المستوى التعليمي لأبنائنا في تزايد يوما بعد يوم، والسياسة التعليمية في بلادنا تعكسها مجهودات حكومية جد متواضعة في تتبع ومعالجة هذه المشكلة المزمنة، ماعدا أسطر قليلة في التصريح الحكومي ظلت حبرا على ورق، ولم تحرك الحكومة ساكنا إلا بعد الضجة التي أحدثها تقرير البنك الدولي الأخير حول وضعية التعليم بالمغرب والذي جاءت فيه بلادنا في الرتبة الأخيرة، وبعد ذلك جاء تقرير المجلس الأعلى للتعليم، الذي كشف عن تفاقم الأزمة لأنه وجد نفسه مضطرا لفضح المستور، فأقر بفشل الوزارة المسؤولة عن القطاع في تنزيل ميثاق التربية والتكوين خلال العقد الماضي. فجاء رد الفعل الحكومي بطريقة ارتجالية، وأفرز قرار تنزيل برنامج استعجالي يقدم وعودا بالإصلاح، غير أن هذا الإصلاح لا يتوفر على أجوبة حقيقية لتجاوز المعيقات التي أماط التقريران المذكوران اللثام عنها، وهو ما سيؤدي لا محالة إلى استمرارها. لقد أرجع التشخيص تردي مستوى التعليم وإخفاق السياسة التعليمية إلى عدة أسباب منها: ضعف تجهيزات المؤسسات التعليمية، حيث أن أكثر من تسعة آلاف من القاعات الدراسية في المجال القروي غير صالحة و60 بالمائة منها غير مرتبطة بالكهرباء و75 بالمائة بدون ماء و80 بالمائة بدون مراحيض، علاوة على قلة المؤسسات التعليمية الجديدة، الشيء الذي يؤدي إلى اكتظاظ التلاميذ في الفصول الدراسية بشكل يتعذر معه التفويج. وفي ظل هذه الظروف، يتجه المسؤولون في وزارة التربية الوطنية إلى محاسبة رجال ونساء التعليم رغم أن التشخيص حين تناول وضعيتهم ومدى مسؤوليتهم، خلص إلى أنهم ضحايا ومسؤولون، ضحايا لعدم وفاء الحكومة بالتزاماتها اتجاههم، ومسؤولون لأن بعضهم لا يؤدي عمله كما يجب، وفي هذا الشأن أكد التشخيص على ضرورة الاهتمام بالتكوين المستمر، خصوصا وأن القطاع يلجه مدرسون أحيانا بدون تكوين. فلماذا تقف الوزارة عند الجزء المتعلق بمسؤولية رجال ونساء التعليم وتتجاهل الشق الثاني كونهم ضحايا، وهكذا يبادر المسؤولون في الوزارة إلى اتخاذ إجراءات تعسفية بطريقة انفرادية في ظل غياب الفرقاء الاجتماعين الذين تدعي الوزارة بأنهم شركاؤها، إنه تعسف من قبيل مهزلة شبكة التنقيط والتقييم المشؤومة، وإيقاف مباراة ولوج مركز مفتشي التعليم، واعتماد دليل تقييم الأداء المهني وشبكة الغياب والتأخر والشواهد الطبية ومرسوم الترقية في الدرجة والإطار ومرسوم التنقيط والتقييم غير الدستوريين"، وتنزيل مذكرة الترقية بالاختيار عن سنة 2008 دون الحسم النهائي في محاورها، واعتماد الإجهاز عن مكتسب الأقدمية خلال الترقي بالاختيار، وعدم إنصاف الفئات المتضررة، ووضع شروط وقيود أمام الترقي عن طريق الشهادات الجامعية بما فيها تغيير الإطار بالنسبة لحملة الشواهد العليا. يتبين أن الحكومة بإقدامها على اتخاذ هذا السيل من الإجراءات المتشددة لإرهاب المدرسين، ترتكب ظلما كبيرا في حق رجال ونساء التعليم يتحمل مسؤوليته الوزير اخشيشن الذي يؤصل (من الأصالة) لهذا الإجراء الجائر من المثل القائل "طاحت الصمعة علقو الحجام" لتعصير (من المعاصرة) رجال ونساء التعليم، أليس هو نائب رئيس المجلس الوطني لحزب "الأصالة والمعاصرة"؟ والذي تم تحميله مسؤولية حقيبة التربية الوطنية كتقنوقراطي من أجل أن يظل تدبير هذا القطاع بعيدا عن كل حسابات حزبية ضيقة، لكن هذا الأمر لم يتم.
عن العدالة والتنمية
عن العدالة والتنمية