عبد الباري عطوان
29/05/2008
تبرعت دولة الامارات العربية المتحدة بمبلغ 300 مليار دولار الي الحكومة المغربية لمساعدتها في تغطية نفقات فاتورة الوقود بسبب ارتفاع اسعار النفط الي معدلات قياسية، (المغرب يستورد جميع احتياجاته من الاسواق العالمية) كما ارسلت نصف مليون طن من القمح الي اليمن لمساعدة الشعب اليمني علي تجاوز ازمة الغذاء وارتفاع اسعاره. هذه المبادرة تستحق التنويه لانها تعكس موقفا مسؤولا تجاه الاشقاء الفقراء، ولكنها ليست كافية، لانها لا تنطلق من عمل مؤسساتي مؤطر ينطلق من استراتيجية خليجية او عربية، مؤطرة وموحدة، تملك رؤية وتتسم بالديمومة. فبقدر ما افادت المعدلات القياسية لاسعار النفط الدول المنتجة، سواء كانت خليجية او مغاربية (الجزائر وليبيا)، من حيث زيادة عوائدها الي ارقام فلكية، فانها الحقت اضرارا كبيرة بالدول العربية والاسلامية غير المنتجة، انعكست فقرا ومعاناة علي المستويات الشعبية المسحوقة اصلا، وعجزا كبيرا في ميزانيات حكوماتها. دخل دول الخليج من العوائد النفطية ارتفع من 280 مليار دولار عام 2007 الي ما يقارب 450 مليار دولار في عام 2008 حسب التوقعات العالمية، اي ما يعادل 1.3 مليار دولار يوميا. وحتي نشرح اكثر، وبلغة الارقام، فان دخل المملكة العربية السعودية الذي بلغ 235 مليار دولار عام 2007، سيرتفع الي اكثر من 350 مليار دولار بنهاية هذا العام، والكويت 60 مليار دولار العام الماضي الي ما يقارب 90 مليار دولار هذا العام، اما دولة الامارات العربية المتحدة فوصل دخلها في العام الماضي الي 82 مليار دولار وهو مرشح للزيادة بنسبة خمسين في المئة مع نهاية العام. اما دخل ليبيا فيفوق الستين مليار دولار حسب احصاءات العام الماضي. واذا اضفنا الي هذه الارقام الدخول الخليجية من الصناعات البترولية الأخري فإن الصورة تبدو اكثر وضوحا. واذا حاولنا معرفة انعكاس هذه الزيادات الكبيرة في اسعار النفط علي المنتوجات الغذائية والصناعية في البلدان الفقيرة، فان الآثار ستبدو مرعبة، فالمخصبات الصناعية المستخلصة من النفط (Fertiliser Produced Petro Chimically) ارتفعت اسعارها بمعدل 70% في عام واحد فقط، مثلما ارتفعت بالنسبة نفسها تقريبا اسعار وقود التراكتورات والآلات الزراعية، والشيء نفسه ينطبق علي سلسلة من الخدمات المرتبطة بالانتاج الزراعي مثل التبريد والنقل والتوزيع والشحن. ولأن نصف دول العالم الثالث تقريبا هي من الدول العربية والاسلامية، فان علينا ان نتخيل حجم المعاناة في اوساط شعوب هذه الدول، وما قد يصاحبها من احقاد وربما كراهية للدول العربية المنتجة للنفط، خاصة اذا جري نشر وتوزيع حجم الصناديق المالية الادخارية لهذه الدول او ما يسمي (Sovereign Funds) حيث تحتل دولة الامارات المرتبة الثانية بعد اليابان (875 مليار دولار) وبعدها الكويت (250 مليارا) وقطر (50 مليارا) وليبيا (40 مليارا) والمملكة العربية السعودية التي انضمت حديثا اي في شهر نيسان (ابريل) الماضي (5.2 مليار) وهذه الارقام مرشحة للارتفاع شهريا. المنطق يقول بضرورة الاستفادة من هذه الثروة الهائلة في تحسين الظروف المعيشية لشعوب الدول النفطية اولا، من حيث استثمارها بشكل جيد في اقامة مشاريع منتجة توفر الوظائف، وتطور قطاعات الخدمات العامة من صحة وتعليم ومواصلات، فمن المؤسف ان معظم شعوب الدول العربية المنتجة للنفط لا تجد الرعاية الصحية الاساسية، حيث المستشفيات تعاني من الاهمال المطلق والنقص الحاد في الأدوية الاولية ناهيك عن الخبرات الطبية، الأمر الذي ادي الي