إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى توفاه الله وقد ترك أمته على محجةٍ بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأشكروه أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون ، أيها الناس إن الزواج نعمةٌ عظيمة منّ الله بها على عباده ذكورهم وإناثهم أحله لهم بل أمرهم به ورغّبهم فيه فقال تعالى )فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )(النساء: من الآية3) وقال الله تعالى )وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النور:32) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) يا معشر الشباب هكذا يناديكم النبي صلى الله عليه وسلم بوصف الشباب يقول من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الرد على قومٍ قال أحدهم أنا أصلي الليل أبداً وقال الثاني أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال الثالث أنا أعتزل النساء فلا أتزوج قال النبي صلى الله عليه وسلم راداً على هؤلاء القوم: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأولئك القوم الذين أرادوا أن يشددوا على أنفسهم وأن يحرموها نعمة الله عليهم قال صلى الله عليه وسلم (لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) وأيم الله إن من رغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس منه أيها الناس وكما أن النكاح سنة خاتم النبيين فهو كذلك سنة المرسلين من قبله اسمعوا إلى قول الله تعالى )وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً)(الرعد: من الآية38) ففي النكاح أيها الناس في النكاح امتثال أمر الله ورسوله وبامتثال أمر الله ورسوله حصول الرحمة والفلاح في الدنيا والآخرة وفي النكاح إتباع سنن المرسلين ومن تبع المرسلين في هديهم في الدنيا حشر معهم في الآخرة وفي النكاح قضاء الوطر وفرح النفس وسرور القلب وفي النكاح تحصين الفرج وحماية العرض وغض البصر والبعد عن الفتنة وفي النكاح تكثير الأمة الإسلامية وبالكثرة تقوى الأمة وتهاب بين الأمم وتكتفي بذاتها عن غيرها إذا استعملت طاقاتها فيما وجهها إليه الشرع وفي النكاح تحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته يوم القيامة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثرٌ بكم يوم القيامة) وفي النكاح تكوين الأسر وتقريب الناس بعضهم من بعض فإن الصهر شقيق النسب قال الله تعالى )وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً) (الفرقان:54) وكم من أناسٍ متباعدين لا يعرف بعضهم بعضاً فإذا تصاهروا وتزوج بعضهم من بعض صاروا كأنهم أقرباء نسب وفي النكاح حصول الأجر والثواب بالقيام بحقوق الزوجة والأولاد والإنفاق عليهم وفي النكاح حصول الغنى وكثرة الرزق وليس كما يتوهمه الماديون الضعفاء في التوكل بل النكاح سببٌ للغنى وكثرة الرزق وأسمعوا قول الله عز وجل ما تلوناه عليكم آنفا )وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النور:32) (النور:32) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ثلاثةٌ حقٌ على الله عونهم وذكر منهم الناكح يريد العفاف) وقال أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى وقال ابن عباسٍ رضي الله عنهما رغبهما الله في التزويج ووعدهم عليه الغنى فقال ) إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه)(النور: من الآية32) والواقع شاهدٌ بذلك فقد حدثني من أثق به أنه كان له دخلٌ محدود ولما تزوج رأى بعد زواجه أن ذلك الدخل يزداد ثم لما ولد له رأى أنه زاد أيضاً وهذا مصداق الله قول الله تعالى)وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)(هود: من الآية6) أيها المسلمون إن النكاح صلاحٌ للفرد وصلاحٌ للمجتمع صلاحٌ لهم في الدين والأخلاق والحاضر والمستقبل وهو كذلك درءٌ للمفاسد الناتجة عن ترك الزواج وعدم المبالاة لقد كان ينبغي لنا أيها المسلمون أن