حاوره عبد الحق بلشكر:
- هل تعتقد بأن المغرب قد اقتنع بفتح ملف الغازات السامة في الريف ردا على الاستفزازات الإسبانية، خاصة وأن الموقف الرسمي المغربي كان يرفض طرح هذا الملف من طرف جمعيتكم؟
< هذا الملف يرجع للعشرينيات من القرن الماضي، وقد اكتشفته رفقة مجموعة من الرفاق في التسعينيات، إبان صدور كتاب في ألمانيا ألفه ألمانيان مختصان، تحت عنوان «عبد الكريم الخطابي في مواجهة السلاح الاسباني»، وقد قمنا بترجمة الكتاب سنة 1996. وبناء على المعطيات الواردة فيه، تحركنا وأسسنا جمعية ضحايا الغازات السامة بالريف سنة 1998. وقد استشرنا خبراء دوليين، وكنا عازمين سنة 1999-2000 على تنظيم ندوة في مدينة الحسيمة مهمتها الكشف عن حقيقة ما حدث. وقد اتصلنا بوزراء الخارجية في الدول التي لها ارتباط بالموضوع باعتبارها مصدرة ومنتجة لهذا الغاز المحظور دوليا، وإسبانيا باعتبارها المستعمل للغاز، وإنجلترا وفرنسا باعتبارهما مشاركين تقنيا ولوجيستيكيا في استعمال هذا الغاز، إضافة إلى الاتصال بسفير الولايات المتحدة في المغرب باعتبار أن أمريكا كانت على علم بكل ما يحدث وكانت تدعم الدولتين الاستعماريتين ضد عبد الكريم الخطابي. وعلى المستوى المغربي، اتصلنا بمسؤولين لهم علاقة مباشرة بالموضوع خاصة وزير الخارجية، ووزير البيئة اليازغي آنذاك، ووزير العدل وآخرين، وكلهم سعوا مغربيا ودوليا إلى منع الندوة، وفعلا تمكنوا من منعها قبل 24 ساعة من انعقادها بقرار مكتوب من وزارة الداخلية. كما كانت لي فيما قبل مراسلات مع وزير الخارجية الفيلالي، وبعده بنعيسى، وكلهم كانوا ضد إثارة الموضوع، وقد قلت آنذاك في ندوة صحافية: «هل قيمة ساكنة الشمال أقل من قيمة باقي سكان المغرب.. إذا كنا كذلك فليقولوا لنا هذا علنا لنتدبر أمرنا»، ولازلت أتذكر أنني استدعيت إلى وزارة الداخلية في عهد أحمد الميداوي، وتم تهديدي من طرف الوزير نفسه بأن قال لي إنه سيتم اعتقالي باعتباري ناشطا يساريا في حالة فرار من العدالة، علما بأنه صدر عني عفو مع رفاقي سنة 1989، حيث كنت محكوما بخمس سنوات غيابيا بتهمة نشاطي في الريف والانتماء إلى منظمة يسارية. وقد قلت للوزير آنذاك إن بإمكانه أن يعتقلني إن أراد. وفوجئت مؤخرا بأن السيد وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري يتحدث بمناسبة زيارة ملك إسبانيا خوان كارلوس عن تلك الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها إسبانيا في منطقتنا.
- ماذا كانت مبررات منعكم؟
< المبررات المكتوبة كانت هي أنه يجب الحفاظ على النظام العام.
- لكن ما هي خلفيات المنع؟
< الخلفيات هي أنهم كانوا لا يتعاملون معنا كشعب، وإنما أقل من علب السردين، وأقل من المواطنين، واليوم هناك وضع آخر طبعا.
- هل يفهم من كلام وزير الخارجية الفاسي الفهري أن هناك رغبة للدولة في تبني موضوع الغازات السامة في الريف ردا على إسبانيا؟
< أعرف أن السيد الفاسي الفهري لا يتكلم إلا عند الضرورة، وقد كان وزيرا فعليا للخارجية في السابق، فماذا فعلت وزارة الخارجية آنذاك؟ فهذه الجريمة قائمة منذ العشرينيات، فماذا فعل الفاسي الفهري؟ أقول إن الفاسي الفهري كان ضد تحريك جمعيتنا لملف الغازات السامة في الريف، وهو لم يفعل شيئا لسبب بسيط هو أن اسمه «الفاسي الفهري».
- إذا تم الاتصال بكم لتحريك هذا الملف (الغازات السامة)، هل ستستجيبون؟
< لا يمكن أن نستجيب لأي طلب من الفاسي الفهري.
- وماذا لو طلب منكم مسؤول آخر تحريك الملف؟
< أقول إننا لن نستجيب للفاسي الفهري ولا لأي طرف في الدولة، ولو كان الوزير الأول، لأنه أيضا فاسي ينحدر من تلك المدينة التي دمرتنا قبل أن يدمرنا الإسبان.
- كيف دمرتكم مدينة فاس؟
< هناك علاقة صراع تاريخي معروف، وكل من يتحركون اليوم في المغرب ضد شيء اسمه الديموقراطية هم المنحدرون من فاس، لأنهم لا يرغبون أن يروا مغربيا ينحدر من الهامش يسكن في الرباط، فما بالك بأن يكون له موقع. هؤلاء هم الذين كانوا يقولون لنا: قاوموا في سبيل الوطن، فقاومنا، وقالوا لنا: لا تدخلوا المدارس الأجنبية لأنها مدارس الكفار، فاستجبنا، وهم من الرعيل الأول للاستقلال مثل السيد الديوري. أبناء هؤلاء كلهم خريجو مدارس فرنسا، وأولادهم كلهم درسوا في البعثات الأجنبية، ونحن كنا عرضة للتهميش الأبدي الذي لازلنا نعيشه إلى يومنا هذا.
إذن، ما نفعله اليوم مع إسبانيا هو شكل من أشكال مقاومة الاستعمار، فكيف للذين همشونا بأن يسمحوا لنا بأن نكون رقما مستقلا. وقد قلت في السابق إن كل من ينتقدوننا من السياسيين والصحافيين هم من أهل فاس، حتى الصدر الأعظم ابا حمد انتقده أهل فاس، ليس لأنه مستبد، ولكن لسبب واحد هو أنه بدوي أخذ مكانة آل الجامعي الذين لم يقبلوا لغيرهم أن يكون صدرا أعظم في المغرب.
- هل لازالت جمعيتكم تطالب بكشف الحقيقة حول استعمال الغازات السامة في الريف؟
< لازلنا ننشط، وهناك جمعيات أخرى لها نفس الاهتمام، وقد كنا قبل زيارة الملك خوان كارلوس لسبتة ومليلية نستعد لرفع دعوى قضائية ضد إسبانيا، وقد أوكلنا محامين إسبانا ومغاربة لتولي المرافعة بشأنها، ولازلنا نواصل هذه المسطرة القضائية.
- بالعودة إلى زيارة الملك خوان كارلوس، كيف تفسر رد الفعل الرسمي المغربي غير المتوقع خاصة وأن رئيس الوزراء زاباتيرو سبق أن زار المدينتين ولم يواجه بهذا الموقف المغربي؟
< قبل زيارة زباتيرو كانت هناك زيارة لخوصي ماريا أزنار، ولكن هاتين الزيارتين قام كلاهما بصفتهما رئيسين لحزبيهما، وقاما بالزيارة في إطار الحملة الانتخابية، وليس بصفتهما وزيرين أولين لبلدهما.
- كيف أمكنك الفصل بين مسؤولية رئيس الوزراء ورئاسة الحزب، فزباتيرو زار سبتة ومليلية وهو رئيس للوزراء؟
< يمكن الفصل بين المسؤوليات في الديموقراطيات العريقة، وليس عندنا. وقد جاء زباتيرو في إطار حملة انتخابية لحزبه لأن هناك أصواتا انتخابية يجب أن يستميلها، أما بالنسبة للملك فهو رمز سيادة إسبانيا وقائد القوات المسلحة الإسبانية، وهو الذي يوافق على تشكيل الحكومة التي تؤدي اليمين الدستوري أمامه. ولم يسبق أن كانت هناك زيارة لهذه المناطق المحتلة من بلدنا العزيز إلا سنة 1927، حيث كان البلد تحت الحماية، وقد زار الملك الاسباني آنذاك مليلية، وأيضا الناظور والحسيمة لأنهما كانتا تحت الحماية الإسبانية، ولكن أن يزور خوان كارلوس مليلية وسبتة فهذا منتهى الإهانة لنا كشعب وكدولة، فكيف نفسر أن سلالة ملكة بريطانيا لم تزر يوما جبل طارق باعتبار أن الصخرة محل نزاع بين إسبانيا وبريطالنيا كما هو الشأن بالنسبة لسبتة ومليلية والثغور الأخرى؟
- قلتم في بيان لجمعيتكم إن الرئيس زباتيرو هو الذي «أجبر» الملك خوان كارلوس على زيارة المدينتين، كيف تفسرون ذلك؟
< من المعروف في التقاليد الملكية في إسبانيا أن الملك لا يقوم بأي زيارة لأي مكان إلا بعد استشارة رئيس الحكومة، ولذلك فإنه من المؤكد أن زباتيرو هو من أذن بالزيارة، وهذا الأمر ينطبق أيضا على القاضي كارسون الذين لم يكن ليصدر تلك المذكرة لمتابعة مسؤولين مغاربة إلا بإذن من حكومته باعتبار أن القضاة الإسبان منتمين سياسيا، فهناك قضاة الحزب الشعبي، وقضاء الحزب الاشتراكي، فالقضاة الإسبان لهم الحق في التعاطف مع الأحزاب السياسية. فكيف يحرك القاضي الإسباني مذكرة وضعت من طرف جمعيات تقول إنها صحراوية منذ أكثر من سنة ونصف، في حين حركها اليوم فقط، لماذا؟ لأن اللائحة كان يوجد فيها اسم إدريس البصري الذي كان يتحرك بين فرنسا واسبانيا، وبالتي عدم رغبة إسبانيا في إعلان التحقيق في القضية إبان حياة البصري.وقد تبين أنه لا مصداقية للتحقيق الذي فتحه القاضي الإسباني خاصة وأنه تبين أن هناك أشخاصا لم يكونوا قد بلغوا سن الرشد عندما وقعت الأحداث المزعومة في الصحراء.
وأشير إلى أن أغلب الأشخاص الذين تقدموا بالشكاية للقاضي الإسباني لهم جوازات سفر جزائرية، وواحد له جواز موريتاني. وأنا أتساءل بالمقابل أين القاضي من جرائم الإسبان في شمال المغرب، ولماذا لا يحرك الشكاية ضد القوات المسلحة الإسبانية، وقد وضعنا كل الصور والوثائق التي لدينا لدى المنظمات الحقوقية والقضاء الإسباني والأوربي، خاصة تلك الصورة الشهيرة التي يظهر فيها جنود إسبان في الريف يحملون في أيديهم رؤوسا لمقاومين شرفاء، وهذه الصورة موجودة في الأرشيف العسكري الإسباني.
- بعد هذه الأزمة مع إسبانيا، من المنتظر أن تعود المياه إلى مجاريها كما يحصل دائما، ماذا سيكون موقفكم؟
< عادت لمجاريها المياه أم لم تعد، وسواء كانت الأزمة عبارة عن سحابة عابرة أم ضبابا أسود، فلن نتراجع عن مطالبنا وسوف نناضل حتى تعترف إسبانيا وتقدم اعتذارا على جرائمها في حق شمال المغرب.
ويكفي أن نعرف أن هناك إحصائيات رسمية في مراكز الاستشفاء من السرطان في المغرب تشير إلى أن شمال المغرب يمثل 60 في المائة من المصابين بالسرطان، وأن الدراسات في الخارج بينت أن مرض السرطان نتيجة الغاز السام أمر وارد، أما على مستوى البيئة فيكفي أن نعرف أن هناك مناطق في الريف لازالت قاحلة لا تنبت.
كما أن هناك حقيقة يتغافل عنها الكثيرون وهي أن محمد بن عبد الكريم الخطابي لم يستسلم للإسبان وإنما سلم نفسه لإنقاذ حياة الناس نتيجة استعمال الغاز، وهذا لا ينساه أحد في الريف، لأننا مدينون له بحياتنا، وسنبقى مخلصين لهذا الرجل.
عن المساء
- هل تعتقد بأن المغرب قد اقتنع بفتح ملف الغازات السامة في الريف ردا على الاستفزازات الإسبانية، خاصة وأن الموقف الرسمي المغربي كان يرفض طرح هذا الملف من طرف جمعيتكم؟
< هذا الملف يرجع للعشرينيات من القرن الماضي، وقد اكتشفته رفقة مجموعة من الرفاق في التسعينيات، إبان صدور كتاب في ألمانيا ألفه ألمانيان مختصان، تحت عنوان «عبد الكريم الخطابي في مواجهة السلاح الاسباني»، وقد قمنا بترجمة الكتاب سنة 1996. وبناء على المعطيات الواردة فيه، تحركنا وأسسنا جمعية ضحايا الغازات السامة بالريف سنة 1998. وقد استشرنا خبراء دوليين، وكنا عازمين سنة 1999-2000 على تنظيم ندوة في مدينة الحسيمة مهمتها الكشف عن حقيقة ما حدث. وقد اتصلنا بوزراء الخارجية في الدول التي لها ارتباط بالموضوع باعتبارها مصدرة ومنتجة لهذا الغاز المحظور دوليا، وإسبانيا باعتبارها المستعمل للغاز، وإنجلترا وفرنسا باعتبارهما مشاركين تقنيا ولوجيستيكيا في استعمال هذا الغاز، إضافة إلى الاتصال بسفير الولايات المتحدة في المغرب باعتبار أن أمريكا كانت على علم بكل ما يحدث وكانت تدعم الدولتين الاستعماريتين ضد عبد الكريم الخطابي. وعلى المستوى المغربي، اتصلنا بمسؤولين لهم علاقة مباشرة بالموضوع خاصة وزير الخارجية، ووزير البيئة اليازغي آنذاك، ووزير العدل وآخرين، وكلهم سعوا مغربيا ودوليا إلى منع الندوة، وفعلا تمكنوا من منعها قبل 24 ساعة من انعقادها بقرار مكتوب من وزارة الداخلية. كما كانت لي فيما قبل مراسلات مع وزير الخارجية الفيلالي، وبعده بنعيسى، وكلهم كانوا ضد إثارة الموضوع، وقد قلت آنذاك في ندوة صحافية: «هل قيمة ساكنة الشمال أقل من قيمة باقي سكان المغرب.. إذا كنا كذلك فليقولوا لنا هذا علنا لنتدبر أمرنا»، ولازلت أتذكر أنني استدعيت إلى وزارة الداخلية في عهد أحمد الميداوي، وتم تهديدي من طرف الوزير نفسه بأن قال لي إنه سيتم اعتقالي باعتباري ناشطا يساريا في حالة فرار من العدالة، علما بأنه صدر عني عفو مع رفاقي سنة 1989، حيث كنت محكوما بخمس سنوات غيابيا بتهمة نشاطي في الريف والانتماء إلى منظمة يسارية. وقد قلت للوزير آنذاك إن بإمكانه أن يعتقلني إن أراد. وفوجئت مؤخرا بأن السيد وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري يتحدث بمناسبة زيارة ملك إسبانيا خوان كارلوس عن تلك الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها إسبانيا في منطقتنا.
- ماذا كانت مبررات منعكم؟
< المبررات المكتوبة كانت هي أنه يجب الحفاظ على النظام العام.
- لكن ما هي خلفيات المنع؟
< الخلفيات هي أنهم كانوا لا يتعاملون معنا كشعب، وإنما أقل من علب السردين، وأقل من المواطنين، واليوم هناك وضع آخر طبعا.
- هل يفهم من كلام وزير الخارجية الفاسي الفهري أن هناك رغبة للدولة في تبني موضوع الغازات السامة في الريف ردا على إسبانيا؟
< أعرف أن السيد الفاسي الفهري لا يتكلم إلا عند الضرورة، وقد كان وزيرا فعليا للخارجية في السابق، فماذا فعلت وزارة الخارجية آنذاك؟ فهذه الجريمة قائمة منذ العشرينيات، فماذا فعل الفاسي الفهري؟ أقول إن الفاسي الفهري كان ضد تحريك جمعيتنا لملف الغازات السامة في الريف، وهو لم يفعل شيئا لسبب بسيط هو أن اسمه «الفاسي الفهري».
- إذا تم الاتصال بكم لتحريك هذا الملف (الغازات السامة)، هل ستستجيبون؟
< لا يمكن أن نستجيب لأي طلب من الفاسي الفهري.
- وماذا لو طلب منكم مسؤول آخر تحريك الملف؟
< أقول إننا لن نستجيب للفاسي الفهري ولا لأي طرف في الدولة، ولو كان الوزير الأول، لأنه أيضا فاسي ينحدر من تلك المدينة التي دمرتنا قبل أن يدمرنا الإسبان.
- كيف دمرتكم مدينة فاس؟
< هناك علاقة صراع تاريخي معروف، وكل من يتحركون اليوم في المغرب ضد شيء اسمه الديموقراطية هم المنحدرون من فاس، لأنهم لا يرغبون أن يروا مغربيا ينحدر من الهامش يسكن في الرباط، فما بالك بأن يكون له موقع. هؤلاء هم الذين كانوا يقولون لنا: قاوموا في سبيل الوطن، فقاومنا، وقالوا لنا: لا تدخلوا المدارس الأجنبية لأنها مدارس الكفار، فاستجبنا، وهم من الرعيل الأول للاستقلال مثل السيد الديوري. أبناء هؤلاء كلهم خريجو مدارس فرنسا، وأولادهم كلهم درسوا في البعثات الأجنبية، ونحن كنا عرضة للتهميش الأبدي الذي لازلنا نعيشه إلى يومنا هذا.
إذن، ما نفعله اليوم مع إسبانيا هو شكل من أشكال مقاومة الاستعمار، فكيف للذين همشونا بأن يسمحوا لنا بأن نكون رقما مستقلا. وقد قلت في السابق إن كل من ينتقدوننا من السياسيين والصحافيين هم من أهل فاس، حتى الصدر الأعظم ابا حمد انتقده أهل فاس، ليس لأنه مستبد، ولكن لسبب واحد هو أنه بدوي أخذ مكانة آل الجامعي الذين لم يقبلوا لغيرهم أن يكون صدرا أعظم في المغرب.
- هل لازالت جمعيتكم تطالب بكشف الحقيقة حول استعمال الغازات السامة في الريف؟
< لازلنا ننشط، وهناك جمعيات أخرى لها نفس الاهتمام، وقد كنا قبل زيارة الملك خوان كارلوس لسبتة ومليلية نستعد لرفع دعوى قضائية ضد إسبانيا، وقد أوكلنا محامين إسبانا ومغاربة لتولي المرافعة بشأنها، ولازلنا نواصل هذه المسطرة القضائية.
- بالعودة إلى زيارة الملك خوان كارلوس، كيف تفسر رد الفعل الرسمي المغربي غير المتوقع خاصة وأن رئيس الوزراء زاباتيرو سبق أن زار المدينتين ولم يواجه بهذا الموقف المغربي؟
< قبل زيارة زباتيرو كانت هناك زيارة لخوصي ماريا أزنار، ولكن هاتين الزيارتين قام كلاهما بصفتهما رئيسين لحزبيهما، وقاما بالزيارة في إطار الحملة الانتخابية، وليس بصفتهما وزيرين أولين لبلدهما.
- كيف أمكنك الفصل بين مسؤولية رئيس الوزراء ورئاسة الحزب، فزباتيرو زار سبتة ومليلية وهو رئيس للوزراء؟
< يمكن الفصل بين المسؤوليات في الديموقراطيات العريقة، وليس عندنا. وقد جاء زباتيرو في إطار حملة انتخابية لحزبه لأن هناك أصواتا انتخابية يجب أن يستميلها، أما بالنسبة للملك فهو رمز سيادة إسبانيا وقائد القوات المسلحة الإسبانية، وهو الذي يوافق على تشكيل الحكومة التي تؤدي اليمين الدستوري أمامه. ولم يسبق أن كانت هناك زيارة لهذه المناطق المحتلة من بلدنا العزيز إلا سنة 1927، حيث كان البلد تحت الحماية، وقد زار الملك الاسباني آنذاك مليلية، وأيضا الناظور والحسيمة لأنهما كانتا تحت الحماية الإسبانية، ولكن أن يزور خوان كارلوس مليلية وسبتة فهذا منتهى الإهانة لنا كشعب وكدولة، فكيف نفسر أن سلالة ملكة بريطانيا لم تزر يوما جبل طارق باعتبار أن الصخرة محل نزاع بين إسبانيا وبريطالنيا كما هو الشأن بالنسبة لسبتة ومليلية والثغور الأخرى؟
- قلتم في بيان لجمعيتكم إن الرئيس زباتيرو هو الذي «أجبر» الملك خوان كارلوس على زيارة المدينتين، كيف تفسرون ذلك؟
< من المعروف في التقاليد الملكية في إسبانيا أن الملك لا يقوم بأي زيارة لأي مكان إلا بعد استشارة رئيس الحكومة، ولذلك فإنه من المؤكد أن زباتيرو هو من أذن بالزيارة، وهذا الأمر ينطبق أيضا على القاضي كارسون الذين لم يكن ليصدر تلك المذكرة لمتابعة مسؤولين مغاربة إلا بإذن من حكومته باعتبار أن القضاة الإسبان منتمين سياسيا، فهناك قضاة الحزب الشعبي، وقضاء الحزب الاشتراكي، فالقضاة الإسبان لهم الحق في التعاطف مع الأحزاب السياسية. فكيف يحرك القاضي الإسباني مذكرة وضعت من طرف جمعيات تقول إنها صحراوية منذ أكثر من سنة ونصف، في حين حركها اليوم فقط، لماذا؟ لأن اللائحة كان يوجد فيها اسم إدريس البصري الذي كان يتحرك بين فرنسا واسبانيا، وبالتي عدم رغبة إسبانيا في إعلان التحقيق في القضية إبان حياة البصري.وقد تبين أنه لا مصداقية للتحقيق الذي فتحه القاضي الإسباني خاصة وأنه تبين أن هناك أشخاصا لم يكونوا قد بلغوا سن الرشد عندما وقعت الأحداث المزعومة في الصحراء.
وأشير إلى أن أغلب الأشخاص الذين تقدموا بالشكاية للقاضي الإسباني لهم جوازات سفر جزائرية، وواحد له جواز موريتاني. وأنا أتساءل بالمقابل أين القاضي من جرائم الإسبان في شمال المغرب، ولماذا لا يحرك الشكاية ضد القوات المسلحة الإسبانية، وقد وضعنا كل الصور والوثائق التي لدينا لدى المنظمات الحقوقية والقضاء الإسباني والأوربي، خاصة تلك الصورة الشهيرة التي يظهر فيها جنود إسبان في الريف يحملون في أيديهم رؤوسا لمقاومين شرفاء، وهذه الصورة موجودة في الأرشيف العسكري الإسباني.
- بعد هذه الأزمة مع إسبانيا، من المنتظر أن تعود المياه إلى مجاريها كما يحصل دائما، ماذا سيكون موقفكم؟
< عادت لمجاريها المياه أم لم تعد، وسواء كانت الأزمة عبارة عن سحابة عابرة أم ضبابا أسود، فلن نتراجع عن مطالبنا وسوف نناضل حتى تعترف إسبانيا وتقدم اعتذارا على جرائمها في حق شمال المغرب.
ويكفي أن نعرف أن هناك إحصائيات رسمية في مراكز الاستشفاء من السرطان في المغرب تشير إلى أن شمال المغرب يمثل 60 في المائة من المصابين بالسرطان، وأن الدراسات في الخارج بينت أن مرض السرطان نتيجة الغاز السام أمر وارد، أما على مستوى البيئة فيكفي أن نعرف أن هناك مناطق في الريف لازالت قاحلة لا تنبت.
كما أن هناك حقيقة يتغافل عنها الكثيرون وهي أن محمد بن عبد الكريم الخطابي لم يستسلم للإسبان وإنما سلم نفسه لإنقاذ حياة الناس نتيجة استعمال الغاز، وهذا لا ينساه أحد في الريف، لأننا مدينون له بحياتنا، وسنبقى مخلصين لهذا الرجل.
عن المساء