أجرى الملك التحقيق ثم اعترفت امرأة العزيز وشهدت النسوة أنه ماعلمنا عليه من سوء فخرج بشهادة إلى الآن تدوي في التاريخ هذا تخطيط وعدم الإستغراق في اللحظة الحاضرة وصبر عجيب وبعد نظر، من السهل التنظير ولكن ما أحوجنا إلى البعد.
موضوع التخطيط. وهو ماحدث في الرؤيا وهذا صحيح رؤيا لكن لاشك أن يوسف له دور فيها عندما ذكر السبع الشداد وسبع الرخاء وكيف استغل يوسف سبع الرخاء للسبع الشداد كم مرَّت دول وشعوب بسنوات رخاء أضاعوا أموالهم فلما جاءت الشداد وإذا ليس لديهم شيء فازدادت ديونهم وزادت مصائبهم كم من الناس أورثه والده ملايين وماهي إلا سنوات معدودة فإذا هو يفرِّط في هذه الملايين ورؤي بعضهم يسأل الناس.
هذه قضية عجيبة أيها الأخوة بعد النظر والتخطيط ظاهر في قضية السبع الشداد والسبع السمان …. فهو وفر وأدار الأمور بحكمة عجيبة وسياسة عجيبة في سبع الرخاء والاستعداد للسبع الشداد فمرَّت الأمور بسلام . ولم يصب الأمة ما قد يتوقع ويحدث. ومن أعجب مارأيت في قصة يوسف عليه السلام ولايزال السؤال عندي في الحقيقة. عندما تولَّى الملك وتولَّى رياسة مصر وسياسة مصر كان يتوقع أن أول قرار يتخذه هو ماذا ؟! أن يرسل من يأتي بأبيه وأهله لأنه يعلم كيف يعيش أبوه وماهي المحنة التي هو فيها والعجيب من دلالة الآيات أنه مانقول انتظر سنة سنتين أوثلاث . لا. مرَّت السبع الرخاء ثم بدأت السبع الشداد لأن قصة الآيات تدل أنهم كانوا يعيشون في السبع الشداد، أن بضاعتهم مزجاة، أن أحوالهم رديئة، أحوالهم صعبة أي في السبع الشداد ((فأوفِ لنا الكيل وتصدَّق علينا إن الله يجزي المتصدقين)) ثم تأتي قصة أخيه.
وفي النهاية يأتي بأبيه وأهله لحكمة يعلمها الله جلَّ وعلا. هذا يحتاج صبر جبال ويحتاج تحمُّل مسئولية.
هل تتصورون أن يوسف عليه السلام مجرد من العاطفة. لاوالله لاوالله، ولكن انظروا كيف لجم عاطفته انصياعاً لأمر الله تعالى ماكان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء بحكمة يوسف وبعد نظره وتخطيطه وفوق كل ذي علم عليم.
أي عاطفة أقوى من رجل فقد أباه وفقده أبوه منذقرابة ثلاثين سنة أو عشرين سنة الله أعلم، لكنها كثيرة وهو يعلم مايعيش أبوه ويأتي أخوانه فلايخبرهم عنه وتبدأ قصة أخيه وتطول القصة ثم يأتي بأبيه سبحان الله فلجم عاطفته ولم تستغرقه اللحظة الحاضرة وتصرَّف تصرف حكيم بهدوء وبعد نظر وحكمة حتى حصل ماحصل عليه حتى لما جاء بهم رفع أبويه على العرش وخرُّوا له سجداً.
عزة وقوة وملك لكنه عن تخطيط وبعد نظر وحكمة وعدم استعجال وعدم استغراق في اللحظة الحاضرة ماأحوجنا إلى هذا الدرس واستيعابه حتى نصل إلى هذا الأمر.
أحد الأخوة الآن أرسل لي سؤالاً … .