نهتم بدراسة العقبات التي تحول دون الزواج لنتلافى النتائج السيئة التي تترتب على فقده وإن أهم هذه العقبات وهي كثيرة لكن أهمها ثلاث إحداها عزوف كثيرٍ من الشباب ذكورٍ وإناثٍ عن الزواج أى أن كثيراً من الشباب بل إن بعض الشباب من الذكور والإناث لا يرغبون في الزواج بحجة أن الزواج يحول بينهم وبين دراستهم وهذه حجةٌ داحضةٌ باطلة فإن النكاح لا يمنع من المضي في الدراسة أو النجاح فيها والتحصيل بل ربما يكون الزواج عوناً على ذلك فإن الرجل الصالح إذا وفق زوجةً صالحة وسادت بينهما روح المودة صار كل واحدٍ منهما عوناً للأخر على دراسته وعلى مشاكل حياته وأكثر الناس تتكلل زواجاتهم ولله الحمد بالتوفيق وكم من شباب ذكورٍ وإناث منّ الله عليهم بالزواج فرأوا من الراحة وتفرق الفكر والنفس للدراسة ما كان عوناً لهم عليها فعلى الشباب الذين اغتروا بهذه الحجة على الشباب أن يعيدوا النظرة مرةً بعد أخرى حتى يصححوا من خطأهم وليسألوا زملاء لهم تزوجوا فرأوا الخير والطمأنينة من وراء الزواج وبهذا تتذلل هذه العقبة وماذا ينفع المرأة إذا كملت دراسةً ليست بحاجةٍ إليها غالباً وفاتتها سعادة النكاح وعقمت من الأولاد وأصبحت عالةً على أهلها ليس لها أولادٌ يذكرونها في حياتها ولا بعد موتها أما العقبة الثانية وما أدراك ما العقبة الثانية العقبة العظيمة النكداء وهي احتكار بعض الأولياء الظلمة احتكارهم لبناتهم ومن لهم ولاية تزويجهم أولئك الأولياء الذين لا يخافون الله ولا يرعون أمانتهم ولا يرحمون من تحت أيديهم أولئك الأولياء الذين اتخذوا من ولايتهم على تلك المرأة الضعيفة مورداً للكسب المحرم وأكل المال بالباطل أولئك الأولياء الذين ظلموا بناتهم وظلموا أنفسهم وأكلوا المال بالباطل تجد الخاطب الكفء في دينه وخلقه يخطب منهم فيفكرون ويقدرون وينظرون ويعبّسون ثم يقولون الكلمة الأخيرة البنت فائتٌ لغيرك البنت صغيرة شاورتها فأبت يقول هذا وهو كاذبٌ فيما يقول يفتري الكذب ليرد ذلك الخاطب الكفء إما لعقدٍ نفسية تثقل عليهم الإجابة وإما لطلب مالٍ يحصلونه من وراء ولايتهم وإما لعداوةٍ شخصية بينهم وبين الخاطب والولاية أيها المسلمون الولاية دينٌ وأمانة يجب النظر فيها إلى مصلحة المولّى عليه لا إلى أغراض الولي أيها الناس أيها الأولياء إن دفع الخاطب الكفء في دينه وخلقه بمثل هذه الأقوال الكاذبة والعلل الواهية إنما هو معصيةٌ لله ورسوله وخيانةٌ للأمانة وإضاعة لعمر المرأة التي تحت ولايته وسوف يحاسبون على ذلك يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم أفلا يكون عند هؤلاء دينٌ ورحمة أفلا يفكرون لو أن أحدهم منعهم الزواج مع رغبتهم فيه فماذا يكون رد الفعل منهم؟ أفلا يعتبرون بذلك فيمن تحت أيديهم من النساء الراغبات في الزواج وهم يمنعونهن الأكفاء خلقاً وديناً سبحان الله ماذا جنى هؤلاء الأولياء على أنفسهم وماذا جنوا على من تحت ولايتهم؟ أيها المسلمون إن لهذه العقبة تذليلاً ذكره أهل العلم حيث قالوا إن الولي إذا أمتنع من تزويج وليته كفءً ترضاه فإنه ولايته تنتقل إلى من بعده فإذا أمتنع أبو المرأة من تزويجها كفوا في دينه وخلقه وقد رضيته المرأة ورغبت فيه فإنه يزوجها أولى الناس بها بعده فيزوجها أولى الناس بها ممن يصلح للولاية من أخوتها أو أعمامها أو بنيهم حسب الترتيب الشرعي لأن الإنسان إذا منع الكفء في دينه وخلقه مع رغبة المرأة له فإنه يزوجها من بعده من الأولياء حسب الترتيب الشرعي بل قال العلماء إنه إذا ردها مرةً بعد أخرى فإنه يكون فاسقاً والفاسق خلاف العدل وقد علم الكثير منا ماذا يترتب على الفسق من سقوط ولاية الفاسق وشهادته واعتباره فيما يشترط فيه العدالة من الوظائف الشرعية نعم لو كان الخاطب غير كفءٍ في دينه أو خلقه أو عفته فرضيته المرأة وأبى وليها فله الحق في ذلك ولا إثم عليه فلو أن المرأة رضيت شخصاً غير كفءٍ في دينه وخلقه وعفته ولكن وليها نظرا لمصلحتها يمنعها من ذلك