بعد يوم عمل متعب وشاق، عدتُ إلى منزلي،لارتاح وانام... تناولتُ غدائي المتواضع كالعادة، والمكوّن من بعض حبات البطاطا المسلوقة والزيتون والكوكا كولا... ثمّ وجدت قليلاً من الشاي الأخضر، وسكبته في كوبٍ، كان خطيب نادية،( أختي الكبيرة)، قد أهداها إياه بمناسبة يوم ميلادها... وذهبتُ إلى غرفتي وأنا أدندن بأغنية "الاماكن كلها" للمطرب الخليجي محمد عبدو..
جلستُ على سريري وأنا أحتسي كوب الشاي، وأتأمّل ذاك القلب المرسوم في وسط الكوب والمزيّن بعبارة "أحبكِ يا غالية"...
نعم... كنا في المنزل نعرف كم كان محمد يحب نادية، ويسعى جاهداً لإرضائها، متناسياً نفسها المتقلّبة التي تغضب لأتفه الأسباب...
وكم نلتُ منها صفعاتٍ على خدي الأيمن تارة، وتارة على خدي الأيسر... بسبب أنني استخدمتُ عطر ما، أو حقيبة، أو قلم، أو كتاب... أهداها إياه محمد!!!
رحتُ أقلّبُ بعض الأوراق الخاصة، وأقرأها... إلى أن استوقفتني إحداها...
وضعتُ كوب الشاي جانباً، وأمعنتُ النظر فيها... في رسالةٍ كانت قد أُرسلت لي من صديقتي وعدوتي شيماء التي تقيم في الخارج وتحضّر لنيل درجة الدكتوراه...
كانت تحدّثني عن مستوى الرفاهية الذي تعيشه هناك هي وزوجها وأبناءها... لا تميّز أوّل الشهر من آخره... فهذا الموضوع لا يهمها لا من بعيد ولا من قريب، وغير وارد في قاموس حساباتها...
أما أنا!!! فكنتُ أعد أيام الشهر يوماً وراء يوم... إلى أن أصل إلى الرقم 37 من أيام الشهر، هذا الرقم الذي سيظل راسخاً في ذاكرتي، فمع بدايته، يتبخّر الراتب... فتتبخّر أحلامي معه...
كل من له أحلام مثلي وفي عمري له طموح بحجم أحلامه وآماله...وطموحي كان بحجم أحلامي... أن يكون لي راتب يكفي قوتي ومتطلباتي اليومية... أستطيع أن أقتطع منه جزءاً يسيراً أشتري به مع مرور الأيام بطاقة طائرة، أسافر بها وأتنزه في بروكسيل...
ولكن راتبي اللعين لا يريد الصمود أمام إغراءات الحياة أكثر من أيام معدودة... وأظل بقية الشهر أستدين من هنا وهناك كي أستطيع العيش بكرامة...
ها أنا ذا وكالعادة أستلم راتبي أول الشهر... وأبدأ بإيفاء ديوني المتراكمة لزملائي، ولبائع الخضار، وبائع الخبز، وبائع المعلبات، وبائع... الضمير!
ما يتبقى معي يحاول زملائي استدانته مني كي يستطيعوا العيش بقية الشهر بكرامة... وهكذا ..
كثيراً ما كنتُ أتساءل: ماذا أفعل? ماذا أعمل? وكنتُ أرى كيف يعيش السارق عيشة الملوك دون الحاجة إلى الاستدانة من هنا وهناك... وكنتُ أرى المتسول بأم عيني وبعد أن يسلبني ما تبقّى معي من فتات المال، يذهب بمالي ومال غيري ويشتري اللحمة والكيوي والموز و... و... .
وأنا الذي كنتُ أشفق على نفسي حينما أستنشق رائحة اللحم المشوي دون أن أستطيع تذوقه!
وها أنا ذا أعمل فترتين في اليوم... فترة قبل الظهر... وفترة بعد الظهر... ولولا إشفاقي على جسدي النحيل لكنتُ عملت لفترة ثالثة... من المساء وحتى الصباح!