يطالب بالجهاد لمواجهة الأمريكان. نعم أنا أطالب بالجهاد لكن ليس بهذه الطريقة التي يفرضها الأخ وأقول لكم يقيناً لابد من مواجهة أعداء الله لكن ليس بالتصور الذي يتصوره بعض الأحبة الأمر يحتاج إلى بعد نظر، يحتاج إلى هدوء، يحتاج إلى تفويت الفرص على الأعداء، يحتاج إلى معركة شاملة في كل الميادين…
الجهاد في سبيل الله أعلاها. وكلها من الجهاد. جاهدوا المشركين بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وجاهدوهم في كل المجالات (( ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم )) فالجهاد يكون بالنفس وبالمال وبالقول نحتاج الآن للجهاد في كل المجالات حتى لانتعجل. آمل من أحبتي الكرام ومن يستمع إلى هذه الكلمة أن يقرأ قصة يوسف وبخاصة هذين الموضوعين قصة عدم خروجه من السجن وثباته لهدف بعيد، وأعظم منه في رأيي هو ثباته بعد تولي الملك وصبره عن أبيه وعن أهله بهذه الخطة البعيدة جداً…
العجيب أيضاً أن مصيبة أبيه قد زادت ولم تنقص زادت بفقد أخيه حتى يتم أمر الله جلَّ وعلا وحتى لايستعجل شيء قبل أوانه مجرد المصيبة التي كان يعيش فيها أبوه من قبل كافية في رأي الكثير أن يتخذ القرار ويرسل لأبيه أو يذهب هو لأبيه. تتصورون أن يوسف عليه السلام ليس باراً بأبيه ؟! ليس عاطفياً ؟! لا والله حاشاه من ذلك لاوالله، لكنه التوفيق والسداد وبعد النظر والعقل والحكمة وعدم الاستعجال وعدم الإستغراق باللحظات العاطفية الحاضرة، ثم يأتي مجيء أخيه وتزيد مشكلة أبيه حتى ((قال بل سوَّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً إنه هو العليم الحكيم)).
((وتولَّى عنهم وقال ياأسفا على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم )) يدرك يوسف أن هذا سيحدث لأبيه لكنها الحكمة وبعد النظر والتخطيط والالتزام بالشرع والخضوع لأمر الله حتى ولو كان على حساب النفس والهوى والعاطفة. وهذا الذي أوصي به الأخوان، يا أحبتي الكرام الأمر ليس بالأمر السهل لاتقاد الأمة بالعواطف مع أهمية العواطف، أمة بدون عاطفة لاخير فيها ونفس بلا عاطفة لاخير فيها ولكن العاطفة يجب أن تحكم بالعقل والعقل يُخضع للشرع فتمام الأمور عقل وعاطفة يخضعان لشرع الله جلَّ وعلا وأمره ونهيه حتى لانتقدم تقدماً في غير موضعه أو نؤخِّر شيئاً عن موضعه..
أيضاً … من العجب ومن دعائم نجاح يوسف عليه السلام إقدامه على المسئولية بشجاعة نادرة وعدم السلبية لمَّا رأى أنَّ الفرصة قد سنحت أقدم على المسئولية بشجاعة نادرة وبعضنا يظن يرى أن هذا ليس من الورع. لا. الورع أن تقدم على المسئولية وتتقي الله في المسئولية التي بين يديك وليس الورع أن تتخلى عن المسئولية والأمة بأمس الحاجة إليك، نعم إذا كنت تعلم أن هناك من سيختار لهذه المسئولية كفؤاً لك أو أفضل منك فمن الورع أن تتحاشاها لكن إذا كنت تعلم ويغلب على ظنك أنك إذا تخليت عن المسئولية سيختار من هو أقل منك كفاءة أو يختار من يسيء للأمة فيجب شرعاً كما ذكر شيخ الإسلام أن تتولى وتقدم حتى ولو ارتكبت بعض المفاسد من أجل أن تدفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى هذه شجاعة وإقدام (( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم)) هذا ليس طلباً للإمارة كما يرى البعض . بل هذه شجاعة وقوة نادرة أين الأمارة في بلد مقبلة على سبع شداد أين الراحة. هو يستطيع أن يطلب من الملك أن يبني له قصراً على الأنهار ويعطيه مايشاء ويأتي بأهله يستطيع أن يفعل ذلك، ولكنه لم يختر هذا الطريق إنما اختار تحمل المسئولية كما اختارها وكما قبلها بعبارة أدق عمر بن عبدالعزيز فسارت الأمة بالخير والعدل في خلال سنتين وأشهر ورضي الله عنه ورحمه في سنتين وأشهر ملأ الأرض عدلاً وفاضت الخيرات لما حكم بشريعة الله يأتيه أبناؤه ويطلبون منه …..
