس بعزيز علي اعضاء مجلس المستشارين.
العياشي المسعودي رئيس فريق التقدم والتجديد الديمقراطي في مجلس النواب:
نحن ما زلنا ضد استمرار مجلس المستشارين، وأكثر من أي وقت مضي.
كان المغفور له الملك الحسن الثاني يقول ان التعديلات الدستورية يجب ان تكون دائما واردة كلما ظهرت الحاجة اليها، الآن مرت اكثر من ثلاث سنوات علي تجربة الغرفتين، ولم تعط اية نتائج، واظن ان الوقت حان لحذف الغرفة الثانية، واذا كان ضروريا استمرارها فيجب علي الاقل اعادة النظر في وظائفها وطريقة تشكيلها حتي تكون بالفعل غرفة ثانية، وهناك اجتهادات في هذا الشأن.
عبد الالاه المكينسي عضو في المجلس:
اذا استمر المجلس علي نفس النهج السابق، وبنفس الطريقة فانه يحكم علي نفسه بالعدم، ويؤكد الصورة او الانطباع الحالي الذي كونه عنه الرأي العام، علي المجلس اذن ان ينتفض، وان يؤكد فكرة المبادرة، وان يتصور مفهوما جديدا لعمله، وان يعيد النظر في نظامه الداخلي، وفي طريقة تكوين لجانه، فالمجلس تنتظره مهام كبيرة وكثيرة ان هو أراد ان يفرض نفسه دستورية لها امكانية الاستمرار.
رحو الهيلع رئيس فريق جبهة القوي الديمقراطية في المجلس:
يجب عدم الخلط بين الغرفة الثانية وبين الثنائية البرلمانية.
الغرفة الثانية في الدول الديمقراطية العريقة تلعب دورا مهما في الحفاظ علي التوازن بين السلط. ولنتصور ما سيقع في حال طغيان حزب واحد في الغرفة الاولي!
لا يمكن انكار ان مجلس المستشارين لا يشتغل بشكل مرض، وكذلك الغرفة الاولي، ولكن هذه تجربة حديثة، ولا بد من مرور شيء من الوقت لاصلاح الامور، وفي اعتقادي فان الثنائية البرلمانية كمبدأ شيء مفيد بالنسبة للمغرب، مع اعادة النظر في العمل البرلماني لحماية سمعة المؤسسة، وهناك تصور مجتمعي يبرز علي الساحة، ويبقي السؤال كيف يمكن تجسيده علي ارض الواقع.
نبيل عضو المكتب السياسي في حزب التقدم والاشتراكية:
نحن نعمل في اطار القانون وفي اطار الدستور، فلنا رأي بالطبع ضد وجود غرفة ثانية، واعتقد ان مجموعة من القوي السياسية اصبح لها نفس الرأي، اذا حدث تغيير دستوري وحذفت الغرفة الثانية، بالطبع سوف لن نشارك في انتخابات المجلس، ولكن اذا استمر العمل بمجلس المستشارين، فاننا سنشارك انطلاقا من قناعاتنا بانه يجب ان نخوض جميعا المعارك الانتخابية.
يتقاضي البرلماني سواء كان عضوا في مجلس النواب (الغرفة الاولي)، او في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية) اجرة شهرية تصل الي 37 ألف درهم (حوالي 3400 دولار امريكي)، فضلا عن ان القانون الداخلي للبرلمان يضمن للاعضاء الاستفادة من نظام التقاعد في حالة عدم اعادة انتخابه.
يطلق المغاربة علي البرلمان (بار الأمان)، والاكثر اعتدالا يطلقون عليه (بر الأمان)، فيما يطلقون علي مجلس المستشارين (مجلس المشريين)، نسبة الي شراء الاصوات، واستعمال المال في الانتخابات.
قال احمد الميداوي وزير الداخلية مباشرة بعد الاعلان عن نتائج انتخابات تجديد الثلث نحن علي يقين ان المال استعمل في الانتخابات، لكن ليس عن اثبات .
يعتبر مصطفي عكاشة رئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية)، من بين اوائل المؤسسين لحزب التجمع الوطني للأحرار في عام 1977.
اختار عكاشة (حوالي 70 سنة) دائما العمل بعيدا عن دوائر الضوء، وظل في منأي عن كل الخصومات والحزازات التي تقع بين مناضلي الحزب، لكنه لم يكن يتردد في الاعلان عن موقعه الي جانب احمد عصمان رئيس الحزب، كلما استدعي الامر ذلك، لذلك لم يتردد عصمان في مساندته لرئاسة الغرفة الثانية، برغم رغبة اعضاء من الاحرار اكثر كفاءة منه، في الترشح لنفس المنصب، الا ان عصمان حسم في الموقف.
لم يحصل عكاشة علي اي شهادة اكاديمية، لكنه في المقابل رجل اعمال ناجح، ويقول القريبون منه انه كانت له خلافات مع ادريس البصري وزير الداخلية السابق، وربما شفع له ذلك عند الاتحاديين، في اشارة الي مساندة عبد الرحمن اليوسفي الوزير الاول.
ويشير البعض الي ان خلافات عكاشة مع البصري بدأت في بداية الثمانينيات، حين قرر التجمع الوطني للاحرار ممارسة المعارضة، فمارست وزارة الداخلية ضغوطا علي اعضاء مؤسسين من بينهم محمد أرسلان الجديدي للانشقاق عن التجمع وتأسيس حزب جديد بغرض اضعاف التجمع، الا ان عكاشة رفض الانخراط في اللعبة ، علي حد قول المصادر واستمر داخل حزبه القديم، فيما خرج ارسلان من صلب التجمع الوطني للأحرار، وأسس رفقة مجموعة اخري الحزب الوطني الديمقراطي.
وحين حاول الطيب بن الشيخ وزير التخطيط السابق وعبد الكامل الرغاي وزير المالية السابق احداث انقلاب في التجمع ، قال عكاشة ستنزل قبائل الشاوية لمناصرة عصمان ، وهي القبائل التي يتحدر منها عكاشة، بما أوّل ذلك، البعض انه يضع رئيس حزبه في مرتبة أسمي، معروف من يركبونها .
لم يستطع عكاشة الي الآن الرقي بعمل الغرفة الثانية، واستمرت فقط في تكرار انشطة الغرفة الاولي، ولم يستطع ابدا ان يزيل تلك الصفة التي لصقت بها منذ احداثها والتي تشبهها بـ الزائدة الدودية .