خلال خطبة يوم الجمعة الذي تلا العمليات الانتحارية التي شهدتها مدينة الدار البيضاء اكثر بعشرين يوما عن العام اي يوم عاشر أبريل الماضي ، لاحظت حينها ان الخطبة التي تلاها خطيب المسجد على المصلين كانت مكتوبة بحروف مطبعية بارزة على أوراق بيضاء ، قدرت عددها بأربعة ، وهذا يدل على أن الخطبة جاءت من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، لأن الخطب التي يؤلفها إمام مسجدنا بنفسه تكون مكتوبة بخط اليد على ورقة مسطرة واحدة ، وما زاد من يقيني على أن تلك الخطبة جاءت من وزارة الأوقاف ، هو أن الإمام لم يكن يرفع عنها عينيه ، ربما لأنه لم يستأنس بها جيدا ، حيث من المرجح أن يكون قد توصل بها يوم الخميس أو صباح يوم الجمعة .موضوع الخطبة كان بطبيعة الحال هو العمليات الانتحارية التي عرفتها الدار البيضاء ، لكن الذي أثار استغرابي هو أن الذين كتبوا تلك الخطبة أصروا على تحميل مسؤولية حماية البلاد من خطر الإرهاب للشعب وحده فقط ، حيث جاء في فقرة منها ، أن المواطنين العاديين والمربين والعلماء والمجتمع المدني بصفة عامة ، تقع عليهم مسؤولية عظيمة في مواجهة الإرهاب الذي يتهدد أمن واستقرار هذا البلد ، دون أي إشارة إلى مسؤولية الدولة ، رغم أنها هي التي يجب عليها أن تتحمل القسط الأعظم من المسؤولية في محاربة الإرهاب ، الذي أصبح يشكل بالفعل خطرا حقيقيا ليس فقط على أمن البلد ، بل على اقتصاده أيضا ، لأن السياحة والاستثمارات الأجنبية التي تعول عليها الدولة لتنمية اقتصادها، ستصير حلما غير قابل للتحقيق إذا ما استمرت الأحياء الهامشية للملكة في إنتاج القنابل البشرية المستعدة للانفجار في أي لحظة وفي أي مكان .على أي حال سأعود الآن إلى موضوع الخطبة التي تركت في ذهني سؤالا واحدا ، وهو : هل قامت الدولة أولا بواجبها في محاربة الإرهاب حتى تطلب من المجتمع المدني أن يتحمل مسؤوليته ؟ إن كل المتتبعين لملف الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم في الدار البيضاء ليلة 11مارس الماضي ، ويوم 10 أبريل الماضي ، يعرفون أن الذي جنب المغرب كارثة إرهابية لا أحد يعلم كيف كانت ستكون نتائجها ، هو صاحب أحد مقاهي الانترنيت في حي سيدي مومن ، بعدما منع الانتحاري عبد الفتاح الرايدي من إتمام العملية الانتحارية التي كان يضع لها اللمسات الأخيرة رفقة صديقه ليلة 11 مارس ، وكان منتظرا أن يستهدف بها إحدى المنشآت السياحية أو مؤسسة من مؤسسات الأمن ، لكن يقظة صاحب مقهى الإنترنيت الذي كان يتواجد به عبد الفتاح الرايدي وصديقه حال دون ذلك ، وانتهت العملية بأقل الخسائر . وأثناء مطاردة المجموعة الانتحارية الثانية يوم 10 أبريل ، كان تعاون سكان حي الفرح مع رجال الأمن كبيرا ، حيث حمل الشباب العصي والقضبان الحديدية ووقفوا على أهبة الاستعداد لمطاردة الانتحاريين ، ومنهم من خرج حاملا بندقية الصيد وهو على أتم الاستعداد للضغط على الزناد في أي لحظة ، وأكثر من هذا ، فان شباب حي الفرح هم الذين ألقوا القبض على الانتحاري الخامس ، الذي ظل مختبئا طيلة ثلاثة أيام تحت سرير داخل شقة هجرها أصحابها بعد أحداث العاشر من أبريل ، ولولا يقظة أولائك الشباب لما استطاعت الشرطة أن تلقي القبض عليه ، وهذا يدل على أن المجتمع المدني المغربي يتحمل مسؤوليته أكثر مما ينبغي ، فهل تتحمل الدولة بدورها مسؤوليتها كما ينبغي ؟ أم أنها تريد أن تتخلص من كل مسؤولياتها وترمي بها على رقابنا نحن ؟أنا لا أعرف كيف تطلب الدولة من المجتمع المدني أن يتحمل مسؤوليته في كل شيء ، وهي لا تريد أن تتحمل مسؤوليتها في أي شيء . لا أعرف كيف ولا لماذا يكتب فقهاء وزارة الأوقاف خطبا يطلبون فيها من المواطنين البسطاء أن ينددوا بالإرهاب ويتحملوا مسؤوليتهم في محاربته ، بينما لا يجرؤون على كتابة ولو خطبة واحدة ينددون فيها بالفساد المستشري مثل السرطان في كثير من مؤسسات البلاد .