مالاً يسيراً ويرفض ويقول أنتم أحد رجلين إمَّا رجل صالح فسيغنيه الله وإما رجل آخر فوالله لا أساعده على معصية الله،يطلب من زوجته ابنة عمه فاطمة أن تخلع ما في يديها وتدخله بيت مال المسلمين ويخيِّرها إما بالبقاء معه أو أن تتخلى عن مافي يديها لأنه من بيت مال المسلمين مجرَّد ذهب في يديها.
يقسم أحد المؤرِّخين يقول والله لقد رأيت أبناء عمر بن عبدالعزيز وبضعهم يحمل في الجهاد على عشرات أو مئات من الخير والمال الذي عنده . ورأيت بعض أبناء الأمراء ممن سبقه أو بعده وهم يتكفَّفون الناس. سبحان الله. يوسف عليه السلام أقدم على المسئولية بنزاهة وعفة عجيبة جداً فحفظه الله جل وعلا ومكَّنه الله جل وعلا ((وكذلك مكَّنا ليوسف في الأرض )) أيضاً مما يمكن به حسن السياسة والعدل في الرعية . عدله وحسن سياسته. اقرؤا السورة تجدون العجب فيها وبهذا تستمر الدول وتستمر الممالك بالعدل كما قال شيخ الإسلام ( إن الله يعز ويبقي الدولة العادلة ولو كانت كافرة وإن الله يذل ويهزم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة).
أيضاً … اتصافه بالإحسان بمعناه الشامل المتكامل كما ذكرت لكم في الدرس الماضي. وليس الإحسان بمعناه القاصر وهو مجرد إحسان إلى فلان أوفلان حيث الإحسان الآن عندنا يفسر بجزء من معانيه. الإحسان أعظم من ذلك وأشمل كما بيَّنت في الدرس الماضي.. من أقوى علامات تمكَّنه وأسباب تمكَّنه وحصول مقصوده. قوة إيمانه بالله وتوحيده وحسن توكله على الله وإعادة الفضل إلى صاحبه وهو الله سبحانه وتعالى (( ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لايشكرون))
توحيد يوسف إيمان يوسف إعادة الفضل لأهله وهو الله جل وعلا حسن ظنه بربه من أسباب حصول ما حصل له من عز وتمكين وسيادة وقيادة فإذا انتشر في بلاد المسلمين التوحيد ونشرت كلمة التوحيد فلتبشر الأمة بخير عظيم آت لامحالة بإذن الله.
كذلك دعوته لتحكيم شريعة الله، ونفي ماسواها ((إن الحكم إلا لله أمر ألاَّ تبعدوا إلاَّ إيَّاه)).
من أقوى مارأيت من أسباب تمكُّن يوسف عليه السلام
اطراده في منهجه وثباته عليه في جميع المراحل في المراحل في السراء والضراء عند أبيه وهو صغير وهو يباع مملوكاً وفي بيت العزيز وفي السجن وعند الملك وهو على الرياسة وفي آخر المطاف، اطراده على خط مستقيم واضح جلي بيِّن بهذا ينتصر الداعية … قلت لكم تمعنت انتصار بعض المباديء الأرضيه وهي مباديء أرضية ليست إسلامية وجدت أن من أسباب انتصارها إيمان أصحابها بها وثباتهم عليها فيحققون انتصاراً عجيباً في الدنيا .
فكيف إذا كان الإنسان مؤمناً ومطرداً ومؤمناً بالله جل وعلا . ماندلا في جنوب أفريقيا . قوة إيمانه بعدالة قضيته بتخليص بلاده من الإستعمار البريطاني وثباته على ذلك أكثر من سبع وعشرين سنة ماذا حدث له ؟! لاأعلم الآن زعيماً معاصراً من غير المسلمين له من الإحترام والتقدير في العالم أجمع مثل ماندلا لأن قضيته كانت عادلة مع أنه غير مؤمن ودعي إلى الإسلام نسأل الله له الهداية.
أخواننا لما ذهبوا إلى جنوب أفريقيا قبل أشهر لمؤتمر هناك دعوه فقال أنا لست على دين فإن اخترت ديناً فسأختار الإسلام. فثبات الرجل وصدق الرجل عجيبة جداً وسبق أن ذكرت لكم شيئاً من ذلك ومع ذلك انتصر وهو ليس بمسلم فكيف إذا كان الرجل مسلماً إذا ثبت واطرد على منهجه ولم يتقلب ولم يضطرب فإنه ينتصر بإذن الله، هكذا كان يوسف عليه السلام. أما إذا بدأ الإضطراب عند الإنسان والتأخر والتقدم في غير موضعه لايستطيع أن ينتصر لأنه لم ينتصر على نفسه فكيف ينتصر على الآخرين هذه مسألة آمل إن شاء الله أن أبيِّنها بالتفصيل في وقت قادم سواء في هذا الدرس أو في غيره في موضوع أهمية الاطراد في المنهج وخطورة الإضطراب والتغير والتبدل …
ومما وجدت من مقومات عزة يوسف عليه السلام وانتصاره عدم الاستعجال أو التنازل لاحظوا عدم الاستعجال أو التنازل أو اليأس أو القنوط. الآفات التي تصيب الأمة وتصيب الناس وتصيب الدعاة إما استعجال أو يأس وقنوط أو تنازل في غير موضعه لأنه إذا كان في موضعه لايسمى تنازلاً … يوسف عليه السلام لم يستعجل كما ذكرت لكم في قصته في السجن ولما تولَّى الملك ولم يتنازل لحظة واحدة أبداً أبداً ولم ييأس ولم يقنط وهكذا كان أبوه عليهما السلام. ضع هذه المعالم أمام عينيك الإستعجال التنازل اليأس القنوط التشاؤم فهي مهلكة ولذلك نبَّه إليها محمد صلى الله عليه وسلم في مواطن عدة وهو يقول لصحابته (( والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لايخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون)) هذا يقال لصحابة محمد صلى الله عليه وسلم الاستعجال آفة أنا أخشى أن نفرط في الثروة الضخمة من هذا الإقبال على هذا الدين والاستعداد للتضحية والفداء والبذل والله إني أخشى من الاستعجال الذي قام محمد صلى الله عليه وسلم يربِّي أمته على الحذرمنه خوفاً من أن يقعوا فيه فلذلك أيها الأخوة يجب أن نضع هذه المعالم أمام أعيننا إذا توافرت هذه المقومات – التي توافرت ليوسف عليه السلام – وتمكن في الأرض إذا توافرت هذه المقومات لأمة … تحقق الانتصار العظيم بإذن الله ووعد الله آت ونصره قادم والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لايفقهون، فالله الله بالتفاؤل وحسن الظن بالله لاتسيئوا الظن بالله جلَّ وعلا . يقول ابن القيم رحمه الله مامن امرؤ إلا وهو يسيء الظن بربه فبين مقل ومستكثر … وكل منكم يعرض نفسه بينه وبين ربه وهذه من أعمال القلوب هذا كلام شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله فما يخلو الإنسان من سوء ظن بالله جلَّ وعلا وأسبابه كثيرة سواء على المستوى الشخصي . بعض الناس يقول لماذا ربي لايرزقني، بعض الناس يقولون لماذا لاينصرنا الله جلَّ وعلا . ياأخي .. هل استحققنا النصر ؟! هل أخذنا بعوامل النصر ؟! هل زالت موانع النصر ؟! وعده لايتخلف سبحانه وتعالى أبداً، لكن إذا توافرت الأسباب وقامت الدواعي وزالت الموانع عندها يتحقق وعد الله لامحالة (( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)) (( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون )) الآيات متواترة في القرآن … المصيبة فينا وفي أنفسنا وفي ضعفنا فالله الله أحسنوا الظن بالله وكونوا أكثر تفاؤلاً بتحقق وعد الله ولكن علينا أن نأخذ بأسباب النصر وأن نصدق مع الله (( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)) (( ولو صدقوا الله لكان خيراً لهم)) .
