العلمانية في الوطن العربي: معالجة داء الشلل بدواء السعال!
(أم حسين)امرأة قروية مسنّة, أمّية وفقيرة ومسكينة ترتزق من العمل كخادمة في البيوت, بسيطةُ هي, ﻻ تعرف من الحياة إﻻ الممسحة وسطل المسح. يبدو أنها في يوم من اﻷيام كانت تعاني من اﻻنفلونزا أو الرشح الشديد فأخبرها أحدهم عن دواء اسمه (نوريبيون) ويبدو أنها تعافت بسرعة بعد أن تناولت هذا الدواء. كل هذا جميل لكن المشكلة أنها عندما تزورنا أيام الخميس للقيام بأعمال تنظيف المنزل وإذا ما تناهى إلى سمعها بأن أحداً من العائلة أو من أقاربنا مريض تنصحنا فوراً بإعطائه هذا الـ (نوريبيون) مهما كان المرض ابتداءاً من الصداع وانتهاءاً بمد البصر!
وﻻ تنفك تذكرنا بأنه دواء ممتاز! وﻻ أدري لماذا تفترض أنه يعالج جميع اﻷمراض, حتى أنها لو التقت بمريض ايدز لنصحته بتناول (النوريبيون). بالنسبة لها هو دواء جيد وهذا يكفي!!
لو بحثت عن تعريف العلمانية في الويكيبيديا أو أي مواقع أخرى لوجدت تعريفات مختلفة أما المواقع العربية فتجد فيها تعريفات هي ترجمة حرفية لنفس تلك التعريفات اﻷجنبية.
لكن أعتقد أننا لو أردنا الدقة يجب إيجاد مصطلح آخر وهو (العلمانية في الوطن العربي) وهو شيء مختلف تماماً عن مصطلح (العلمانية) الأجنبي. لو صار هنالك شيءُ كهذا ستفتح القواميس العربية لتبحث عن معنى كلمة العلمانية (بالمفهوم العربي) لتراه:”العلمانية العربية: معالجة داء الشلل بدواء السعال” أو “معالجة الداء باستخدام علاج لداء مختلف” !!!
في الواقع -ومع احترامنا للمنادين بالعلمانية من العرب- فهم ﻻ يختلفون كثيراً عن (أم حسين). فقط ضع اﻷمية الفكرية والجهل في قرائة التاريخ بدل أمية القراءة والكتابة وضع اﻷفكار العلمانية المتطرفة بدل سطل المسح وبعض الكتب والمواقع العلمانية كئيبة المظهر بدل الممسحة وستجد أنك أمام (أم حسين) أخرى!! ﻻ ينقصهم سوى ارتداء جاكيت من الجوخ اﻷحمر (صيفاً شتاءاً) وكنزة صوفية زرقاء خشنة وإيشارب كبير مزركش مع حقيبة جلدية كبيرة فيها ملابس العمل والركض ﻻهثين في الشوارع!
تظنني أبالغ؟ حسناً إذاً …
ألا يطالب العلمانيون العرب بالعلمانية في الوطن العرب بوصفها دواءاً ناجعاً سوف يساهم في تطورنا بواسطة فصل الدين عن الدولة؟ فكيف نستخدم تشريعات الدين (القديمة) في السياسة واﻻقتصاد وما إلى هنالك كما يزعمون؟ أﻻ يجب على حد زعمهم عدم تدخل رجال الدين في الدولة؟ بل يذهب بعض المتطرفين منهم إلى اتهام الدين بأنه سبب رئيسي للتخلف ويضربون لك مثالاً أوروبا التي تطورت ونهضت بعد فصل سلطة الكنيسة عن الدولة!!! أي بعد نبذ الدين واعتباره أمراً شخصياً بحتاً. والسبب بأن السلطة الدينية في ذلك العصر كانت تدعو إلى التخلف وتحرق العلماء (وهذا صحيح).
حسناً, اﻵن نحن -اﻷمة العربية- أمة متخلفة … والسبب الوحيد لتخلفنا على حد زعمهم هو الدين والنجاة تكون بفصل الدين عن الحياة السياسية واﻻقتصادية واﻻجتماعية (وليس بالعلم؟؟!!)