ازدهار الخدمات الطبية الخاصة، واستغلالها البشع للمواطنين بالتالي، ومن يزر مستشفيات وعيادات لندن وبرلين وفيينا يجد المأساة مجسدة في طوابير من المرضي القادمين من الدول العربية الثرية للعلاج من امراض من المفترض ان يكون متوفرا علاجها في مستشفياتها الوطنية. وفي الوقت نفسه لا بد من الالتفات الي دول الجوار العربي والاسلامي، وحتي دول العالم الثالث من خلال خطة مساعدات مدروسة، وتشكيل صناديق ومؤسسات خيرية لمساعدة هذه الدول، عبر تمويل مشاريع انتاجية، وتحسين الخدمات الاساسية، شريطة ان تقدم هذه المساعدات بعيدا عن اساليب التمنن والمعايرة، واذاعة وبث الارقام عبر الصحف ومحطات التلفزة، مثلما حدث ويحدث في الماضي، وابرز الامثلة علي ذلك ما حدث للفلسطينيين، ففي كل مرة كان يطرأ خلاف في العلاقات معهم او مع منظمتهم (عندما كانت منظمة تحرير) نجد الحكومات تصدر بيانات عن حجم الدعم الذي قدمته لهم، بما في ذلك فاتورة اقلام الرصاص لمدارسهم، ولا نريد ان نفتح جروحا وهي كثيرة للأسف. نحن لا نحسد الدول العربية النفطية علي ثرواتها الهائلة، بل ونتمني لها ان تتضاعف، ولكننا نجد لزاما علينا ان نحذر من خطورة نهج الأنانية الذي نراه حاليا، او التطنيش حسب التوصيف الشعبي، تجاه معاناة الآخرين، خاصة في منطقة متوترة اساسا، وتتنافس علي قصعتها امم كثيرة. فموقف الحكومتين السورية والمصرية علي وجه الخصوص، حيث مستودع هائل من الفقر، قدم تغطية شرعية ضرورية للاستعانة بالقوات الامريكية لاخراج القوات العراقية من الكويت. وشاهدنا الحكومة الكويتية ترسل وفودا سياسية واعلامية الي معظم الدول العربية، وغير النفطية خصوصا من اجل شرح وجهة نظرها، وكسب التأييد لقضيتها. الرئيس الراحل صدام حسين كسب تعاطفا شعبيا عربيا هائلا عندما تحدث عن التوزيع العادل للثروة العــــربية علي الشعـــوب العربية جميعا، فقراء واغنياء، قبل عشرين عاما تقريبا. ومن اللافت ان التاريخ يوشك ان يعيد نفسه، وبدأت المنطقة تزحف نحو حرب اقليمية جديدة ربما تصبح دول الخليج احد ابرز ضحاياها. الدول الغنية تبادر بنفسها في تقديم مساعدات سنوية للفقراء في العالم، فالولايات المتحدة تقدم 21 مليار دولار سنويا، والمانيا 11 مليارا، وفرنسا 9 مليارات، وبريطانيا 8.8 مليار، والنرويج 3.3 مليار، والدنمارك 2.3 مليار دولار، ونتمني ان نجد الدول العربية في طليعة الدول المانحة بل والاكثر كرما. وما نقوله عن الدول والحكومات، نقوله ايضا عن المليارديرات العرب، الذين يتكاثرون كالأرانب هذه الايام، ولا نري منهم غير العقوق، والشره لتكديس المليارات في حساباتهم. ومن المؤسف ان كرام القوم من هؤلاء ينفقون الفتات علي المشاريع الخيرية، او رصد جوائز لشراء المثقفين، وغالبا ما تكون مرفقة بالتمنن ومن اجل الدعاية الاعلامية لهم ولنسلهم. فلم نر ثريا عربيا واحدا مثل وارن بافيت الملياردير الذي تبرع بـ43.5 مليار دولار من ثروته الخاصة لمؤسسة ميليندا وبيل غيتس الخيرية، او حتي مثل بيل غيتس نفسه الذي تبرع بمبلغ 30 مليار دولار للاعمال الخيرية، ولا ننسي تيد تيرنر الذي كان الرائد في هذا المجال وتبرع بمبلغ مليار دولار، اي نصف ثروته لتمويل مشاريع لمنظمات الامم المتحدة في العالم الثالث عام 2006. مرة اخري نؤكد اننا لا نكتب هنا من منطلق الغيرة او الحسد، او طلبا لمساعدة، او لاسباب طبقية وانما من منطلق محاولة اصلاح ظاهرة مؤسفة في وطننا العربي، حيث يزداد الاغنياء غني والفقراء فقرا، دون ان يتحرك احد لمعالجة هذا الخلل غير الاخلاقي وغير الاسلامي. |