أسأل الله أن يبرم لهذه الأمة إبرام رشد يعز في أهل الطاعة ويُهدى فيه أهل المعصية، وأن يمكِّن للإسلام والمسلمين وأن يعلي راية الدين. والحمد الله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
موضوع التخطيط. وهو ماحدث في الرؤيا وهذا صحيح رؤيا لكن لاشك أن يوسف له دور فيها عندما ذكر السبع الشداد وسبع الرخاء وكيف استغل يوسف سبع الرخاء للسبع الشداد كم مرَّت دول وشعوب بسنوات رخاء أضاعوا أموالهم فلما جاءت الشداد وإذا ليس لديهم شيء فازدادت ديونهم وزادت مصائبهم كم من الناس أورثه والده ملايين وماهي إلا سنوات معدودة فإذا هو يفرِّط في هذه الملايين ورؤي بعضهم يسأل الناس.
هذه قضية عجيبة أيها الأخوة بعد النظر والتخطيط ظاهر في قضية السبع الشداد والسبع السمان …. فهو وفر وأدار الأمور بحكمة عجيبة وسياسة عجيبة في سبع الرخاء والاستعداد للسبع الشداد فمرَّت الأمور بسلام . ولم يصب الأمة ما قد يتوقع ويحدث. ومن أعجب مارأيت في قصة يوسف عليه السلام ولايزال السؤال عندي في الحقيقة. عندما تولَّى الملك وتولَّى رياسة مصر وسياسة مصر كان يتوقع أن أول قرار يتخذه هو ماذا ؟! أن يرسل من يأتي بأبيه وأهله لأنه يعلم كيف يعيش أبوه وماهي المحنة التي هو فيها والعجيب من دلالة الآيات أنه مانقول انتظر سنة سنتين أوثلاث . لا. مرَّت السبع الرخاء ثم بدأت السبع الشداد لأن قصة الآيات تدل أنهم كانوا يعيشون في السبع الشداد، أن بضاعتهم مزجاة، أن أحوالهم رديئة، أحوالهم صعبة أي في السبع الشداد ((فأوفِ لنا الكيل وتصدَّق علينا إن الله يجزي المتصدقين)) ثم تأتي قصة أخيه.
وفي النهاية يأتي بأبيه وأهله لحكمة يعلمها الله جلَّ وعلا. هذا يحتاج صبر جبال ويحتاج تحمُّل مسئولية.
هل تتصورون أن يوسف عليه السلام مجرد من العاطفة. لاوالله لاوالله، ولكن انظروا كيف لجم عاطفته انصياعاً لأمر الله تعالى ماكان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء بحكمة يوسف وبعد نظره وتخطيطه وفوق كل ذي علم عليم.
أي عاطفة أقوى من رجل فقد أباه وفقده أبوه منذقرابة ثلاثين سنة أو عشرين سنة الله أعلم، لكنها كثيرة وهو يعلم مايعيش أبوه ويأتي أخوانه فلايخبرهم عنه وتبدأ قصة أخيه وتطول القصة ثم يأتي بأبيه سبحان الله فلجم عاطفته ولم تستغرقه اللحظة الحاضرة وتصرَّف تصرف حكيم بهدوء وبعد نظر وحكمة حتى حصل ماحصل عليه حتى لما جاء بهم رفع أبويه على العرش وخرُّوا له سجداً.
عزة وقوة وملك لكنه عن تخطيط وبعد نظر وحكمة وعدم استعجال وعدم استغراق في اللحظة الحاضرة ماأحوجنا إلى هذا الدرس واستيعابه حتى نصل إلى هذا الأمر.
أحد الأخوة الآن أرسل لي سؤالاً … .