ألم تتطور أوروبا بالعلمانية؟ إذاً العلمانية هي الدواء اﻷوحد لتطور الشعوب مهما كان سبب تخلف تلك الشعوب.
ألم يتطور العالم الغربي بعد فصل سلطة الكنيسة عن الدولة؟ إذاً بنفس الطريقة سيتطور العالم العربي بفصل الدين عن الدولة! هكذا بهذه البساطة!
يصفون هذا الدواء وينسون بأن المرض الذي عانت منه أوروبا مختلف عن المرض الذي نعاني منه نحن اﻵن. لكنهم بنفس الثقة التي تتمتع بها (أم حسين) يصفون لك العلمانية كالدواء الناجع الوحيد. حتى صدعو رؤوسنا بها وصار يلزمنا دواء لمعالجة الصداع الذي سببه لنا الدواء خاصتهم!
لو قارنا بين أوروبا في العصور الوسطى وبين وضعنا اﻵن لوجدت اﻷعراض مختلفة بالفعل! فلا رجال دين هنا يقومون بحرق العلماء وﻻ أئمة مساجد يبيعون صكوك الغفران وﻻ هيئات دينية تقتحم المخابر العلمية وتغلقها وتطرد موظفيها, وﻻ رجل دين واحد يعارض أي مشروع من المشاريع الإنمائية سواء كانت إجراء تجارب واختبارات أو بناء جسور وسدود أو القيام بأية مشاريع أخرى. على العكس فدائماً ما يكرر رجال الدين أهمية العلم في الإسلام واﻵيات واﻷحاديث التي تحث على طلب العلم أينما كان!
هذا بالنسبة لتدخل الدين في العلم لكن ماذا عن تدخل رجال الدين في السياسة؟
في الواقع هذا أطرف ما أسمعه … أعتقد بأن احتمالية تدخل رجل الدين الغربي بسياسة بلده أعلى من احتماليتها هنا. من يتخذ القرارات السياسية في الوطن العربي؟ هل يستشير حكامنا رجال الدين قبل القيام باتخاذ أي قرار سياسي؟ هل كان مستشاروا ووزراء صدام حسين من المشايخ ذوي اللحى أم من العلمانيين الصناديد؟ هل أصدر عبد الناصر قرارات التأميم التي أدت إلى تخلف سوريا ومصر بنسبة 100 سنة إلى الوراء هل أصدرها بناءاً على فتوى دينية؟ أم بناءاً على فكر غربي مستورد من الدولة الشيوعية الكبرى التي دمرتها الشيوعية فيما بعد؟ هل وقّعت مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل بسبب فتوى أصدرها مفتي اﻷزهر أم بسبب فكر رئيسها (السادات) العلماني الذي سجن عادل إمام بسبب عبارة في مسرحية! مئات اﻵلاف من معتقلي الرأي في الوطن العربي تم سجنهم من قبل حكومات علمانية بسبب قرارات سياسية ﻻ يُسمح أساسا بتدخل رجال الدين بها وإلا أصبحوا من ضمن المعتقلين أنفسهم!
إذاً كيف تزعمون أن تدخل رجل الدين في السياسة هو أيضاً من أسباب تخلفنا !!! وهل يتدخلون؟؟
إذاً من هذا نستنتج بأن أعراض تخلف أوروبا كانت تدخل رجال الدين وسلطتهم التي منعت التقدم العلمي.
أما أعراض تخلفنا فهي بكل بساطة أسباب علمية وسياسية بحتة. تخلينا عن العلم فتخلفنا … وبالعلم نستطيع النهوض مرة أخرى.
لكن العلمانيين في وطننا الحبيب ﻻ يزالون مصرين بطريقة (أم حسينيّة) عجيبة بأن الدواء الوحيد هو العلمانية.
أعتقد بأنني لو حاولت أن أشرح لأم حسين أنها مخطئة فستظل مقتنعة برأيها إلى اﻷبد ونفس الشيء بالنسبة لهؤﻻء لكن ﻻ مانع من هذا الحديث إذ ربما تصادف وجود (أم حسين) علمانية من نوعها تجيد القراءة فقد تكتشف بأنها كانت مخطئة عندما كانت تقوم بوصف دواء لمعالجة داء مختلف تماماً.
(أم حسين)امرأة قروية مسنّة, أمّية وفقيرة ومسكينة ترتزق من العمل كخادمة في البيوت, بسيطةُ هي, ﻻ تعرف من الحياة إﻻ الممسحة وسطل المسح. يبدو أنها في يوم من اﻷيام كانت تعاني من اﻻنفلونزا أو الرشح الشديد فأخبرها أحدهم عن دواء اسمه (نوريبيون) ويبدو أنها تعافت بسرعة بعد أن تناولت هذا الدواء. كل هذا جميل لكن المشكلة أنها عندما تزورنا أيام الخميس للقيام بأعمال تنظيف المنزل وإذا ما تناهى إلى سمعها بأن أحداً من العائلة أو من أقاربنا مريض تنصحنا فوراً بإعطائه هذا الـ (نوريبيون) مهما كان المرض ابتداءاً من الصداع وانتهاءاً بمد البصر!
وﻻ تنفك تذكرنا بأنه دواء ممتاز! وﻻ أدري لماذا تفترض أنه يعالج جميع اﻷمراض, حتى أنها لو التقت بمريض ايدز لنصحته بتناول (النوريبيون). بالنسبة لها هو دواء جيد وهذا يكفي!!
لو بحثت عن تعريف العلمانية في الويكيبيديا أو أي مواقع أخرى لوجدت تعريفات مختلفة أما المواقع العربية فتجد فيها تعريفات هي ترجمة حرفية لنفس تلك التعريفات اﻷجنبية.
لكن أعتقد أننا لو أردنا الدقة يجب إيجاد مصطلح آخر وهو (العلمانية في الوطن العربي) وهو شيء مختلف تماماً عن مصطلح (العلمانية) الأجنبي. لو صار هنالك شيءُ كهذا ستفتح القواميس العربية لتبحث عن معنى كلمة العلمانية (بالمفهوم العربي) لتراه:”العلمانية العربية: معالجة داء الشلل بدواء السعال” أو “معالجة الداء باستخدام علاج لداء مختلف” !!!
في الواقع -ومع احترامنا للمنادين بالعلمانية من العرب- فهم ﻻ يختلفون كثيراً عن (أم حسين). فقط ضع اﻷمية الفكرية والجهل في قرائة التاريخ بدل أمية القراءة والكتابة وضع اﻷفكار العلمانية المتطرفة بدل سطل المسح وبعض الكتب والمواقع العلمانية كئيبة المظهر بدل الممسحة وستجد أنك أمام (أم حسين) أخرى!! ﻻ ينقصهم سوى ارتداء جاكيت من الجوخ اﻷحمر (صيفاً شتاءاً) وكنزة صوفية زرقاء خشنة وإيشارب كبير مزركش مع حقيبة جلدية كبيرة فيها ملابس العمل والركض ﻻهثين في الشوارع!
تظنني أبالغ؟ حسناً إذاً …
ألا يطالب العلمانيون العرب بالعلمانية في الوطن العرب بوصفها دواءاً ناجعاً سوف يساهم في تطورنا بواسطة فصل الدين عن الدولة؟ فكيف نستخدم تشريعات الدين (القديمة) في السياسة واﻻقتصاد وما إلى هنالك كما يزعمون؟ أﻻ يجب على حد زعمهم عدم تدخل رجال الدين في الدولة؟ بل يذهب بعض المتطرفين منهم إلى اتهام الدين بأنه سبب رئيسي للتخلف ويضربون لك مثالاً أوروبا التي تطورت ونهضت بعد فصل سلطة الكنيسة عن الدولة!!! أي بعد نبذ الدين واعتباره أمراً شخصياً بحتاً. والسبب بأن السلطة الدينية في ذلك العصر كانت تدعو إلى التخلف وتحرق العلماء (وهذا صحيح).
حسناً, اﻵن نحن -اﻷمة العربية- أمة متخلفة … والسبب الوحيد لتخلفنا على حد زعمهم هو الدين والنجاة تكون بفصل الدين عن الحياة السياسية واﻻقتصادية واﻻجتماعية (وليس بالعلم؟؟!!)
ألم تتطور أوروبا بالعلمانية؟ إذاً العلمانية هي الدواء اﻷوحد لتطور الشعوب مهما كان سبب تخلف تلك الشعوب.
ألم يتطور العالم الغربي بعد فصل سلطة الكنيسة عن الدولة؟ إذاً بنفس الطريقة سيتطور العالم العربي بفصل الدين عن الدولة! هكذا بهذه البساطة!
يصفون هذا الدواء وينسون بأن المرض الذي عانت منه أوروبا مختلف عن المرض الذي نعاني منه نحن اﻵن. لكنهم بنفس الثقة التي تتمتع بها (أم حسين) يصفون لك العلمانية كالدواء الناجع الوحيد. حتى صدعو رؤوسنا بها وصار يلزمنا دواء لمعالجة الصداع الذي سببه لنا الدواء خاصتهم!
لو قارنا بين أوروبا في العصور الوسطى وبين وضعنا اﻵن لوجدت اﻷعراض مختلفة بالفعل! فلا رجال دين هنا يقومون بحرق العلماء وﻻ أئمة مساجد يبيعون صكوك الغفران وﻻ هيئات دينية تقتحم المخابر العلمية وتغلقها وتطرد موظفيها, وﻻ رجل دين واحد يعارض أي مشروع من المشاريع الإنمائية سواء كانت إجراء تجارب واختبارات أو بناء جسور وسدود أو القيام بأية مشاريع أخرى. على العكس فدائماً ما يكرر رجال الدين أهمية العلم في الإسلام واﻵيات واﻷحاديث التي تحث على طلب العلم أينما كان!
هذا بالنسبة لتدخل الدين في العلم لكن ماذا عن تدخل رجال الدين في السياسة؟
في الواقع هذا أطرف ما أسمعه … أعتقد بأن احتمالية تدخل رجل الدين الغربي بسياسة بلده أعلى من احتماليتها هنا. من يتخذ القرارات السياسية في الوطن العربي؟ هل يستشير حكامنا رجال الدين قبل القيام باتخاذ أي قرار سياسي؟ هل كان مستشاروا ووزراء صدام حسين من المشايخ ذوي اللحى أم من العلمانيين الصناديد؟ هل أصدر عبد الناصر قرارات التأميم التي أدت إلى تخلف سوريا ومصر بنسبة 100 سنة إلى الوراء هل أصدرها بناءاً على فتوى دينية؟ أم بناءاً على فكر غربي مستورد من الدولة الشيوعية الكبرى التي دمرتها الشيوعية فيما بعد؟ هل وقّعت مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل بسبب فتوى أصدرها مفتي اﻷزهر أم بسبب فكر رئيسها (السادات) العلماني الذي سجن عادل إمام بسبب عبارة في مسرحية! مئات اﻵلاف من معتقلي الرأي في الوطن العربي تم سجنهم من قبل حكومات علمانية بسبب قرارات سياسية ﻻ يُسمح أساسا بتدخل رجال الدين بها وإلا أصبحوا من ضمن المعتقلين أنفسهم!
إذاً كيف تزعمون أن تدخل رجل الدين في السياسة هو أيضاً من أسباب تخلفنا !!! وهل يتدخلون؟؟
إذاً من هذا نستنتج بأن أعراض تخلف أوروبا كانت تدخل رجال الدين وسلطتهم التي منعت التقدم العلمي.
أما أعراض تخلفنا فهي بكل بساطة أسباب علمية وسياسية بحتة. تخلينا عن العلم فتخلفنا … وبالعلم نستطيع النهوض مرة أخرى.
لكن العلمانيين في وطننا الحبيب ﻻ يزالون مصرين بطريقة (أم حسينيّة) عجيبة بأن الدواء الوحيد هو العلمانية.
أعتقد بأنني لو حاولت أن أشرح لأم حسين أنها مخطئة فستظل مقتنعة برأيها إلى اﻷبد ونفس الشيء بالنسبة لهؤﻻء لكن ﻻ مانع من هذا الحديث إذ ربما تصادف وجود (أم حسين) علمانية من نوعها تجيد القراءة فقد تكتشف بأنها كانت مخطئة عندما كانت تقوم بوصف دواء لمعالجة داء مختلف تماماً.