إذا كان وقوع قتلى و جرحى في هذا القمع الدموي أمرا واقعا باعتراف الدولة نفسها، فإن العدد الحقيقي لهؤلاء الضحايا ظل دوما مستحيل التحديد، و ذلك لسببين اثنين، أولهما، لأنه أثناء القمع لم تبقى جثث القتلى ملقاة لمدة تكفي لحسابها كافة من قبل أطراف منتمية للمحتجين أو أية جهة أخرى مستقلة عن الدولة، هذا و لم تعلن أي جهة كانت - غير الدولة - أنها تملك العدد الحقيقي للقتلى أو حتى تقديرا له، ثانيهما، كان في تلك الفترة كل من يذهب إلى المستشفى للعلاج من الجروح يتم اعتقاله من داخل المستشفى لو تم الاشتباه في تورطه في الاحتجاجات و لهذا فإن عددا كبيرا من المصابين اجتنبوا الذهاب إلى المستشفى، و من ثم يستحيل معرفة العدد الحقيقي للجرحى.
و من خلاله فإن الجهة الوحيدة التي أعلنت عن أرقام تهم عدد الضحايا هي الدولة، حيث جاء في تصريح لرئيس الوزراء ليوم الأربعاء 25 يناير 1984، محددا عدد القتلى على المستوى الوطني في 29 و عدد الجرحى في 114، و ذلك كما يلي:
في الناظور : 16 قتيلا، و 37 جريحا من بينهم 5 من رجال الأمن.
في تطوان : بلغ عدد الضحايا 9 قتلى، و 72 جريحا من بينهم 20 من رجال الأمن.
في الحسيمة: 4 قتلى، و 4 جرحى من بينهم رجل أمن واحد.
لكن هذا لم يمنع الجرائد الأسبانية من الاجتهاد في تقدير العدد من خلال مصادرها، و من ذلك ما أوردته جريدة " El Telegrama de Melilla" في عددها الصادر يوم 21 يناير 1984من أن " عدد القتلى بالناظور يمكن أن يتجاوز 40 "، و أوردت جريدة "El periódico de Catalunya " في عددها الصادر يوم 26 يناير 1984، أن الحصيلة على المستوى الوطني يمكن أن تبلغ 400 قتيل، تعددت التقديرات و تباعدت في الجرائد الأسبانية، و لكن ما هو مؤكد لحد الآن هو أنه في تلك الفترة قد توفر النصاب الضروري لدفن الجثث في مقبرة جماعية و هو الأمر الذي يؤكده العديد من الشهود و يحددون تواجدها بالضبط في الثكنة العسكرية لتاويمة بالناظور، و هو ما يعني أن عدد القتلى بالتأكيد يتجاوز 16 قتيل على عكس ما صرحت به السلطات.
بعد القمع الذي تعرضت له المنطقة فرضت السلطات حضرا للتجوال على المواطنين، حيث كان يصعب على أي مواطن أن يخرج من مقر سكناه و إلا كان مصيره القتل، بقي الوضع على هذا الحال منذ انطلاق الانتفاضة إلى غاية 2 فبراير حيث قلت حدة الحضر إلى أن ارتفعت تدريجيا عن المنطقة.
و فيما بين هاتين المدتين، قامت السلطات باعتقلات واسعة في صفوف المواطنين تميزت بالعشوائية أحيانا و بالانتقائية أحيانا أخرى، حيث كانت تقتاد هؤلاء إلى القيادات و مخافر الدرك و مخافر الشرطة حيث يمارس عليهم مختلف أصناف التعذيب الجسدي و النفسي، و منهم من تجاوزت مدة احتجازه في هذه المراكز عدة شهور، و ذلك قبل نقل جزء منهم إلى المحاكمة ثم إلى السجن المدني بالناظور فإلى السجن المدني بتازة، و مجموعات أخرى تم نقلها من تلك المراكز إلى الثكنة العسكرية بتاويمة حيث تلقت هناك حصصا أخرى من التعذيب قبل أن يتم نقلها إلى المحاكمة ثم إلى السجن المدني بالناظور ثم إلى السجن المدني بتازة.
هذا نوع من الخروقات، و هناك نوع آخر قاده مجموعة من المسؤولون بالمنطقة، حيث كانت بعض العناصر منهم تتصل بأحد البرجوازيين و تطلب منه أن يدفع مبلغا معينا و إلا تم اقتياد ابنه أو أحد أفراد عائلته إلى المخفر بتهمة المشاركة في الاحتجاجات، و قد كانت لهذه العملية مداخيل مالية هامة.