فلا إثم عليه ولا حرج حتى لو بقيت لم تتزوج إلى الموت فإنه لا إثم عليه لأنه إنما أبى لمصلحتها وأبى بمقتضى أمانته أيها الناس وإن من الأولياء من يكون على العكس من ذلك تجده يزوج أبنته من ليس بكفء وهي غير راضيةٍ بذلك ولكنه يكثر له المال فيزوجه من أجل المال وهي تقول بلسانها وبقلبها إنني لا أريد هذا الزوج ولكنه يزوجها كرهاً عليها وإني أقول من هذا المكان أمانةً بيني وبين الله عز وجل وأمانةً تلقى على أكتافكم إن من زوج أبنته بغير رضاها فإن الزواج فاسد ولا تحل به البنت لمن تزوجها لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا تنكح البكر حتى تستأذن) بل قال (البكر يستأذنها أبوها) وهذا نصٌ صريح في أن الأب لا يمكنه أن يزوج أبنته إلا بعد استئذانها وأما إذا كرهت الزوج وأبت أن تتزوجه فإنه إذا عقد عليها لا يصح العقد هذا مقتضى ما تقتضيه السنة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما أقوال العلماء فإن العلماء مختلفون في ذلك ولكن العلماء إذا اختلفوا في شيء فإن الله يقول )وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ )(الشورى: من الآية10) ويقول عز وجل ) فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(النساء: من الآية59) ونحن اذا رددنا ذلك إلى ما قاله الله ورسوله علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح امرأة إلا برضاها ولو كانت بكراً ولو كان المزوج أباها فاتقوا الله عباد الله وأدوا الأمانة كما حملتموها واعلموا أنكم سوف تغادرون الدنيا وسوف تقفون بين يدي الله عز وجل وسوف تحاسبون وسوف تندمون على ما فرطتم في أمانتكم أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدي شبابنا وشيخونا وكهولنا بدين الله عز وجل ولما فيه الخير والسعادة في الدنيا والآخرة ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
الحمد لله على إحسانه وأشكره على توفيقه وإمتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين..
أما بعد
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأشكروه أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون ، أيها الناس إن الزواج نعمةٌ عظيمة منّ الله بها على عباده ذكورهم وإناثهم أحله لهم بل أمرهم به ورغّبهم فيه فقال تعالى )فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )(النساء: من الآية3) وقال الله تعالى )وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النور:32) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) يا معشر الشباب هكذا يناديكم النبي صلى الله عليه وسلم بوصف الشباب يقول من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الرد على قومٍ قال أحدهم أنا أصلي الليل أبداً وقال الثاني أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال الثالث أنا أعتزل النساء فلا أتزوج قال النبي صلى الله عليه وسلم راداً على هؤلاء القوم: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأولئك القوم الذين أرادوا أن يشددوا على أنفسهم وأن يحرموها نعمة الله عليهم قال صلى الله عليه وسلم (لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) وأيم الله إن من رغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس منه أيها الناس وكما أن النكاح سنة خاتم النبيين فهو كذلك سنة المرسلين من قبله اسمعوا إلى قول الله تعالى )وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً)(الرعد: من الآية38) ففي النكاح أيها الناس في النكاح امتثال أمر الله ورسوله وبامتثال أمر الله ورسوله حصول الرحمة والفلاح في الدنيا والآخرة وفي النكاح إتباع سنن المرسلين ومن تبع المرسلين في هديهم في الدنيا حشر معهم في الآخرة وفي النكاح قضاء الوطر وفرح النفس وسرور القلب وفي النكاح تحصين الفرج وحماية العرض وغض البصر والبعد عن الفتنة وفي النكاح تكثير الأمة