لا زلت أذكر كيف كان عمي يرفض إيصال أخته إليها!ويبرر رفضه على أنها قرية بعيدة وطريقها هش وغير معبد،وقد يأثر-في رأيه-طريقها على سيارته.كانت عمتي تتقبل المبرر بحسرة وألم وترضى فقط أن يوصلها إلى الدريوش ثم من الدريوش تستقل سيارة أجرة إلى قريتها البعيدة عن الدريوش ب42 كيلومترا..إنها قرية عين الزهرة كما هو مكتوب على اللوائح الطرقية ولكن الريفيين يحبون ويبقون تسميتها بعين زورا،وقد بحثت مليا علني أجد معنى ومفهوما لهذا الإسم إلا أنني لم أصل إلى النتيجة التي كنت أرجوها،على كل حال يبقى إسم عين زورا إسم من إبداع و-إخراج-أجدادنا الشرفاء وعليه يكون من العار والخزي أن يتم تحريف هذا -التراث-إلى إسم عربي،وهذه القاعدة سارت على غالبية المسميات الأمازيغية،من خلق الملك الراحل يقولون.أتراه حقا كان-الحسن الثاني-يود طمس كل ما يمت للأمازيغية كما يقول البعض؟.
عين زورا التي لم أزرها منذ مدة،منذ كنت طفلا،قررت في الأيام الماضية زيارتها،فمررت في البداية عن الدريوش لأنها المحطة الأقرب إليها من جميع القرى الأخرى،فبدأت أبحث في الدريوش عن سيارة أجرة توقلني إليها،كان اليوم سبتا وهو ما يصادف السوق الأسبوعي للبلدة التي تستعد هذه الأيام لإستقبال العمالة..إتجهت إلى محطة سيارات الأجرة القابعة على جنبات الشارع الرئيسي قرب مكان كارثة -بائعة الحرشة- قبل قرابة ثلاث سنوات،فأخبرني منظم الرحلات "قورطي"أن: "السيارات موجودة غير أن المسافرين إلى القرية المرجوة يوجد إثنين فقط..".ولكوني سمعت مسبقا أن سيارات الأجرة لا تكون متوفرة إذا تجاوزت عقارب الساعة،الخامسة من عين زورا،إرتأيت أن ألجأ إلى محطة السوق بإقتراح من أحد الأصدقاء..فاتجهت إلى محطة السوق التي تتوسط البريد ومقهى المسيرة فأخبرني "قورطي" أن المحطة التي هو مشرف عليها لا تنظم الرحلات إلى عين زور،مما شكل في نفسي نوع من الملل كوني أردت الذهاب والعودة في نفس اليوم،وحقيقة هذه مشكلة من المشاكل التي تنخر مبادرة التنمية،خاصة إذا علمنا أن المواصلات يشكل البؤرة الأساسية لإقتصاد الدولة..عدت مرة أخرى إلى محطة الشارع الرئيسي-متم شارع المسيرة-فوجدت أن سيارة الأجرة تنتظر 3 أشخاص وبعد إنتظار دام خمسة دقائق اكتمل عدد المسافرين فانطلقنا إلى عين الزهرة..وأنا متخذ صورة أن طريقها الرئيس على حاله القديم،وما إن تجاوزنا "الرومبوان"الذي يقودنا إلى الناظور شرقا وإلى وجهتنا عين زورة جنوبا حتى تبين لي العكس،فالطريق أفضل بكثير من الطريق الوطنية الرابطة بين قاسيطا والعروي،وبجنبات الطريق توجد جبال يكسوها الإخضرار بالإضافة إلى عدد ليس بكثير من -الفيرمات-الخاصة التي أعطت رونقا وجمالية للمساحة الممتدة من الدريوش إلى عين زورا،وقريب من عين الزهرة يوجد سد صغير قال عنه السائق أنه بني حديثا وأنه لولى الألطاف الإلهية وتغيير المياه لوجهتها نحو إحدى الوديان المجانبة للسد في الفيضانات الأخيرة لوقع ما لا يحمد عقباه ولرجفت المياه كل ما يوجد تحت سطوة وسيطرة السد من دور ومزارع تتواجد أسفل السد..