أما فيما يتعلق بالمحاكمات فقد تميزت بتوجيهيها من طرف النظام، حيث حوكمت مجموعة كبيرة من المتهمين بمدة وصلت إلى عشر سنوات نافذا، و ما تجب الإشارة إليه هو أنها طالت كذلك طفلا لم يتجاوز عمره حينها 15 سنة.
شكيب الخياري
chakibalkhayari@yahoo.fr
قمنا بتجزيء هذا المقال،لقلة الاقبال على المواضيع الطويلة
وشكرا
و من خلاله فإن الجهة الوحيدة التي أعلنت عن أرقام تهم عدد الضحايا هي الدولة، حيث جاء في تصريح لرئيس الوزراء ليوم الأربعاء 25 يناير 1984، محددا عدد القتلى على المستوى الوطني في 29 و عدد الجرحى في 114، و ذلك كما يلي:
في الناظور : 16 قتيلا، و 37 جريحا من بينهم 5 من رجال الأمن.
في تطوان : بلغ عدد الضحايا 9 قتلى، و 72 جريحا من بينهم 20 من رجال الأمن.
في الحسيمة: 4 قتلى، و 4 جرحى من بينهم رجل أمن واحد.
لكن هذا لم يمنع الجرائد الأسبانية من الاجتهاد في تقدير العدد من خلال مصادرها، و من ذلك ما أوردته جريدة " El Telegrama de Melilla" في عددها الصادر يوم 21 يناير 1984من أن " عدد القتلى بالناظور يمكن أن يتجاوز 40 "، و أوردت جريدة "El periódico de Catalunya " في عددها الصادر يوم 26 يناير 1984، أن الحصيلة على المستوى الوطني يمكن أن تبلغ 400 قتيل، تعددت التقديرات و تباعدت في الجرائد الأسبانية، و لكن ما هو مؤكد لحد الآن هو أنه في تلك الفترة قد توفر النصاب الضروري لدفن الجثث في مقبرة جماعية و هو الأمر الذي يؤكده العديد من الشهود و يحددون تواجدها بالضبط في الثكنة العسكرية لتاويمة بالناظور، و هو ما يعني أن عدد القتلى بالتأكيد يتجاوز 16 قتيل على عكس ما صرحت به السلطات.
بعد القمع الذي تعرضت له المنطقة فرضت السلطات حضرا للتجوال على المواطنين، حيث كان يصعب على أي مواطن أن يخرج من مقر سكناه و إلا كان مصيره القتل، بقي الوضع على هذا الحال منذ انطلاق الانتفاضة إلى غاية 2 فبراير حيث قلت حدة الحضر إلى أن ارتفعت تدريجيا عن المنطقة.
و فيما بين هاتين المدتين، قامت السلطات باعتقلات واسعة في صفوف المواطنين تميزت بالعشوائية أحيانا و بالانتقائية أحيانا أخرى، حيث كانت تقتاد هؤلاء إلى القيادات و مخافر الدرك و مخافر الشرطة حيث يمارس عليهم مختلف أصناف التعذيب الجسدي و النفسي، و منهم من تجاوزت مدة احتجازه في هذه المراكز عدة شهور، و ذلك قبل نقل جزء منهم إلى المحاكمة ثم إلى السجن المدني بالناظور فإلى السجن المدني بتازة، و مجموعات أخرى تم نقلها من تلك المراكز إلى الثكنة العسكرية بتاويمة حيث تلقت هناك حصصا أخرى من التعذيب قبل أن يتم نقلها إلى المحاكمة ثم إلى السجن المدني بالناظور ثم إلى السجن المدني بتازة.
هذا نوع من الخروقات، و هناك نوع آخر قاده مجموعة من المسؤولون بالمنطقة، حيث كانت بعض العناصر منهم تتصل بأحد البرجوازيين و تطلب منه أن يدفع مبلغا معينا و إلا تم اقتياد ابنه أو أحد أفراد عائلته إلى المخفر بتهمة المشاركة في الاحتجاجات، و قد كانت لهذه العملية مداخيل مالية هامة.
أما فيما يتعلق بالمحاكمات فقد تميزت بتوجيهيها من طرف النظام، حيث حوكمت مجموعة كبيرة من المتهمين بمدة وصلت إلى عشر سنوات نافذا، و ما تجب الإشارة إليه هو أنها طالت كذلك طفلا لم يتجاوز عمره حينها 15 سنة.
شكيب الخياري
chakibalkhayari@yahoo.fr
قمنا بتجزيء هذا المقال،لقلة الاقبال على المواضيع الطويلة
وشكرا