المكان: مطعم في إحدى المركبات السياحية/الرباط
التاريخ: إحدى أيام يوليوز من سنة 2007
المناسبة: لقاء ثقافي حول الشباب و المشاركة السياسية
كنا في البداية اثنان. انتبذنا مكانا قصيا في المطعم الكبير ننتظر وجبة العشاء. انضم إلينا ثلاثة آخرين فأصبحنا خمسة. خيم صمت ثقيل أزعجني، فرحت أعبث بكوب الماء بعد أن شربت منه آخر قطرة. بين الحين والآخر أبادل جليسي الأول بعض الكلمات بالريفية.
- مسموح نتعارفو بيناتنا؟ قال أحد الثلاثة.
- بالتأكيد! أجاب جليسي.
- أنتما ريافا؟!
- نعم! من تفرسيت ، أجاب جليسي.
- من أي دوار بالضبط؟
فراح السائل يعدد له دواوير تفرسيت بابا بابا حتى أصابني الدوار. وهكذا تكسرت رتابة الصمت.
- أنا من ميدار .. من حمعية .... وهي جمعية ثقافية أمازيغية.
و ... انفتحت شهية محدثنا في الكلام، وكأن الزمن يحاصره ويخشى ألا يكفيه الوقت لقول كل ما يريده.، فأفاض في الحديث عن الجمعيات الأمازيغية العديدة التي يتشكل منها "فضاء القاضي قدور".
- القاضي قدور معروف وغني عن التعريف! أضاف بنبرة مؤكدة حتى يزيل الشك من عيوننا. كما أن جمعيات أمازيغية أخرى تنشط في إطار الأحزاب السياسية، ولها من الإمكانيات المادية ما لا يوجد عند غيرها.
ولم يلبث أن التحق بمجلسنا شخص آخر.
- أزول!
- أزول فلاك!!
وهنا لاحظت بعض الحيرة على وجه جليسي الأول. تساءل شخص آخر كان يتابع الحديث ساكتا مثلي عن مصدر كلمة "أزول"؛ من "اخترعها" وكيف أصبحت الآن متداولة؟ قال الذي فاه بها أول مرة:
- إنها كلمة أمازيغية قديمة ولم يخترعها أحد في زمننا الراهن. لقد كانت مستعملة قبل ... وهنا أخذ أخونا الكلمة مرة أخرى ليلقي علينا درسا مبتورا عن تاريخ الأمازيغ قبل الإسلام.
- - عم يتحدثون؟ سألني جليسي باللغة الهولندية وعلامات الاستغراب تنهش قسمات وجهه. حاولت أن أشرح له بسرعة حتى أعود لمتابعة بقية الدرس.
- شوف!! نحن الآن لا نتحدث باللغة الأمازيغية الفصحى، بل بلهجة من لهجاتها المتعددة. تماما كما العربية. فنحن الآن نتواصل باللهجة المغربية.
- اللهجة المغربية المتداولة ليست عربية. إنها أمازيغية!! ينقضّ الآخر مقاطعا. وخاض الإثنان معركة كلامية طاحنة أثارت تعجبا معقولا لدى جليسي.
- شوف .. على سبيل المثال "أكسوم أزيزا" تعبير أمازيغي يستعمل في الدارجة المغربية فقط. أو إذا قلنا بالدارجة المغربية "جا معاه السروال"! فهذا التعبير لا يفهمه السعودي مثلا لأنه ببساطة تعبير أمازيغي أصيل! شخصيا لم أفهم وجه المقارنة لأن السعوديين لا يلبسون السراويل بحكم عاداتهم!
أسرع محدثنا ليأخذ بناصية الحديث بعد سكوت اضطراري:
- نحن الأمازيغ ... هذا الجيل بالذات جيل لم يسبق له مثيل في التاريخ!
إنها بشرى سارة حقا. غير أن المبشر بها لم يسعفه الوقت ليشرح مراميها. ذلك أن جبهة الكلام كانت قد انتقلت دون رجعة إلى الآخرين.
شرع النادل في إحضار الطعام. فتسابقت الأيدي نحو قطع الخبز المتناثرة.
وهكذا سكتت الحناجر عن الكلام ، فالمعركة الآن لها طعم آخر!!
2007