لذلك فكرتُ كثيراً... كثيراً... ما العمل الذي يجعلني أعيش بسعادة وبأجر مرموق?
وفكرتُ... وفكرتُ... وطالما فكرتُ... ثمّ جاءتني فكرة جهنمية...
سأسرق!
نعم سأسرق...( هل يستحق غيري العيش برفاهية أكثر مني?!)...
سأسرق حمارا... وسأجعله يدور بي كرة الأرض... أنا الذي لا يملك حتى الآن ثمن بطاقة طائرة يجعلها تحقق حلماً من أحلامه ويحمل اسم "سائح او مساري"...وأنا الذي لم يتعدَ نظري مركز مدينته...
مرةً، عرضتُ بطاقة هويتي للبيع علّها تجلب لي ثمن بطاقة طائرة... أو تجعلني أعيش شهراً كاملاً برفاهية، دون الاستدانة من بائع الخضار وبائع الخبز وبائع... المبادئ! ولكنها لم تلقَ سوقاً رائجة، ولم ينظر إليها أحد، حتى الافارقة وأولاد الحرام!!!
لم أستطع بيعها، إذن ما فائدتها???!!!
وما فائدة أن يكون للمرء بطاقة هوية تذكّره بأنّه رقم ما في خانة "الرباط"، وبأنّه (حالة ولادة) مجهولة المصير!!!
آهٍ لو أستطيع بيع تلك البطاقة اللعينة... بطاقة هويتي!!!
لا... لن أستطيع... فلن ينظر إليها أحد، ولا أعتقد أنها ستُباع...
إذاً... سأسرق!
نعم سأسرق...
سأسرق حمارا... وسأطلب منه أن يأخذني إلى كل الأماكن التي لم أعرفها إلا عن طريق أذنيّ أوعن طريق التلفاز...
سأزور فاس القديمة... وسيدي احرازم... وآثار وليلي... وعين الحمراء... ثمّ سأذهب إلى أهرامات مصر... وألمس أبا الهول .... وبعدها سأزور برج إيفل،
وبيزا المائل... وقبل أن أعود إلى مسقط رأسي، سأكتب مذكراتي:
"حول العالم في ثمانين يوم على حمار"..!
وحينما أشعر بأنني شبعت من الأماكن التي زرتها وحفظتها عن ظهر قلب، سأبيع الحمار، وأشتري بسعره كل بطاقات اليانصيب المتبقية، ولا بد أن أربح الجائزة الكبرى... نعم سأربح الجائزة الكبرى... وحينها سأشتري منزلاً واسعاً، فيه مسبح وحديقة، وسأجلب لمنزلي الخدم والجواري... وسأشتري أيضاً شركة كبيرة... كبيرة... وأوظف فيها كل زملائي الذين يحلمون ببيع بطاقة هويتهم ويستدنون مثلي من بائع الخضار، وبائع الخبز، وبائع... المبادئ!!!
وعندما تبدأ الشركة بالإنتاج، سأشتري "سيارة مرسيدس كلاص" وأدور بها ثانية أقاصي الأرض، وسأقتطع جزءاً مما تنتجه "شركتي الخاصة" وأوزعه على المتسولين في الشوارع!
وبعدها... وبعد أن أكون قد ارتويتُ من كل ذلك... سأصفّي أعمالي في الشركة وأبيعها، وأضع ثمنها في البنك!..
وحينها... سأُسألُ: من طرف..."من أين لكك هذا?!.." وسأعترف مباشرة وأصرخ بكل صوتي:
_ سرقتُ حمارا... ثمّ بعته... واشتريتُ بثمنه كل بطاقات اليانصيب المتبقية... وربحتُ الجائزة الكبرى... نعم سرقتُ... فاقطعوا يدي!...
وآهٍ لو يقطعوها!!! حينها... حينها سأحملها بيدي الأخرى و... أتسول عليــــــــها... وأكون بغنى عن راتبي اللعين... وأثأر لكرامتي المجروحة من هذا الراتب المتواضع... وأنادي بأعلى صوتي:
- واكرامتاه... تااااااه... آه... آه ...
فتحتُ عينيّ من هلوسات أحلامي على صفعةٍ نلتها من أختي التي أشفقت على كوب الشاي الذي أصبح اجزاء زجاج!!!
جلستُ على سريري وأنا أحتسي كوب الشاي، وأتأمّل ذاك القلب المرسوم في وسط الكوب والمزيّن بعبارة "أحبكِ يا غالية"...
نعم... كنا في المنزل نعرف كم كان محمد يحب نادية، ويسعى جاهداً لإرضائها، متناسياً نفسها المتقلّبة التي تغضب لأتفه الأسباب...
وكم نلتُ منها صفعاتٍ على خدي الأيمن تارة، وتارة على خدي الأيسر... بسبب أنني استخدمتُ عطر ما، أو حقيبة، أو قلم، أو كتاب... أهداها إياه محمد!!!
رحتُ أقلّبُ بعض الأوراق الخاصة، وأقرأها... إلى أن استوقفتني إحداها...
وضعتُ كوب الشاي جانباً، وأمعنتُ النظر فيها... في رسالةٍ كانت قد أُرسلت لي من صديقتي وعدوتي شيماء التي تقيم في الخارج وتحضّر لنيل درجة الدكتوراه...
كانت تحدّثني عن مستوى الرفاهية الذي تعيشه هناك هي وزوجها وأبناءها... لا تميّز أوّل الشهر من آخره... فهذا الموضوع لا يهمها لا من بعيد ولا من قريب، وغير وارد في قاموس حساباتها...
أما أنا!!! فكنتُ أعد أيام الشهر يوماً وراء يوم... إلى أن أصل إلى الرقم 37 من أيام الشهر، هذا الرقم الذي سيظل راسخاً في ذاكرتي، فمع بدايته، يتبخّر الراتب... فتتبخّر أحلامي معه...
كل من له أحلام مثلي وفي عمري له طموح بحجم أحلامه وآماله...وطموحي كان بحجم أحلامي... أن يكون لي راتب يكفي قوتي ومتطلباتي اليومية... أستطيع أن أقتطع منه جزءاً يسيراً أشتري به مع مرور الأيام بطاقة طائرة، أسافر بها وأتنزه في بروكسيل...
ولكن راتبي اللعين لا يريد الصمود أمام إغراءات الحياة أكثر من أيام معدودة... وأظل بقية الشهر أستدين من هنا وهناك كي أستطيع العيش بكرامة...
ها أنا ذا وكالعادة أستلم راتبي أول الشهر... وأبدأ بإيفاء ديوني المتراكمة لزملائي، ولبائع الخضار، وبائع الخبز، وبائع المعلبات، وبائع... الضمير!
ما يتبقى معي يحاول زملائي استدانته مني كي يستطيعوا العيش بقية الشهر بكرامة... وهكذا ..
كثيراً ما كنتُ أتساءل: ماذا أفعل? ماذا أعمل? وكنتُ أرى كيف يعيش السارق عيشة الملوك دون الحاجة إلى الاستدانة من هنا وهناك... وكنتُ أرى المتسول بأم عيني وبعد أن يسلبني ما تبقّى معي من فتات المال، يذهب بمالي ومال غيري ويشتري اللحمة والكيوي والموز و... و... .
وأنا الذي كنتُ أشفق على نفسي حينما أستنشق رائحة اللحم المشوي دون أن أستطيع تذوقه!
وها أنا ذا أعمل فترتين في اليوم... فترة قبل الظهر... وفترة بعد الظهر... ولولا إشفاقي على جسدي النحيل لكنتُ عملت لفترة ثالثة... من المساء وحتى الصباح!
لذلك فكرتُ كثيراً... كثيراً... ما العمل الذي يجعلني أعيش بسعادة وبأجر مرموق?
وفكرتُ... وفكرتُ... وطالما فكرتُ... ثمّ جاءتني فكرة جهنمية...