الإسلامية وبالكثرة تقوى الأمة وتهاب بين الأمم وتكتفي بذاتها عن غيرها إذا استعملت طاقاتها فيما وجهها إليه الشرع وفي النكاح تحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته يوم القيامة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثرٌ بكم يوم القيامة) وفي النكاح تكوين الأسر وتقريب الناس بعضهم من بعض فإن الصهر شقيق النسب قال الله تعالى )وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً) (الفرقان:54) وكم من أناسٍ متباعدين لا يعرف بعضهم بعضاً فإذا تصاهروا وتزوج بعضهم من بعض صاروا كأنهم أقرباء نسب وفي النكاح حصول الأجر والثواب بالقيام بحقوق الزوجة والأولاد والإنفاق عليهم وفي النكاح حصول الغنى وكثرة الرزق وليس كما يتوهمه الماديون الضعفاء في التوكل بل النكاح سببٌ للغنى وكثرة الرزق وأسمعوا قول الله عز وجل ما تلوناه عليكم آنفا )وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النور:32) (النور:32) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ثلاثةٌ حقٌ على الله عونهم وذكر منهم الناكح يريد العفاف) وقال أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى وقال ابن عباسٍ رضي الله عنهما رغبهما الله في التزويج ووعدهم عليه الغنى فقال ) إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه)(النور: من الآية32) والواقع شاهدٌ بذلك فقد حدثني من أثق به أنه كان له دخلٌ محدود ولما تزوج رأى بعد زواجه أن ذلك الدخل يزداد ثم لما ولد له رأى أنه زاد أيضاً وهذا مصداق الله قول الله تعالى)وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)(هود: من الآية6) أيها المسلمون إن النكاح صلاحٌ للفرد وصلاحٌ للمجتمع صلاحٌ لهم في الدين والأخلاق والحاضر والمستقبل وهو كذلك درءٌ للمفاسد الناتجة عن ترك الزواج وعدم المبالاة لقد كان ينبغي لنا أيها المسلمون أن نهتم بدراسة العقبات التي تحول دون الزواج لنتلافى النتائج السيئة التي تترتب على فقده وإن أهم هذه العقبات وهي كثيرة لكن أهمها ثلاث إحداها عزوف كثيرٍ من الشباب ذكورٍ وإناثٍ عن الزواج أى أن كثيراً من الشباب بل إن بعض الشباب من الذكور والإناث لا يرغبون في الزواج بحجة أن الزواج يحول بينهم وبين دراستهم وهذه حجةٌ داحضةٌ باطلة فإن النكاح لا يمنع من المضي في الدراسة أو النجاح فيها والتحصيل بل ربما يكون الزواج عوناً على ذلك فإن الرجل الصالح إذا وفق زوجةً صالحة وسادت بينهما روح المودة صار كل واحدٍ منهما عوناً للأخر على دراسته وعلى مشاكل حياته وأكثر الناس تتكلل زواجاتهم ولله الحمد بالتوفيق وكم من شباب ذكورٍ وإناث منّ الله عليهم بالزواج فرأوا من الراحة وتفرق الفكر والنفس للدراسة ما كان عوناً لهم عليها فعلى الشباب الذين اغتروا بهذه الحجة على الشباب أن يعيدوا النظرة مرةً بعد أخرى حتى يصححوا من خطأهم وليسألوا زملاء لهم تزوجوا فرأوا الخير والطمأنينة من وراء الزواج وبهذا تتذلل هذه العقبة وماذا ينفع المرأة إذا كملت دراسةً ليست بحاجةٍ إليها غالباً وفاتتها سعادة النكاح وعقمت من الأولاد وأصبحت عالةً على أهلها ليس لها أولادٌ يذكرونها في حياتها ولا بعد موتها أما العقبة الثانية وما أدراك ما العقبة الثانية العقبة العظيمة النكداء وهي احتكار بعض الأولياء الظلمة احتكارهم لبناتهم ومن لهم ولاية تزويجهم أولئك الأولياء الذين لا يخافون الله ولا يرعون أمانتهم ولا يرحمون من تحت أيديهم أولئك الأولياء الذين اتخذوا من ولايتهم على تلك المرأة الضعيفة مورداً للكسب المحرم وأكل المال بالباطل أولئك الأولياء الذين ظلموا بناتهم وظلموا أنفسهم وأكلوا المال بالباطل تجد الخاطب الكفء في دينه وخلقه يخطب منهم فيفكرون ويقدرون وينظرون ويعبّسون ثم يقولون الكلمة الأخيرة البنت فائتٌ لغيرك البنت صغيرة شاورتها فأبت يقول هذا وهو كاذبٌ فيما يقول يفتري الكذب ليرد ذلك الخاطب الكفء إما لعقدٍ نفسية