يطالب بالجهاد لمواجهة الأمريكان. نعم أنا أطالب بالجهاد لكن ليس بهذه الطريقة التي يفرضها الأخ وأقول لكم يقيناً لابد من مواجهة أعداء الله لكن ليس بالتصور الذي يتصوره بعض الأحبة الأمر يحتاج إلى بعد نظر، يحتاج إلى هدوء، يحتاج إلى تفويت الفرص على الأعداء، يحتاج إلى معركة شاملة في كل الميادين…
الجهاد في سبيل الله أعلاها. وكلها من الجهاد. جاهدوا المشركين بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وجاهدوهم في كل المجالات (( ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم )) فالجهاد يكون بالنفس وبالمال وبالقول نحتاج الآن للجهاد في كل المجالات حتى لانتعجل. آمل من أحبتي الكرام ومن يستمع إلى هذه الكلمة أن يقرأ قصة يوسف وبخاصة هذين الموضوعين قصة عدم خروجه من السجن وثباته لهدف بعيد، وأعظم منه في رأيي هو ثباته بعد تولي الملك وصبره عن أبيه وعن أهله بهذه الخطة البعيدة جداً…
العجيب أيضاً أن مصيبة أبيه قد زادت ولم تنقص زادت بفقد أخيه حتى يتم أمر الله جلَّ وعلا وحتى لايستعجل شيء قبل أوانه مجرد المصيبة التي كان يعيش فيها أبوه من قبل كافية في رأي الكثير أن يتخذ القرار ويرسل لأبيه أو يذهب هو لأبيه. تتصورون أن يوسف عليه السلام ليس باراً بأبيه ؟! ليس عاطفياً ؟! لا والله حاشاه من ذلك لاوالله، لكنه التوفيق والسداد وبعد النظر والعقل والحكمة وعدم الاستعجال وعدم الإستغراق باللحظات العاطفية الحاضرة، ثم يأتي مجيء أخيه وتزيد مشكلة أبيه حتى ((قال بل سوَّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً إنه هو العليم الحكيم)).
((وتولَّى عنهم وقال ياأسفا على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم )) يدرك يوسف أن هذا سيحدث لأبيه لكنها الحكمة وبعد النظر والتخطيط والالتزام بالشرع والخضوع لأمر الله حتى ولو كان على حساب النفس والهوى والعاطفة. وهذا الذي أوصي به الأخوان، يا أحبتي الكرام الأمر ليس بالأمر السهل لاتقاد الأمة بالعواطف مع أهمية العواطف، أمة بدون عاطفة لاخير فيها ونفس بلا عاطفة لاخير فيها ولكن العاطفة يجب أن تحكم بالعقل والعقل يُخضع للشرع فتمام الأمور عقل وعاطفة يخضعان لشرع الله جلَّ وعلا وأمره ونهيه حتى لانتقدم تقدماً في غير موضعه أو نؤخِّر شيئاً عن موضعه..
أيضاً … من العجب ومن دعائم نجاح يوسف عليه السلام إقدامه على المسئولية بشجاعة نادرة وعدم السلبية لمَّا رأى أنَّ الفرصة قد سنحت أقدم على المسئولية بشجاعة نادرة وبعضنا يظن يرى أن هذا ليس من الورع. لا. الورع أن تقدم على المسئولية وتتقي الله في المسئولية التي بين يديك وليس الورع أن تتخلى عن المسئولية والأمة بأمس الحاجة إليك، نعم إذا كنت تعلم أن هناك من سيختار لهذه المسئولية كفؤاً لك أو أفضل منك فمن الورع أن تتحاشاها لكن إذا كنت تعلم ويغلب على ظنك أنك إذا تخليت عن المسئولية سيختار من هو أقل منك كفاءة أو يختار من يسيء للأمة فيجب شرعاً كما ذكر شيخ الإسلام أن تتولى وتقدم حتى ولو ارتكبت بعض المفاسد من أجل أن تدفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى هذه شجاعة وإقدام (( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم)) هذا ليس طلباً للإمارة كما يرى البعض . بل هذه شجاعة وقوة نادرة أين الأمارة في بلد مقبلة على سبع شداد أين الراحة. هو يستطيع أن يطلب من الملك أن يبني له قصراً على الأنهار ويعطيه مايشاء ويأتي بأهله يستطيع أن يفعل ذلك، ولكنه لم يختر هذا الطريق إنما اختار تحمل المسئولية كما اختارها وكما قبلها بعبارة أدق عمر بن عبدالعزيز فسارت الأمة بالخير والعدل في خلال سنتين وأشهر ورضي الله عنه ورحمه في سنتين وأشهر ملأ الأرض عدلاً وفاضت الخيرات لما حكم بشريعة الله يأتيه أبناؤه ويطلبون منه …..
