منتدى الدريوش ريف

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

4 مشترك

    الهجرة القروية ومشاكل التحضر بالمدن الجبلية مقاربة سوسيولوجي

    مراسل الدريوش ريف
    مراسل الدريوش ريف
    عضو ذهبي
    عضو ذهبي


    ذكر
    183
    العمر : 47
    لإقــامه : الريف الكبير
    المهنة : مراسل صحفي
    نقاط : 49
    السٌّمعَة : 3
    تاريخ التسجيل : 12/02/2007

    الهجرة القروية ومشاكل التحضر بالمدن الجبلية مقاربة سوسيولوجي Empty الهجرة القروية ومشاكل التحضر بالمدن الجبلية مقاربة سوسيولوجي

    مُساهمة من طرف مراسل الدريوش ريف الخميس نوفمبر 08, 2007 7:23 am

    الهجرة القروية ومشاكل التحضر بالمدن الجبلية مقاربة سوسيولوجي Image112
    الأستاذ: محمد جحاح




    تندرج المداخلة التالية في إطار مساهمة متواضعة في التعريف بأهم المشاكل والقضايا التي تطرحها ظاهرة الهجرة القروية نحو المدن. وينحصر اهتمامنا بالذات، في "المدن الجبلية"- التي هي محور هذه الندوة العلمية المنظمة في إطار :الدورة الأولى لجامعة أزرو المفتوحة-.

    وبالمناسبة أستغل الفرصة هنا بالطبع، كي أقدم شكرا خاصا للجنة المنظمة، ولكل من فكر وساهم في إنجاح هذا التقليد العلمي المحمود.

    في الواقع، إن الإشكالية المركزية التي ننطلق منها في عرضنا هذا، والتي تقدم الهيكل العام لأهم محاوره، هي إشكالية التحضر بالمناطق الجبلية، أو إن شئنا الدقة أكثر، "بالمدن الجبلية"، هذه الأخيرة التي أصبحت تعيش مجموعة من المشاكل، سواء على مستوى بنياتها التحتية، بما يعنيه ذلك من قلة وسوء التجهيزات، أو على مستوى ضعف ومحدودية الخدمات المتوفرة، مما يطرح أكثر من نقطة استفهام حول السياسات المحلية والجهوية المتبعة في إطار مفهوم "الحكامة". ناهيك طبعا عن واقع التهميش الذي كانت ومازالت تعيشه من قبل الدولة، في إطار البرامج التنموية الوطنية. والأخطر من ذلك، ما أصبحت تشكله ظاهرة التحضر السريع الناجمة بدورها عن استفحال ظاهرة الهجرة القروية، وبأشكال متسارعة نحو هذه المدن. ولنا أن نتصور النتائج الكارثية لكل ذلك، على مستوى النسيج الحضري لهذه الأخيرة.

    كل هذا يدفعنا إلى التساؤل حول طبيعة الظاهرة الحضرية بشكل عام، والخصوصيات التي قد يطرحها المجال –كواحد من أبرز المحددات هنا- لتقديم تعريف سوسيولوجي واضح ودقيق لكل نمط من أنماط التحضر المفترضة. إذ ما معنى وما مدى مشروعية الحديث عن "مدنية جبلية" في مقابل أنماط أخرى من التمدن: (مدن الساحل، مدن الداخل، مدن الواحات أو المدن الصحراوية...؟ !). فهل الجبل هنا يبقى مجرد مؤشر جغرافي/طبيعي، أم ينبغي الانطلاق منه كمتغير سوسيو-مجالي، بما يكثفه المفهوم طبعا من أبعاد ودلالات اجتماعية، ثقافية، اقتصادية وسياسية أيضا؟

    إن المسألة هنا تقتضي بالطبع، نوعا من الحذر الابستمولوجي إزاء أية محاولة للتعريف أو التحديد، لأن للمفهوم دوما أهميته الاستراتيجية في تأمين مطلب الدقة والموضوعية المفترضين في أي بحث علمي. هذا من جهة، وعلى مستوى آخر، فإذا كنا نسعى إلى طرح ومعالجة طبيعة وخصوصية الظاهرة الحضرية بالمدن الجبلية، وتحديدا من زاوية النظر إلى ظاهرة الهجرة القروية، ومدى انعكاساتها وآثارها الخطيرة على مكونات النسيج الحضري لهذه المدن، فإن المدخل إلى ذلك لن يكون بالطبع إلا عبر تفكيك وإعادة التفكير في هذا الزوج المفهومي المثير: (مدينة/جبل).

    وهنا نطرح السؤال التالي: أية مدينة لأي جبل؟ وأية علاقة ممكنة أو مفترضة بين كل من المجالين (مدينة/جبل)؟ فما الذي يمنحه المحيط الجبلي –كمجال جغرافي، اقتصادي، اجتماعي وثقافي- من خصوصيات ومميزات تسم المدن المسماة جبلية، وتميزها عن غيرها من أنماط المدن؟ وما هي أشكال وأبعاد وحدود التبادل والتواصل بين المدينة ومحيطها الجبلي؟ وما موقع المدينة ومدى مركزيتها بالنسبة لهذا المحيط؟ هل هي حقا عنصر تمدين وتحديث بالنسبة لمحيطها القروي، أي ذلك القطب "الفاعل" في نشر القيم الحضرية والحداثية نحوه: (التصنيع، التعليم، الصحة، التكنولوجيا، الاستثمار، الديمقراطية، الثقافة الحضرية...)؟ وهنا نتحدث عن عملية تحضير للمجتمع القروي (Urbanisation)، أم على العكس من ذلك، تصبح المدينة "موضوعا" لعملية عكسية، الفاعل فيها المحيط القروي/الجبلي الذي لا يتوقف عن نشر قيمه وثقافته القروية من داخل المدينة، وذلك بفعل عملية الهجرة المكثفة والغير منظمة من الجبل نحو المدينة؟ وهنا نتحدث عن عملية أو ظاهرة "ترييف المدن" (Transplantation). أم أن هناك شكلا آخر وديناميات أخرى تؤسس لهذه العلاقة المعقدة؟ !.