كيف تريد الدولة من المربين والمعلمين والأساتذة أن يقوموا بتأطير الأطفال والمراهقين والشباب ، وهي لا توفر لهم الظروف المناسبة لذلك ؟ فمدارسنا وجامعاتنا لم تعد فضاء صالحا للتربية والتأطير ، بعدما صارت مثل أسواق شعبية مخنوقة بالبشر ، وغارقة في كل أنواع المخدرات التي تحول الشباب إلى أجساد تنتصب فوقها رؤوس فارغة مثل أعواد القصب يمكنها أن تذهب مع أي ريح .كيف تريد الدولة من فقهاء المساجد أن يؤطروا الناس ، وجميعنا نعلم كيف هي الظروف القاهرة التي يعيش فيها هؤلاء ، حيث لا تتعدى أجور المحظوظين منهم سبعمائة درهم في الشهر ، رغم أن وزارة الأوقاف غارقة في الأموال ، حيث تعتبر أغنى وزارة في المغرب . وزارة الأوقاف غارقة في الأموال ، وغارقة في البخل أيضا .كيف تريد الدولة من المجتمع المدني أن يتحمل مسؤوليته في حماية البلاد من خطر الإرهاب ، وهي لا تريد أن تحمي هذا المجتمع المقهور من خطر الفقر والبطالة والجريمة التي تتصاعد حدتها يوما بعد يوم ، في ظل الأوضاع المعيشية القاهرة التي يعيش نحت ظلها هذا الشعب المقهور .؟كيف تريد الدولة من الشباب أن لا ينساقوا وراء الأفكار الظلامية المتطرفة وهي لا تبذل أدنى جهد في حمايتهم من خطر الفراغ القاتل والبطالة ، التي تعتبر العامل الأول والأخير لليأس ، الذي يجعل الشباب يرون الحياة بمنظار أسود قاتم ، ومن ثم ينساقون وراء أي تيار يصادفهم في الطريق ، قبل أن تحدث النهاية المعروفة . إن الفرق بين العمليات الانتحارية التي ينفذها عشرات من شبابنا كل سنة سواء عن طريق قوارب الموت أو شنق أنفسهم دون أن يلتفت إليهم أحد ، والعمليات الانتحارية التي هزة البلاد ، هو أن الذين ينتحرون في صمت يذهبون إلى قبورهم بعدما يئسوا من الحياة ، وفضلوا الانتقام من أنفسهم دون إيذاء الآخرين ، بينما الانتحاريون الذين يعتنقون فكر تنظيم القاعدة لا يريدون الذهاب إلى القبور الباردة من دون أن يصطحبوا معهم بعضا ممن يعتقدون أنهم كانوا السبب في مأساتهم ، ولو كانت الدولة تفكر في مستقبل أبنائها وتحرص على الاعتناء بهم لوجدت حلا لمأساة عشرات المعطلين الذين ينفذون عمليات انتحارية فاشلة أمام البرلمان ، لكن بما أن هؤلاء لا يشكلون خطرا على الأمن العام للبلاد ، فهي ستستمر في تجاهلهم إلى الأبد ، وستولي كل اهتمامها للانتحاريين الذين يتمنطقون بالأحزمة والحقائب الناسفة ، فالذي يهم الدولة ليس هو حياة المواطنين ، بل حياة مؤسساتها التي تستفيد منها الفئة المرضي عنها .مسؤولية الدولة إذن واضحة ، وهي مسؤولية جسيمة يجب على المسئولين عن هذا البلد أن يتحملوها كما ينبغي ، فالتصريحات المطمئنة لا يمكنها أبدا أن تخفي الحقائق التي يراها القاصي والداني ، والمشاريع التي نشاهد الملك يدشنها في نشرات الأخبار وحدها لا تكفي ، يجب أن تكون هناك سياسة شاملة لتغيير هذا الوضع المعوج الذي دام أكثر من أربعين سنة كاملة .المواطن المغربي لن يصير مطمئنا ، ولن يهنأ باله إلا عندما يرى التغيير على أرض الواقع .المواطن المغربي لا يطلب أشياء مستحيلة ليصير إنسانا " صالحا " ، انه يطلب فقط عيشا كريما ، يقيه من ويلات الزمن التي لا ترحم ، ويطلب أيضا أن يتم التعامل معه من طرف مؤسسات الدولة باحترام ، دون أن يستهتر احد بكرامته ، لكي يشعر أنه بالفعل مواطن حقيقي .
فمتى ستفكر الدولة في تحمل مسؤوليتها كاملة ؟ هذا هو السؤال الذي ننتظر من أهل الحل والعقد أن يجيبوا عنه بلغة واضحة وبسيطة لا تشتم فيها رائحة الخشب