سأسرق!
نعم سأسرق...( هل يستحق غيري العيش برفاهية أكثر مني?!)...
سأسرق حمارا... وسأجعله يدور بي كرة الأرض... أنا الذي لا يملك حتى الآن ثمن بطاقة طائرة يجعلها تحقق حلماً من أحلامه ويحمل اسم "سائح او مساري"...وأنا الذي لم يتعدَ نظري مركز مدينته...
مرةً، عرضتُ بطاقة هويتي للبيع علّها تجلب لي ثمن بطاقة طائرة... أو تجعلني أعيش شهراً كاملاً برفاهية، دون الاستدانة من بائع الخضار وبائع الخبز وبائع... المبادئ! ولكنها لم تلقَ سوقاً رائجة، ولم ينظر إليها أحد، حتى الافارقة وأولاد الحرام!!!
لم أستطع بيعها، إذن ما فائدتها???!!!
وما فائدة أن يكون للمرء بطاقة هوية تذكّره بأنّه رقم ما في خانة "الرباط"، وبأنّه (حالة ولادة) مجهولة المصير!!!
آهٍ لو أستطيع بيع تلك البطاقة اللعينة... بطاقة هويتي!!!
لا... لن أستطيع... فلن ينظر إليها أحد، ولا أعتقد أنها ستُباع...
إذاً... سأسرق!
نعم سأسرق...
سأسرق حمارا... وسأطلب منه أن يأخذني إلى كل الأماكن التي لم أعرفها إلا عن طريق أذنيّ أوعن طريق التلفاز...
سأزور فاس القديمة... وسيدي احرازم... وآثار وليلي... وعين الحمراء... ثمّ سأذهب إلى أهرامات مصر... وألمس أبا الهول .... وبعدها سأزور برج إيفل،
وبيزا المائل... وقبل أن أعود إلى مسقط رأسي، سأكتب مذكراتي:
"حول العالم في ثمانين يوم على حمار"..!
وحينما أشعر بأنني شبعت من الأماكن التي زرتها وحفظتها عن ظهر قلب، سأبيع الحمار، وأشتري بسعره كل بطاقات اليانصيب المتبقية، ولا بد أن أربح الجائزة الكبرى... نعم سأربح الجائزة الكبرى... وحينها سأشتري منزلاً واسعاً، فيه مسبح وحديقة، وسأجلب لمنزلي الخدم والجواري... وسأشتري أيضاً شركة كبيرة... كبيرة... وأوظف فيها كل زملائي الذين يحلمون ببيع بطاقة هويتهم ويستدنون مثلي من بائع الخضار، وبائع الخبز، وبائع... المبادئ!!!
وعندما تبدأ الشركة بالإنتاج، سأشتري "سيارة مرسيدس كلاص" وأدور بها ثانية أقاصي الأرض، وسأقتطع جزءاً مما تنتجه "شركتي الخاصة" وأوزعه على المتسولين في الشوارع!
وبعدها... وبعد أن أكون قد ارتويتُ من كل ذلك... سأصفّي أعمالي في الشركة وأبيعها، وأضع ثمنها في البنك!..
وحينها... سأُسألُ: من طرف..."من أين لكك هذا?!.." وسأعترف مباشرة وأصرخ بكل صوتي:
_ سرقتُ حمارا... ثمّ بعته... واشتريتُ بثمنه كل بطاقات اليانصيب المتبقية... وربحتُ الجائزة الكبرى... نعم سرقتُ... فاقطعوا يدي!...
وآهٍ لو يقطعوها!!! حينها... حينها سأحملها بيدي الأخرى و... أتسول عليــــــــها... وأكون بغنى عن راتبي اللعين... وأثأر لكرامتي المجروحة من هذا الراتب المتواضع... وأنادي بأعلى صوتي:
- واكرامتاه... تااااااه... آه... آه ...
فتحتُ عينيّ من هلوسات أحلامي على صفعةٍ نلتها من أختي التي أشفقت على كوب الشاي الذي أصبح اجزاء زجاج!!!