وصلنا إلى عين زورا بعد رحلة دامت ساعة إلا عشر دقائق فوجدت أن البلدة تغيرت عن المشهد الذي كنت أكتنزه عنها في مخيلتي بشكل ملفت،فالبلدة شيدت فيها مؤسستين بنكيتين واحدة لمجموعة الشعبي وأخرى للتجاري وفابانك ومحلات تجارية ذات تجهيزات حديثة و 4 محلات لبيع ملابس الرجال الجاهزة ومشاريع أخرى في المستوى التنموي..
اتصلت بإبن عمتي هاتفيا بعد وصولي وأشعرته أني لا أتذكر الطريق المؤدية إلى المنزل وبعد مدة قليلة وجدته بقربي فانطلقنا نحو الدوار،دوار آيت عبد الله الذي يبعد ب30 مترا عن الطريق الرئيسية وبنحو كيلومترين عن مركز الجماعة،وأشد ما لفت إنتباهي عند سيرنا نحو الدوار هو محل كتبت على حائطه بالعربية "مسجد" واستغربيت أن كيف تتواجد بالقرب من "المسجد" بنايات ضخمة فيما يظهر"بيت الله"دون صومعة ودون مساحة تليق بهذا المكان المحترم.
وصلنا أخيرا إلى منزل عمتي فرحبت بي ترحيبا حارا،ثم جلسنا وبدأنا نتبادل أطراف الحديث إلى أن وصلنا إلى وقت الغذاء فأعدت عمتي طابقا مكون من ديك بلدي"أكلت أصابعي وراءه"كما يقول المصريين ،فخرجت من المنزل وقمت مع إبن عمتي بجولة طويلة في دوار آيت عبد الله فوقفت على مدى التهميش واللامبالاة التي توصلت إليها الجماعة فدوار آيت عبد الله المحاذي للطريق الرئيسية والفاصل بينهما واد صغير اختار المسؤولين في هذه البلدة أن لا يكبدوا أنفسهم عناء أن يشيدوا على أمتاره المحدودة قنطرة يعبر من خلالها المواطنين الذين يتجاوز عددهم 2000 نسمة إلى المركز وإلى دورهم في آيت عبد الله.ولهذا أتساءل دائما عن فائدة الإنتخابات بما أن الوضع المزري لجماعاتنا يبقى على حاله دون تغير ولا تقدم في الغالب..وغير بعيد عن دوار آيت عبد الله تظهر تلال غاية في الروعة ووديان دائمة الجريان بمياه صافية..
وعلى الساعة الخامسة والنصف عدت إلى محطة الطاكسيات في -فيلاج- عين الزهرة وإلتقيت في طريقي تلامذة عائدين لتوهم من مدرسة الفيلاج وعندما سألت تلقيت إجابة مفادها أن تلاميذ دوار آيت عبد الله والدواوير المجاورة بدون مدرسة مما يلزمهم قطع مسافة كيلومترين أو ثلاث من أجل التعلم..فأين هو شعار التنمية القروية الذي رفعته حكومتنا الموقرة منذ عشر سنوات؟؟
وصلت إلى الدريوش مع غروب الشمس محملا بهدية قيمة من عمتي عبارة عن 5ليترات من اللبن البلدي الأصيل وعند مروري على تعاونية الحليب بالدريوش،تساءلت عن السبب الذي يوقف حكومتنا دون تشييد التعاونيات في باقي مناطق الريف الفلاحية؟؟كاقتراح للمساهمة ولو بالنذر القليل لتنمية مناطقنا الفلاحية المهمشة وساكناتها.
عبد الكريم محمد
عدل سابقا من قبل عبد الكريم محمد في الأحد مايو 03, 2009 12:00 pm عدل 1 مرات