مالاً يسيراً ويرفض ويقول أنتم أحد رجلين إمَّا رجل صالح فسيغنيه الله وإما رجل آخر فوالله لا أساعده على معصية الله،يطلب من زوجته ابنة عمه فاطمة أن تخلع ما في يديها وتدخله بيت مال المسلمين ويخيِّرها إما بالبقاء معه أو أن تتخلى عن مافي يديها لأنه من بيت مال المسلمين مجرَّد ذهب في يديها.
يقسم أحد المؤرِّخين يقول والله لقد رأيت أبناء عمر بن عبدالعزيز وبضعهم يحمل في الجهاد على عشرات أو مئات من الخير والمال الذي عنده . ورأيت بعض أبناء الأمراء ممن سبقه أو بعده وهم يتكفَّفون الناس. سبحان الله. يوسف عليه السلام أقدم على المسئولية بنزاهة وعفة عجيبة جداً فحفظه الله جل وعلا ومكَّنه الله جل وعلا ((وكذلك مكَّنا ليوسف في الأرض )) أيضاً مما يمكن به حسن السياسة والعدل في الرعية . عدله وحسن سياسته. اقرؤا السورة تجدون العجب فيها وبهذا تستمر الدول وتستمر الممالك بالعدل كما قال شيخ الإسلام ( إن الله يعز ويبقي الدولة العادلة ولو كانت كافرة وإن الله يذل ويهزم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة).
أيضاً … اتصافه بالإحسان بمعناه الشامل المتكامل كما ذكرت لكم في الدرس الماضي. وليس الإحسان بمعناه القاصر وهو مجرد إحسان إلى فلان أوفلان حيث الإحسان الآن عندنا يفسر بجزء من معانيه. الإحسان أعظم من ذلك وأشمل كما بيَّنت في الدرس الماضي.. من أقوى علامات تمكَّنه وأسباب تمكَّنه وحصول مقصوده. قوة إيمانه بالله وتوحيده وحسن توكله على الله وإعادة الفضل إلى صاحبه وهو الله سبحانه وتعالى (( ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لايشكرون))
توحيد يوسف إيمان يوسف إعادة الفضل لأهله وهو الله جل وعلا حسن ظنه بربه من أسباب حصول ما حصل له من عز وتمكين وسيادة وقيادة فإذا انتشر في بلاد المسلمين التوحيد ونشرت كلمة التوحيد فلتبشر الأمة بخير عظيم آت لامحالة بإذن الله.
كذلك دعوته لتحكيم شريعة الله، ونفي ماسواها ((إن الحكم إلا لله أمر ألاَّ تبعدوا إلاَّ إيَّاه)).
من أقوى مارأيت من أسباب تمكُّن يوسف عليه السلام
اطراده في منهجه وثباته عليه في جميع المراحل في المراحل في السراء والضراء عند أبيه وهو صغير وهو يباع مملوكاً وفي بيت العزيز وفي السجن وعند الملك وهو على الرياسة وفي آخر المطاف، اطراده على خط مستقيم واضح جلي بيِّن بهذا ينتصر الداعية … قلت لكم تمعنت انتصار بعض المباديء الأرضيه وهي مباديء أرضية ليست إسلامية وجدت أن من أسباب انتصارها إيمان أصحابها بها وثباتهم عليها فيحققون انتصاراً عجيباً في الدنيا .
فكيف إذا كان الإنسان مؤمناً ومطرداً ومؤمناً بالله جل وعلا . ماندلا في جنوب أفريقيا . قوة إيمانه بعدالة قضيته بتخليص بلاده من الإستعمار البريطاني وثباته على ذلك أكثر من سبع وعشرين سنة ماذا حدث له ؟! لاأعلم الآن زعيماً معاصراً من غير المسلمين له من الإحترام والتقدير في العالم أجمع مثل ماندلا لأن قضيته كانت عادلة مع أنه غير مؤمن ودعي إلى الإسلام نسأل الله له الهداية.