    نحن هنا أمام سيرورتين متعارضتين إذن: سيرورة "التحضر" من جهة، وسيرورة "الترييف" في الجهة المقابلة. أو بلغة السوسيولوجي الألماني (ماكس فيبر) Max Weber، إننا بصدد نموذجين مثاليين متقابلين من: (القيم والسلوكات وأشكال التنظيم وأنماط الفعل والتأثير والتدبير...)؛ "نموذج التحضير" والذي يؤكد مركزية المدينة وهيمنتها، بكل ما يعنيه ذلك من نشر وانتشار للقيم الحضرية واكتساحها للمجال، و"نموذج الترييف" الذي تستحيل معه المدينة، كفضاء، إلى مجرد حاضنة لإعادة تفريخ وإنتاج نفس القيم والعلاقات القروية؟

    في الواقع، وإذا كنا نميل أكثر إلى ترجيح هيمنته هذا النمط الأخير (الترييف) – على الأقل بالنسبة للمدن الجبلية التي سبق وقمنا ببعض الأبحاث حولها: (مدينة تارجيست مثلا)- فإننا مع ذلك، لا نتوقف في بحثنا عند حدود المدينة، لتشخيص هذا الوضع (الظاهرة) وتحليله. فالبحث السوسيولوجي يقتضي منا الذهاب أبعد وأعمق، في سبيل الكشف عن الأسباب والعوامل الحقيقية الكامنة وراء الظاهرة.

    ولتوضيح الفكرة أكثر، فإننا نفترض بأن أزمة "المدينة الجبلية"، كأزمة تحضر بالأساس، قد تجد جذورها في أزمة المحيط القروي "الجبلي" الذي يحيط بها. وهي بذلك لا تعدو أن تكون سوى مرآة تعكس أزمة ذلك المحيط وتداعياتها. بل أكثر من ذلك، يمكن أن نفهم (أزمة التحضر) على مستوى المدن الجبلية –وارتباطا طبعا بسيرورة الهجرة القروية- بمثابة إسقاط سوسيو-مجالي لأزمة العالم القروي على مستوى فضاء المدينة؛ مما يقودنا إلى الحديث عن نمط خاص من التحضر أو التمدين: (تمدين الأزمة). كيف ذلك؟ !.

    في الواقع، لا يمكن فهم المسألة بالاقتصار على أحد طرفي العلاقة: (قرية /مدينة)، أو بحصر هذه العلاقة في هذه الثنائية بالذات، والاكتفاء بالسؤال حول: من هو الطرف الأقوى وبالتالي الأقدر على نشر وفرض قيمه وثقافته على الآخر؟ وإن كان الوضع يسير هنا في اتجاه تأكيد السيادة للقرية على حساب المدينة (الترييف)؛ إنما السؤال هنا يتجاوز هذه العلاقة إلى ما هو أشمل وأعقد، إلى علاقة الدولة بالمجتمع في المغرب. وهنا بالذات يطرح سؤال السياسات التنموية المتبعة بالمغرب منذ الاستقلال السياسي وإلى اليوم، إذ ما نصيب العالم القروي من برامج ومخططات التنمية، منذ أول تصميم خماسي و إلى حدود إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟ وما هي مترتبات ونتائج السياسات الترابية التي ظلت، وإلى عهد قريب، وفية لمبدأي (المركزية) و(التركيز)؟ هذا دون أن ننسى بالطبع مخلفات المرحلة الاستعمارية، التي كان نصيب العالم القروي من نتائجها الكارثية أوفر؛ نظرا لما تعرض له هذا الأخير من أشكال النهب والاستنزاف، ومن تفكيك وتحطيم لهياكله وبنياته الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية.

    كل هذه العوامل وغيرها، تعتبر حاسمة في فهم وتفسير ظاهرة الهجرة القروية نحو المدن. ولعل هذا ما جعلنا نربط الأزمة الحضرية التي تعيشها هذه المدن بأزمة العالم القروي، التي هي في العمق أزمة سياسة تنموية، أكدت غير ما مرة فشل الدولة في بلورة مشروع مجتمعي متكامل ومنسجم مع مقتضيات العصر، ومتطلبات التحديث والتنمية الحقة.

    ولعل ما زاد الوضع تعقيدا بالنسبة للدولة، صعوبة تخلصها كلية من ذلك الإرث الاستعماري، خاصة فيما يتعلق بالجوانب التشريعية والمتعلقة أساسا بالتنظيم الإداري (الإدارة الترابية).
    وفيما يلي عرض وتحليل لأهم العناصر الدالة من داخل سيرورة الأزمة هذه –(كأزمة مركبة)- إذا اعتبرنا طبعا بأن ظاهرة الهجرة القروية هي، في نفس الآن، نتاج أزمة نموذج تنموي (تنمية المدينة على حساب القرية)؛ والسبب الرئيسي أيضا فيما نصطلح عليه هنا بأزمة "نموذج حضري"؛ هذا النموذج الذي يبدو أكثر وضوحا على مستوى المدن الجبلية (التحضر السريع والغير
    الهجرة القروية ومشاكل التحضر بالمدن الجبلية مقاربة سوسيولوجي Image113







    مرحلة الاستعمار



    كان دخول الاستعمار إلى المغرب وغيره من بلدان العالم الثالث، كنتيجة طبيعية لتطور الرأسمالية الغربية، حيث ضاقت أسواق هذه الأخيرة، وانحسرت مواردها الطبيعية والبشرية بشكل يعيق حلمها في تحقيق المزيد من الربح والاستثمار، فكان الطريق الطبيعي نحو ذلك هو التوسع والاستعمار. وفي هذا الإطار يأتي الاستعمار الفرنسي للمغرب، على إثر توقيع معاهدة "الحماية" سنة 1912.