تثقل عليهم الإجابة وإما لطلب مالٍ يحصلونه من وراء ولايتهم وإما لعداوةٍ شخصية بينهم وبين الخاطب والولاية أيها المسلمون الولاية دينٌ وأمانة يجب النظر فيها إلى مصلحة المولّى عليه لا إلى أغراض الولي أيها الناس أيها الأولياء إن دفع الخاطب الكفء في دينه وخلقه بمثل هذه الأقوال الكاذبة والعلل الواهية إنما هو معصيةٌ لله ورسوله وخيانةٌ للأمانة وإضاعة لعمر المرأة التي تحت ولايته وسوف يحاسبون على ذلك يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم أفلا يكون عند هؤلاء دينٌ ورحمة أفلا يفكرون لو أن أحدهم منعهم الزواج مع رغبتهم فيه فماذا يكون رد الفعل منهم؟ أفلا يعتبرون بذلك فيمن تحت أيديهم من النساء الراغبات في الزواج وهم يمنعونهن الأكفاء خلقاً وديناً سبحان الله ماذا جنى هؤلاء الأولياء على أنفسهم وماذا جنوا على من تحت ولايتهم؟ أيها المسلمون إن لهذه العقبة تذليلاً ذكره أهل العلم حيث قالوا إن الولي إذا أمتنع من تزويج وليته كفءً ترضاه فإنه ولايته تنتقل إلى من بعده فإذا أمتنع أبو المرأة من تزويجها كفوا في دينه وخلقه وقد رضيته المرأة ورغبت فيه فإنه يزوجها أولى الناس بها بعده فيزوجها أولى الناس بها ممن يصلح للولاية من أخوتها أو أعمامها أو بنيهم حسب الترتيب الشرعي لأن الإنسان إذا منع الكفء في دينه وخلقه مع رغبة المرأة له فإنه يزوجها من بعده من الأولياء حسب الترتيب الشرعي بل قال العلماء إنه إذا ردها مرةً بعد أخرى فإنه يكون فاسقاً والفاسق خلاف العدل وقد علم الكثير منا ماذا يترتب على الفسق من سقوط ولاية الفاسق وشهادته واعتباره فيما يشترط فيه العدالة من الوظائف الشرعية نعم لو كان الخاطب غير كفءٍ في دينه أو خلقه أو عفته فرضيته المرأة وأبى وليها فله الحق في ذلك ولا إثم عليه فلو أن المرأة رضيت شخصاً غير كفءٍ في دينه وخلقه وعفته ولكن وليها نظرا لمصلحتها يمنعها من ذلك فلا إثم عليه ولا حرج حتى لو بقيت لم تتزوج إلى الموت فإنه لا إثم عليه لأنه إنما أبى لمصلحتها وأبى بمقتضى أمانته أيها الناس وإن من الأولياء من يكون على العكس من ذلك تجده يزوج أبنته من ليس بكفء وهي غير راضيةٍ بذلك ولكنه يكثر له المال فيزوجه من أجل المال وهي تقول بلسانها وبقلبها إنني لا أريد هذا الزوج ولكنه يزوجها كرهاً عليها وإني أقول من هذا المكان أمانةً بيني وبين الله عز وجل وأمانةً تلقى على أكتافكم إن من زوج أبنته بغير رضاها فإن الزواج فاسد ولا تحل به البنت لمن تزوجها لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا تنكح البكر حتى تستأذن) بل قال (البكر يستأذنها أبوها) وهذا نصٌ صريح في أن الأب لا يمكنه أن يزوج أبنته إلا بعد استئذانها وأما إذا كرهت الزوج وأبت أن تتزوجه فإنه إذا عقد عليها لا يصح العقد هذا مقتضى ما تقتضيه السنة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما أقوال العلماء فإن العلماء مختلفون في ذلك ولكن العلماء إذا اختلفوا في شيء فإن الله يقول )وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ )(الشورى: من الآية10) ويقول عز وجل ) فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(النساء: من الآية59) ونحن اذا رددنا ذلك إلى ما قاله الله ورسوله علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح امرأة إلا برضاها ولو كانت بكراً ولو كان المزوج أباها فاتقوا الله عباد الله وأدوا الأمانة كما حملتموها واعلموا أنكم سوف تغادرون الدنيا وسوف تقفون بين يدي الله عز وجل وسوف تحاسبون وسوف تندمون على ما فرطتم في أمانتكم أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدي شبابنا وشيخونا وكهولنا بدين الله عز وجل ولما فيه الخير والسعادة في الدنيا والآخرة ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
الحمد لله على إحسانه وأشكره على توفيقه وإمتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين..