أتعلمون ؟...لو كنا نعرف أننا سنجد كل هذه الرحمة هنا لطلبنا من الموت أن يقبض أرواحنا منذ مدة طويلة ، هنا لا توجد قسوة كتلك التي توجد في المناطق التي جئنا منها ، هنا لا يوجد عبوس كذلك الذي يرسمه رئيس المجلس الجماعي عندما يمر أمامنا بسيارته التي غالبا ما تغطينا بسحابة من الغبار ونحن ضاحكون ، هنا لا توجد قساوة كتلك التي نراها على وجوه الوزراء في التلفزيون ،
لم تمض على قدومنا الى هنا سوى أيام قليلة جدا ، تعرفنا خلالها على كثير من الأطفال الآخرين ، هنا يعاملوننا بلطف وحنان ، نأكل نفس الطعام، ونرتدي نفس الثياب ، وننام في نفس المكان ، كل الأطفال هنا سواسية ، هذا يجعلنا نشعر بسعادة عارمة رغم الفراق ،
عندما كنا في الأرض ، كنا نشعر بكل أنواع لاهانة والاحتقار ، كنا نرى أطفالا لا يشبهوننا في التلفزيون ، يلبسون ثيابا جميلة ويحملون محفظات أنيقة وهم متوجهون الى مدارسهم التي تحيط بها الحدائق المليئة بالأزهار الجميلة ، كنا نشعر بالغيرة عندما نراهم ينزلون من سيارات آبائهم وهم يبتسمون ، بينما نحن نقطع كيلومترات كثيرة قبل أن نصل الى مدرستنا البعيدة ،
كنا نقطع المسافة الطويلة التي تفصل بين بيوتنا والمدرسة حفاة ، وكانت أرجلنا الطرية تصطدم بالحجارة القاسية فتسيل منها الدماء ، قطرات من الدماء فقط ، لأن أجسادنا ليست فيها دماء كثيرة ، كنا نحزن كثيرا عندما نفقد تلك القطرات من الدماء ، لأننا نحتاج الى وقت طويل لاسترجاعها ، كنا دائما نبكي في صمت ، لكن أمهاتنا يقلن لنا دائما بأن الرجال لا يبكون ، لذلك نحبس دموعنا لتتحول الى جمرات حارقة داخل أفئدتنا الصغيرة ، آباؤنا لا يملكون النقود لشراء أحذية وملابس لنا ، كنا نسير حفاة ونرتدي أسمالا بالية لا تقي من برد الشتاء ، ولا من حر الصيف ،
في فصل الشتاء ، تتحول مدرستنا الى ثلاجة باردة جدا ، ترتعد فيها أطرافنا ، رجال الغابة لا يسمحون لنا بقطع قليل من الحطب لتدفئة فصول مدرستنا ، لا نعرف لماذا يمنعوننا من ذلك ، بينما تأتي شاحنات كبيرة الى هنا وتحمل مئات من جذوع الأشجار الضخمة ثم تنصرف الى مكان ما ، أغلبنا ينفصل عن الدراسة في القسم الأول أو الثاني بسبب قساوة البرد وبعد المدرسة ، كان الجوع يمزق أحشاءنا ، لذلك لم نكن نركز على الدروس التي يلقنها لنا المعلم ، لذلك كنا نتلقى منه السب والصفع وكل أشكال الاهانة ، نحن أيضا كانت لدينا أحلام أكبر بكثير من مخيلاتنا ، كنا نحلم مثل كل أطفال العالم ، لكن أحلامنا يتم اجهاضها هناك ....في العاصمة ،
ختاما نريد أن نقول لأمهاتنا أن يكفن عن البكاء ، فنحن سعداء هنا ، وننتظر فقط يوم الحساب ، حتى نرى كل أولائك الذين أجهضوا أحلامنا وكانوا السبب وراء فراقنا وهم يد يفعون الثمن ،رجاء يا أمهاتنا كفى من البكاء ، فهم سيدفعون الثمن ....أجل سيدفعون الثمن غاليا