    لقد كان على فرنسا أن تنهج سياسات متميزة، تدعم رغبتها في استنزاف خيرات البلاد، وبطريقة أكثر "عقلانية" ونجاعة من سياسة القوة العسكرية التي كلفتها الشيء الكثير مع الجارة الجزائر. وفي هذا الإطار جاءت مجموعة من المخططات والمشاريع لإضفاء الشرعية القانونية على ذلك، سواء بالمدن أو بالعالم القروي. وبالنسبة لهذا الأخير، وعلاوة على أسلوب القوة العسكرية، "عمدت السلطات الاستعمارية لتحقيق أهدافها التوسعية والمهيمنة إلى حيل قانونية، لتعطي لهذه العملية، عملية الاستيلاء على الأراضي، طابعا شرعيا وتكسبها بالتالي قوتها الذاتية... وقد تجلت هذه الظاهرة في سلسلة من الظهائر التي تنظم هذه العملية... وقد كانت بداية هذه العملية إصدار ظهير لمصادرة أملاك الأجانب من غير الفرنسيين، وذلك سنة 1914، وسوف يتبع هذا الظهير عملية حاسمة في تاريخ الهيمنة الاستعمارية على الأراضي بالمغرب؛ ونعني بذلك تأسيس لجنة الاستعمار (Comité de colonisation) لتشجيع ومساندة الاحتلال العقاري"(1).

    لقد كان المتضرر الأول والأخير من هذه السياسة، الفلاحون الصغار الذين كانوا يشكلون الشريحة الأعرض من داخل المجتمع القروي، والمغربي بشكل عام. فتجريدهم من وسائل الإنتاج (الأرض)، بالإضافة إلى تفكيك وتحديث بنية الإنتاج الزراعي وتحويلها إلى عملية التصدير، قد أدى إلى تجويع جماهير عريضة من القرويين وبلترتهم بتجريدهم من كل وسائط ووسائل الارتباط المادية بالمجتمع المحلي. بل أكثر من ذلك، فقد طالت عملية التفكيك والتحطيم هذه حتى المستويين الثقافي والاجتماعي، مما خلف وضعا من الاغتراب والاستلاب. فكانت النتيجة هي: (النهب المزدوج)؛ نهب الفلاح في رأسماله المادي ورأسماله الرمزي أيضا. إزاء هذا الوضع إذن، لم يكن من خيار آخر أمام جماهير الفلاحين الفقراء، سوى الهجرة نحو المدن. وكانت هذه هي النواة الأولى لتشكل البروليتاريا المغربية، التي أفرد لها الباحث الكولونيالي (روبير مونطاني) Robert Montagne بحثا خاصا (2). فما هو الوضع إذن بالنسبة للمغرب المستقل؟ !
    الهجرة القروية ومشاكل التحضر بالمدن الجبلية مقاربة سوسيولوجي Image114
    II


    الوضع غداة الاستقلال


    غداة الاستقلال السياسي للبلاد (1956)، عمدت الدولة –وفي شخص حكوماتها المتعاقبة- على إنجاز مجموعة من المشاريع والمخططات التنموية، وذلك بهدف إعادة هيكلة ذاتها سياسيا، اقتصاديا واجتماعيا. إلا أن السمة الأساسية التي طبعت هذه السياسة، وشكلت معضلة حقيقية أمام إنجاح مشاريع تنموية فعلية، كانت تتمثل في صعوبة التحرر من الإرث الاستعماري. خاصة بعد تغلغل النمط الرأسمالي، وإدماج المغرب –كغيره من بلدان العالم الثالث- في سوق العمل الدولي، وتوجيه اقتصاده توجيها ينسجم والأهداف الرأسمالية الإمبريالية. وبناء عليه، أصبح مشكل التنمية بهذا البلد يشكل معضلة حقيقية. ويبقى من أبرز مظاهر هذه المعضلة، استمرار "سياسة المركزية" التي كان الاستعمار الفرنسي قد كرسها بشدة في مرحلته التقليدية، مما ضاعف من حدة الأزمة سواء على مستوى المجتمع،القروي أو مجتمع المدينة الذي أصبح أكثر فأكثر تحت رحمة الاكتساح القروي، في شخص موجات مكثفة وغير منظمة من الهجرة القروية.

    لقد تميزت السياسات التنموية التي نهجتها الدولة إذن، بالمركزية المفرطة. ولعل هذا ما كرسته المخططات الخماسية الموجهة في هذا الإطار، والتي افتقدت في الغالب إلى حد أدنى من التكامل الاقتصادي و الاجتماعي بين مجتمع المدينة ومجتمع القرية. هذا علاوة على أشكال من التهميش السياسي والاقتصادي لبعض المناطق من المغرب، ومعظمها مناطق جبلية، وهي إجراءات تأديبية يمكن أن نقرأها في إطار حسابات سياسية محكومة بإرث تاريخي. ونعطي المثال هنا فقط بما شهدته منطقة الريف بالمغرب وبعض مناطق الأطلس من إقصاء وتهميش، ما عدا بعض المحاولات المحدودة جدا، والتي ظلت تفتقد إلى عمق استراتيجي ورؤية تنموية شاملة.

    لقد جاءت مشاريع التنمية التي قامت بها الدولة غداة الاستقلال –خاصة بهذه المناطق الجبلية المهمشة (الريف والأطلس الكبير الشرقي)- نتيجة الأحداث الدامية التي شهدتها هذه الأخيرة، وذلك إثر الحركات الاحتجاجية (القروية) التي وصفت بالعصيان والتمرد.. إلخ. ونعطي المثال هنا بأحداث الريف (1958-1959) التي ترسخت في ذاكرة الريفيين باسم (عام الجبل).

    ففي سياق هذه الأحداث وغيرها إذن، وفي إطار مقاربة أمنية بالأساس، جاء ميلاد بعض المشاريع التنموية خاصة بالريف والشمال، كمشروع (التنمية الاقتصادية القروية بالريف الغربي)- Projet: DERRO- في السبعينات، ومشروع (حوض سبو). إلا أن هذه المشاريع ظلت محكومة بإكراهات ظرفية، مما أفقدها بعدا تنمويا شاملا. بل أكثر من ذلك، فهي لم تكن مؤسسة على معرفة وافية بمشاكل الجبل وقضاياه، "لذا طرح تدبير هذا المشروع –بطريقة نموذجية- مشكلة توفر المعلومات حول الجبل، الذي يظل تهميشه معرفيا من أسباب تهميشه السوسيو-مجالي والاقتصادي والسياسي" (3).

    حتى لا نطيل في سرد الأمثلة، يمكن أن نخلص إلى النتيجة التالية: وهي أن السياسات التنموية التي نهجتها الدولة المغربية طيلة أربعة عقود من الاستقلال تقريبا، ظل الثابت البنيوي فيها هو اللاتكافؤ بين القرية والمدينة، بين السهل والجبل، بين المركز والمحيط (وكأن الأمر يتعلق هنا بإعادة إنتاج متقدمة للتقسيم الكولونيالي المعروف: مغرب نافع/مغرب غير نافع). والنتيجة دائما هي حرمان العالم القروي من نصيبه في خطط التنمية المتبعة، هذا بالموازاة مع الاستغلال والاستنزاف المستمرين لهذا الأخير، سواء على مستوى موارده الطبيعية: (منتوجات زراعية وحيوانية)، وذلك في إطار عملية إدماجها في آلة الاقتصاد الرأسمالي وتوجيهها نحو التصدير، أو في شخص موارده البشرية التي أخذت في التقلص يوما بعد يوم عن طريق الهجرة المكثفة. إما في شكل هجرة خارجية نحو (أوربا)، أو هجرة داخلية نحو المدن المجاورة؛ مع ما يعنيه ذلك من نزيف على مستوى السواعد المنتجة. وهذا كفيل بإعطائنا صورة واضحة حول وضع الأزمة التي أصبح يتخبط فيها العالم القروي، "كأزمة إنتاج"، سرعان ما يتم عكسها –وعن طريق الهجرة القروية- إلى وضع "إنتاج أزمة" على مستوى المدينة.

    فما هي انعكاسات هذه الأزمة على مستوى المدن الجبلية؟ وكيف السبيل إلى إعادة خلق عناصر دينامية جديدة بين المجالين: مدينة /قرية، كمدخل لإحقاق تلك التنمية المنشودة، أو بالأحرى المفقودة؟.
    [color:99f7=#555555:99f7]
    يتبع
    مراسل الدريوش ريف
    مراسل الدريوش ريف
    عضو ذهبي
    عضو ذهبي


    ذكر
    183
    العمر : 47
    لإقــامه : الريف الكبير
    المهنة : مراسل صحفي
    نقاط : 49
    السٌّمعَة : 3
    تاريخ التسجيل : 12/02/2007

    الهجرة القروية ومشاكل التحضر بالمدن الجبلية مقاربة سوسيولوجي Empty رد: الهجرة القروية ومشاكل التحضر بالمدن الجبلية مقاربة سوسيولوجي

    مُساهمة من طرف مراسل الدريوش ريف الخميس نوفمبر 08, 2007 7:28 am

    الهجرة القروية ومشاكل التحضر بالمدن الجبلية مقاربة سوسيولوجي Image115


    [color=#555555]

    بعض جوانب ومظاهر الأزمة الحضرية بالمدن الجبلية



    قد لا يحتاج الأمر إلى كثير من الجهد لرصد واقع هذه الأزمة، فالملاحظات الأولية قد تكون صادمة بالنسبة للإنسان العادي قبل الباحث المتخصص. وكنموذج على ذلك، سنحاول تقديم فكرة عامة حول الوضع المزري الذي تعيشه المدن الجبلية بمنطقة الريف، وتحديدا مدينة تارجيست.

    لقد نشأت هذه المدينة أول الأمر كمركز إداري / عسكري، من قبل القوات الاستعمارية الإسبانية. وذلك مباشرة بعد القضاء على حركة محمد بن عبد الكريم الخطابي التحريرية (سنة 1927). حيث كانت النواة الأولية لهذه المدينة عسكرية بالأساس: (ثكنات عسكرية ومراكز للمراقبة)؛ لتبدأ تدريجيا عملية التوسع الحضري مع فترة الثلاثينات والأربعينات من القرن 20. وهكذا ستحتضن ساكنة مدنية من المعمرين الإسبان، الذين قدموا إلى المنطقة كموظفين ومستثمرين وتجار وملاك أراضي... هذا علاوة على بعض الأهالي من الأعيان وأصحاب الامتيازات، من قبيل عائلات القواد وشيوخ الزوايا وموظفي الإدارة المدنية الإسبانية (4). وقد أطلق عليها الاسبان اسم "كرونة" نسبة إلى الكلمة الاسبانية (La Corona) أي التاج، وذلك اعتبارا للموقع الذي تحتله المدينة وسط سلسلة من الجبال المحيطة بها، مما يجعلها أشبه بالتاج. لكن، وبعد مرحلة الاستقلال السياسي (1956) سيتم تعويض هذه التسمية باسم (تاركيست)- Targuist- وهو في الأصل الاسم التاريخي للقبيلة التي تقع المدينة في مجالها الترابي (قبيلة تاركيست)، هذا الاسم المشتق بدوره من الكلمة الأمازيغية: (Tharguiste) والتي تعني "الرجولة" و"الشهامة".

    تقع هذه المدينة في قلب الريف الأوسط، وهي تابعة ترابيا لإقليم الحسيمة، حيث تبعد عن عاصمة الإقليم (مدينة الحسيمة) بحوالي (75 كلم) إلى جهة الشمال الغربي. وحسب معطيات الإحصاء الوطني الأخير للسكان والسكنى 2004، فقد وصل عدد ساكنة المدينة إلى حوالي (14000 نسمة) بكثافة جد مرتفعة. كما أن معظم هذه الساكنة (أكثر من 70 %) تنحدر من أصول قروية، وتحديدا هم مهاجرون نازحون من قرى ومداشر القبائل الجبلية المحيطة بالمدينة، خاصة قبائل: (زرقت، بني بونصار، بني أحمد، بني مزدوي، بني عمارت، بني بشير، بني سدات، بني حنوس، بني ورياغل، كتامة...).

    وهذا في حد ذاته يبقى مؤشرا دالا على ما ستعرفه المدينة من مشاكل التضخم الحضري، وما يرتبط به من مظاهر التدهور على مستوى البيئة الحضرية، وسوء تدبير واحتلال المجال –(خاصة في ظل غياب مراقبة صارمة من قبل السلطات الوصية)- والذي يوازيه في الأصل غياب سياسة حضرية عقلانية. ناهيك طبعا عما يؤشر عليه هذا الوضع من مظاهر سوء الاندماج الاجتماعي والثقافي؛ وربما هنا قد تكمن واحدة من أهم الأسباب التي تفسر واقع الصراعات والتوترات الاجتماعية التي تكتسي في الغالب صفة منازعات قبلية (إثنية). وتشتد الصورة وضوحا، عن هذا الوضع، أثناء فترات الانتخابات الجماعية والتشريعية؛ بحيث يتحول الحزب المتنافس إلى قبيلة وأحيانا إلى زاوية، كما يتحول المترشح إلى زعيم قبلي (أمغار) أو شيخ صوفي (شريف بركة)؛ وهكذا تشتغل البنيات الأولية (القرابة، الولاء، الزبونية، الخدمة) محل البنيات الثانوية في ضبط وتحريك الحقل السياسي المحلي. هناك اكتساح للمجال الحضري وللثقافة الحضرية من قبل بنيات قبلية إذن، والنتيجة دائما تدهور المدينة وانحطاط القيم الحضرية، أو ما يدرجه علماء الاجتماع الحضري في إطار مفهوم (الترييف).

    في الواقع، قد يحتاج تشخيص وتوصيف هذا الوضع إلى بحث قائم بذاته؛ لذا سنكتفي هنا بعرض مركز لأهم السمات الدالة عليه. وأول ملاحظة يمكن تسجيلها في هذا الصدد، تتعلق بنمط التعمير ونظام السكن، بحيث تكاد المدينة –وإذا استثنينا المركز وبعض الأحياء السكنية القريبة منه- تفتقد إلى أي حد أدنى من التنظيم. مما يضع سياسة التهيئة والتصميم الحضريين هنا موضع تساؤل. ونعطي النموذج هنا ببعض الأحياء المحيطة والهامشية، والتي جاء ظهورها وتوسعها أيضا –(وهي أحياء في معظمها حديثة)- في إطار الاستجابة لموجات الهجرة المكثفة من الجبال المحيطة كما أسلفنا: (حي بوطوال، حي المعلمين، حي السكنى والتعمير وحي أسمار). لقد نشأت جل هذه الأحياء وتوسعت بشكل لا يراعي في الغالب الأعم أبسط شروط ومواصفات المعايير المعمول بها في أي تصميم حضري، سواء تعلق الأمر بمواصفات الجودة في البناء، أو بالجوانب الصحية (تهوية، إنارة...).

    هذا دون أن ننسى ذلك البعد الغائب أو المغيب تماما من حسابات أصحاب الشأن الحضري والساهرين على تطبيق وتفعيل السياسات المحلية في هذا المجال، ونعني هنا بالتحديد البعد الجمالي للمدينة، مما تستحيل معه هذه الأخيرة إلى هجين يبعث على الامتعاض. ومما يزيد الوضع بؤسا وقتامة، غياب المساحات الخضراء داخل المدينة.

    بالموازاة مع كل هذا، واعتبارا للتوسع الحضري السريع والضغط الكبير والمستمر للساكنة، أصبحت تطرح مسألة التجهيزات الأساسية: (طرق، قنوات الصرف الصحي، مطارح النفايات، الماء، الكهرباء...) مشاكل حقيقية، تتطلب تدخلا عاجلا وفعليا من قبل المسؤولين. خاصة مشكلة الإنارة ومشاكل الصرف الصحي التي تتفاقم كلما شهدت المدينة والنواحي تساقطات مطرية مهمة؛ ناهيك عن الحالة المتآكلة للشبكة الطرقية. وقد لا يختلف الوضع كثيرا لما يطرح سؤال المؤسسات والمرافق الحضرية الأخرى: (مستشفيات، مدارس ومرافق إدارية حيوية)، مما يضطر السكان غالبا إلى الذهاب إلى مدينة الحسيمة لقضاء أغراضهم الإدارية. وتبدو المفارقة صارخة لما نجد مدينة بمثل هذا الحجم الديمغرافي الكبير (14000 نسمة)، ولا تتوفر سوى على مستشفى واحد ورثته عن المرحلة الاستعمارية. وهو اليوم مهدد بالانهيار نظرا للشقوق العميقة التي خلفها زلزال الحسيمة الأخير (24 فبراير 2004)، والهزات الارتدادية التي مازالت تتعرض لها المنطقة من حين لآخر؛ هذا علاوة على فقر التجهيزات، وغياب الضروري منها.

    كما أن المدينة لا تتوفر سوى على ثانوية واحدة وإعدادية واحدة أيضا، مما يفسر الاكتظاظ الكبير من داخل الأقسام. وتبقى هذه أمثلة من بين أخرى كثيرة، على مدينة جبلية في عز أزمتها الحضرية.

    وكغيرها من المدن الجبلية، تتميز مدينة تارجيست باقتصاد هش وغير مستقل من حيث موارده وآليات اشتغاله، مما يفسر في الغالب هامشيته وطابعه الغير مهيكل. فمن جهة، لا يمكن تصور المدينة سوى كسوق للتبادل بين القبائل الجبلية المحيطة بها، مما يفسر سيادة الأنشطة التجارية والتي يطغى عليها المنتوج الزراعي والحيواني، هذا دون أن ننتقص من أهمية بعض الأنشطة التجارية الأخرى المرتبطة أساسا بمجال التجهيزات المنزلية، بما في ذلك المنتوجات ذات التكنولوجيا المتطورة (الرقمية)، ومنتجات استهلاكية أخرى تحيل على سيادة نمط من "استهلاك الرفاه".

    ولعل هذا ما يمكن تفسيره بذلك التطور الهام الحاصل على مستوى السلوك الاستهلاكي لبعض الشرائح الاجتماعية، التي استفادت –وبشكل مباشر- من عائدات بعض الأنشطة الاقتصادية الغير مشروعة، خاصة تجارة المخدرات (الحشيش) والاتجار في السلع المهربة. وينضاف إلى هؤلاء فئة من المضاربين العقاريين الذين يشكلون –تجاوزا- نوعا من "البرجوازية العقارية"، ومعظمهم يدين بأصوله المالية، إما إلى أموال التهريب والمخدرات، أو إلى عائدات العمالة بالخارج (العملة الصعبة)، ناهيك عن بعض الملاك العقاريين الذين يتصرفون في مساحات شاسعة من الأراضي، وهي في الأصل إقطاعات وعزائب ورثوها عن آبائهم وأجدادهم من شيوخ الزوايا، خاصة الزاوية الخمليشية التي كانت الزاوية الأقوى والأكثر أملاكا بمنطقة الريف الأوسط(5).

    أما بخصوص الصناعة، وإذا استثنينا وجود وحدتين صناعيتين لتحويل وتصنيع الخشب، قد لا نجد أثرا يذكر لحركة صناعية، ماعدا بعض المقاولات العائلية الصغرى والناشئة لصناعة الزليج، وورشات النجارة ومكانيك السيارات والتلحيم. كما أن المعمل الوحيد الذي كان يشغل عددا لا بأس به من الأيدي العاملة النشيطة، والذي كان يزود السوق المحلي وأسواق أخرى مجاورة بمادة الآجور، قد أغلق أبوابه في السنين الأخيرة بسبب سوء التسيير وتفاقم المشاكل المالية والإدارية.

    وتبقى هذه مؤشرات، من بين أخرى ،على استفحال ظاهرة البطالة في صفوف الفئات النشيطة من ساكنة المدينة. وهنا تكمن إحدى أهم الأسباب التي تفسر تنامي ظاهرة الهجرة السرية نحو إسبانبا، خاصة لدى أوساط الشباب، بمن فيهم حاملو الشواهد العليا. وتعتبر مدينة تارجيست في هذا الإطار، مركزا هاما لنشاط بعض الشبكات المتخصصة في تهجير هؤلاء الشباب، عبر ما أصبح يعرف "بقوارب الموت" أو "الحريك".

    أمام كل هذه المعطيات، يبقى قطاع الخدمات يحظى بأهمية خاصة داخل المدينة. فهو قطاع تتعيش منه الغالبية العظمى من ساكنتها، خاصة قطاع النقل الطرقي ونقل البضائع –علما بأن المدينة تتوفر على أسطول هام من الشاحنات- علاوة على قطاع الوظيفة العمومية والقطاع الخاص (وكالات بنكية، وكالات التأمين، مخادع هاتفية ومقاهي الانترنيت، ...). هذا دون أن ننسى الأهمية الكبرى التي تحتلها المطاعم، المقاهي والفنادق من حيث عددها الكبير، و الذي يؤشر على ما توفره من فرص للشغل بالمدينة. لكن، ورغم كل هذه المؤشرات، يبقى الارتباط مستمرا وقويا بالقرية وبالجبل، خاصة وأن المعطيات الميدانية تؤكد بأن نسبة هامة جدا من الساكنة، لا زالت تتعيش من الأرض ومن غلاتها، سواء عن طريق كرائها بالخمس (نظام الخماسة) أو بترك بعض أفراد من العائلة لرعايتها. ولا حاجة هنا إلى التأكيد على أن الارتباط المادي بالأرض (القرية)، هو ارتباط روحي وثقافي أيضا بعالم من القيم والرموز والتمثلات، هي نفسها التي يتم عكسها وإعادة إنتاجها –بشكل أو بآخر- على مستوى المدينة.

    بقي أن نشير إلى نقطة أساسية تتعلق بالنسيج الاقتصادي للمدينة، والأمر يتعلق هنا طبعا بعائدات العمال المهاجرين من العملة الصعبة، فهي تشكل أهم مورد أساسي بالنسبة لاقتصاد المدينة والمنطقة بشكل عام، وهذا يرجع بالطبع إلى النسبة الهامة لهؤلاء المهاجرين من داخل مجموع الساكنة، وإلى إصرار معظمهم على الاستثمار في مجالات البناء والخدمات. وبالموازاة مع ذلك، قد لا نبالغ إذا شددنا على الأهمية الكبرى التي أصبحت تحتلها، وفي السنين الأخيرة، تجارة المخدرات (الحشيش) على مستوى اقتصاد المدينة. سيما وأن مدينة تارجيست تلعب في هذا الإطار دور المركز، خاصة على مستوى تنظيم وتدبير عمليات التسويق والتهريب؛ ولعل هذا ما تثبته محاضر الدرك الملكي المتعددة في هذا الشأن.بل أكثر من ذلك، قد تتسع تجارة التهريب لتشمل السلع والمنتوجات الاستهلاكية التي يتم إدخالها عن طريق سبتة ومليلية المحتلتين.

    في الواقع، لم يكن هدفنا من تقديم هذه الخطاطة الموجزة والسريعة حول الاقتصاد المحلي، أكثر من محاولة لوضع القارئ الكريم أمام واقع المفارقات والتعارضات البنيوية؛ بين "قوة مالية" واعدة –(ولعل هذا ما تضمنه عائدات المهاجرين وأموال المخدرات أيضا)(6) وبين اقتصاد هش وهامشي، بما يعنيه من هيمنة للأساليب التقليدية وغياب للمبادرة والاستثمار المنتج. فالشكل الوحيد للاستثمار السائد هنا هو العقار والبناء، دون أن ننسى طبعا بعض المشاريع الصغرى المنجزة في مجال الخدمات (فنادق، مقاهي، قاعات للألعاب، محطات للوقود...)، أما من فكر أبعد من ذلك، فلا يجد أفضل ولا أضمن من تحويل الوجهة نحو بعض المدن الكبرى: كطنجة، البيضاء، فاس، مكناس، وتطوان. الأمر يتعلق هنا طبعا بأباطرة التهريب وتجار المخدرات، في إطار عمليات تبييض الأموال بعيدا عن إثارة شكوك السلطة وفضول المواطنين.

    إن نتيجة هذا الوضع المتناقض، هي تأكيد –بشكل أو بآخر- لفرضية "الأزمة الحضرية" التي انطلقنا منها في مداخلتنا هذه: بنية حضرية متدهورة، اقتصاد هش وضغط ديمغرافي كبير بفعل تزايد حجم الهجرة القروية؛ والحصيلة دائما مزيد من التفكك الاجتماعي والتدهور الاقتصادي والثقافي. وتبقى من أهم المؤشرات السوسيولوجية الدالة على ذلك، ما أضحت تشهده المدينة من استفحال لظواهر اجتماعية كانت بالأمس القريب مجهولة، أو على الأقل محدودة جدا في المكان. الأمر يتعلق مثلا بظاهرة "الدعارة" أو العمالة الجنسية التي أصبحت، وعلاوة على بعض الفنادق، تكتسح مجموعة من الأحياء بالمدينة: (حي المعلمين، حي أسمار، ديور الشيخ أحمد). وذلك في إطار شبكات محكمة التنظيم، تقوم بجلب العاملات في مجال الجنس من مناطق ومدن أخرى من المغرب، مما شجع على خلق سوق للدعارة بالمدينة، مع ما يرافق ذلك من ظهور وتطور لبعض الأنشطة الموازية: كبيع الخمور بشكل سري وبيع مختلف أنواع المخدرات (حشيش، كيف، أقراص مهلوسة...). والأخطر من ذلك، أنه بدأت تظهر في السنين الأخيرة –وبفعل ما يمكن أن نصطلح عليه هنا ب "الطفرة الحشيشية"- شبكات محلية متخصصة في "القودة"، مهمتها استدراج الفتيات (ومعظمهن من تلميذات المستوى الإعدادي والثانوي) لمستنقع العمالة الجنسية، وزبناء هذا الصنف من الأنشطة المشبوهة معروفون: هم أباطرة المخدرات "البزناسة"، الذين يستغلون ظروف الفقر والحرمان التي يعيشها ضحاياهم. وهنا وجه آخر من أوجه البؤس، بل أشدها وقعا وإيلاما لما يتمكن الفقر من النفوس والضمائر.

    علاوة على كل ما ذكرنا، ينبغي التركيز على ظاهرة البطالة بشكليها: بطالة السواعد المنتجة، وبطالة حاملي الشواهد، حيث أضحت البطالة هي القاعدة، مما يفسر في الغالب –وارتباطا بعوامل أخرى- مجمل المشاكل والظواهر الاجتماعية الأخرى التي أصبح يعرفها المجتمع المحلي، من قبيل: ظاهرة الانتحار، ظاهرة الطلاق، ظاهرة الجريمة، ظاهرة الدعارة... إلخ.

    هذه كلها إذن ،مؤشرات تؤكد بوضوح واقع التدهور الذي أصبحت تعيشه هذه المدينة الجبلية، من جراء عملية الترييف المستمرة وما تطرحه من مشاكل سوء الاندماج وصعوبة التكيف الاجتماعي والثقافي. كل هذا يحصل ويتطور بالموازاة مع غياب أية مبادرة فعلية من قبل المسؤولين، سواء كسلطة محلية أو كمنتخبين في إطار المجالس المحلية المتعاقبة، في إيجاد سبل كفيلة بوقف أو ،على الأقل، الحد من سيرورة التدهور تلك. فهل يبقى الرهان هنا على المجتمع المدني؟ وما هو الدور المنتظر من الدولة القيام به في هذا الصدد؟ وبكلمة واحدة: أي مشروع تنموي بإمكانه إخراج هذا النمط من المدن "المدن الجبلية" من أزمتها، أو على الأقل التخفيف من حدة هذه الأزمة؟ !.

    في اعتقادنا، أمر كهذا يستلزم بالضرورة التفكير في نهج استراتيجية تنموية شاملة، وعلى المديين المتوسط والبعيد. هذا دون أن نغفل ضرورة التدخل العاجل بهذه المناطق الجبلية، والاهتمام أكثر بإعادة خلق حد أدنى من التوازنات السوسيو-مجالية والاقتصادية والاجتماعية، بين المدينة ومحيطها القروي. ولن يكون ذلك ممكنا إلا عبر توحيد جهود كل من الدولة، الجماعات المحلية والمجتمع المدني بكل مكوناته (جمعيات، تعاونيات، أحزاب سياسية).

    إن التنمية المطلوبة إذن، لن تكون سوى تنمية شاملة وعادلة، إن على مستوى المجال: (مدينة /قرية – سهل / جبل – شمال/ جنوب – شرق / غرب – ريف / صحراء-...)، أو على مستوى المضامين والأبعاد: (اجتماعية، اقتصادية، سياسية، ثقافية، ...)، من هذا المنظور يصبح الإنسان هو الشرط الأساس والغاية أيضا من كل مبادرة تنموية. وإذا كان هناك من مبرر لإطلاق "المبادرة الوطنية للتنمية البشريةّ"، وفي هذه الظرفية بالذات، فلن يكون سوى ذلك الوعي بخطورة الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية والسياسية، التي أثمرت عنها السياسات "التنموية" السابقة (طيلة أربعة عقود). هناك إذن مجموعة من التحديات مطروحة أمام الدولة والمجتمع المغربيين، والرهان الوحيد والأضمن لكسب المعركة (معركة التنمية)، لن يكون إلا رهانا على الحداثة والديمقراطية الحقة.

    لقد حاولنا إذن، ومن خلال هذه الورقة المتواضعة، إعطاء النموذج بوضعية المدن الجبلية في إطار علاقاتها المختلة بمحيطها القروي، كما أكدنا على واقع التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي أيضا، من قبل الدولة إزاء هذه المناطق. وإذا كنا قد وصفنا هذا الوضع بالأزمة، ففي عمق هذه الأزمة وفي تداعياتها أيضا، يمكننا –كباحثين- أن نقرأ واقع التحولات السوسيولوجية العميقة التي بدأ يشهدها المجتمع المغربي عامة، والقروي (الجبلي) بشكل خاص. هذه التحولات التي ينبغي فهمها واستيعاب المنطق السوسيولوجي الذي يحكمها، بهدف التحكم في مسارها وتوجيهها في إطار سياسة تنموية شاملة تراعي جدلية الخاص والعام، القرية والمدينة، المجتمع والدولة. لأن المسألة تتجاوز حدود المدن والمناطق الجبلية، لتمس في العمق المجتمع المغربي في كليته؛ خاصة في ظل إكراهات وتحديات "العولمة": (التنمية، البطالة، الهجرة السرية، التهريب، الإرهاب، ...).
    karim_viva
    karim_viva
    رئيس تحرير نوارس الريف
    رئيس تحرير نوارس الريف


    ذكر
    6091
    العمر : 38
    لإقــامه : tafersit+tanger+tetouan
    المهنة : تاجر
    نقاط : 0
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 27/08/2007

    الهجرة القروية ومشاكل التحضر بالمدن الجبلية مقاربة سوسيولوجي Empty رد: الهجرة القروية ومشاكل التحضر بالمدن الجبلية مقاربة سوسيولوجي

    مُساهمة من طرف karim_viva الخميس نوفمبر 08, 2007 7:32 am

    شكرا لك اخي الفاضل على المجهود القيم
    ادارة الموقع
    ادارة الموقع
    مصمم
    مصمم


    ذكر
    49911
    لإقــامه : أرض الله واسعة
    المهنة : على باب الله
    نقاط : 1371
    السٌّمعَة : 3
    تاريخ التسجيل : 10/02/2007

    الهجرة القروية ومشاكل التحضر بالمدن الجبلية مقاربة سوسيولوجي Empty رد: الهجرة القروية ومشاكل التحضر بالمدن الجبلية مقاربة سوسيولوجي

    مُساهمة من طرف ادارة الموقع الخميس نوفمبر 08, 2007 8:11 am

    الهجرة القروية ومشاكل التحضر بالمدن الجبلية مقاربة سوسيولوجي Animat10
    arif inou
    arif inou
    عضو ذهبي
    عضو ذهبي


    ذكر
    224
    العمر : 38
    لإقــامه : arif nakh
    المهنة : أسعى الى الله
    نقاط : 9
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 25/12/2007

    الهجرة القروية ومشاكل التحضر بالمدن الجبلية مقاربة سوسيولوجي Empty رد: الهجرة القروية ومشاكل التحضر بالمدن الجبلية مقاربة سوسيولوجي

    مُساهمة من طرف arif inou الأربعاء ديسمبر 26, 2007 10:17 am

    شكرا اخي

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 4:08 am