عالم التهريب في المغرب مليء بالغرائب والعجائب والحيل، لكون أن ممتهني هذا النشاط غير القانوني لا يذخرون جهدًا في ابتكار حيل جديدة وإحداث تقنيات خداع لا يتقبلها عقل، وذلك بهدف تحقيق مبتاغهم ألا وهو إخراج بضاعتم نحو الديار الأوروبية. وكانت آخر الحيل الماكرة تشغيل المتقاعدين من طرف الإسبان كسياح لنقل المخدرات من المغرب إلى الجزيرة الإيبيرية، واستعمال الفوانيس التقليدية كعبوات لتخزين الحشيش من طرف الإيطاليين. إلا أن تشديد عمليات المراقبة وإغلاق جميع المنافذ، جعل شبكات التهريب الدولية تتفنن في ابتكار حيل جهنمية لتسهيل ترويج المخدرات من بلد إلى آخر.
ومن هذه الحيل الذكية التي ابتدعها المهربون للهروب من نقاط التفتيش، هي اعتمادهم المسنين والنساء وحتى المعاقين لتسريب بضاعتهم إلى أوروبا، إذ تمكنت مصالح الجمارك والأمن، أخيرًا، من حجز 57 كلغ من مخدر الشيرا كان مدسوسًا في ثلاثة كراسي متحركة. وجاء ضبط هذه الكمية خلال عملية مشتركة لرجال الجمارك والأمن بالمركز الحدودي "باب سبتة"، إذ توصلوا على أثرها إلى اعتقال أربعة أشخاص، اثنان منهم من ذوي الاحتياجات الخاصة (رجل وامرأة)، كانوا يحاولون تهريب المخدرات إلى مدينة سبتة المحتلة بوساطة الكراسي المتحركة.
وعرف حجم الكميات المحجوزة من المخدرات من طرف مصالح الجمارك بتراب ولاية تطوان، خلال السنة الماضية، ارتفاعًا بنسبة تقدر بحوالى 600 في المئة، مقارنة مع سنة 2006. ولم تتوقف العبقرية الإجرامية لهؤلاء المهربين عن إنتاج ابتكارات جديدة وصلت إلى حد استعمال أعضاء بشرية حية لإخفاء البضاعة عن الأعين، قبل التخلص منها بأدوية مساعدة وتسليمها إلى الجهة المكلفة بتسلمها، هذا في حالة ما إذا لم تودي بحياته إذا ما نفجرت في أحشائه.
وتعد الأمعاء "المخزن المتنقل" الأكثر استعمالاً من طرف شبكات تهريب الكوكايين، إذ إنهم لا يترددون في تكرار محاولاتهم، مستعينين بالمهاجرين الأفارقة الذي يبدون استعدادهم للقيام بأي شيء مقابل العبور إلى الضفة الأخرى، حتى لو كان الثمن في بعض الأحيان حياتهم.
وتظهر الأرقام مدى إصرار شبكات التهريب على لعب جميع الأوراق التي يتوفرون عليها، مقابل إخراج بضاعتهم، إذ منذ بداية السنة إلى غاية منتصف الشهر الماضي، تمكنت المنطقة الأمنية بمطار محمد الخامس الدولي، مئات الكبسولات داخل أحشاء مهاجرين أفارقة من مختلف الجنسات، بعد أن توصلت السنة الماضية إلى ضبط 84 مسافرًا، بحوزتهم أكثر من 103 كيلوغرامًا من مخدر الكوكايين، أغلبهم يحملون الجنسية النيجيرية، وكانوا قادمين من أبيدجان في اتجاه مدريد أو برشلونة.
وجاءت أكبر مخاطرة على يد مواطن نيجيري، إذ حاول تهريب 80 كبسولة من مخدر الكوكايين في أمعائه، قبل أن تلقي عليه عناصر الشرطة التابعة للمقاطعة الأمنية للمطار القبض. وصرح المهرب، الذي كان قادمًا من كوناكري وينوي العبور نحو العاصمة الإسبانية مدريد، لرجال الأمن، بعد ثبوت الشكوك التي حامت حوله، أنه ابتلع 80 كبسولة من مخدر الكوكايين، وأخرج منها بالمصلحة الطبية للمطار 63 كبسولة، ليحال على مصالح الشرطة القضائية بولاية الأمن قصد إتمام البحث معه بعد إفراغ بطنه من بقية الكبسولات المخدرة.
وتعتبر هذه العملية الثالثة من نوعها خلال هذه السنة بأكبر بوابة جوية للمغرب، حيث سبق للمصالح الأمنية بالمطار أن اعتقلت مواطنًا نيجيريًا وفي أمعائه 30 كبسولة من الكوكايين، وقبله مواطنًا ماليًا وفي أحشائه 37 كبسولة من المادة المخدرة نفسها. وركب الجنس الناعم بدوره أمواج المخاطرة، وهو ما كشفته عناصر الشرطة بعد إيقافها مواطنة نيجيرية تهرب 46 كبسولة من مخدر الكوكايين.
وتبين أن الظنينة، البالغة من العمر حوالى 38 سنة، تقيم بألمانيا، وقدمت من باماكو بقصد عبور مطار محمد الخامس في اتجاه مدريد. وفي أكبر عملية من حيث العدد، إذ اعتقل 5 أشخاص دفعة واحدة، تمكنت مصالح الأمن، الشهر الماضي، من اعتقال مواطنين نيجيريين يهربون مخدر الكوكايين في إمعائهم.
وبعد البحث تبين أن أحد الأظناء اعترف للشرطة أنه يبتلع 60 كبسولة من مخدر الكوكايين، وضع منها بالوحدة الطبية للمطار 50 كبسولة، ومكنت الأدوية المساعدة على الإسهال من وضع مهرب ثان لـ 21 كبسولة، وثالث لسبع كبسولات، ورابع لواحدة فقط، في حين لم يتمكن المواطن النيجيري الخامس من وضع أي كبسولة.
ويأتي هذا في وقت، ذكر تقرير للهيئة الدولية لمراقبة المخدرات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة أن هناك تزايدًا سريعًا لتهريب الكوكايين من أميركا اللاتينية إلى أوروبا عبر غرب القارة الإفريقية ووسطها، مشيرًا إلى أنه يجري تهريب ما بين 200 إلى 300 طن من الكوكايين إلى أوروبا كل عام عبر القارة.
وأشار التقرير، الذي أعلن عن إطلاقه أخيرًا بمقر المكتب الإعلامي للأمم المتحدة في القاهرة، إلا أن متعاطي الكوكايين في إفريقيا يشكلون ما يقرب من 7.6 في المئة من مجموع متعاطيه في العالم، بينما لا زال مستوى تعاطي الهيروين فيها منخفضًا بنسبة 0.2 في المئة من إجمالي سكان القارة.