أخواننا لما ذهبوا إلى جنوب أفريقيا قبل أشهر لمؤتمر هناك دعوه فقال أنا لست على دين فإن اخترت ديناً فسأختار الإسلام. فثبات الرجل وصدق الرجل عجيبة جداً وسبق أن ذكرت لكم شيئاً من ذلك ومع ذلك انتصر وهو ليس بمسلم فكيف إذا كان الرجل مسلماً إذا ثبت واطرد على منهجه ولم يتقلب ولم يضطرب فإنه ينتصر بإذن الله، هكذا كان يوسف عليه السلام. أما إذا بدأ الإضطراب عند الإنسان والتأخر والتقدم في غير موضعه لايستطيع أن ينتصر لأنه لم ينتصر على نفسه فكيف ينتصر على الآخرين هذه مسألة آمل إن شاء الله أن أبيِّنها بالتفصيل في وقت قادم سواء في هذا الدرس أو في غيره في موضوع أهمية الاطراد في المنهج وخطورة الإضطراب والتغير والتبدل …
ومما وجدت من مقومات عزة يوسف عليه السلام وانتصاره عدم الاستعجال أو التنازل لاحظوا عدم الاستعجال أو التنازل أو اليأس أو القنوط. الآفات التي تصيب الأمة وتصيب الناس وتصيب الدعاة إما استعجال أو يأس وقنوط أو تنازل في غير موضعه لأنه إذا كان في موضعه لايسمى تنازلاً … يوسف عليه السلام لم يستعجل كما ذكرت لكم في قصته في السجن ولما تولَّى الملك ولم يتنازل لحظة واحدة أبداً أبداً ولم ييأس ولم يقنط وهكذا كان أبوه عليهما السلام. ضع هذه المعالم أمام عينيك الإستعجال التنازل اليأس القنوط التشاؤم فهي مهلكة ولذلك نبَّه إليها محمد صلى الله عليه وسلم في مواطن عدة وهو يقول لصحابته (( والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لايخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون)) هذا يقال لصحابة محمد صلى الله عليه وسلم الاستعجال آفة أنا أخشى أن نفرط في الثروة الضخمة من هذا الإقبال على هذا الدين والاستعداد للتضحية والفداء والبذل والله إني أخشى من الاستعجال الذي قام محمد صلى الله عليه وسلم يربِّي أمته على الحذرمنه خوفاً من أن يقعوا فيه فلذلك أيها الأخوة يجب أن نضع هذه المعالم أمام أعيننا إذا توافرت هذه المقومات – التي توافرت ليوسف عليه السلام – وتمكن في الأرض إذا توافرت هذه المقومات لأمة … تحقق الانتصار العظيم بإذن الله ووعد الله آت ونصره قادم والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لايفقهون، فالله الله بالتفاؤل وحسن الظن بالله لاتسيئوا الظن بالله جلَّ وعلا . يقول ابن القيم رحمه الله مامن امرؤ إلا وهو يسيء الظن بربه فبين مقل ومستكثر … وكل منكم يعرض نفسه بينه وبين ربه وهذه من أعمال القلوب هذا كلام شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله فما يخلو الإنسان من سوء ظن بالله جلَّ وعلا وأسبابه كثيرة سواء على المستوى الشخصي . بعض الناس يقول لماذا ربي لايرزقني، بعض الناس يقولون لماذا لاينصرنا الله جلَّ وعلا . ياأخي .. هل استحققنا النصر ؟! هل أخذنا بعوامل النصر ؟! هل زالت موانع النصر ؟! وعده لايتخلف سبحانه وتعالى أبداً، لكن إذا توافرت الأسباب وقامت الدواعي وزالت الموانع عندها يتحقق وعد الله لامحالة (( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)) (( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون )) الآيات متواترة في القرآن … المصيبة فينا وفي أنفسنا وفي ضعفنا فالله الله أحسنوا الظن بالله وكونوا أكثر تفاؤلاً بتحقق وعد الله ولكن علينا أن نأخذ بأسباب النصر وأن نصدق مع الله (( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)) (( ولو صدقوا الله لكان خيراً لهم)) .
أسأل الله أن يبرم لهذه الأمة إبرام رشد يعز في أهل الطاعة ويُهدى فيه أهل المعصية، وأن يمكِّن للإسلام والمسلمين وأن يعلي راية الدين. والحمد الله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.